RE: الشاعر فرج بيرقدار / أشعار ودراسات
غياب المرأة في مرايا الغياب
تقول أسطورة يونانية قديمة أن الآلهة في البدء خلقت الرجل والمرأة في هيئة كائن واحد , ولكنها رأت هذا الكائن مساويا لها في قوته , فرأت أن تقسمه نصفين فصار رجلا وامرأة , راح كل نصف يبحث عن نصفه الآخر ليكتمل ويعود هذا الكائن الواحد , وبهذا البحث شغلته الآلهة عنها .
حاجة الرجل للمرأة وحاجة المرأة للرجل حاجة وجودية , تتمظهر هذه الحاجة في عدة أشكال , حاجة الأم للطفل وحاجة الطفل للأم , حاجة الرجل الغريزية أو العاطفية للمرأة وحاجتها له , حاجة الأخ للأخت وحاجتها له في العناية أو المساندة , تلك هي العلاقات الطبيعية التي تحتاج إلي وجود الطرفين نزوعا للكمال الإنساني في العلاقة , وفقد أحد الأطراف في العلاقة يصيب الشخصية بنقص حاد يحتاج إلي التعويض كما نري في حالات العقم أواليتم أو فشل الحب أو عدم الإشباع الجنسي أو الطفل الواحد في الأسرة .
والتمظهر الأكثر وضوحا وشيوعا في تلك الحاجة هي حاجة الرجل للمرأة وحاجتها إليه من الناحية العاطفية والغريزية , وتجربة السجن تنفي من ضمن ما تنفي هذه الحاجة الإنسانية , ولذلك تكون حاجة السجين من هذه الناحية قاسية وممضة , فإذا كان السجين شاعرا فهو بما هو إنسان يجرحه هذا الفقد بعنف , ويتمثل تجربة كل سجين خلف القضبان في غياب المرأة عنه , كما أنه من ناحية أخري وهو يتأمل مرايا غيابه عن العالم الحي المكتمل المتمثل في اللقاء الكامل بامرأة يحاول أن يدمج هذه الحاجة فيما هو أعلي منها , حاجته إلي الحرية , ولذلك نري في كثير من المقاطع لشاعرنا عملية التحويل أو الإعلاء , لنتأمل بداية هذه القطعة :
لا شمس هنا
ولهذا أجدني عارياً
من الظلال
ولا امرأة أيضاً
ولهذا أجدني عارياً
من نفسي.
في هذه القطعة نري تلك الحاجة , وقد تمثلت في احتياج كل نقيض لنقيضه , عدم وجود شمس يعني غياب الظل , عدم وجود امرأة يعني غياب الذات , والشاعر صاغ القطعة بطريقة تكاد تكون منطقية عدم وجود أ يعني غياب ب هذا من الناحية الفزيائية , ولكنه يقرر أن هذا ينطبق أيضا علي الحالة الإنسانية و ولكن بعد فهمنا لهذه الناحية المنطقية نكتشف بالعودة للقطعة أن الشمس والظل ليس مقصودا بهما ناحية فزيائية , إنما تصوير للمرأة وحالة السكن , فمادمت الشمس في الأساطير القديمة هي إلهة أنثي فإن الشاعر يصور عدم وجود ظل بغياب المرأة الشمس , عجن الشاعر الصورتين بطريقة جيدة ,وصاغهما بالطريقة المنطقية البسيطة , وجعلنا نحس بحاجته للمرأة كما لو كان يحتاج شمسا , الشمس التي هي باعثة الحياة في الكائنات ومصدر الضياء ليظهر العالم , الشمس التي تصنع الدفء والوهج في الجسد والروح ,وفي نفس الوقت لم يتعب القارئ , فالشمس مفقودة في عالم السجن , الزنازين مظلمة وباردة , استطاع برشاقة ومن خلال البئية التي يريد رمي القارئ فيها أن يصور له كآبة السجن وخلوه من الحياة فأشركه معه في المعاناة بنفس إحساسه بالسجن لكي يعرفه قيمة الحرية .
- يتبع –
كوكو
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 04-02-2011, 07:27 AM بواسطة coco.)
|