ما حدث أمس فضيحة كبرى بكل معنى الكلمة ، و لكن تحليلاتنا كالعادة هي أيضا نوع من تلك الفضائح الكبرى .
الموضوع ليس الزمالك ولا الصيع من مرتزقي الرياضة في مصر ، مثل الرقيعين حسام و إبراهيم حسن ، هو أيضا ليس تلك الحجة الجديدة التي نتشدق بها " كاللبانة " لنبرر كل فشل في مصر " الثورة المضادة " ، مستنسخين بذلك الإتحاد الإشتراكي المقبور ،و خليفته الحزب الوطني صاحب تعبير الأقلية المنحرفة .
ليست هناك مؤامرة كما يعتقد البسطاء ، لأنه ببساطة لا يوجد شيء اسمه الحزب الوطني ، أو فلول الحزب الوطني التي يعطونها قوة لم تكن يوما لذلك الحزب نفسه ،و المثل العامي يقول " لو العلق ينفع كان نفع نفسه "، الحزب الوطني ببساطة هو شكل سياسي لجمعية منتفعي النظام المصري من قمة البيروقراطية . النظام المصري لم يكن أبدآ نظاما سياسيا بل نظاما بيروقراطيا محضا تتخذ قمته شكلآ سياسيا لتمارس الحكم كسلطة ناهبة " مملوكية " كما أطلقت عليها منذ 6 سنوات كاملة ،و لكن بلا مسؤولية حقيقية . سبق أن أفضت في شرح ذلك كله في موضوع هام طرحته بعنوان " صدمة الحداثة ". إذا ماذا يحدث في مصر من مظاهر التحلل و ما سببه ؟.
هذه القضية فكرت في طرحها في الشريط الذي طرحته بعنوان " إدارة الأمل " قبل أن يخرج لي بعض التافهين ليفسدوه . و قد أعود إلى طرح مثل هذه القضايا بعد أن يعود للنادي طابعه المتزن القديم . هذا لا يمنع أن أعرض هنا لوجهة نظري .
أرى أن ما حدث في مبارة تونس هو أداء مصري متوقع جدا الآن ، بل متوقع ما هو اسوأ بمراحل . هذا الأداء ليس نتيجة الثورة ، بل نتيجة تراكمات لواحد من أسوأ عهود السلطة في مصر ، عهد مبارك الأسود . من راقب تطور الثورة عن قرب ، سيجد أن هناك 3 موجات للثورة تلاحقت تباعا ، الأولى هي الموجة النقية التي صنعت الثورة ،وهؤلاء أبناؤنا – حرفيا – أبناء التكنوقراط من البرجوازية المتوسطة و العليا ،وهم من نزلوا من جديد إلى ميدان التحرير أمس . الموجة الثانية هي بإيجاز الإسلاميون بكل اطيافهم ، أما الموجة الثالثة و هي ما حذرنا منها منذ البداية فهي الموجة العشوائية ،و هي موجة عمياء مدمرة بلا عقل ولا ضمير ، هذه الموجة من العشوائيين تمارس البلطجة كسلوك يومي . لم تعدم الثورة العقلاء و المفكرين يوما ، فمنذ البداية كنت أرى ضرورة وصول الثورة سريعا إلى مرحلة النظام الثوري ، لأن السيولة ستقذف إلى الثورة بالمجرمين و العشوائيين ليكونوا جزءا منها لا يمكن فصله لاحقا . الفوضى تشبه الثورة و لكنها نقيتضها ، هي أشبه بالخلايا السرطانية التي تحمل نفس كود الثورة ، فيقبلها الجسم حتى تدمره . ما شاهدناه أمس ليس مؤامرة بل نتاج طبيعي للفوضى و حالة السيولة الخطرة التي تهدد قيم الثورة الإنسانية الرائعة .
المثقف المصري و الناشط المصري و الوطني المصري مطالب أن يقف اليوم مع كل القوى الديمقراطية الخيرة كي ننقذ مصر من نفسها !. كي ننحاز إلى أفضل ما في مصر " الثورة " ضد السرطان الذي يجب استئصاله فورآ " الفوضى " .