بعيداً عن جدل اﻷديان العقيم وأساطيرها ... أمثال الباحث محمد شحرور موجودين في مجتمعاتنا بكثرة وإن لم يكونوا بنفس الشهرة .
الملفت في هؤلاء البحاثة ، الثقة الغريبة التي يتمتعون بها وهم يتكلمون عن أساطير لا واقعية لها إلا في مخيلاتهم المستندة إلى دياناتهم . ومن ثم بناء ناطحات الفكر الشاهقة تأسيساً على هذه الاستنتاجات والاستقراءات والدلالات والمعطيات الغير موجودة أصلاً ، بطريقة تنشد محتوى يحاكي رغباتهم في النصوص الدينية المحدودة الأفق ... فيؤولون ويؤولون حتى ينهار البناء الديني المؤسس على رؤية دينية سابقة.. لنتسائل بعدها: إذاً لماذا تأخر "الله" في إنجاب هؤلاء النوابغ في القراءة والاستقراء 1400 سنة أو أكثر حتى نفهم مضمون الرسالة اﻹلهية ؟!!.

وبعيداً عن الحكمة المزعومة في هذا اﻷمر ، شخصياً لا أثق في باحث يرتكب هفوة في أول دقيقتين من كلامه عندما يقرر أن اكتشاف النار تم في الفترة الواقعة بين آدم ونوح بحسب قراءته للأساطير الدينية في النصوص القرآنية . لا بل ويحدد طريقة اكتشافها أيضاً وكأنه كان موجوداً بشخصه كشاهد عيان على هذه الفترة !!.
نعم أفهم أن يستنتج الباحث بناء على معطيات وقرائن وأدلة علمية لفترة تاريخية لم يكن موجوداً فيها ، لكن أن يستنتج بناء على استنادات مرتكزة إلى أساطير وخيالات "مريضة" وتأويلات فاشلة فهذه المشكلة .

ويبدو أن أحداً لم يبلغ محمد شحرور عن هذه اﻵيات في القرآن والتي تقول :
( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) اﻷعراف 12
( قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) ص 76
المفروض حسب اﻷساطير الدينية أن آدم هو أول من اكتشف معنى النار وبالتالي قد يكون ورث علمه لبنيه وليس كما يفتي الباحث "العبقري" محمد شحرور عن زمن وطريقة اكتشاف النار ...

طبعاً لن أعرج على مفارقات كثيرة -فأنا لست في صدد نقاشات دينية هجرتها منذ زمن- قالها السيد شحرور تؤكد لنا أمراً واحداً ... وهو أن البحاثة من أمثاله ، لا شغل لهم إلا تدوير الزوايا في النصوص الدينية حتى لا يحشرون في داخلها متذرعين بأنها كلام إلهي وبالتالي هي تسستوعب كل العصور وإن لم نستوعبها أو يتقبلها العقل (قل صدق الله العظيم يا أخي) ، ولا ديدن لهم إلا إعادة استقراء النصوص بما يتوافق مع كل عصر كي يهربوا من مفارقة خطيرة وهي التناقض المعرفي بين عصرهم والعصر الذي كتبت فيه هذه اﻷساطير ... ويبقى السؤال ... متى ستُفهم هذه النصوص بشكلها الصحيح إذا تغير فهمنا لها مع كل عصر واستنتجنا أن الفهم السابق ينطوي دائماً على قصور وأخطاء مزمنة ... وما الفائدة أصلاً ؟

في النهاية لا يزعجني حقيقة إعادة اجترار اﻷساطير الدينية من قبل بحاثة الدين ورجالاته ، لكن ما يزعجني فعلاً هي الثقة الكاذبة التي يتمتعون بها عندما يتحدثون عن خيالاتهم وتمنياتهم ﻷساطير عفا عليها الزمن وأسدل عليها الستار وأصبحت موروثات من الفكر البشري السابق . وهذه الثقة لا يتمتع بها إلا بائعي الكلام أو مروجي الأفيون الديني .

ملاحظة : رؤيته لقصة طوفان نوح مقتبسة من قراءة إحدى الطوائف المسلمة "الباطنية" لهذه الأساطير وهي موضوعة منذ أكثر من ألف سنة ، والتأويل الذي أتى به ليس بجديد .. ومع ذلك يطالعنا السيد شحرور بمفهوم القراءة المعاصرة لقصص القرآن ... يحرء حريشها هالقراءة شو معاصرة .