"حتى الفجر الكاذب دليل لا يخطأ على إقتراب الفجر الحقيقي ."

الزملاء المحترمون .
عودة إلى الموضوع .
بعيدا عن التراشقات اللفظية التي يدمنها البعض كمرض مزمن في اللثة .
أرى أننا أمام ظاهرة تستحق الفهم و التحليل ، ليس لأنها غريبة عن النسق السياسي العربي ،و لكن لتوقيتها و ملابساتها . أن تخرج مظاهرات سلطوية مدبرة في سوريا شيء منطقي و متوقع في ظل نظام بوليسي شمولي ، و لكن أن تدبر مظاهرات حاشدة في مناخ معارض وثوري فمغامرة غير مأمونة . فمن يضمن ألا تتحول تلك التظاهرات الكبرى ضد النظام الذي أخرجها ، كما حدث في رومانيا " تشاوشيسكو" في ديسمبر من عام 1989م.
نحن إذا أمام مشهدين و ليس مشهدا واحدآ ، حالة ثورية محدودة جغرافيا و حجما و توقعاتا ،و تظاهرات مؤيدة منتشرة واسعة النطاق . أما أخطر ما في المشهد هو موقف العاصمة دمشق ، فلا يمكن ان نراها ثورة تلك التظاهرة الصغيرة ، التي ينهيها توسط بعض الفنانين المنافقين .
لا أراه موقفا عاقلآ أن نلوم الشعب السوري أنه لم يتصرف وفقا لتوقعاتنا ، و لكن علينا ان نضبط توقعاتنا وفقا لحركة الشعوب . لم أشك لحظة أن الشعوب العربية سوف تتحرر من حكامها المتسلطين ، و لن تكون سوريا استثناءا طويلآ ، ولا أحب تعبيرات مثل " خرج ولم يعد " أو " يا منتظر السمنة من ... النملة عمرك ما انت مقلي " ،و غيرها من التعبيرات التي نحبط بها أنفسنا و شعوبنا .
ما أعتقده أنه هناك لحظات ثورية و ليس هناك ثوار ، هذه اللحظة الثورية هي التي تحيل كل شهودها ثوارا ، و ما حدث هو أن هذه اللحظة التاريخية ما زالت تنتظرنا في المستقبل السوري . ما نشاهده في سوريا هو بشائر المستقبل الحر ، فحتى الفجر الكاذب دليل لا يخطأ على إقتراب الفجر الحقيقي .
هناك تعبير كيميائي هو " الكتلة الحرجة "وهي الكتلة اللازمة لحدوث تفاعل نووي جبار ، قبل الوصول إلى تلك الحرجة ولو بملليجرامات لا يمكن حدوث ذلك الإنفجار . أعتقد أن الثورات كذلك ، الفارق بين الثورة الناجحة و الأخرى المحبطة هو مدى الوصول إلى تلك الكتلة الحرجة . لا يكفي توفر أسباب الغضب ولا يكفي وجود مبررات الرفض ،و لكن المهم هو الإحساس بهما ،ووصول ذلك الإحساس إلى أوسع قاعدة ، إلى تلك الكتلة الحرجة التي تصنع ذلك الإنفجار الهائل . علينا إذا ألا نيأس بل أن نتذكر أنه ربما ماكان ينقصنا بعض الجرامات البسيطة كي يتم الفعل الثوري الكبير ، وسوف يأتي المستقبل بما هو فوق الكتلة الحرجة .
يبقى أنه هناك مشاهد تشعر أنها لا تلائم القرن 21 ، تلك المشاهد مقحمة إقحاما على السيناريو العالمي ، منها مظاهرات التأييد لرئيس سوريا . سوف يختفي ذلك المشهد سريعا و سيطويه النسيان ، حتى لو نفهم لماذا يعكس التاريخ حركته أحيانا ، فهو في النهاية لا يسير على خطوط مستقيمة و لكن على منحنيات قد تعود للخلف لنتذكر أن التاريخ لن يعمل بدوننا ، بدون جهودنا الخارقة .