لهذا لن تنجح المؤامرة على سوريا
بواسطة
admin2
– 2011/04/23نشر فى: مقالات وتحليلات
امين محمد حطيط : السفير
ينقسم العالم اليوم حول ما يجري في سوريا بشكل يتجاوز كل انقسام حول اي من الحركات المطلبية او الاعتراضية في دول عربية اخرى، وفي العمق نستطيع ان نتبين ثلاثة مواقف أساسية:
ـ موقف رافض كليا للمس بموقع سوريا القومي والمشرقي ويتمسك بها ركنا رئيسيا في جبهة المقاومة والممانعة، ويخشى من اي تصدع لهذا الموقع لانه سيؤثر على مسار الصراع كله في منطقة الشرق الاوسط ويفتح المجال امام صراع شيعي سني وعربي فارسي من غير اي ضوابط. يرى هذا الفريق ان زعزعة الوضع السوري ستؤدي ببساطة كلية الى تعويض هزيمة 2006 وفتح الطريق امام شرق اوسط اميركي صهيوني يعيد انتاج النظام الاستعماري بحلة جديدة.
ـ موقف ضاغط لاستبدال النظام واقتلاعه من جبهة المقاومة والممانعة والحاقه بجماعة التبعية العربية وجعله الركن البديل للقلعة المصرية التي حررها الشعب المصري بطرد الرئيس المخلوع حسني مبارك، اكبر حليف استراتيجي في المنطقة لاسرائيل،
ويعول هذا الفريق على تغيير النظام السوري العلماني بنظام اسلامي شكلي تابع للغرب من اجل اسقاط المقاومة في لبنان بمحاصرتها اسوة بالحصار الذي نفذه مبارك لقطاع غزة، ومن ثم استعادة لبنان برعاية سعودية وتبعية ووصاية اميركية.
ـ موقف ثالث وسطي بين السابقين ويبنى على ترويض النظام اولاً والسعي لمنع سوريا من متابعة دورها في جبهة المقاومة والممانعة ومنعها من احتلال فضاء استراتيجي يفوق حجمها، مع رفض المس بالنظام العلماني او تحوله الى نظام اسلامي اصولي او شكلي. يبني هذا التيار موقفه على مصالحه التي تفرض وجود سوريا في حدود جغرافيتها مع بعض العلاقات الاقليمية التي لا تؤثر على التوسع الاستراتيجي الحيوي لذاك الفريق، خاصة ان المستقبل يحمل ارهاصات استعادة مصر لدور قومي مشرقي على الأقل، فاذا تلاقت القدرات المصرية مع القدرات السورية القوية فان مهمة الفريق هذا تتعقد في سعيه للقيادة الاقليمية.
وبسبب وجود هذه التيارات الثلاثة، أصبحت سوريا ميدان صراع لامس الدموية في بعض الحالات، وهو صراع فرز الشعب السوري الى ثلاث فئات:
ـ جمهور مدني مسالم يطالب بإصلاحات سياسية واجتماعية، جوهرها الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، ويمثل الاغلبية الساحقة من الذين خرجوا الى الشارع سعيا وراء مطالبهم
ـ جماعات مسلحة مرتبطة بالخارج والتحقت بجماعات في الداخل وتقصد القتل والتخريب واستدارج القوات المسلحة لاستعمال الاسلحة النارية وارتكاب «المجازر بحق المدنيين»، ما يمكن قادة الفريق هذا من اللجوء الى الاروقة الدولية لملاحقة النظام ورجاله على غرار الحالة اليوغوسلافية او السودانية او العراقية قبل الاحتلال وحاليا الليبية.
ـ اما بقية المواطنين السوريين فهم يثقون بالنظام ورئيسه، ويرفضون الانزلاق الى فتنة في الشارع او الى حرب اهلية ويراهنون على وعود الحكومة واستعداد الرئيس للاصلاح.
وتشكل هذه الفئة الاغلبية الساحقة من الشعب الذي لم ينزل الى الشارع ويرفض باي شكل من الاشكال رفع السلاح بوجه الدولة ومواطنيها.
وفي ظل هذه الخريطة السياسية الداخلية والخارجية، لا يزال النظام يملك اوراقا كبيرة يلعبها، تمنع دعاة اسقاطه بالقوة من تحقيق اهدافهم واهمها:
ـ الورقة الشعبية: ان اكثرية السوريين تخشى من الاهتزاز والتصدع والحرب الاهلية في سوريا لانهم يعلمون ان مثل هذه الحرب ستؤدي اولا الى الاطاحة بموقع الاقليات وقد تؤدي الى تهجيرهم، خاصة ان أي نظام تكفيري متلبس زورا بالاسلام هو نظام يرفض الآخر ويهدر دمه فضلا عن عدم الاقرار له باي حق في معتقد او كرامة (نموذج ما فعله تنظيم «القاعدة» بمسيحيي العراق). واضافة الى
الخطر على الاقليات فان هناك خطرا على وحدة البلاد وتقسيمها، بحسب المشروع الصهيو ـ اميركي الى اربع دول (علوية في الساحل وسنية في الوسط وكردية في الشمال ودرزية في الجنوب).
ـ الورقة السياسية: عبر اجراء اصلاحات حقيقية جدية تسحب من ايدي المحتجين ذريعة الاصلاح وتكشف الفريق المسلح وتعزله، ما يسهل ضربه واجتثاثه.
ـ الورقة العسكرية: ان القوات المسلحة السورية تناهز في مجموعها مع ما يمكن تحشيده باستدعاء الاحتياط، حوالى المليون ونصف المليون رجل، اي بمعدل رجل امن لكل 16 شخص وهي نسبة عالية جدا، فإذا عزل الارهابيون، فان بمقدور القوات المسلحة السورية تطهير البلاد من خطرهم خلال فترة وجيزة.
ـ الورقة الاقليمية: ثمة مصلحة تركية وعراقية وايرانية ولبنانية وفلسطينية في عدم المس ببنية النظام القائم، رغم ان هؤلاء يطالبون القيادة السورية بالاسراع المدروس للاستجابة للحركة الاصلاحية وسحب الذرائع من يد من يريد بسوريا شرا.
ـ الورقة الاستراتيجية: نكتفي بالاشارة الى عدة مسائل من مكوناتها، حيث ان فرض حظر جوي على سوريا او وضعها عسكريا تحت الفصل السابع امر مستحيل بسبب حالة الحرب التي هي عليها ووجود ارض محتلة تخضع عملية استعادتها وتحريرها لمعايير معروفة لا يمكن خرقها. وعلى جانب آخر، لن تكون سوريا وحيدة في مواجهة تدخل اجنبي عسكري على ارضها، ثم ماذا عن اسرائيل والجبهة القابلة للاشتعال معها واشعال كل المنطقة؟
لكل هذا نقول ان الوضع في سوريا اكثر صعوبة وتعقيدا من احلام المراهنين على التغيير الجذري واحداث التحول الاستراتيجي الكبير في المنطقة،
فسوريا ليست في دائرة الخطر كما يتوهمون، لكنها بحاجة للعمل الجاد لمعالجة الحرب التي تشن عليها بكل شراسة، حيث زج الاعلام والارهاب بشكل غير مسبوق وخصصت الاموال الطائلة للكذب والتلفيق والقتل والتدمير. هجوم معقد مركب فرض على سوريا اليوم ان تكون في دائرة القلق والحذر، واستدعى منها اقصى درجات اليقظة والشجاعة للمواجهة.