طريف سردست

اخيرا دخل العالم في الخطوات الاولى لعصر الروبوت البيلوجي .. حيث تُستغل قدرة الاتمتة في الحمض النووي، اي قدرة الحمض النووي على الانتظام الديناميكي، للوصول الى تطبيقات عملية تخدم الانسان. لقد بدء الانسان في خلق عبيده.

تمكن الباحثون من برمجة حامض الـ د ن آ بحيث يجمع مكوناته على نفسها في بنيان ذاتي الحركة وكيان ثلاثي الابعاد يسير لتحقيق هدف مبرمج مسبقا. في النتيجة نحصل على روبوت بيلوجي مبني من الحامض النووي مباشرة وقادر على التحرك والتعاطي مع الاشارات ويترجمها الى تحقيق عمل فيزيائي محدد وهو يتنقل على خط التشغيل في ورشة النانو تكنيك (راجع الصورة التوضيحية الثالثة). (يجب التنبيه الى ان النانو متر هي وحدة اصغر مئة الف مرة من سماكة شعرة الرأس، والنانو تكنولوجيا تستخدم للمكونات مابين 0,1 - 100 نانو متر)

النانو روبوت (وجميع مكونات المعمل) جرى بنائه من الحامض النووي ( د ن آ). الروبوت يملك اربعة اقدام، ولكن القدم الرابعة للدعم فقط، في حين يستخدم البقية للتنقل على ارضية من الحمض النووي المبرمج، حيث تملك الاقدام تعليمات بمقدار عدد النقاط التي يتشكل منها حامض الارضية. على مدى فترة التنقل يمر الروبوت على العديد من مكائن النانو الثابتة في موضعها والمبنية ايضا من ال د ن آ. هذه المكائن يمكن على الدوام برمجتها وإعادة برمجتها لتقوم بتحميل احدى اذرع الروبوت البيلوجي بحجر بناء او تمنعها عنه. بهذا الشكل يمكن لهذا المصنع النانوي تجميع احجار البناء النانوية لاي نوع مطلوب من المنتجات النانوية. خط الانتاج المتحرك والارضية من ال د ن آ والروبوت البيلوجي جميعهم يشكلون مع بعض منظومة تكنولوجية نانونية هي الاكثر تعقيدا حى الان تمكن الانسان من صنعها وقادر على برمجتها كمنظومة.





الباحث الامريكي Ned Seeman وفريقه من جامعة نيويورك تمكنوا من تطوير معمل نانو. هذه الخطوة تعتبر نجاحا هائلا يشير الى ان ال د ن آ تملك مؤهلات لحل احد اكبر التحديات بالذات تحدي تطوير طريقة برمجية لوضع جميع احجار البناء للجزئيات النانوية الوظيفية التي قام الباحثون بتطويرها مثل اشعارات من اجل التشخيص، مقاييس بيئية او فواحص للمواد الغذائية، وجزيئات نانونية لنقل الادوية في الجسم ومصادر اضاءة وعدسات والعديد من مكونات الصناعة الالكترونية.

الجزيئات النانوية الوظيفية يجري بناءها غالبا من خلال التنظيم الذاتي ، والذي يعني ان احجار البناء تصطف بنفسها في المكان المناسب تحت تأثير قوة الفعل وردة الفعل. هذه الاستراتيجية كانت كفوئة على الاخص عند بناء الاغشية او وضع طبقة من المركبات البيلوجية المتفاعلة على سطح، في حين الحلم بالوصول الى القدرة على بناء كمبيوتر بقدرة ذاتية لازال في طوايا المستقبل.

لهذا السبب يتعاون العلماء من مختلف بقاع العالم على تطوير طريقة تسمح بإستخدام الـ د ن آ كحجر بناء ذاتي الحركة يمكن برمجته، ليصبح وسيلة النانو تكنولوجي.


ال د ن آ يحتوي على الف باء عمومية مؤلفة من احرف اربعة، G, C, A, T, وعندما يقوم خطان بسيطان بالالتحام ليكونان خط مزدوج متوازي يحدث ذلك على الدوام من خلال ارتباط الحرف الاول مع الثاني والحرف الثالث مع الرابع. وكل خط بسيط يمكن برمجته على حده وهذا بدوره يمكن استغلاله لبرمجة ان الخط البسيط يجمع نفسه في مجموعة معقدة من البنية النانونية تحدث عند التحام الخطين البسيطين الى خط مزدوج حلزوني معقد. إضافة الى ذلك يمكن ربط اجزاء اخرى مثل انابيب من الكربون النانوي وجزيئات نانونية وبروتينات بخط ال د ن آ ليحملها ويضعها في المناطق المطلوبة حسب علاقتها الى بعضها في منتوج نانوني جاهز.

التجربة الاولى على تكنولوجيا ال د ن آ جرت في ثمانينات القرن الماضي، عندما قام سيمان بتركيب اربعة خطوط من الحمض النووي وجعلها على شكل متقاطع. نهايات الخطوط الحرة اصبحت مثل اربعة اطراف متدلية وجعلت من الممكن برمجتها لترتبط بالمزيد. لاحقا تمكن من بناء "احجار بناء" اكبر واكثر استقرارا وذلك بتمكن ربط حلزونات الحامض النووي المزدوجة بتقاطعات من الخطوط النووية. بواسطة "احجار البناء" يمكن إنشاء شبكات ثنائية وثلاثية الابعاد ، حيث يمكن وضع المُركبات البروتينية او الجزيئات النانونية في المكان المناسب من البناء.

عام 2009 تمكن فريق الباحثين الذي يرأسه سيمان من خلق اول د ن آ ذاتي الحركة، وبواسطة رجليه يمكنه السير على ارضية ال د ن آ. كان سيكون من الصعب للغاية انشاء معمل النانو النووي، الذي يحتوي على وحدات متعاونة عديدة، لو لم يكن الباحثون يملكون الطريقة الصحيحة لبناء الارضية الكبيرة نسبيا من الحامض النووي، والتي تشكل الاساس لسير مكائن الحمض النووي عليها. نجاح المهمة ارتبط بنجاح التكنيك الذي اكتشفه Paul Rothemund, من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا عام 2006.

الطريقة تسمى DNA-origami والاسم مشتق من اللعبة اليابانية التي تقوم على طوي الاوراق، لكون الطريقة تقوم على طي سلسلة بسيطة من الحمض النووي تستخرج من فيروس ويعاد تشكيلها على الشكل المطلوب. هذا الامر يحدث بمساعدة بضعة مئات من الوصلات السلسلية من الحمض النووي، كل واحدة منهم مبرمجة لتربط نفسها بمنطقة معينة عند تكوين السلسلة الطويلة. بهذه الطريقة اصبح بالامكان شكل ثنائي الابعاد بطول بضعة مئات من النانومتر ومن مختلف الاشكال، التي يمكن تصميمها وبرمجتها بحرية.


الصورة اعلاه توضح لنا المعمل النانوي المؤلف من ارضية من حمض نووي وثلاثة مكائن ثابتة (الاخضر والبنفسجي والازرق) والروبوت المتحرك (المثلث ) والكرات المطلوب نقلها

ارضية نانونية من الحامض النووي جرى بنائها بالطريقة اعلاه نفسها. والمكائن النانونية الثلاث التي تعمل عمل خط الانتاج " الناقل المتحرك" مثبتة بالارضية. كل من هؤلاء المكائن لديه ذراع يمكن برمجته بحيث يرفع الحمولة وينقلها الى الروبوت البيلوجي عندما يتوقف امام الماكينة. الماكينة الاولى محملة بجزيئ من الذهب قطره 5 نانومتر، والثانية محملة ببضعة جزيئات من المادة نفسها والثالثة بجزيئ من الذهب قطره 10 نانومتر. بذلك يكون لدينا ثمانية طرق لتحميل النانو روبوت عندما يصل الى مكائن التحميل.

جسم الروبوت عبارة عن مثلث مبني من سلسة حامض زوجية، وله ثلاثة اقدام تتدلى من الزوايا وله رجل رابعة تستخدم للاستناد عندما تقوم ماكينة بعملية التحميل. إضافة الى ذلك يملك كل روبوت ثلاثة اذرع قادرة على حمل حمولة. الاذرع والاقدام تتألف من سلسلة لولبية مزدوجة من الاحماض الامينية وتنتهي بسلسلة بسيطة تستخدم عندما يقوم الروبوت بالتحرك او الامساك بشئ. من ارض المعمل تخرج عواميد من السلاسل البسيطة تقوم بالالتحام بالنهايات البسيطة في اقدام الروبوت . الروبوت " يمشي" خطوته الى الامام من خلال افلات الارض من التحامهم مع القدميين الخلفيتين ثم يلتف على القدم الامامية بزاوية 120 درجة وبذلك تصبح القدم الوسطى في المقدمة.

هذا المعمل النانوني يوجد في محلول مائي والقدم الخلفية للروبوت يجري تحريرها من الارضية من خلال اضافة محلول يسمى سلسلة التحرير. الحيلة تعتمد على ان السلسلة البسيطة في القدم تملك حلقة اكثر تطابقا مع حلقة سلسلة التحرير منه مع عقدة الارضية. بهذا الشكل تربح القدم طاقة عند التغيير. وعندما يتم الروبوت استدارته الى الامام والقدم ستعود لترتبط بالارضية تفعل ذلك مع سلسلة التلاحم. المبدأ نفسه يستخدم في جميع العلاقات الترابطية في هذا المعمل النانوي، بما فيه الاذرع.

المثير في تكنولوجيا الحمض النووي ان جميع هذه الاجزاء المتحركة ، كل قدم في الروبوت وكل ذراع في الماكينة، يمكن توجيه كل منهم على حدى بسلسلة تحرير مخصصة، مصممة بالذات لتحريك المفصل المُراد تحريكه في المكان والزمان المحدد خلال تنقل الروبوت. والان يقوم فريق البحث بالعمل لتطوير المعمل بإضاة المزيد من الاجزاء لتعمل سويا لتصبح حركة الانتاج اكثر ديناميكية وقادرة على صنع منتوجات اكثر تعقيدا.