جمعة مباركة صديقي عاصي ، وقبل كل شيء دعنا نفرق بين النقد وبين الشتم وبين التربص وبين الإنتقاص وبين التحيز ، فالنقد المنهجي والحركي والسياسي أمر لابد منه في النهاية لمعرفة الخطأ من الصواب ، ولأن النقد هو الوجه الآخر للحقيقة والذي به تعرف وتكتمل صورتها ، وعلى سبيل المثال أجد الكثير لفلسطيني كنعاني من الانتقادات لحماس ولمنهجها ولا أجد بداً إلا أن أحترمها وأقدرها وأجابهها الحجة بالحجة والدليل بالدليل لا لشيء إلا لأنها تطرح بواقعية وبعيداً عن الديماغوجية الكلامية بعكس الشيء صاحب المشاركة 19 .

فحماس تخطئ أحياناً وتصيب في أحايين أخرى ، تقاتل تارة وتستريح تارة ، تتصلب في مواقف وتبدي مرونة في مواقف أخرى ، لأن هذا طبيعة أي منهج أرضي أو حركة تعمل واقعاً ، فلسنا في مجتمع أفلاطون ولا مدينة الفارابي ولا جنة الآخرة ، وحماس إن كان فازت في - وضع طبيعي - إلا أنها حافظت على فوزها وأثبتت نفسها وأحبطت مؤامرات وواجهت ضغوط شديدة وبنت حكومة في غزة وأجهزة أمنية متماسكة ومقارنة بالواقع الذي فرض عليها وبما قدمته ستجد بأنها قدمت الكثير الكثير ، إذاً فهي تجربة تستحق الاهتمام والدراسة وأخذ الدروس منها وتلافي الأخطاء التي وقعت بها .

مشكلة الفصائل الفلسطينية تكمن في الحزبية الممقوتة والتربص الممقوت ، كان المفترض بفتح بعد فوز حماس أن تحترم ارادة الشعب الفلسطيني الذي اختار حماس ، وأن تعطي حماس الفرصة الكاملة لتنفيذ مشروعها وخطتها ورؤيتها بل وأن تساعد في إنجاح هذا المشروع وتوفر كل السبل لنجاحه ، فحماس لم تكن تريد أن تخدم نفسها بل كانت تريد خدمة الشعب الفلسطيني ككل عندما دخلت أتون العملية الإنتخابية والدولية ، ولكن عدم احترام خيار الشعب وسحب الصلاحيات من الحكومة - والتي كان يناضل محمود عباس كي يسحبها من الرئاسة عندما كان رئيساً للحكومة - وتمرد الأجهزة الأمنية على حماس وإهمال الرئيس الفلسطيني لحكومة حماس كاملة ومن ثم التعاون والمشاركة في مؤامرات تستهدف الحركة ومشروعها كان السبب فيما وصلنا اليه .

ببساطة شديدة حماس هي من انتصرت في النهاية ودائماً كانت تسبق التوقعات بخطوة ، فبعد فوزها عرضت على فتح حكومة وحدة وطنية وشراكة سياسية وهي باقي الفصائل ولكن فتح رفضت في البداية وخرج محمد دحلان يصرح بأنه من العار أن تشارك فتح في حكومة تشكلها حماس وهذا كان موقف ابو قريع ونبيل شعت ، وبعد ذلك أصبحت فتح تبذل كل جهدها لكي تشارك في حكومة وحدة وطنية ، وبعد الحسم العسكري كانت كل التصريحات الفتحاوية ترفض أي مصالحة مع حماس إلا بعد إنهاء - الانقلاب - أو عودة غزة للشرعية وفي النهاية بدأوا يوافقون على المصالحة مع حماس ولكن وفق مقاييس فتحاوية ، فكان العرض الأولي هو أن تقتصر المصالحة وآثارها على غزة دوناً عن الضفة وأن يشكل محمود عباس اللجنة التي تعد للإنتخابات القادمة وكانت ترفضها حماس ، وفي النهاية وافقت فتح على أن تكون المصالحة شاملة للضفة وغزة وان تكون اللجنة مكونة من كل الفصائل الفلسطينية وأهمها حماس .

بخصوص السؤال الذي طرحته فسأجيب عليه من 3 جوانب محددة :
الجانب الاتفاقي : فاتفاقية المصالحة وورقة التوافق نصت على عدم نزع سلاح الفصائل الفلسطينية ، بل إن هذه النقطة كانت من أهم تحفظات حماس الثلاثة على الورقة المصرية السابقة والتي كانت تنص على حظر اقامة أي تشكيلات عسكرية خارج إطار الأجهزة الأمنية في هذا النص " على أنه يحظـر إقامة أية تشكيلات عسكرية خارج إطار هياكل الأجهزة التي تُقررها الدولة " وقد أخذت تحفظات حماس في عين الإعتبار وأزيل هذا النص وجرى تعديله ، أي أن سلاح الفصائل جرى التوافق على عدم نزعه أو المساس والإقتراب منه بالمطلق ، وأي مخالفة لهذه النقطة تعتبر مخالفة لبنود المصالحة بين الطرفين ، وهذا يعني ارجاع الوضع لما كان عليه قبل المصالحة .

الجانب السياسي الإستراتيجي : فحماس لم ولن تسمح بنزع سلاحها لأنه ضمانة لبقائها والحفاظ على مشروعها ، ففي تسعينات القرن المنصرم أذكر ما قاله الشهيد القائد ابراهيم المقادمة بأن حماس لن تدخل الإنتخابات إلا حينما تحمي صندوق الإنتخاب ، فهل تتخيل ماذا سيكون مصير حماس لو لم يكن لها أي ذراع عسكري وفازت في الانتخابات وأرادت فتح أن تصادر خيار الشعب الديمقراطي ؟ فإذا كانت حماس في قوتها وعدها وعديدها وقضها وقضيضها عندما فازت في الإنتخابات حاولت فتح أن تصادر هذا الخيار وأن تنقلب على نتيجة الإنتخابات ، فما بالك لو لم يكن لحماس أي جناح عسكري ؟
والسؤال المطروح والأهم هنا قبل سؤالك ، ما الضمانة التي تقدمها لي والتي تمنع فتح من قمع حماس ومصادرة نتيجة الانتخابات وحظرها وسحقها وخصوصاً أن الأجهزة الأمنية ومفاصل السلطة تتبع فتح ، أي أن السلطة ليست حيادية أو سلطة متنوعة بل هي مصبوعة بلون واحد ؟
وعلى سبيل الإستدلال بتجارب الآخرين ، ففي أندونيسيا وبعد دحر الإحتلال الهولندي الصليبي وبدء العملية السياسية في أندونيسيا كان أقوى حزب في أندونيسيا هو حزب ماشومي بقيادة محمد ناصر رحمه الله وكان يمتلك جيشاً مدرباً من المقاتلين ، وعندما أراد دخول الإنتخابات اشترطت الأحزاب العلمانية واليسارية حل الجناح العسكري وتسليم سلاحه للدولة ، وقد وافق الحزب عن طيب نية ولأن غرضه كان إصلاح الوضع القائم سلمياً وخصوصاً بعد رحليل الإحتلال الهولندي الصليبي ، وبعدما قام بتسليم سلاحه وحل جناحه العسكري حظر واعتقل أغلب أفراده وقيادييه ونفي من البلاد وأنهي مستقبله السياسي ، وبالمناسبة من يقرأ عن القانون الفلسطيني يجده يتكيف مع الواقع السياسي في فلسطين ، أي أن القانون هو من يتبع السياسة وليس العكس لأن لفلسطين وضع خاص يختلف عن أي دولة أخرى .

الجانب القانوني : فغزة والضفة تعتبر تحت الإحتلال سواء الإحتلال المباشر كما هو الحال في الضفة ، أو الإحتلال الغير مباشر كما هو الحال في غزة ، والقانون الدولي يضمن لأي حركة او جماعة حقها في المقاومة ومواجهة الإستعمار مهما كان شكله ولونه ، وهذه هي الشرعية القانونية لفصائل المقاومة ، والمعروف قانوناً بأن القانون الدولي أعلى وأسمى من القانون المحلي أو الداخلي كما تقول القاعدة القانونية " الاتفاقيات والمعاهدات الدولية تسموا على القوانين والاتفاقيات الداخلية " ، ولو اصطدم نص دولي بنص محلي يقدم الدولي على المحلي الداخلي ، فلا مجال هنا للحديث عن دعم قانوني لنزع سلاح فصائل المقاومة .

" لواء الدعوة "