بالرغم من أني غير قادر بهذه المرحلة على الاسترسال في الحديث العميق، بسبب ما نعانيه من النظام الدموي من حصار وقمع، لكني سأكتب بعض الخطوط العامة

1. الشعب السوري كغيره من الشعوب لديه نزعات طائفية، مثله مثل الفرنسي، وهذا لا يمكن تصويره كطائفية، المهم ليس الحديث الشعبي، بل المهم حال النخب المثفة من ناحية والعلاقات بين الطبقات الوسطى خصوصاً من ناحية أخرى.
إذاً العامة عموماً بتحكي حكي طائفي، كلها بغير استثناء، وإن كانت كلها طائفية كما يعتقد البعض فالحل بحكم الأغلبية لكي لا تقمع أقلية أغلبية فتجني على نفسها، وهذا غير متحقق.

2. الحقيقة، أن الشعب السوري غير طائفي بطبيعته وبتصرفاته نهائياً، فالتزواج المتبادل حقيقة واقعة ومتزايدة منذ الاستقلال وربما قبله، وعهدنا رئيس وزراء منتخب مسيحي (فارس الخوري) حين كانت صلاحيات رئيس الوزراء أعلى من صلاحيات الرئيس.
وجود كلام شعبي عن الطوائف ليس معناه أن الشعب السوري طائفي، فمن عاش بفرنسا بيشوف بعمق المجتمع حكي كثير عن الإسباني وعن العربي وعن الإيطالي بشكل مسيء، وهذه ليست عبرة. بل طبيعة العلاقات في المجتمع وخصوصاً على مستويات الطبقات الوسطى، وبالوقائع وليس بالكلام، أي "هل هناك تفرقة بين "علوي ومسيحي" بالتوظيف، أو بين "سني ودرزي" بالسكن .. الخ. مو كلمتين من فلان وعلنتان لا بتودي ولا بتجيب.

3. العلويون ليسوا مستفيدون ولا مؤيدون بمعظمهم للنظام .. الشبيحة مثلاً مجرمون أولاً بحق العلويين، لأن مجال تشبيح الشبيحة هي المناطق العلوية بالأساس.
مناطق العلويين في الجبال وقراهم مفقرة ومتخلفة ومجهلة، لأن النظام لعب على الطائفية طول فترة حكمه، وحسب أن تجهيل الناس طريقة سهلة لضمان ولاء بعض الطبقات المجهلة له. لذلك فالثورة ستكون لصالح هذه الطبقات.
هناك من يعتقد بأن النظام السوري ليس طائفياً، وهذا "نصف صحيح" فهو عصابة مافوية، لا تحكمها عقلية طائفية، ولكنها توظف الطائفية لمصلحتها، وتوظف الكل ، كل شيء وكل عناصر الانقسام بالمجتمع لصالح بقائها ، لذلك فإن أول من تحدث عن الفتن والطائفية كان بشار الأسد ولا أحد غيره، النظام فقط من يتحدث عن التفرقة الطائفية، ويوظف مخابراته من سلفيين رباهم ليبعثهم للعراق، لكي يثيروا النعرات الطائفية، وقام بنشر منشورات بعدة مناطق شي مسيحي شي علوي شي سني للتهديد، وليثير عدم الاستقرار ويخيف ويزعزع وينزع عن الثورة شرعيتها الوطنية.
الطائفي الوحيد اليوم بخطابه هو النظام. لأنه بمعركة وجود أمام ثورة عارمة ستقتلعه شاء أم أبى. وما على المترددين إلا الانضمام للثورة، لأنهم يراهنون على حصان خاسر بائد، حصان عهد مضى ولن يعود، فلم يعد من إمكان من احتمال الأنظمة الشمولية اليوم ...
والطائفية ليست إلا صنيعته هو .. وإن لم تكن، وكانت حقيقة، فهذا إعلان فشل منه، فنظام يمتلك البلاد والعباد والتعليم والدولة والمؤسسات منذ نصف قرن لم يستطع القضاء على الطائفية عليه أن يرحل ويسلم البلاد لمن يستطيع ذلك.
أما إذا كانت الطائفية مستشرية فعلاً، ولا حل لها رغم عبقرية النظام الأسدي، فلنقسم البلاد ولنرتاح، فليس من المعقول باسم الطائفية أن نسمح بحكم الأقلية وبشكل طائفي أليس كذلك؟ أليس هذا ما يقوله المنطق؟ لأن من يقول أن الشعب طائفي يعني أيضاً أن الأقليات طائفية وتحكم الأغلبية بشكل طائفي، وقتها من غير العدل أن تحكم بشكل طائفي أغلبية المجتمع. فلنقسم ونرتاح، ويرتاح الجميع إذاً.

طبعاً هذا الكلام الأخير، على سبيل النقاش والإثبات بنقض الفرض.
والحقيقة أن الوضع بسوريا غير طائفي، وحتى لو كان هناك بالمجتمع بعض الطائفيين، فلا يوجد مجتمع نقي تماماً، ولكن هذا لا يعني الامتناع عن أي حراك والبقاء في مستنقع الخضوع والخنوع للأبد.
لا بد أن نغير ونتغير.. وليس في إطار نظام قمعي طائفي فاسد سيأتي هذا التغيير.
بل في إطار مشروع حضاري ثوري ليبرالي نشارك به جميعاً، والتغيير آتٍ فإن نأى البعض عن النشاط فيه فلا لوم بعد ذلك إن انتصر المشروع الآخر المناقض الأكثر نشاطاً.
فالسلبية ليست موقفاً بحد ذاته وستؤدي للنتيجة المعاكسة لما يريدون، ولا فائدة بعد ذلك من اللطم واللوم والعتب، فلقد أعذر من أنذر.

خالص تحياتي