في الحقيقة، وفي لاوعي الكثير من الأوربيين يوجد هتلر صغير، وفي لاوعي كثير من الأمريكان يوجد راعي بقر قاتل للهنود الحمر صغير، وفي لاوعي كثير من الآسيويين يوجد هولاكو صغير، وفي لاوعي كثير من المتساكنين معنا من الطوائف الأخرى يوجد وحش صغير من نوع ما...

ما أسهل هذا التعميم، وأسهل به!

والأسهل منه أن نقول، في لاوعي كل إنسان شيطان صغير، وهو أمر طبيعي في الإنسان، لأن ما يحركه ليس غرائزه وحاجاته العضوية وإن كانت تدفعه إلى الإشباع، بل ما يحركه إنما هي حزمة المفاهيم والمشاعر المختلفة المشكلة لشخصيته، من أجل ذلك تجده قد يقوم بأمور متناقضة ويقبل أشياء لا تنسجم معا، فتجده في نفس الوقت الذي يدين بشدة عملية 11-9، ويبكي كالثكلى على ضحايا لا يعرفهم سقطوا هناك، وهي ضحايا بريئة على أية حال أشاركه البكاء عليها، تجده لا يرمش جفنه وهو يبرر إلى درجة القرف العملية الإرهابية الأقسى في القرن العشرين، حين ألقت الولايات المتحدة الأمريكية قنبلتين نوويتين على مدينتين آهلتين بالمدنيين دون أن يرمش جفن ترومان للحظة، بل عدوه بطلا إلى اليوم.

العجب يزداد إذا انصرف هذا الفرد المبرر إلى التاريخ لينبشه، محاكما فريقا وتاركا آخر، وفق مفاهيم غير واضحة وغير مبلورة، قد تدينه قبل أن تدين غيره حين يبلورها.

المشكلة كما قلت هنا في هذا النادي، وكما أقول دوما، المشكلة أصولية وليست فروعية، المشكلة تكمن في مرجعية الحكم على الأفعال وسبب اتخاذ هذه المرجعية، وحيث أننا لسنا في محكمة هنا بل في صالون فكري، فمن الجيد أن ننظر ونعيد النظر في المرجعيات الفكرية المتداولة. ونعرف هل من الممكن أن نحكم على الفعل بمطلقه بصواب أو خطأ؟ فإن كان ممكنا فمن الحاكم، وإن كان لا بد من نسبته إلى غيره فأي نسبة أولى من غيرها؟