في مقهى بن جدو

إبراهيم توتونجي

التاريخ: 07 مايو 2011
إبراهيم توتونجي

«عجقة». الكراسي تفيض بالرجال. «شيشة يا ريّس.. قهوة سادة للقبضاي». جهاز التلفاز مثبت في مواجهة الطاولات التي غرقت في سحابة دخان التبغ. رائحة الشواء من الحانوت القريب تدوّخ الجالسين فيشط ريقهم. ثمة لافتة مثبتة إلى جانب التلفاز: «لا نعتذر عن قطع بث القنوات التلفزيونية العميلة ومن يريد أن يستمع إلى المندسين فليغادر الآن هذا المقهى وإلا سنخرجه على طريقتنا». جهاز التحكم لا يلتقط سوى بث التلفزة السورية الوطنية والقنوات اللبنانية المتضامنة.

ثمة قناة إضافية خاصة بالمقهى يتحكم ببرامجها رجل يأتي في الصباح الباكر، يعتلي درجات إلى «عليّة» في الطابق الثاني ازدحمت بالشرائط وأجهزة المونتاج، يقفل الباب المثبتة عليه عبارة «ستاف أونلي» (موظفون فقط) ولا يخرج قبل منتصف الليل. لا يعرف احد له اسما ولا وصفا، سوى أنه «صاحب الياقة المقفلة على آخرها والنظارة واللحية الخفيفة».

قناة المقهى تبث مجموعة من البرامج والأفلام والمسرحيات «الممانعة». يتم تنويعها قدر الإمكان حفاظا على عدم إثارة ضجر الزبائن. قليل من مسرحيات «غوار»، مثل كاسك يا وطن، تبث مع عبارة ثابتة على الشاشة: «التلطيشات السياسية الواردة في المسرحية لا علاقة لها بما يحدث في سوريا اليوم، و(ما تفهمونا غلط) فدريد لحام فنان صديق وقد صرح أن الجيش السوري ليست مهمته قتال إسرائيل بل الحفاظ على السلم الأهلي». مشاهد من فيلم «الحدود» لغوار تعرض أيضاً. معه رغدة. ممانعة أيضا.

في الفيلم ممانع يحب ممانعة على حدود وهمية لا وجود لها. ممانع تزوج ممانعة فأنجبا فضائية وطنية. في وقت الـ «بيك تايم» (الذروة) برنامج لمذيعين عملوا لسنوات طوال في «الجزيرة»، مخصص لفضح أسرار القناة «العميلة». «شيشة يا ريّس واعتن بالنارة». مسلسل «باب الحارة» بأجزائه الطوال. ثمة بحث مستمر عن القاتل الفرنسي والمتعاملين معه لمص دمائهم. على الجدار صور مشاهير: سلاف فواخرجي، نورا رحال، عاصي الحلاني، فارس كرم، ملحم زين، مي حريري.. مع لافتة تقول: «اشتراك مجاني في المقهى مدى الحياة»!