(05-08-2011, 08:19 PM)بدر نجد كتب:  اهلا بك استاذي بهجت ..

باعتقادي أنه من المبكر الحكم على الثورات أو الانتفاضات العربية والتنبوء بمآلاتها أو حتى محاولة تشبيهها بالثورات أو الحركات التحررية الأخرى سواء التاريخية أو المعاصرة , فمن وجهة نظري أن الدول لا تتشابه بمكوناتها الاجتماعية والثقافية والإقتصادية ناهيك عن السياسية , حتى الثورات في الدول العربية رغم التشابه فيما بينها إلا أن هناك كثير من الفروقات بين دولة وأخرى .
لكن اكاد أجزم بأن هذه الثورات لم تغير في البنية الثقافية لمجتمعاتنا العربية بالعمق المؤثر بل ان التغيير لم يصل حتى للسطح , ولذلك فأن البنية الثقافية والتي يعول عليها في عمليات الانتقال الحضاري ستظل بوجهها القروسطي القديم , وهو ما يجعلني شخصيا اتحفظ في الأثر الذي ستحدثه هذه الثورات في اوضاعنا السياسية مستقبلا , ولعل هذه الثورات ستثبت أن تغيير النظم السياسية ليس شرطاً كافيا لإحداث النهضة والتطور الحضاري المنشود .

الأخ ابن نجد .
و الله ابن حلال ، تذكرتك اليوم تحديدا متسائلآ عن السبب الذي جعلك تبتعد كل هذا الوقت ، فبين كل الزملاء هناك البعض الذين تربطنا بهم زمالة راقية تعلو على الإتفاق و الإختلاف .
أتفق معك بالتأكيد أن مشكلتنا الأساسية في المنطقة هي مشكلة ثقافية و حضارية ، و أن المشكلة السياسية هي مجرد عرض لثقافة متخلفة و مرتبكة .
استبداد الحكام و بالتالي الفساد نتاج طبيعي للثقافة التي ترى في المسئول الأول ليس مجرد موظف بل حاكم وولي الأمر واجب الطاعة شرعا ،و الخروج عليه يخضع لشروط فقهية ، و النتيجة أنه لا يوجد مجتمع عربي يستطيع تبديل حكامه بشكل منهجي سلس ،و لكن دائما خلال أعمال العنف و الإضطرابات السياسية . و لكن أيضا كما أن الثقافة تصنع الواقع فالواقع أيضا يغير الثقافة السائدة ، إذا نجحت الحرية في مجتمعنا فستغير الناس ولو بالتدريج ،و لكن لو فشلت فستكون ردة حضارية شاملة . إننا بالفعل على مفترق طرق ، هناك الأزمة كما أن هناك الفرصة ، كل شيء سيعتمد على بصيرتنا في التفرقة بين عناصر الأزمة و بوادر الفرصة ،و كيف ننمي عناصر الفرصة و نستثمرها .
على عكس الدعاية السائدة لا أرى أن الثورات العربية كانت في أكثر المجتمعات العربية فسادا أو طغيانا ، و لكن في أكثرها تطورا و أقربها لنموذج الدولة العصرية الحديثة ( تونس و مصر ) ، وهذا يعطينا شيئا من الأمل بأن تلك الدول بما تمتلك من تراث للدولة المدنية ستكون قادرة على صنع نموذج عربي جديد أقرب لروح العصر و مواصفاته .

اقتباس:(ولعل هذه الثورات ستثبت أن تغيير النظم السياسية ليس شرطاً كافيا لإحداث النهضة والتطور الحضاري المنشود .)

.
أرى أن هذا التغيير هو شرط لازم و لكنه غير كافي ، بمعنى أنه لا يمكن البدأ في نهضة حقيقية بدون التغيير السياسي ،و لكن هذا التغيير السياسي و بدون ثورة ثقافية شاكلة لن يكون كافيا لإحداث التطور المنشود .
على الأقل عرفنا الان مالايلائمنا ،وهو نصف الطريق لمعرفة مايلائمنا كما كتب مرة الأستاذ نجيب محفوظ في إحدى رواياته .