وعلى افتراض أن الدين يسمح للفتاة بأن تزوج نفسها بنفسها دون الإعتماد أو دون موافقة ولي الأمر ، فهل تعتقدي بأن القضية ستحل ؟ القضية مرتبطة بالعرف المتعارف عليه بين الشعوب وخصوصاً الشعب الفلسطيني ، فالإسلام لا يجيز مثلاً قتل الزانية البكر فرادى أو من قبل الحاكم ، ولا يجيز قتل الزانية المتزوجة من قبل آحاد الناس ، ولكن هناك قتل بالجملة على خلفية الشرف والعرض .

بخصوص سؤالك وأتمنى أن لا يكون على سبيل الإستهزاء لأني لا أحبه في مثل هذه النقاشات ، ولكن القضية فيها خلاف فعلاً بين المذاهب الإسلامية الأربعة ، فالمذاهب الثلاثة " مالك والشافعي وابن حنبل " اتفقوا على عدم صحة زواج الفتاة بدون موافقة ولي أمرها إستناداً للحديث المنسوب للنبي " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل " ومن ناحية عقلية يقولون بأن أحد أسباب الزواج ومقاصده هو النسب والمصاهرة وتوثيق روابط المجتمع المسلم وهذا لا يتأتى بموافقة أولياء الأمور واجتماع كلمتهم ، كما أن الزوجة ترى في أهلها سنداً وعضداً لحمايتها في الشدائد ، فكيف يحصل هذا وهي قد ناصبتهم العداء ؟ ، بينما يذهب المذهب الحنفي إلى جواز تزويج المرأة نفسها بنفسها بناءً على نص الآية " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " ، " فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف " ولكنه يشترط أيضاً أن يكون الزواج من كفء لأنه من خالص منافعها كما أن الزواج لا يتم إذا رفضت المرأة قبول الزواج .

وإعمالاً بين أقوال المذاهب الأربعة أرى أن يكون هناك توافق بين الولي وابنته ، ولها أن تختار من تريد وأن تميل لمن تريد ، وفي نفس الوقت عليها أن لا تتجاهل عائلتها ونصائحهم ، فقد يكون حبها لحبيبها أعماها عن صفات لا يتوجب أن تتوافر في شريك عمرها المستقبلي والأبدي ، فالقضية هي علاقة تكاملية بين العائلة والمرأة ، فأنا عني شخصياً لو رأيت ابنتي تود الزواج من شخص سيء الخلق والسمعة ولديه ماض سيء لا أعتقد بأنه سيصلح مستقبلاً فسأمنع مثل هذا الزواج بكل الطرق المتاحة أمامي ، فابنتي التي ربيتها وعلمتها لكي تكون جزءً من المنظومة الأسرية لي بشكل عام تحفر قبر مستقبلها بيدها فهذا ما لن أسمح فيه بالمطلق ، كما أظن أنك لن تسمحي لإبنتك أن تتزوج فرداً من أفراد القاعدة أو شخص مغضوب عليه فكرياً وأيدلوجياً ، فالقضية ليست في الشروط أو في رأي الدين في المسألة ، بل هي في الثقافة والتفهم التي تسود المجتمع ، فلو انعدمت - او لم تكن هناك أي قابلية لهذا التفهم - فلا يوجد دين أو قانون سيمنع أو سيحد من هذه الأمور .

كما أنه من ناحية نفسية فلا أظن أي فتاة ستشعر برضى عن نفسها حين تتزوج بغير رضى أهلها ، كما أن هناك من يقول بأن الفتاة التي تتنكر لأهلها بسبب علاقة حب عارضة فقيرة من الأصالة والنخوة وهذا الأمر ينطبق على الشاب أيضاً .

لكن المصيبة تكمن عندما يرفض الأهل - وهذا الذي يحدث عادة - تزويج بناتهم لمن يتقدم إليهن - وبينه وبينها علاقة مودة - بسبب وجود علاقة الحب بينهما من باب أن من أحبها الآن قد أحب غيرها سابقاً وعلى الطرف المقابل تجدين عائلة الشاب تتذرع بنفس الذريعة ، يعني سادية عرفية منقطعة النظير والنتيجة نفسية سيئة ومتدهورة للشاب وللفتاة .

بالمناسبة حتى في القانون المدني والدولي والجنائي لن تجدي هناك إجماعاً على أي مسألة ، فكل مسألة قانونية لها ألف مدرسة وكل مدرسة تختلف عن الأخرى ، فتجدي أنصار المدرسة الأنجلوسكسونية وأنصار المدرسة المدنية ، كما تجدي المذهب الرأسمالي والمذهب الإشتراكي كما تجدي أنصار فقه سافيني وأنصار فقه مانشيني والقائمة تطول ، ولكن الدول تأخذ بما يناسب مصلحتها وتعدل وتطور وفق هذه المصلحة ، حتى الدول الغربية تجدي بعض الدول تمنح الجنسية من ناحية الأب وليس الأم - وهذا وفق مقاييس لجان حقوق المرأة - تمييز وتفضيل للرجل على المرأة ، ولكن لا أحد يهتم ، لأن المعركة الفكرية والحضارية تتجه نحو شيء واحد وأظنك تعرفيه جيداً ، وعذراً على الإطالة .