(05-12-2011, 05:47 PM)لواء الدعوة كتب: لي عودة تفصيلية للموضوع ولكن قبل ذلك أجد ما قاله المفكر الفرنسي مارك ناب مهماً في هذا الصدد :
صحيح أن الحجاب يفرض على الفتاة المسلمة منذ الصغر سواء كان هذا الفرض عن طريق الترغيب بذكر محاسن الحجاب ومفاضله أو كان عن طريق الترهيب بذكر مساوئ ترك الحجاب كنوع من فرض القيم الأخلاقية على الأبناء منذ الصغر ، فلكل مجتمع قيم وأخلاق معينة يفرضها على الأطفال والناشئين سواء بالشدة أو باللين ، كما تفرض الصلاة علينا ونحن منذ الصغر ويدفعنا آبائنا للصلاة وحفظ القرآن وغيرها ، إلا أن الفتاة بعد أن تبلغ سن الرشد تقتنع بشكل كامل بالحجاب وهذا حال أغلب الفتيات المسلمات ، فهن راضيات تمام الرضى عن حجابهن ، ويدافعن عنه بشراسة ضد من يعترض عليه سواء في فرنسا أو في تركيا أو في تونس ، ومنهن من تحلق شعر رأسها كنوع من الإستنكار على هذه المواقف ، فافتراض كون الحجاب مفروض على المرأة قهراً وغصباً افتراض خاطئ ، فالحجاب هو جزء من منظومة الإسلام الأخلاقية تلتزم به الفتاة المسلمة ، فالفتاة التي تصلي وتصوم وتزكي وتحاول قدر الإمكان أن تتعبد لله عزوجل من الطبيعي أن تلبس الحجاب إستمراراً لإكمال المنظومة الأخلاقية التي يحض عليها الدين الإسلامي ، فقبل أن نطلب من الفتاة المسلمة أن تخلع الحجاب علينا أن نطلب منها أن ترفض الصلاة وترفض أغلب تعاليم الدين الإسلامي ، فالشروط التي يدعيها مدعي الإنسانية والحرية لرفض الحجاب تنطبق تماماً على فرض الصلاة والزكاة والصوم وغيرها من تعاليم الدين الإسلامي .
كما أن النظرة تذهب في العادة للفتاة الشرقية المحجبة ، بينما لا تذهب للراهبة المسيحية المحجبة سواء في الغرب أو في الشرق ؟
فالقضية هي صراع أخلاقي وحضاري بين المجتمع الشرقي والذي يمثل الإسلام أحد أهم خصائصه ، وبين المجتمع الغربي والذي يعتقد بأنه رائد الحضارة والإنسانية في هذا القرن وما تتطلبه هذه النظرة من أستاذية في السياسة والفكر والمنظومة الأخلاقية ، ولذلك تجد الحساسية من بناء المساجد والمآذن والحجاب والنقاب واللحية ، كل هذه الأمور هي إستمرار لصراع حضاري بين المجتمع الشرقي والغربي .
.
بضع ملاحظات على هذه المداخلة:
1) الحجاب عبارة عن "زيّ" أو "مظهر" وليس جزءاً من الأخلاق. هو قد يدل على نهج أخلاقي معين لصاحبه ولكن حولنا الكثير من الخروقات لهذا النهج. وعملية بحث صغيرة على الانترنت سوف تقودنا إلى "كليبات" لكثير من الفتيات المحجبات اللواتي يمارسن ما يندى له الجبين. بل سوف نجد أن الكثير من الفتيات قد يتمسكن بالحجاب خلال فعل فاضح فتجد الرأس محجباً والباقي عاريا. ولعل "تركي الحمد" في رواياته "العدامة" قد بين من خلال أنموذج معين أن "الخلق الكريم" ليس قضية مظهر وزيّ.
2) الحجاب أقدم من "الدين الإسلامي" بكثير، "شفطه" الإسلام فيما "شفط" من حضارات الشرق القديم "برموشها وعموشها" تلبية لحاجات آنية تتعلق بحياة الرسول (لاحظ أن آيات الحجاب في القرآن تتعلق "بزوجات الرسول" في فترة كان فيها الرسول كبيراً في السن وكثير الزوجات)، وتكريساً للمفهوم التحقيري للجسد عامة ولجسد المرأة خاصة في الديانات الابراهيمية الثلاث. فالمرأة هي "أحبولة الشيطان" كما نراها في "قصة الطرد من الفردوس التوراتية"(التي أخذها العبرانيون عن غيرهم من القدماء أيضاً) وجسدها "عورة" كما ينتشر في الفقه الإسلامي. فمن يريد التقرب من "الإله" عليه اجتناب جسد المرأة (ونرى ذلك مجسداً في الدعوة إلى التبتل عند رجال الدين المسيحيين تشبها بالرجل-الإله الأعزب - المسيح - وبالقديس الكبير الأعزب - بولس -).
3) الديانات الابراهيمية الثلاث التي حكمت عالمنا استعملت الحجاب (غطاء الرأس) حتى القرن التاسع عاشر، بل والقرن العشرين. فلقد كان غطاء الرأس، حتى بين الذكور، يشير إلى نوع من التقوى والعفاف. ولكن الحضارة الحديثة وبدء المرأة بالخروج من القمقم التي حصرها الرجل فيه منذ آلاف السنين، جعلها في كثير من المجتمعات (والغرب خصوصاً) تكشف رأسها وتثبت أن هذا لا علاقة له بأخلاقها، فأخلاقها تحددها "تصرفاتها وسلوكياتها" وليس مجرد خرقة فوق رأسها تحجب جمالها وتخنق أنفاسها وتكبت حضورها وتحجّم تأثيرها على محيطها.
4) مع بدايات القرن العشرين، بدأت النساء في العالم بنبذ حجابهن شيئاً فشيئاً والسير على طريق التحرر من الاستعباد الذكوري والمقدّس منه خصوصاً (الدين). ولم تستثن هذه الحركة العالم الإسلامي، فالتاريخ يشهد بأن "هدى شعراوي" ألقت حجابها في البحر وهي عائدة من أوروبا إلى مصر عندما حضر "سعد زغلول" كي يستقبلها في الميناء. ومنذ ذلك الحين بدأ التراجع في لبس الحجاب في العالم العربي حتى وصل ذروته في أيام "الاشتراكيات الوطنية" (أيام عبدالناصر). ولكن "هزيمة عبدالناصر" و"فشل مشروعه القومي" وانكفاء القوى اليسارية والتقدمية في العالم العربي، جعل الفراغ السياسي يمتليء من جديد بالقوى "الرجعية" التي جسدها "الإسلام السياسي" بشكله الحالي. والذي أعاد تكريس بعض المفاهيم والمظاهر والأزياء التي لفظتها شعوب الأرض ومحاولة فلسفتها من جديد.
"حجاب المرأة المسلمة" اليوم ينقسم إلى قسمين إذا: قسم قديم تحدر إلينا من عدم اكتمال مشروع "الحركة النسوية" في عالمنا وتحرير المرأة من أمراض المجتمعات القديمة التي فتكت بها، وقسم جديد جاء من خلال "الردة الحضارية" التي نعيشها في عصرنا الراهن والتي يسميها أصحابها "الصحوة الدينية" (وإذا كانت "الصحوات" على هذا النسق، "فالنوم" أرحم وأجمل).