طرحت هذا الموضوع كي أهرب من كابوس اسمه مصير حسني مبارك .
أشكو لأصدقائي من نفسي . فلم أحب مبارك أبدآ حتى قبل أن يصبح نائبا للرئيس ، فلم أعذب نفسي بمصيره البشع حتى أرى أن الأقدار كانت أكثر رحمة بصدام حسين . قرأت لكاتبة أمريكية لم اعد أذكر اسمها ان " أسوأ ما يمكن أن تراه هو كبير يفقد كرامته " ، أرى الموت أفضل كثيرا . يبقى أن أسوأ مافي الكابوس ليس هو المصير الذي يستحقه مبارك بالتأكيد ،و لكنه مصير المصريين و ممارساتهم و مستقبلهم ،وصورتهم أمام أنفسهم و أمام الأجيال المقبلة .
نعم .. طرحت هذا الموضوع كي أتحرر من كابوس حقيقي يطاردني في صحوي و نومي ، لم أعد أطيق رؤية الرجل العجوز المشوه و شفتيه المتدليتين ، و ما ينقل عنه من كلام الشيوخ الجذعين ، حديث لا يليق بمقاتل يعرف أن الحياة غالية عند كل إنسان ،و لكن الرجل الباسل يعرف أشياءا أغلى من الحياة . طرحت الموضوع حتى دون أن أفكر في إجابة بعمق كاف ، إني أرى مبارك جزءا من الماضي منذ 11 فبراير ، و قد خلقني الله بلا ذاكرة لا أحب الماضي ولا أعيش فيه ولا أذكره ، أعيش فقط لليوم و أهتم قليلآ بالغد ،و لكن الماضي لا أراه و أعجب أن وجد ابتداءا .فقط عناوين الصحف و ثرثرات برامج الحديث " talk-show" تذكرن بمبارك و أسرته و محنتها المخجلة ومصيرها ، ذلك المصير الذي يتلذذ المصريون بالتسامر حوله بسادية تليق بالبؤساء . فلا أعرف ماذا يحزنني روح المصريين الفقيرة و عقولهم الفارغة ، أم مقاتل قديم باع سيفه ، لا يقوى على حماية زوجته و أبنائه فيتخاطفهم المحققون من كل صوب !.
المدهش أنني بعد طرح هذا الشريط ( الدواء ) لم أعد أفكر في مبارك وتخلصت من معظم الكوابيس ، رغم ذلك فأني لم أبصر الفجر بعد . خلف النوافذ مفتوحة أنادي الفجر عله يزورني بعد طول خصام ، فيجاوبني الليل البهيم بينما الشمس في كبد السماء .
كنت أتسكع بين ساحات النادي لأجد هذا الشريط منتظرا في مكان ما ، تصفحته لأجدني غائبا أو بعبارة مصرية أصيلة " أستهبل " فلا أضع رأيا فيما سألت عنه . حسنا سأفعل .
أولآ : محاكمة مبارك يجب أن تكون محاكمة سياسية ، سياسية حتى تلك الجرائم المتعلقة بالتربح ، أو أي جرائم جنائية أخرى .
ثانيا : محاكمة الرئيس لا يجب أن تخضع لنفس الإجراءات التي تجري على المواطنين العاديين ، فحتى القضاة هناك قوانين خاصة بإجراءات محاكماتهم ، بحيث لا يحتجزون في أماكن حجز المجرمين العاديين .
ثالثا : يجب أن تحاكم الرئيس السابق سلطة دائمة منتخبة ، و ليس سلطة مؤقتة قام هو بتعينها لحكم البلاد مخالفا الدستور الذي رفض تغيره رغم عواره .
رابعا : يجب أن تحكما مصلحة الوطن العليا و ليس العواطف ، سواء عواطف الشفقة او عواطف الإنتقام .
في إطار الخيارات المطروحة سأختار الخيار الثاني . رغم اني كنت أميل بداية للخيار الأول ،و لنفس السبب الذي أبداه العلماني ، كذلك تقديرا لدور مبارك في حرب أكتوبر و تحرير سينا بما في ذلك طابا ، و أيضا لأنه يبقى أفضل من كثير من أعدائه. و لكني كلما تذكرت سحنته الغبية وهو يرفع حاجبيه مدعيا ذكاءا يفتقده بكل تقليد ، اعتقد أنه من الواجب عقابه بقسوة بتهمة إخفاء معلوم من الغباء للجميع .