يرى البعض انه من الواجب ان يختار المرء المعارك التي يخوضها بحكمة، و ألا يرمي بنفسه في كل معركة خاسرة بطيش.

كان حجر الاساس في اوائل المقاومة الفلسطينية مقولة "المقاومة حتى النصر"، و كأنهم تعاموا عن رؤية واقع المعركة، و هو حقيقة ان اسرائيل تخوض حربا وجودية بدعم الاسلحة النووية و مساندة الدول الكبرى، ناهيك عما حصل بعد ذلك، من فشل عربي مخجل في جميع محاولاتهم "لرمي اسرائيل في البحر"، و خصوصا حين آثر البعض من زعماء العرب ان يسالموا اسرائيل و يطبعوا معها علاقاتهم، و أصبح الفلسطينيون ورقة يلعب بها كل ارهابي دولي و كل دكتاتور، سواء كان اسلاميا او علمانيا، و كل مجرم عالمي يبرر جريمته بفلسطين و النقمة لها و الدفاع عنها. و اصبحت انجازات العرب الهزيلة (مثل "امجاد" اكتوبر التي انتهت بالجيش الاسرائيلي على مرمى حجر من القاهرة) هي كل ما حصلت عليه فلسطين من اخوانها العرب.

وماذا بعد؟ وجد الفلسطينيون انفسهم كبش فداء لهذه المقاومة، التي باتت تقاوم اسرائيل في وسط نسائهم و اطفالهم و الضعفاء منهم، و في مقابل كل اسرائيلي يتأذى او يُقتل، يموت ما لا يعد و لا يحصى من العزّل، و تعاني اجيال بعد اجيال. و في مقابل كل جندي يُخطف، تُمطر اسرائيل نيرانها و صواريخها على مدن و قرى عشوائيا.

ماذا كان سيحصل يا ترى لو تخلى الفلسطينيون في السبعينات مثلا عن حل المقاومة، و "رضوا بالهزيمة" و حتى الانضمام للدولة العبرية؟ ماذا لو قرر الفلسطينيون في ما يُسمى "يهودا و السامرة" (الضفة الغربية) الالتفات لحياتهم اليومية، و حتى الانتفاع من من الاقتصاد الاسرائيلي و العمل فيه؟ ماذا لو التزموا بالرد السلمي على كل ما حصل، و ردوا على الفشل العربي الذريع، بل و الخيانة العربية لهم، بالتخلي عن العنف و الالتزام بالعمل في خلال النظام الاسرائيلي الحاكم في الاراضي المحتلة؟

يتهيأ لي احيانا ان المنتفع الاكبر من المقاومة الفلسطينية كان اسرائيل، فالمقاومة الفلسطينية اعطت اسرائيل كل الذرائع على رفض الاندماج الفلسطيني الكامل في الدولة الاسرائيلية، و أيضا عزل الفلسطينيين و رفض اعطائهم اي حقوق، و كانت المقاومة أيضا ذريعة دعائية كبرى في العالم ضد الفلسطينيين.

المقاومة الفلسطينية أنقذت اسرائيل من مشكلة ديمغرافية و ديمقراطية كانت ستهدد وجود اسرائيل كدولة عبرية، و أبقت ذلك التهديد بعيدا عن الواقع، و اعطت اسرائيل تبريرا كبيرا كي تُبقي على الامر الواقع كما هو، بلا تغيير.

تصوروا دولة عبرية نصف سكانها (ما يبلغ الملايين) من الفلسطينيين، يطالبوا سلميا بحق المواطنة ؟ تصوروا بعد ذلك دولة عبرية معظم سكانها من غير العبريين، يترشحوان و يُرشحون للانتخابات و يغيُرون القوانين بلا حرب و لا معاناة المدنيين؟

حين جاء نتنياهو الى واشنطن مؤخرا، قال على التلفاز الامريكي أن العرب المواطنين في اسرائيل لديهم من الحرية و الحقوق ما يزيد عن العرب في اي دولة عربية. طبعا عرب اسرائيل يعانون من التمييز، و لكن هذا سببه انهم اقلية. تصوروا لو ان عددهم زاد عن نصف السكان؟