RE: يسلمو فارس.. الفيلم عن جد حلو
أما الحيلة الفنية أو التكنيك الذي يقوم بتفعيل السيناريو والقيام بدور القائد فهو ما أطلق عليه الزميل الحوت وجهة النظر , والحقيقة أن هناك فرقا بين وجهة النظر كما ترد في هذا النوع من السيناريو وأنواع أخري , فوجهة النظر هي رواية الحدث من وجهة نظر الشخصية , وقد تتعدد الروايات للحدث الواحد من خلال تعدد الشخصيات , فكل شخصية تري الحدث من منظورها الخاص حسب تفسيرها لعلاقاتها بباقي الشخصيات ومن خلال موقعها الاجتماعي والسياسي والنفسي والفكري إلخ , ولكن ما نراه في هذا السيناريو إنما هو صوت شخصية واحدة في حالة مونولوج أو تعليق علي الحدث أو سرد للحدث , وكما رأينا في فيلم ( بحب السيما ) فإن هناك تلك الشخصية ( الراوي ) الذي يسرد تاريخ أسرته وما حدث لها خلال فترة من الزمن ووجهة نظره في تلك الأحداث , والتكنيك المقصود في فيلمنا قريب من هذا النوع , تعليق علي الحدث من خلال مونولوج , فإن انتهينا إلي أنه نوع من وجهة النظر فلا يجب أن نذهب به بعيدا لأنه لا يعيد تفسير الأحداث كلها , وقد رأينا هذا الشكل في فيلم ( الظلال في الجانب الآخر ) للمخرج غالب شعت إن لم تخني الذاكرة فهو فيلم وجهات النظر بالمعني الفني , وقد عمد داود عبد السيد لهذا التكنيك في أفلامه التي أشرت إليها سابقا – أرض الخوف , مخبر ومولطن وحرامي – وربما كان التكنيك في ( مخبر ومواطن ومواطن وحرامي ) موفقا بسبب أن هناك حالة انفصال بين الراوي وما يرصده من حدث , فالشخصية المحورية في حالة انفصال طبقي عن باقي الشخصيات المخبر والحرامي وعن - وهذا هو المهم - بطلة الفيلم ( هند صبري ) مما يسوغ للتكنيك أداء دوره , كذلك كان لوجود بطل فيلم ( أرض الخوف ) ( أبو دبوره ) في عالم منفصل عن عالمه الحقيقي ومناقض له دور في تسويغ هذا التكنيك فهو مضطر للمونولج الداخلي والتعليق علي الأحداث بسبب حالة التكتم والسرية اللتين تفرضهما عليه هذه الظروف .
ولكن الجديد في فيلم ( رسائل البحر ) أنه جعل هذا التكنيك يكاد يكون عضويا في السيناريو , فالشخصية المحورية في السيناريو تعاني من نوع من الحبسة الكلامية لا نعرف سببها , هذه الحبسة الكلامية أعاقت الشخصية عن القيام بدورها الاجتماعي الحيوي وخلقت نوعا من العزلة والانسحاب من التجربة الإنسانية لها دعت لوجود مبرر قوي جدا لاستعمال هذا التكنيك , ونلاحظ أن الإعاقة لا تظهر إلا عند التواصل مع الشخصيات أما في حالة المونولوج أو التعليق علي الأحداث نجد أن الحبسة الكلامية قد زالت , ذلك أننا نسمع صوت الشخصية الداخلي الذي لا يعاني من هذه الآفة واضحا وصريحا .
فإذا انتهينا إلي أن هذا التكنيك كان له مبرره عند البطل , فنري أيضا أنه أدي خدمة للسيناريو كما في الفيلمين السابقين بإضاءة الضوء حول تاريخ الشخصية أيضا من خلال هذا البوح , أما ما أخذه الزميل الحوت علي السيناريو من وجود وجهة نظر أخري لشخصية أخري وهي البطلة نورا وأنه كان علي السيناريو الاكتفاء بصوت واحد وهو صوت البطل , ولم يكن هناك مبرر لوجود صوت نورا , فإننا لم نعد هذا التعدد في الصوت الداخلي ( المونولوج ) نوعا بالمعني الفني لفيلم وجهات النظر , وفي نفس الوقت كان سببه أن هناك حالة التباس في الحدث , أنورا مومس فعلا بالمعني المعروف أم لا ؟ لتبين لنا من خلال مونولوجها وتعليقها أنها متزوجة ولكنها تري نفسها كالمومس لأنها تبيع جسدها لزوجها نتيجة الظروف الاجتماعية , بينما في مسير الأحداث العادية يتبني المتفرج وجهة نظر البطل أنها مومس بالمعني المألوف , ولم يكن هناك طريقة للتفسير أو الشرح لحالتها إلا أن يدور هذا المونولوج – الصوت الداخلي – لكي تفسر للمشاهد حقيقة الأمر .
وتقاطع المنولوجين – مونولوج البطل مع مونولوج البطلة – هو الذي أعطي القيمة الفنية لحالة التعارض في الفهم بين الشخصيتين وبالتالي وجود حالة من فقدان التواصل , كما أراد الفيلم في الثيمة , فالبطلة طوال الجزء الأول من الفيلم لا تفصح عن أزمتها وتري أن تفسير البطل لحالتها هو كذلك حقيقة لأنها تري نفسها كما يراها , بل وتؤكده له وتزيده بإضافة أحداث غير حقيقية لكي تري صورتها الحقيقية في عين الآخرين فكأنه نوع من جلد الذات .
- يتبع –
كوكو
|