لقد سميته التكنيك "وجهة النظر" لأن الحديث ليس عن السرد الصوتي... كل تقريبا نرى الأحداث كما يراها يحيى نعلم ما يعلمه ونجهل ما يجهله إلا حين تنتقل "وجهة النظر" إلى نورا (هذا تقريبا، هنالك عدة استثناءات في النص مثل قصة جارته نسيت اسمها وعشيقتها أو مشهد العملية لكن في تلك الحالات فهو يكتشف الحقيقة بعد فترة قصيرة أما قضية نورا بأنها ليست مومس وبأنها هي التي تعزف فهي لا يكتشفها بتاتا) ... لا أعلم ما المصطلح النقدي المعياري لهذا التكنيك ولذا ذكرت في ردي السابق عدة أمثلة لأنني لم أجد شرح رأيي جيدا لقلة تمرسي بالنقد فوضعت هذه الأمثلة لتساعد على توصيل ما أردت شرحه عن التكنيك كما أراه.

يبدو لي يا كوكو أنك لم تفهم قصدي، أنا لم أعني أنني كنت أفضل ألا يستخدم المخرج هذا التكنيك، بل أردته أن يستخدمه بشكل أكبر بحيث نرى سردا أكبر من وجهة نظر نورا، المخرج لم ينتقل لنورا إلا لحاجات ملحة وبرأيي كان سيكون أجمل لو زاد من مساحة الوقت المخصص لوجهة نظرها، ماذا لو رأينا أحداثا أكثر كما رأتها... هذا رأيي ولك أن تخالفه... زد على ذلك أن الفيلم يعرض فيما يعرضه قصة فردان وحيدان رغم أنهما على الورق في أحسن حال (أحدهما طبيب شاب وسيم والأخرى شابة جميلة متزوجة من زوج ميسور الحال يوفر لها كل ما ترغب به ويعاملها "باحترام" من وجهة نظر المجتمع) ورغم هذه الظروف الجيدة فإنها أولا وحيدان غير راضيان عن حياتهما كل لأسبابه (التأتأة تجعل التواصل صعب مع الناس ويحيى وحيد في هذه الدنيا أما نورا فتشعر أنها مومس باعت جسدها لأجل حياة مرفهة، علاقتها بزوجها تفتقر للروحية إلخ) وجمعت الظروف هذان الإنسانان فأحبا بعضهما وتقبلا كل مساوئ شريكه دون محاولة تغييره (بعكس زوج نورا مثلا الذي يحاول جعلها تترك التدخين، في المقابل يحيى رغم أنه يستصعب في البداية إلا أنه في النهاية يتقبل كون نورا مومس - رغم أنها ليست كذلك - ) ولذلك ما بدأ بالنسبة لنورا ويحيى مجرد مغامرة (يحيى كان يحب بنت الجيران عندما التقى بنورا لأول مرة ونورا كما قالت اعتبرت علاقتها بيحيى مجرد مغامرة ربما للترفيه عن نفسها) أصبح أكثر من ذلك بكثير فيحيى يرغب بتزوج من يعتقد أنها عاهرة عالما أنها لن تغير من حياتها ونورا تترك زوجها الغني وبيتها الرحب لتعيش مع صياد سمك كاد خلال الفيلم أن يموت جوعا لخلو بيته من الخبز.

أخذني الحديث بعيدا عن النقطة التي أردت الإسهاب فيها، التاريخ البشري كله كتب من وجهة نظر الرجل، نكاد لا نعلم عن "عوالم النساء" في التاريخ لأنه لم يصلنا منها شيء... حتى الأديان والشرع الديني يعبر دوما عن آراء الرجال، تجد آلاف الصفحات عن خبث النساء وإلحاحهن وكيفية معاملتهن إلخ، ولا تجد كتابات مقابلة من وجهة نظر النساء... قصة الحب هذه نراها بأغلبها من وجهة نظر يحيى وكنت أحب لو تعرفت على وجهة نظر نورا أكثر... ذكرت عدة أمثلة في ردي السابق على أفلام وروايات استخدم فيها هذا الأسلوب، يخطر ببالي الآن مثال أحدث قبل عامين (على ما أظن) كان هنالك فيلم (أكشن) باسم watchmen نرى الكثير من أحداث القصة من أكثر من وجهة نظر وكل وجهة نظر تجعلنا نفهم عالم كل شخصية على حدة كما أنها تكشف لنا أمورا غابت عنا.