خطاب الأسد الثالث: فرصة وضاعت
جمال أحمد
لقد كان الجميع ينتظر خطاب الرئيس السوري بشار الاسد لاعتبارات أهمها طول غياب الرئيس عن المشهد وتأخر ظهوره بعد وصول الانتفاضة الشعبية السورية مستوى بات مطلبها الأساس اسقاط النظام ورحيل الرئيس ومن جهة أخرى باتت نظرية المؤأمرة الخارجية بأدوات المندسين المسحلين وعصباتهم الاجرامية العنوان التبريري الوحيد للنظام الرسمي وإعلامه
وراجت شائعات قبل الخطاب ان يغيرالرئيس تلك الرواية او يعدلها اوحتى يخفف من حدتها .ولأن كان وصول آلاف اللاجئين السوريين خارج بلادهم هربا من قمع الجيش أجدى بأن تنهار له حكومات لا أن يفرد بخطاب وكلا الأمرين لم يحصل.ومما زاد من أهمية التطلع إلى الخطاب هو رد الرئيس على ما طالبت به لجان التنسيق السورية في بياناتها من وقف القتل والاعتقال التعذيب والعنف ضد المتظاهرين السلميين ووقف الدعاية الإعلامية ومحاسبة المسؤولين عن ذلك
وانتظار "حسم " الرئيس للتساؤل الأبرز والأهم هل سيقدم على اتخاذ خطوات عملية للتغيير مثل إطلاق سراح الآلاف من السوريين وسحب الجيش الى ثكناته وإعلان الغاء المادة الثامنة وتبليغ المواطنين بنتائج عمل ولو لجنة واحدة من اللجان الكثيرة التي شكلها؟
يبدو أن شيئاً من هذا لم يتحقق
بل وخيل للمرء وهو يتابع الخطاب كمن يستمع الى درس في التربية الوطنية والثقافة القومية أمام بعض التلاميذ . بل ان الرئيس استعار من خلفيته الطبية تشبيهات شخص بها رؤيته للمرحلة ووصف "المؤامرات كالجراثيم تتكاثر في لحظة وفي كل مكان وأنه لا يمكن ابادتها وانما يمكن العمل على تقوية المناعة في اجسادنا لصدها "وغاص خطاب الأسد بالتأكيد على الثوابت والوحدة والوطن ...الخ
واللجوء إلى العموميات عند الحديث عند مخرجات الإصلاح السياسي على الأرض والتغيير المطلوب .
لقد انتقد الرئيس في سابقة بعض سياسات النظام الخاطئة في العلاقة مع الاخوان المسلمين وما أسماه الصدام مع الاخوان المسلمين في الثمانينات عندما ذكر بأن تراكمات منذ تلك المرحلة "السوداء" ما زال البعض من الأجيال الجديدة يدفع ثمنها من عدم توظيف وعدم إعطاء موافقات أمنية وهذا يحملهم ذنبا لم يقترفوه
وهنا يبرز أن اقصى ما يمنحه الرئيس في ملف الاخوان هو وقف المتابعات لذوي اعضاء الاخوان لا الإخوان أنفسهم وبهذا رسالة واضحة بأن إلغاء القانون 49 لعام 1980 والذي ينص على عقوبة الإعدام لمن انتسب إلى هذه الجماعة ما زال بعيدا عن اجندة الرئيس "الاصلاحية" أو أن لغة التسطيح هي السمة الغالبة عليه بهذا الخصوص.
لقد اكثر الرئيس من استخدام مفردات الاحتماليات عند الحديث عن كُنه التغيير المطلوب ومادته فقال مثلاً بأنه سيطلب (بدلاً من طلب بالفعل أو أقر وفقاً لصلاحياته) سيطلب من وزارة العدل دراسة توسيع نطاق العفو الحالي مع ضرورة التفرقة بين "المخربين" وبين أصحاب المطالب المشروعة.قال بأن اللجان المختلفة مازالت تعمل ويجب انتظار نتائج عملها بل وأعلن عن تشكيل لجنة جديدة لدراسة تعديل الدستور السوري وأن هذه اللجنة ستطرح توصياتها في غضون شهر.كل هذه اللجان المهمة من حيث الشكل لم تلج إلى جوهر مخاطبة المفاصل الملتهبة في جسد الدستور السوري ليس أقل تلك المفاصل المادة الثامنة التي يحكم من خلالها حزب البعث الدولة والشعب تلك المادة التي جاء على ذكرها متسائلا ضمن سياق الحديث عن التعديل الجزئي أو الكلي للدستور والذي لا يجادل أحد بأهمية إجرائه أو ضروة إيكاله لذوي الاختصاص لصياغته إلا أن أس ذلك التغيير هو إعلان إلغاء المادة الثامنة بوضوح لا لبس فيه.
الاسد أكد على أهمية الحوار في تقرير مستقبل سوريا وقال إن هيئة شكلت للإشراف على الحوار مشدداً أن الحوار الوطني الشامل بات عنوان المرحلة الحالية
وهنا يتساءل الكثيرون مع من سيكون هذا الحوار؟ إذا كان كثير من قاد أو شارك بالحركة الاحتجاجية إما مندس او مغرر به أو إرهابي أو مسجون "بجرم مشهود" وفق تعبير الإعلام الرسمي.إن الحوار عملية مهمة جداً كما قال الرئيس ولكن من أراد الحوار عليه أن يعد له عدة ومن عدته تبييض السجون ومد اليد للمعارضة الحقيقية داخل الوطن وخارجه .
ثمة تلميحات في خطاب الأسد على إجراء انتخابات مجلس الشعب في شهر (اغسطس) آب حتى قبل إقرار قانون الأحزاب الجديد ثم يناط بهذا المجلس إقرار دستور جديد أو تعديله وهذا ضرب بعيد في تجاهل ما يجري على الارض من انقاضة شعبية حقيقية تحل البرلمانات والحكومات ويستقل الرؤساء لوقعها لا أقل من ذلك.
ذكر الرئيس أن اعداد الخارجين على القانون والمطلوبين للعدالة ...في بداية "الازمة" 64400 شخص وقال تخيلوا هذا الرقم من المطلوبين بقضايا مختلفة تصل من بضعة اشهر حتى الاعدام احكامها وهم فارون من وجه العدالة و كان يقصد هنا دورهم "التخريبي" المفترض في الأحداث ولكن تساؤلا آخر يبدو أكثر أهمية يطرح عن دور الأمن السوري بأجهزته المختلفة والشرطة والجهاز القضائي الذين سمحوا بمثل هذا الوضع أن يحدث؟
ويفوت في خطاب الرئيس إنكار الإعتراف بعمق الأزمة التي تعيشها البلاد و المكابرة عليها ومواجهتها بشكل مباشر وواضح لا لبس فيه فمسار الأحداث بعد الخطاب لن يكون كما كان قبله والاستجابة لمطالب الشعب هي أسمى وأنبل رد ولا ريب أن كثيرين سيرون في كلمة الاسد الثالثة فرصة وضاعت.
http://www.alhiwar.tv/article-62.html