لكي لا نتقعر كثيرا في مفردات قانونية اقول انه و من خلال مطالعتي لمفهوم العدل اتضح لي ان العدل يعني ان يكون الجزاء على قدر الفعل. و كما هو معلوم, و لا اعتقد اني اخترع البارود اذا قلت ان هذا المفهوم ايضا هو مفهوم يحتمل الكثير من وجهات النظر, لان تقدير الجزاء على الفعل يختلف من قانون الى آخر او من دين الى آخر. اعطي مثلا: العدالة في القانون اللبناني هي ان يسجن السارق لمدة معينة طبقا لحكم المحكمة, و العدالة اياها تقضي بقطع يد السارق في الدين المحمدي! مثل آخر: العدالة في الدين المحمدي هي رجم الزاني اذا احصن, في حين ان هذا الجرم لا يعاقب باكثر من اعتراف عند الخوري و يعود له ان يقرر مدى الجزاء تبعا للديانة المسيحية!!
ايضا و ايضا هناك مفهومان آخران مرتبطان كل الارتباط بمفهوم العدالة: الاحسان و الجحود!
اذا كان الجزاء على الفعل افضل من العدل فيه فذاك ما يسمى احسانا. مثلا: سرق احدهم من عندك امرا ما, فحكموه بالسجن لمدة معينة, لكنك ذهبت الى المحكمة و اسقطت حقك, و بهذا لم يبق على المحكوم الا الحق العام! يعني ان الجزاء في هذا الحال لم يكن على قدر الفعل, بل كان افضل للفاعل و هذا مما يسمى احسانا منك الى السارق. و يجب التنويه هنا ان الديانات كلها تدعو الى الاحسان و الذي هو اعلى مرتبة من العدل. اذكر اني قرات في ما قرات ان قوما في الجاهلية اتوا ابا سفيان قائلين: انا قد اختلفنا و قد اتيناك تعدل بيننا. فقال: هاتوا ما عندكم. و بعد ان شرح القوم اسباب خلافهم قال: افلا ادلكم على ما هو افضل من العدل؟ قالوا: و هل هناك ما هو افضل؟ قال نعم, الاحسان! و غني عن التعريف الحديث القائل احسن الى من اساء اليك ان الله يحب المحسنين!
هل سمعتم مرة بحديث يقول ان الله يحب العادلين؟
اما الجحود فهو ان يكون الجزاء اسوأ من الفعل نفسه. مثلا: صدم احدهم بسيارته احدا ما دون ان يتعمد ذلك اطلاقا, فتحكم عليه المحكمة اللبنانية بالاعدام حرقا. هنا و كما نرى ياتي الجزاء اسوأ من الفعل نفسه بكثير بالنسبة للفاعل.
انطلاقا من هذا التعريف و طبقا لاي قانون كان او اي دين كان نرى ان العدل نادر الوجود, فالامر يكون عادة اما احسانا اما جحودا!
هذا و الله ولي الجاحدين.