الزميل العزيز كايروس

أشكر لك سعة أفقك والتى تفيدنى كثيرا ، ليس فى الرد عليها ولكن فيما تفعله فى تقليب الافكار الراكدة واخضاعها لمعايير مختلفة عن التى اعتادها الانسان من خلال الحلال والحرام كفر ثابت لدى المسلم.

اقتباس:عزيزي كيف تراني فارضاً للرأي حينما اطالب بحرية التعبير والمعتقد للجميع دون استثناء؟

كلامك صحيح، ولكن الواقع يثبت أنها فرضية خيالية أو أنها أمل راق لن يتحقق فالواقع يقول إن حرية التعبير والمعتقد تسير وفقا لمشيئة الأقوى

- ففى وقت قريب مضى لم يكن مسموح فى أمريكا حرية المعتقد أو التعبير الشيوعى
- وفى فرنسا يتم تحديد حرية العقيدة الإسلامية فى لبس النقاب بدعوى حماية الأمن
- وفى الغرب يتم تحجيم حرية التعبير بدعوى معاداة السامية
- ويوما بعد يوم سيتم تعديل قانون حرية التعبير والمعتقد لتتوافق دائما مع منطق من الأقوى وما يؤمن به.

لذلك فحرية التعبير والمعتقد فى المشروع الإسلامى يجب أن تسير وفق مشيئة الأقوى (الله) وهو لن يتبدل.

ولكن المشروع الاسلامى من البداية يقرر مساحة حرية التعبير والتعبير من خلال تفسيرات الحلال والحرام وهى منهج اكثر وضوحا بسبب قدم النص ولكن سيتم تفسيره وفقا للظروف التى تسود وذلك نرى تفسيرات ابن تيمية اكثر تشددا بسبب الظروف التى نشأت فيها.

وقد لا يعجب الكثير مثل هذا القول ولكنه للتأكد يمكن دراسة الواقع جيدا لنعرف حجم حرية المعتقد المسموح به لمن هم من خارج المنظومة الغربية ،

ألا ترى بنفسك كيف يتم فرض ارادة امريكا واسرائيل على العالم كله رغم ان امريكا اكثر الدول مناداة بحرية الرأى والعقيدة للعرب ولكن مع ذلك تهدر عقيدتهم وتقول ان القدس عاصمة ابدية لأسرائيل وستفعلها فى كل حرية رأى وحرية عقيدة تقف امام مصلحتها ، فحرية التعبير والمعتقد يجب ان لا تمس ثوابتهم هم وليس ثوابتنا نحن.

ولكنهم يقولون لنا انهم المدافعين عن حرية الرأى والعقيدة ، بربك كيف تصدق هذا !!

وعلى سبيل المثال من حرية العقيدة ان يعبد المسلم الله كما يريد فى المسجد او يصلى او يصوم ، ولكن يأتى من يخرجه عن هذا بأن يضغط عليه بحرية التعبير فيسب مقدساته او يسخر منها ونطلب من المسلم التعايش مع حرية الرآى والتعبير!!!!

اقتباس:وانك تخلط امرين دون ان تعلم، فهنالك فرق شاسع كبير بين حكم اغلبية وديمقراطية تحافظ على مجموعات الأقلية والإثنان لا يلتقيا، وإن تشابها... ظاهرياً.

هناك ثوابت لكل مشروع لا يسمح بالعبث بها ويكون الحكم فيها للأغلبية وهى فى مفهومها الغربى تختلف عن مفهومها الاسلامى وتختلف عنها فى مفهومها الشرقى ولكن كل مشروع له ثوابت تمثل إجماع الأمة عليها وعندها تكون مشيئة الاغلبية وليس الاقلية وهذه ستجدها فى كل العالم ولكن تختلف من مشروع اسلامى الى مشروع امريكى الى مشروع صهيونى ، فلا اعتقد أن الديمقراطية عندهم هى المحافظة على الاقلية لو تعارضت مع الاغلبية.

اقتباس:ثمة إن الكلام عن اغلبية واقلية، ينسف مشروعك المسيحو-إسلامي؛ ذاك لأن ما طُبِّق على الغير سيطبَّق على "اهل الدار" —أي ان المسيحيين كأقلية سيخضعون تلقائياً لحكم شريعتك ولو بعد حين، أي سيؤكلون يوم يؤكل الثور الأبيض.

لا أملك هذا وإلا دخلت فى مخالفة النص الاسلامى نفسه، فمرجعى هو النص ومهما اعملت العقل فلن اتحايل على النص ، بل يعد خروجا عن الاسلام من عادى ذميا لا يبدأه بالحرب بل بيننا شرع الله.

اقتباس:تباعاً لذلك إن كلمة "الجماهير" في ما طرحت تبدو رثة؛ ذاك أنه ليس سوى غمسِ للملح في السكر، وسرعان ما سيذوب السكر. فكلانا يعلم أن مشروعك إنما اسس على "امرهم شورى" وفي المحصلة الشورى كانت بين الأبناء والأحفاد واولاد العم! والتاريخ مازال جاثماً على مناكبنا، فما لنا والنسيان؟

وكيف تكون الشورى فى مجتمع يشجع المسيحى على مسيحيته. وكما قلت التاريخ جاثماً على مناكبنا ، فما لنا والنسيان؟
انا لا أنسى ان معظم فترات التاريخ كانت العلاقة جيدة بين المسلم والمسيحى كمواطنين وأن الفترات السيئة كانت بسبب سلوكيات حكام اكثر منها سلوكيات مواطنين.

اقتباس:إن اللحظة ما تنفك تفلت من بين ايدينا لتمسي ماضياً، ويحزنني ان البعض مازال مصمماً على توثين البارحة وذكرياته ونصبه في ساحات اليوم، مع بعض الإضافات الجمالية لإعطاءه صبغةَ تقدمية.

البارحة بالنسبة للمسلم او المسيحى هى ديانته والتى قد تدخلها بعض الدراسات والأراء ولكن جوهرها واحد، ولكن ساحات اليوم والغد لا كيان ثابت لها ، وهى بين شيوعية وبين علمانية وبين حداثة وبين ليبرالية ... الخ ، وكل يوم سيكون هناك جديد ، لأننا سنسلم قيمنا لعقولنا التى كل يوم فى حال وتفتقر الى الرؤية الحقيقية بل هى نتاج إعلام مسيطر عليه عالميا ونتاج تيارات فكرية لا نعرف شيئا عن مفجريها ولكن نبدأ نعرف عنهم بعد أن تصلنا الفكرة ، إنه عالم افتراضى شديد الخطورة الذى تريدنى أن أركن ظهرى له فهو عالم يعتمد على معايير ثابتة بل معايير متغيرة جيلا بعد جيل.

اقتباس:الصدام اتى وحل بنا منذ عهود، فمقاربتك للأمر تخذلك متى وسَّعت الدائرة، فمن تحسبه قادماً غازياً ما هو إلا الإبن الأصلي للديار، عاش فيها منذ الألاف، وإن كان من حقِ فله وليس العكس.

الابن الاصلى لا يهدم الديار وديارنا ليست ارضا فقط بل ارض بأهلها بثقافة اهلها وتاريخهم. فكيف للأبن ان يطلب تغيير كل هذا ويظل ابنا.

ولكنك وجهت نظرى لكى احاول البحث فى فترة معينة فى التاريخ الاسلامى حينما انتشرت افكار الزنادقة فى المجتمع العباسى ، من حيث لماذا ظهرت وكيف أثرت فى المجتمع هل هى نتاج مجتمع تحلل ام ساهمت فى تحلله ام حققت له مزايا ، هذه فقط دراسة قد تفيدنى فى تقييم انتشار الافكار الغير اسلامية فى مجتمع اسلامى.

اقتباس:لقد أشَّرت في مشاركتك ما قبل هذه بأن السير لا يكون إلا مع التيار... أنِّر دربي، اينك منه فيما تطرح؟

انت تتكلم عن الهدف والذى أصبحت أراه يجب ان لا يكون معلنا ولكن لو تحدثت عن كيفية السير مع التيار فيمكن أن يكون بعدم الاعتراض على سلوك مرفوض بصورة مباشرة ولكن تشجيع السلوك العكسى لدى الغالبية مما يؤدى الى انكماش الاقلية (وتنفع جدا ثوابت المجتمع وتقاليد المجتمع فى محاصرة الافكار الجديدة)

وهذا المنطق سائد فى العالم ففى امريكا نجد سلوك مرفوض بدعوى مخالفة مبادئ الحريات الامريكية ولا نجد عندهم سلوك مرفوض بدعوى مخالفة الحريات العربية.

فمثلا لو تحدثنا عن حرية التعبير الأدبى ، يتم دعم المحافظين فى الآداب من الطرفين المسلم والمسيحى بحيث يتم مهاجمة المنطق المرفوض بمنطق يجد شعبية اكثر بين الناس ومنهم فيهم ستنتهى الحريات المرفوضة من مجتمع دينى محافظ، بحيث لو كان هناك صدام يكون على مستوى الافكار قبل ان تصير افعالا ثم سلوكاً.

وتقبل احترامى ورجائى بأن لا يفسد الخلاف فى الرأى مشاعر المودة بيننا.