هذا المقال يحلل عقلية المذيع الحكومي الذي افتخر بعرض آيات أمام التلفاز و يحلل عقدة اعتذار رموز العارضة على التلفاز . مقال يستحق القراءة
==================================
الاعتذار أمام الظريف الحمد
كاريكاتير ساخر للحمد منتشر في صفحات محسوبة على المعارضة، نتائج معكوسة
نادر المتروك*
ليس جديداً على السلطات في البحرين اللّجوء إلى إظهار قادة المعارضة في صورة المستسلمين الذين يقدّمون الاعتذار والنّدم وطلب العفو. لا يقتصر هذا الأسلوب على النّظام الحاكم في البحرين، فكلّ الأنظمة تستهدفُ تحطيم إرادة المُعارضين من خلال قهْرهم وإذلالاهم أمام جماهيرهم. السلطاتُ في البحرين غالبا ما يكون هدفها موجّها ناحية جمهور المعارضة، والذي ترْبطه علاقات وثيقة مع قياداته، تتعدّى العنصر الكاريزمي والإتباعيّة القياديّة إلى ما يُشبه الإيمان العقيدي والاستعداد للتضحية لها. تعتقد السلطاتُ أنّ كسْر هذه العلاقة، وإحداث الشقوق فيها، يُعينها على إتمام مهامها الرئيسية، خاصة لجهة إرغام زعماء المعارضة على القبول بالعُروض المتوفّرة، والدّخول من الأبواب المفتوحة لها، وبغضّ النظر عن حجم هذه الأبواب وإلى أين تُفضي. يجد مهندسو الاعتذاريّات المركّبة أنّها أفضل السّبل لاختصار طريق التفاوض الشّاق، فليس على الزّعماء إلا الكفّ عن المطالب ذات السّقوف العالية، وليس على الجماهير إلا الرّضوخ للأمر الواقع والعودة إلى منازلهم وإخراس الأصوات والتكبير من أسطح المنازل. وإلا فإنّ المزيد من الاعتذاريّات المُذلّة في الطريق.
في مثل هذه الأيام، من العام 1999م، أظهرت السّلطة الراحل الشيخ عبد الأمير الجمري، وبشكل مفاجئ، وهو يُلقي خطابا شبه اعتذاري أمام العاهل الحالي. كانت السلطةُ تحسب أن ذلك سيؤدي إلى إضعاف الروح العامة للناس، أو التشويش عليها. كان الشّيخ الجمري قد خرج للتّو من محاكمة صوريّة، والمشهد أوْحى أنّه في طريقه إلى القبو مدّة عشر سنوات وما يُعادل غرامة 15 مليون دولار. تتركّب هذه الصّورة، مع وقوفه في المشهد التلفزني يقرأ من ورقة محفوظة بغلاف شفّاف، لتُرْسِل تلك الرسالة المؤلمة. يعلم الجميع، أنّ سير الأمور لم تتم على النّحو الذي أراده مخرجو العملية، فبعد الإفراج عنه تداعى إليه الناس بكلّ محبة، لتُجْبَر السلطة على وضْع الشّيخ الجمري في حجْزه الإجباري، ما أكّد أن أي تغيير في المعادلة لم يحصل جرّاء الظهور التلفزيوني، باستثناء الصّدمة العابرة.
من حُسن الحظ، أنّ تلفزيون البحرين قدّم سلسلة من الاعتذاريّات المغشوشة، ضمن إدارته "الإعلاميّة" للأحداث الجارية. ومن حُسن الحظ أيضاً أنّ هيئة الإعلام انتخبت أشخاصاً ظرفاء – على وزن الإعلامي سعيد الحمد - لتقديم الاعتذاريات للمشاهدين. أصبح الجمهور أكثر تحصينا من الناحية النفسية، ولديه القابلية الواعية لاستيعاب مسلسل الاعتذاريات، ومهما كان مستوى اتقان الفبركة والإخراج. حفّز ذلك على مقابلة الاعتذاريات بروح غير عادية من الدّعابة والسخرية، وعمِد كثيرون إلى إنتاج مواد فلمية متنوعة للتعبير عن السخرية مما يُعْرَض على شاشة حكومة البحرين. يُعبّر اللّجوء السّاخر عن أمرين، الأوّل: اليقين الدّاخلي من عدم صدْق ما يُعرض في الشاشة الحكومية، والثّاني: فهْم الخلفيات النفسية المُراد إيقاعها في نفوس النّاس.
في هذا السياق، ليس معروفا طبيعة التسجيلات المصوّرة التي منحتها الأجهزةُ الأمنية في البحرين لمراسل قناة العربيّة، وتولّى الترويج لها عبر صفحته في تويتر وموقع القناة. بعض أقرباء القيادات المسجونة يؤكدون حصول عدّة تسجيلات أثناء التحقيق معها، ومن بينها اللقاء المسجّل الذي ظهر فيه القيادي عبد الوهاب حسين شارحاً وجهة نظره أمام منْ قيل إنه مبعوث عاهل البلاد. إلا أنّ الغاية المأمولة من وراء الاعترافات المزعومة باتت مفقودة، وليس متيسّرا تحقيق أي اختراق نفسي في صفوف المؤيدين للشخصيات المعارضة، فضلا عن تراجع أتباعهم وإعلان الاستسلام. والأقوى، أنّ هذه النتيجة غير بعيدة عن المسؤولين، ولكنهم يصرّون - للأسف الشديد - على ارتكاب الفواحش في الإعلام على قاعدة "عليّ وعلى أعدائي"!
* كاتب بحريني
http://www.bahrainmirror.com/article.php?id=1189&cid=90