حاول النظام الإرهابي في سوريا جرّ البلاد نحو حرب طائفية (محدودة) تمثلت في في أحداث بانياس واللاذقية في بداية الثورة السورية حتى يطرح نفسه كصمّام أمان وحيد للأمن في البلد.
هذا لا يعني أن النظام السوري راهن على انقسام طائفي فحسب ؛ بل ان النظام الإرهابي السوري هو نفسه ذو بنية طائفية ؛ وهناك حقيقة هامة تؤثر على مسار الأحداث في سوريا وإن كان أغلب السياسيين والحقوقيين والاعلاميين تجنب إثارتها هروبا من تهمة "الطائفية" هي أن النظام السوري يقاتل بدافع طائفي وعن عقيدة طائفية...
النظام السوري نظام طائفي بامتياز ؛ قام بتركيز السلطات الفعلية في الجيش بيد عناصر مقربة تنتمي إلى الطائفة العلوية لا غير ؛ وحتى وإن قام باستقطاب عناصر درزية أو مسيحية أو سنية وأقحمها في نظام الحكم من خلال مناصب سياسية ؛ إلا أنها تظل فسيفساء شكلية لتجميل قبح وجهه الطائفي لأن النظام السوري نظام عسكري والسلطة الحقيقية بيد العسكر وليست بيد السياسيين. وتلك المناصب السياسية الممنوحة لطوائف أخرى هي بلا تأثير في اللعبة أو في صناعة القرار فدور حامليها لا يؤثر على توازنات السلطة ؛وأصغر ضابط علوي يمكنه تجاوز قيادييه (السّنة) الأعلى منه رتبة بكل سهولة. وأهمّ حقيبة وزيرة سياسية بيد وزير سني أو مسيحي لا تساوي شيئا أمام بسطال عنصر علوي في الجيش.
العلويون -أو الأصح النصيريون- (والشيعة عموما) تقوم معتقداتهم على الشعور بالإضطهاد والمظلومية عبر التاريخ ؛ وبعد أن أصبح (العلويون) في الحكم يعتقدون أن خروجهم من الحكم يعني عودة الإضطهاد من جديد ؛ وعودة طائفتهم إلى "الجبل" وإلى الإنزواء في زوايا التاريخ ؛ لذلك فإن (دولة مدنية) أو (ديمقراطية) حقيقية تعني بالضرورة السقوط الحتمي لنظامهم الطائفي ؛ كون طائفتهم بلا قدرة على تغيير قواعد اللعبة أو إحداث توازنات لصالحهم إذا ما خرجوا من الحكم ؛ لذلك لن يغامروا بتسليم الرئاسة إلى رئيس "سُني" مهما حدث. رغم كون أهل السنة هم الأغلبية.
خلال الأسبوع الماضي خرجت في عدد من أحياء حمص - التي فيها عائلات علوية مثل حي النزهة و الزاهرة وكرم اللوز - مظاهرات ضد بشار الأسد يطالبونه بالرحيل، ليس لأنه ديكتاتور أو مجرم ، لكن لأنه لم يستطع حمايتهم حسب زعمهم ؛ وبعضهم حمل معه أو ألصق على الحيطان صورة للمجرم ماهر الأسد وعليها عبارة ( ويلكم إذا نفذ صبره ) ؛ وكأنهم يهددون بحماة أخرى على شاكلة مأساة العصر سنة 1982.
هذا المشهد له دلالاته التي لا يجب أن نغفل عن أسبابه ونتائجه.
مشهد يراد من خلاله ارسال رسالة أن ماهر الأسد بإمكانه أن يجدد عمّه رفعت الأسد وأن تتكرر مأساة حماة جديدة إذا لم يتوقف (السّنة) عن المطالبة بإسقاط النظام "العلوي" .. وهذا المشهد التحريضي من العلويين لم يلفت انتباه أحد ممّن يتباكون خوفا من انشقاق طائفي في سورية.
الثورة السورية استوعبت منذ البداية أهدافه وخططه وتجاوزتها وأحبطتها ؛ وأدركت خطورة المسألة الطائفية لذلك طيلة هذه الأشهر لم تنزلق نحو خطاب طائفي بإمكانه أن يسهم في تشويه نصاعتها ؛ وعلى قيادات الثورة أن تقدّم تطمينات للطائفة النصيرية أن التعايش ممكن في ظل نظام غير نظام عائلة آل الأسد ؛ خاصة وأن النظام يلعب على وتر العصبية من أجل ترسيخ أقدامه في الحكم ليس إلا ؛ لأن عموم الطائفة العلوية تتقاسم مع باقي الطوائف نفس الهموم ولمشاكل والأزمات. وماهي -أي الطائفة العلوية- إلا قنطرة عبـَر عـبـْرها آل الأسد إلى السلطة