ترحيل وحرمان من «بلادي»
غدي فرنسيس
متضامنون لبنانيون مع الشعب السوري في طرابلس أمس (عمر ابراهيم ــ رويترز)
في المرة الأولى، سلمت الجرّة. أما في المرة الثانية، فانتهى بي المطاف موقوفة على الحدود اللبنانية مع كتاب من الأمن السوري الحدودي، «مطرودة وممنوعة من الدخول لأسباب أمنية». وحتى الساعة، لم ينقذني بعد وزير الإعلام، بل هو ووزارته طلبا مني الرحيل قبل أن ينفّذ رجال المخابرات مشيئتهم. ولم تستجب لمناشدتي لجنة إعداد قانون الإعلام الجديد، أو لم يُسمح لها.
يوم الاثنين 11 تموز طفح الكيل من نشاطي ومقالاتي «الوقحة» من دون إذن وزارة الإعلام. كنت في سيارة صفراء أخرى في طريقي إلى فندق الشام للقاء رسام الكاريكاتير علي فرزات. رنّ الهاتف، رقم غريب: «ممكن أن نراك لعشر دقائق فقط، اعتبريني موظفاً رسمياً». قلنا: «أكلناها». بدأت جبهتي تتعرّق وأفكر في السيناريو المقبل. كنت حينها أتلقى اتصالات تهديد غريبة
وأسمع صدى صوتي بسبب التنصّت. كان محل الإنترنت في حارتنا في باب شرقي قد طلب مني عدم استخدام أجهزته؛ لأن تنبيهاً أمنياً أتاه. كان وهم الأمن قد بدأ يلاحق خطواتي جميعها من البيت إلى المقهى إلى دور المعارضين إلى لجنة الإعلام. كنت أشعر بخطواتهم خلفي.
حل على طاولتي المخابراتي: أنا المقدم فلان الفلاني من جهاز المخابرات، رسالة المعلم «خففي عنّا شوي». تسلمت الرسالة ورددتها بوقاحة وانتهى فنجان القهوة المتوتر. لم أعلم ما الذي كان عليّ أن أفهمه، كما لم أكن أعلم أي جهاز هو هذا، وأي مخابرات وماذا تعني تلك الرسالة.
توجّهت بارتياح إلى الطاولة الأخرى حيث جلس الرسام الكبير، وأخبرته كما أخبرت جميع أصدقائي أن مقدماً أبلغني رسالة. بعضهم نصحني بالمغادرة، لكنني أصررت على البقاء في دمشق.
في اليوم التالي، اتفقت مع صديق مفكر من السلمية، على أن أسافر معه بحثاً وأملاً بالوصول إلى حماه. من دمشق إلى السلمية فحماه، تغطية صحافية أخرى بمساعدة أصدقائي من أهل المدينتين.
نشرت المقالة في اليوم التالي، حجبت الجريدة وتلقيت اتصالاً من «مسؤولة العلاقات العامة» في وزارة الإعلام. طلبت مني المغادرة ولقيت رداً وقحاً «لن أرحل عن بيتي وأصدقائي تلبية لرغبة أحد، فلتأتي القوى وترحّلني». لم تكذب الإعلامية خبراً.
مر الوقت العصيب بهدوء نسبي، توجهت إلى لجنة الإعلام وقلت إن الوزارة طلبت مني الرحيل إلى بيروت لأنني أعمل من دون ترخيصها. لم تستطع لجنة إعداد القانون أن تحميني. صباح اليوم التالي، عاد الرقم الذي سجلته على الهاتف «مخابرات». رنّ هاتفي وأنا أتسلم فنجان القهوة من يد زوجة ميشال كيلو. أجبت الهاتف.
«ماذا؟ أتريد اعتقالي؟»، أجابني مقدّم المخابرات: «لو كنت أريد اعتقالك لجئتك على الجزماتية (الميدان) أو ربما حين كنت في برزة». كان يراقبني طوال يوم الجمعة. «حسناً، سآتي». للصدفة، إن فرع المخابرات ذلك كان قريباً من بيت ميشال كيلو في شارع بغداد. نصحني الأستاذ ميشال بأن أترك حاسوبي في منزله، وأن أذهب لأرى ما يريدونه مني. كفكف دموعي وطمأنني. وصلت، وبشّرني المقدّم: «على الأرجح سي<ري ترحيلك ومنعك من الدخول». جن جنوني مجدداً.
ففي صباح ذلك اليوم، كنت أظن أن بعض المعارضة وحدها تهاجمني وأن النظام مهما فعلت، لن يستجيب لها. كيف سيتفق مع معارضيه؟ ثم إن التلفزيون السوري كان يردد اسمي ويعرض جزءاً ضيّقاً من مقالتي. «كيف يستعين بها، ويرحلني بسببها؟».
علمتني اللقاءات الدمشقية أن بعض المعارضة كما بعض النظام. كنت أؤمن بقانون الصدق السوري: اِكره الجميع وأحب سوريا الصادقة، بعيداً عن السياسة. انظر إلى المتظاهر لا إلى العرعور، انظر إلى الدولة وسيادتها لا إلى النظام وسيطرته. انتقِ ما تحب وما تكره من الجميع، ذاك يريح الضمير أمام مشهد العصفورية السورية. لم أكره المقدم الذي رحلني، فقد كان يستمع، لكنني كرهت «المعلم» كره الشياطين.
أعطاني المقدم أملاً: حالاً يراك «المعلّم» ويقرر. في الطبقة الثانية كان المعلّم بانتظاري، لا ليسمعني بل لأسمعه. ولم يكن سيعدّل قراره. كان معه على الهاتف «سيدنا» آخر مجهول، يتابع تفاصيل عقابي. كان واضحاً أن القرار محسوم.
في تلك الغرفة مفروشات باهظة وصور كثيرة وعلم بعثي، ورجل مستفز خلف مكتب مليء بالهواتف. سمين أسمر بشعر أبيض، تحته آلة لتدليك القدمين. طلب الجريدة من معاونه، حمل قلمه الأصفر وأخذ يعلّم «كلمات لا تجوز». لوّن المقالة بالأصفر، نادى للمقدم مرة أخرى: «تعامل معاملة موقوفة حتى الحدود مع منع دخول، يللا روحي».
نظرت إليه وإلى آلة تدليك قدميه المستفزة. «كيف ستمنعني من بلدي؟»، رد بعينين مستديرتين وصوت ضخم: «هذا بلدي أنا»، مشيراً بإصبعه إلى صدره. بكيت، وبكيت، وبكيت عالياً وغضبت وخبطت يدي على الأبواب والطاولات. بلا جدوى!
عدنا في المقعد الوسطي الخلفي بين أربعة رجال، إلى غرفتي في باب شرقي. هذه المرة لم أكن أخجل، كنت أمشي كعلامة استفهام كبرى مع دموعي. كل شيء حدث سريعاً قبل أن يتسنى لي ابتلاعه. بينما توجهنا لترحيلي، ذهب أحدهم إلى منزل كيلو، وأتى بحاسوبي.
صعدت والمقدم إلى غرفتي. حزمت أمتعتي وأوراقي بإشرافه. انطلقنا مرّة أخرى نهائية. مع احترام وهدوء ومعاملة حسنة. غنيت في سيارة الأمن وبكيت وضحكت «يا مال الشام».
في هذه السيارة لم يكن للصمت مكان. كانت رحلة أخيرة. لم أكن في حالة عصبية تراعي أحداً،
شتمت وأنبت الرجال «أنتم سبب سقوط نظامكم». وتمتمت بالأسماء الكبيرة شاتمة. لم يفعلوا لي شيئاً. كانوا يضحكون ويصمتون. وأحياناً يتمنّون بتعاطف «انشالله بترجعي». هناك أيضاً في تلك السيارة، أصبح لي أصدقاء تفهّموني.
وصلت معهم إلى الحدود، انتظرت الكتاب الذي سيرافقني إلى لبنان: «مرحّلة لأسباب أمنية». ثلاث ساعات عند الأمن اللبناني لتوضيح أن الأسباب الحقيقية صحافية لا أمنية وللتوقيع على «سند إقامة».
حتى الساعة لم ينقذني وزير الإعلام ولا لجنة إعداد قانونه، ولا المخابرات «باعتباري شبيحة» ولا المعارضة «باعتباري مندسة». حتى الآن ممنوع على صحافي يعدّ نفسه سورياً أن يدوس أرض بلاده.
ساعات «الأمن الجنائي»: تجربة من واقع سوري
خلال تحرك في دمشق (مظفر سلمان ــ أ ب)
أجمل ما أحدثته الانتفاضة العربية في حياة كل واحد منا أنها أدخلتنا في تحدّ مع حقيقتنا. الصراع يدور، الغضب هناك، الشعب يثور. إلى أي مدى نريد أن نقف ونشارك في هذا الحدث؟ من نريد أن نكون؟ على ضفاف المشاركة الصحافية في الانتفاضة السورية، كان لي تجربتان مع اجهزة الأمن وكذلك وزارة الإعلام. هنا اعتقالي الأول عند الامن الجنائي
غدي فرنسيس
الساعة الثانية ظهراً من يوم الجمعة 6 أيار في دمشق... كيف لصحافية أن تهدأ؟
صعدت في سيارة صفراء من صبحية مقاهي الشعلان. قلت ببراءة مواطن، لا صحافي، «باب شرقي». ثم حين مشينا، بعد ثانيتين بدأت تتسلل الصحافة إلى السيارة. كنت دائماً أتذكر نصائح الأصدقاء: «ضبّي لسانك بالسيارة، شوفيرية التاكسي مخابرات». كان حظي يومها أن السائق مخبر ومستعد للمغامرة.
علمتني يوميات السيارات الدمشقية الصفراء المزركشة بالألوان والأنوار والأزهار الاصطناعية والصور والقلادات، أنهم بشر من لحم ودم ولسان سوري، وأن بينهم والد شهيد وتلميذ الجامعة وشبيحاً ومندساً... كان رهاني على نية أحمد. فالسائق بطل دمشق من دون منازع. هو، كما هي المدينة، يصادف أن يكون من فلسطين وتأتي طبريا إلى السيارة، ويصادف أن يكون جولانياً، فينبض فيك مقاومة. يصادف أن يكون ابن الميدان أو مصياف أو السويداء. كانت خطيئتي وسذاجتي يومها أنّي رأيت في سائق تلك السيارة الصفراء أخاً ومواطناً وصديقاً وسورياً طيّباً، هو رأى فيّ صيداً يبحث عنه.
«رايقة اليوم مو؟»، فيرد السائق «لا والله ما في شي، بعدني جاي من المعضمية». هناك، استسلم المواطن، واستفاقت الحاسة الصحافية، «يعني فيك تاخدني عالمعضمية، مو؟». وخرجت من المغامرة بجمع شهادة عين وأذن وصور من وضع ريف دمشق بعد ظهر ذلك اليوم: السومرية، المعضمية، داريا، التل، حرستا، دوما، وختاماً عند الميدان، لقاء أربعة آلاف ليرة سورية، أي نحو 80 دولاراً.
في تلك «الجمعة»، استهجنت القدرة الهائلة التي رافقت رحلتنا، فقد مررنا على عشرات الحواجز بين جيش وأمن. ووصلنا إلى ساحة الغضب في عزّها في «التل». كانت تدرّجات الأمن والشبيحة والأهالي والمتظاهرين تفترش الشارع عارية؛ عصي وهتاف ودواليب مشتعلة وأجهزة. «غضب الأهالي»، كما قالها زياد الرحباني، ولم يتعرّض لنا احد. ثم مررنا على يسار شاحنات الجيش الكثيرة عند مدخل دوما، ولم يتعرض لنا أحد أيضاً. كانوا يأخذون الهوية، ويعيدونها، ونعبر بإعانة حجج يخترعها أحمد ويكذب على الحواجز. لم يذكر لأحد أن في سيارته عين صحافية.
انتهت الرحلة، وبفضل إمكاناته المتميزة، اتفقت مع احمد: «غداً إلى السويداء؟» وأخذت رقم هاتفه... بعد الجولة، كنا قد تعارفنا، ورأيت صورة ابنه الصغير على هاتفه. توقفنا واشترينا المياه والعصير، ومزحنا وتكلّمنا في كل شيء... ظننتنا أصدقاء، شعرت بأمان، أردت ان اذهب معه إلى السويداء في اليوم التالي، لكنه قرر أن يأخذني إلى الامن الجنائي.
في اليوم الثاني (7 أيار)، التقيت صباحاً
بالروائية المعارضة سمر يزبك. كانت مقابلة «بوليسية» كثيراً. تتخفى وتعتمد السرية وتتلفت يميناً وشمالاً. أوهمتني بأن مجرّد الجلسة معها خطر امني... حينها صرّحت لي بأن هاتفها مراقب، وكذلك شخصها وبيتها، وأنها تتعرض للتهديد بابنتها. كان في قلق عينيها الزرقاوين، وجه الأمن السوري المخيف.
بعد اللقاء، هاتفت أحمد لكي نذهب إلى السويداء. ما إن ركبت سيارته حتى بان لنا حاجز امني مفاجئ في قلب العاصمة امام فندق فور سيزونز. كان هجيناً ان يستوقفنا، ثم سارع احمد إلى القول «هذه صحافية»، بعدما حجب تلك المعلومة عن كل الحواجز يوم الجمعة. هناك قلت «أكلناها».
وفعلاً تبيّن لاحقاً أن الحاجز كان على شرفي وبالتنسيق مع السائق، الذي رفع تقريره مساء الجمعة وكُلّف بجلبي...
الضابط الدرعاوي، وجدي، ورجاله كانوا بانتظاري.
دقائق من سؤال وجواب وبطاقات، أخذوا هاتفي وأصبحت في سيارتهم، وانطلقنا إلى باب مصلى، حيث فرع الأمن الجنائي، والتهمة: صحافية. أمسيت في المقعد الوسطي الخلفي، بين اربعة رجال من صمت. صمت يقاطعه هاتف الضابط: «نعم سيدنا، جايين». وهناك بدأ صراع علامات الاستفهام في عقلي، «ماذا سيحدث الآن؟ إلى اين نذهب؟».
وصلت إلى فرع الامن الجنائي، بمزيج من الحشرية والقلق والغضب والشوق في آن. هذا الفرع يختص بالدعارة والمخدرات إجمالاً، لكنه في مثل هذه الايام، يعيش ربيع ازدهار نشاطه لتطهير الشارع من المندسّين، ومنهم الصحافيون... فهو الفرع نفسه الذي احتجز «مثقفي» الميدان قبل أسابيع. وهو الفرع نفسه حيث كان «المندس الحمصي» معلّقاً بالمقلوب ليصبح لاحقاً بطلاً من ابطال «اعترافات الإرهابيين» على التلفزيون السوري الرسمي.
وجه الأمن الجنائي، الذي يستقبل الصحافة، مختلف. الضابط المكلّف بمجالستي تلميذ دكتوراه في العلوم الاجتماعية. منذ اللحظة الاولى، عوملت باحترام وتفهّم. كان لا بد أن يراني «المعلّم» كي يقرر مصيري، فانتظرنا. بمزيج من وقاحة وغضب وصمت وحزن، كنت اتعرّف اكثر إلى الضابطين المتناوبين على مجالستي،
بينما ينسخان مقالاتي السابقة عن الإنترنت ليراها «سيدنا». المشكلة أن المقال الاخير كان من حمص وعنها...
صعوداً إلى مكتب المعلّم، تتألق الصور العملاقة على مدخل من زجاج أسود. خلف المكتب رجل سمين، يحمل نظارته ويطّلع على مقالاتي من خلفها.. إلى عناوين، آخرها «حمص: في الشارع...».
يطلق حكمه على مسمع ضيف في مكتبه وضابط وأنا: «اصطحبها إلى الفندق وخذ الحاسوب واكشف على الكاميرا وعد، لا ترخيص من وزارة الإعلام ليوضح ماهية عملها ولا المقالات تبيّن أنها مع البلد».
من مكتب العميد، عبوراً بآليات التبجيل للقائد وعشرات الرجال المتوزعين في المبنى وأمامه، ننطلق إلى غرفة الفندق: «علينا ان نجلب الحاسوب ونكشف عليه، بعدما أصبح الهاتف بعهدتنا، والكاميرا لاحقاً». هذه المرة استقللنا حافلة صغيرة. الضابط في المقعد الأمامي على اليمين، وأنا بين الشباب في الخلف، والآلية الأمنية معروفة عن بعد، وزحمة دمشق القديمة تلفّنا. عيون الناس تنظر إليك في تلك الشاحنة بمزيج من تعاطف وكره ملتبسين. لا شيء يدعو إلى الخجل، لكن تخجل من عيونهم، فأنت في عهدة الأمن: متهم.
إلى الحارة الضيّقة، ترجلت والضابط من الحافلة وسرنا باتجاه البيت القديم الذي كان يؤويني. لم يسمح لي الضابط بأن اسلّم على أصدقائي في الحي، لكنني سلّمت. كان سلاماً سريعاً ولم أقل شيئاً. حاولت أن اتمتم كلمة الحروف الثلاثة «امن». أكملنا إلى دار النحّات. لم يتركني أختلي في غرفتي في الفندق ـــــ البيت، أصرّ على أن آتي فقط بالحاسوب وبقي باب الغرفة مفتوحاً. دقائق، وأصبحنا في الحافلة مرة أخرى. وفي المسير والحديث يصبح الضابط صديقاً متعاطفاً مع موقفي.
كنت أسائله وأدينه، كأنه هو القرار الذي أوقفني. أحاكي رئيس الدولة ورئيس الجهاز ووزير الإعلام في وجهه، وهو كان يتعاطف معي اكثر ويبدي تفهّمه. للحظة ظننته هو الموقوف وأنا الضابط. عدنا، هناك استقررت في غرفة احتجازي. مكتب الضابط واسع، تزينه صور الرئيس ووالده وأخيه الراحل.. واحدة في «برواز» وكتب عليها: «قائد مسيرة الحزب والشعب»، وصورة أخرى في ساعة معلّقة في صدر المكتب، وصورة ثالثة للرئيس مع طفلته... وعلم حزب البعث. كنت أنظر إلى الصور المعلقة ولا أتعب، كأنني اتابع حواري معها. وقاحتي لم تأتني بعقاب. كنت أغضب، أطلب هاتفاً لأكلم والدي وأشرح له أنني «لم أمت»، وكان الضابط يرفض قائلاً «تعليمات علينا تطبيقها»، متمنياً لو كان بإمكانه إعانتي.
أبشع ما في الانتظار انك لا تعرف متى سيفرج عنك، والرجال يؤجلون سؤالك كل الوقت: «ساعتان على الأكثر وتنتهي الإجراءات»، «بعض الوقت ونرفع الإفادة»، «ليس الوقت بيدي». هكذا مضت ساعات العصر، ومن بعدها المساء. يدخل إلى المكتب ضابط ويخرج آخر، يدخل عنصر ويخرج آخر. وزّعت وجبات العشاء أمام عينيّ على الشباب المتعارف عليهم بلقب «شبيحة». أعاقر السجائر والمياه. عرض الضابط عليّ العشاء فرفضت. يسايرني فأجيب بوقاحة. أهدأ قليلاً. نتكلّم في السياسة ووضع الشارع والناس وإخفاق الأجهزة. كنت ألومه فيستمع دون أن يعاقب لساني السليط. سمّعني على حاسوبه صوت موال جوزيف صقر، «عندن بإسمي سبع ملفّات». كان طريفاً وواسع العقل. غريب أنه ضابط أمن.
عشت على أعصابي رحلة الهبّات. أهدأ، أستمع، أدخن، اتكلم، انظر إلى الصور، الساعة، ويجن جنوني. أفكر بأبي وأمي وأصدقائي وأخي في الخليج وأخي في اميركا. أفكر بما قد يدور في عقولهم، وفي قلقهم. أفكر بأمي التي ترتجف في بيتها ولا تعلم أين أصبحت. أنفجر بكاءً. تعود العصبية والشتيمة.
نظرت مرات عديدة إلى الاعلى حيث الرئيس أعاتبه...
وقلت بصوت عال على مسمع الضابطين: «الله يعينك يا بشار الأسد على التخلّف اللي حاكم»، ولم يفعل لي شيئاً، كسرت المنفضة قطعاً صغيرة، ولم يفعل لي شيئاً. في هبة أعصاب أخرى، أمسكت قميصه ودفعته إلى الخلف بقوة، «هاجمته جسدياً»، ولم يحرّك ساكناً. سرقت هاتفي من جراره، استرده فقط، انتقدت الامن والإعلام والبعث و«سيدنا»، ولم يقم بأي رد فعل. لم أتذوق شرف الاعتقال، بقيت قيد «تدقيق أمني» وسهرت 24 ساعة متواصلة بين مكتبي الضابط والضابط الثاني.
انتظرت وانتظرت بين غضب وهدوء: إنها الرابعة فجراً، السادسة صباحاً. بدأت أبواق السيارات الصفراء تنادي مستديرة باب مصلى، وأنا أراقبها من نافذة مكتب الضابط. دون أكل، بلا نوم، ودون أن اعرف «ماذا سيحدث؟». إنها التاسعة، استفاقت الدوائر. حان وقت الظهر، أنقذني وزير الإعلام.
أي تغيير؟
قصة من قصص كثيرة في المدّ والجزر مع الأحداث السورية تحدث كل يوم مع كل من يكسر الممنوعات الصحافية والسياسية والحياتية. ثمة آلاف المعتقلين السوريين الذين يتلقون معاملة اقسى كثيراً من معاملة الصحافي اللبناني. ثمة مئات المفكرين والكتاب السوريين الذين قطف السجن سنواتهم. لا يمكن ان يعد هذا الموقف او ذاك مشهداً عاماً او حادثاً بطولياً. لا يجوز التعميم. هو نموذج عن ازمة الحرية في البلاد.
بين الاعتقالين الاول والثاني والترحيل والمنع، جلست في قاعة إعداد قانون الإعلام الجديد، ورأيت بأم عيني أن هناك مسعى حقيقياً لإحداث تغيير ما، لكن لم ألمس فاعليته. ثلاث مرّات قلت للجنة الإعلام إنني اتعرّض للمضايقة. تعاطفت معي، وحاولت أن تغيّر شيئاً ولم تستطع.
إذا كان القرار الامني هذا وذاك أقوى من لجنة صناعة القانون، فأي تغيير سيحدث؟
"
von غدي فرنسيس, Freitag, 22. Juli 2011 um 16:27
ما دامت بعض المعارضة الكريمة تعتبر كل من لم يمتهن الشتيمة بوقاً، وكل من لا يتفق على "لا-برنامجها" مخابراتياً...نسرنا نحن الذين نعاني يومياً من التضييق ومنع السفر ومنع الدخول ومنع الإنترنت وبعض انواع التواصل في بعض المحافظات أن نعلن إنتمائنا إلى الكفر بالمعارضة والنظام سوية.
إذا كان لا بد من لبس بوق كي يسمع الصوت، تعلن إدارة "كفرت بأصحاب المنابر والاموال" عن مشروعها السياسي بكل جدية.
يسرّنا فخراً ان نلبس بوق ونعمل لدى نظام يرفع في العاصمة لافتات تقول "سوريا اخترعت الله"...ويباشر بتحويل دور تحفيظ القرآن إلى أي شيء آخر...تحفيظ المتنبي مثلاً، والحمداني، وأبو العلاء المعري والقباني وغادة السمان والكنفاني وناجي العلي....وقد يعطي لكل دار إسم واحد من أولئك السوريين الكبار القدامى... كما يسرنا ان نموت في سبيل الدفاع عن نظام لا يعتبر موتنا ورقة للتفاوض بها، داخلياً وخارجياً. يسرنا أن تحمل الطائفة القليلة كالبهار ونرشّها فوق الطائفة الكبيرة لتتذكران أنهما سوريا سوياً. يسرنا لو يمنع رجال الدين من اي شيء سوى الصلاة وأن يحدد عدد الجوامع المسموح بها..لا نريد جوامع اكثر من البيوت....شكراً سيادة الرئيس، لدينا جوامع تكفي لثلاثمئة عام من السياحة الإسلامية حين يعود الربيع السوري العربي. نطالب ما تبقى من دولة في الدولة بتغيير جنودها: يمنع منعاً باتاً من مزاولة "آخر أيام نفوذهم" التي تستفز الكرامة في عقولنا.
نحن نرى أن النظام يعطّل الدولة ويعيش شخصية "إما أن أكون او لا اكون" ونحن لا نرى كينونيته على هذه الطريقة بكينونيتنا
......هذا اول قانون إصلاحي نصدره فمن يتبرّع بتبنّيه؟ من يتبرّع؟
من يريد الأفضل لا يحالف أمراض المجتمع،
الوجوه تلمع تحت شمس صراخ العرب...كائناً ما يكون كاذب من يتكلم..بدليل انه اعطي حق أن يتكلّم من باب قوة لا من باب حقيقة ... الأقنعة تظهر تماماً كما هي.
إن اول من يجب محاسبته على الحالة الدينية وعلى السلاح وعلى التخريب وعلى الأسلاك مع الخارج هو من ولّدها من رحمه.
ليس في اي شارع سوري ما هو لم ينبت من هذا النظام: في المجتمع والإقتصاد والحياة والامراض....
واخيراً:::إذا كان للصمود والتصدي باب يمر تارة بالصحافة الأميريكية وتارة بوزارة الخارجية لمهادنة العدو، فعلى الأقل ليكف الإدعاء.
من يعرف الشعب السوري يفهم جيداً...أن وسخ سوريا واحد في الضفتين.
وأن الثقة باتت شبه مستحيلة....كيف تثق بقبطان قال لك ان النهر بحر؟ غيّر عالسريع...قبل أن تصلا سوياً على الشلال. في الايام الطبيعية، الشلال محبباً، ولكنه في سوريا مستحيل هناك شلال واحد ولونه احمر!!!...لان هناك من يستعد للموت وللقتل في ومن جميع الإتجاهات...
فاستعجل إن كنت تجمع ما بين الكفر الإجتماعي بالإثنين وبالخوف على السلاح وفلسطين والوحدة الإجتماعية، تلك هي سقف الوطن، لا بخيتان ولا شعبان ولا مخلوف ولا أحد ولا يملك شخص مهما كبر أن يكون هو سقف الوطن، حتى في بيوتنا الدمشقية والحلبية القديمة هناك فسحة للسماء فوق رؤوسنا. شعارنا "نحن أغنى وأكبر من أن ننزلق في اختراعاتنا ومنها الله والبعث والمسلحين"....ونحن، للدلالة على السوريين لا على فريق من أ".ولئك الخاسرين، دون استثناء .......
بانتظار "الكفار " الذين يؤمنون أن سوريا اخترعت الله...ليظهر الجسد السوري الحقيقي...ويعالج نفسه بالريح والشمس والمياه...بانتظار قلب يجرؤ على الصراخ....ودفع الجنين....لأن العملية القيصرية ستجعل سوريا لبنان....
يرجى من الكفار الكرام جمع تواقيعهم ليصار لاحقاً إلى إنشاء حلقة كفر سياسي علّها تفشّ الغضب عند كل حين.
ذاكرة الشام
دمشق
طريق حماه
الوطن
خطاب معارض في دار النظام : إرتفاع السقف بغياب الاعمدة غدي فرنسيس - 11-7-2011 لم يعد هناك من جديد في المشهد السوري، لا الحوار ولا طاولاته تضيف شيئاً إلى اللغة السياسية السائدة: الحل الأمني خاطئ، البطل كسر الخوف، لكنه ليس طاهراً بالكامل، المؤامرة ليست هاجساً فقط، السلطة تغرق في الأخطاء، المعارضة خالية من البرامج. شارع الاحتجاج أكبر من أن يتسع في إطار أحد. السقف في ارتفاع، والأعمدة غائبة. الخطاب يكاد يصبح واحداً، والاختلاف هو في موقع المنبر والوجوه... اللعب السياسي في أشدّ مواسمه والأقنعة وفيرة، ولا قائد أو بطل من أرض الغضب. ولا ملامح واضحة لآلية التغيير. التلفزيون السوري عرض «مطالبة بتفكيك النظام الأمني» على مسامع المواطن من جلسة الحوار أمس... إذن دخلنا في مرحلة اللعب بالخطوط الحمراء. الخطوط الحمراء حين تتبادل «دكاكين النظام» التهم، نكون في مرحلة الخطوط الحمراء. حين يدور حديث الكواليس عن أسماء «المبعَدين» من النظام... حين تصبح مناصب النفوذ المتعددة كالدوائر الصغيرة... كديكتاتوريات صغرى تخاف من العاصفة. حين تصبح «الدبلوماسية الخبيثة» خطاباً من الداخل معارضة وموالاة... حين يبدأ صراع انفصام الشخصية في العلن... حين يرتدي الفاسد قناع «الإصلاحي»... حين يلبس «العسكري» حلّة «الفيلسوف»... حين تصبح اللعبة مرتكزة على الأقنعة، نكون تجاوزنا الخطوط الحمراء، أصبحنا نلعب في المنطقة الحمراء. تغيرت سوريا في آذار. بعد أربعة أشهر تكاد تلتاع حريقاً.. شهوة.. صراخاً.. نشوةً، ولا يزال ناظرها يفتّش عن إطار وبراغماتية وتذاكٍ في الحلول والتفاصيل. يصنع أبطالاً في الإعلام والاعتقال والسياسة، يصنع من «الأدوات» نجوماً قبل أن يعترف بنجومية الشعب السوري الصارخ. هي تغيّرت، وهو لا يزال في مرحلة تأطير تغييرها قبل إدراكه. في موسم السياسة السورية الكل يكيل الانتقادات نفسها، والكل يجلس مع السلطة. البعض يجلس معها في قاعاتها الكبيرة وحول موائدها المستديرة، والبعض الآخر يحرّم هذه القاعات ويجلس معها على الطاولات المنفردة الصغيرة. المعارضون السياسيون جميعهم باستثناء القلة، يعيشون «نشوة» أحلامهم السياسية فوق أزهار الربيع العربي، تصريحات ومواقف وآراء واتصالات هاتفية... وتحت كل هذا المشهد، ثمة «خدمة» دبلوماسية حصلت في حماه.. وثمة تغيير حصل: للمرة الأولى منذ سنوات يأتي النظام لحماه بمحافظ حموي. «أنس عبد الرزاق ناعم» كان قد عيِّن أميناً عاماً لفرع حزب البعث في حماه منذ شهر ونصف الشهر. اليوم، نقيب الأطباء السابق أصبح محافظاً، ويُحكى عن رواجه «شعبياً»... تعليقاً على التعيين الجديد يقول الحموي: كأنهم يقولون لنا «حلّوها بين بعضكم يا حمويّي»! حمويّ نعم، لكنه بعثي. بعثي نعم، ولكن محبوب. ومن يدري، امتحانه الأول لن يتأخر، ففي كل أسبوع هناك يوم جمعة. وفي كل يوم جمعة هناك بطل ومندسّ ومجرم وفاسد وثائر وطائفي وعلماني وعميل وخائن ووطني ومثقف وجاهل ومتشدد ومنفتح وانتهازي وصادق ومؤمن ومنافق في ساحة حماه، وفي كل سوريا. في كل جمعة هناك أرض، وفي كل حوار وتصريح هناك تصعيد... لكن أياً من المصرّحين لم يطرح بعد ملامح الغد. متابعة الحوار من الخارج مع المعارضين رغم أن اللقاء التشاوري الأول للحوار الوطني بضيافة النظام خلى من وجوه المعارضة «النجومية»، إلا أن الخطاب بكليّته حمل لغتها. في منزله بينما يتناول قهوته مع رئيس تحرير صحيفة «لوموند» الفرنسية آلان غريش، ميشيل كيلو كان حائراً بجهاز التحكم بالتلفاز. يرى الطيب تيزيني، فيرفع الصوت. تنتهي مداخلة تيزيني، فيهزّ رأسه موافقاً. يرى ذاك الناطق الفصيح الخطيب باسم الشباب «يعلك»، فيخفض الصوت معلّقاً «ما الجديد في أننا سوريون؟». يلمح «قدري جميل» و«علي حيدر»، فيسمع موافقاً... لا بد من الخلاص من الحل الأمني: «طلع الشعر على لساننا». يتابع نقاش ربيع التغيير العربي مع الصحافي الفرنسي على ضفاف «حوار وطني ينقل كل مطالبه بوجوه مختلفة». فلعلّ أبرز ما حدث، سياسياً، ولادة «جبهة شعبية للتغيير والتحرير» بين الشيوعي المنشق «قدري جميل» والسوري القومي الاجتماعي المنشق «علي حيدر» بخطاب معارض واعٍ. فبعد مداخلة حيدر اقتنص جميل الفرصة الاعلامية للاعلان عن هذه الجبهة بين الحزبين مضيفا بذلك شرعية لفرع الحزب المنشق. فانتفض مسؤول الفرع في الحزب القومي في الجبهة صفوان سلمان، حيث قصد سلمان «الدكتورة بثينة» شعبان معاتباً: عملياً، اعطى فرع الحزب المعارض مع علي حيدر، شرعية تفوق شرعية فرعه الجبهاوي مع صفوان سلمان ممثلاً عصام المحايري التسعيني. فجأة هوى حزب وصعد آخر امام الاعلام. هكذا الجبهة وعقليتها الخائفة على الدور والحصة بينما تنزف سوريا. بالعودة من فروع الأحزاب إلى فروع المعارضة. لو قبل ميشيل كيلو الدعوة، لكان نجم الحوار ربما، لكنه جلس مستمعاً في منزله. وفي الخلاصة قال معلّقاً: «ما قيل في المؤتمر ليس لغة حل وسط بل هو فعلياً لغة المعارضة بأشكال مختلفة. كان واضحاً في المؤتمر أثر ومعنى غياب المعارضة عندهم. أنا أعتقد أن المشكلة الفعلية، أن المعارضة لم تكن هناك. حكى لغتنا وأفكارنا... غيابنا كان ظاهراً. لكن الواضح أن مطلب التغيير الديموقراطي أصبح مطلب الجميع، ولا يمكن القفز من فوقه». أما سلامة كيلة، الموقّع على «سميراميس 1» في المعارضة المستقلة، يدير ظهره لشاشة الإخبارية السورية في مقهى الشعلان إذ يتابع نظريته الاقتصادية السياسية: «الاميركان تخوفوا من انحراف النظام في حل عسكري على حماه، حاولوا إيصال رسائلهم للنظام وليس للشارع: لا تتهوّر. التنسيقية في حماه أخرجت بياناً يؤكد أنها ضد التدخل الخارجي». الزيارة رغم ترحيب الأهالي هنا أو هناك، وتهليلهم لفرنسا أحياناً في بعض الأحياء، هي «استثارة لتشويه الوضع» برأي كيلة. ويضيف: الحراك يتطوّر، السلطة تحمل أزمات، إحداها اقتصادية، بدأت تظهر بوضوح. القوة العسكرية لن تبقى بهذه الفعالية. إنها مرحلة تغيّر ميزان القوى. لا يستبعد كيلة أن يبدأ ظهور شخصيات تغيّر مواقفها. لا شيء يكبح هذا سوى عنصر مفاجئ ما. طبقة التغيير الذي طرأ على سوريا أثمرت «رؤوس الأموال الجدد» راكموا أموالهم، وأصبح الجهاز الأمني يجيّر مصالحهم. الفساد المستشري في السلطة ودكاكينها من يزيله؟ الحل الوحيد خارج الحوارات واللجان والتمييع السياسي للتغيير: الحل الوحيد بالقرار الرئاسي. فليأتِ برئيس حكومة تكنوقراط ويقول له: تفضّل نظّف البلد. مساء الجمعة، جلس لؤي حسين وفايز سارة الى يسار الطاولة، وحسان سلّوم ورامي عمران على يمينها. معارضتان، واحدة تحاور النظام في العلن، وواحدة تحاور النظام بالهواتف والتصعيد والتصريح فوق الشارع. حين احتدم النقاش عن حماه، رد حسان سلوم على فايز سارة «أنا معارض قبلك». هكذا هو شعورهم، أولئك الذين ولد وعيهم السياسي بالمطالبة بدولة مدنية وضعت لها أسس وهوية وعقيدة. رامي عمران، الذي خرج من حزبه السوري القومي الاجتماعي حين دخل إلى الجبهة خلف البعثيين، له قوة ما في النظام نواتها عمله في الشأن العام. فهذه القوة وضعت اسمه على لائحتي فاروق الشرع وبثينة شعبان للحضور إلى الحوار. في مكتبه، وخلف حاسوبه، رامي قاد حملة «أنا سوري» الإعلانية.. منذ اللحظة الأولى هو المختلف عن حزبه وعن النظام وعن المعارضة. انتهت السهرة بأن رامي حسم بالحديث مع لؤي: «انا أرى ان الذهاب إلى الحوار سيوصل رأيي وإن اختلف، يختلف هناك» فيرد لؤي حسين: «أنا أعضّ على أصابع النظام ليأتي هو إلى طاولتي». وبالأمس ذهب رامي إلى الطاولة في فندق صحارى. جلس واستمع إلى خطاب أعجبه، وغاب المضمون والبرنامج، فخرج منتقداً اللمحة الأولى من الحل السياسي. رامي عمران في طريقه إلى الخارج: لم آتِ بحثاً عن منبر! خلع رامي سترته الرسمية ظهر الأحد، وعاد إلى مكتبه بعد الاستراحة الأولى من الحوار في فندق صحارى. لم يكمل جلسة اليوم الأول. لكنّه لم يحدث «انسحاباً درامياً». في مكتبه العصري في المنطقة الحرة يعقّب رامي على انسحابه «الصامت» بالقول «في هذا الزمن حيث تزداد وتيرة الأزمة خنقاً على عنق الوطن... كان على اللقاء التشاوري أن يخلص أولاً بمهمته الوظيفية بالتحضير لمؤتمر حوار وطني». يوافق عمران على ما قاله ميشيل كيلو إن بعض النقاط التي قيلت في الجلسة الافتتاحية كانت مهمة وصارمة، لكنه يضيف إنها كلمات كان من الممكن تشاركها وتداولها مع الرأي العام قبل المؤتمر، عبر فتح أي منبر صحافي في سوريا لكل الآراء مهما تنوّعت ومهما ارتفع سقفها. وبالتالي لا يكون اللقاء التشاوري المعني بالتحضير لمؤتمر حواري منبراً لإعلان المواقف، على أهميتها. «أثبت اللقاء التشاوري في جلسته الافتتاحية أن معظم أسباب الخلاف في الرأي السياسي السوري تعود إلى المنابر واللافتات، لا إلى المحتوى والمضمون. حيث تصنّف المعارضة والموالاة على قياس المكان، لا على قياس الرأي». في «صحارى» قيل ما يشابه ويزيد عمّا قيل في «سميراميس» وفي بيان الأحزاب المعارضة، فهل ينتقل الرأي السياسي السوري باتجاه البناء على الرؤى بدلاً من احتكار المنابر؟ أعفى اللقاء التشاوري نفسه من المهمة الأساسية التي كان عليه أن يناقشها ويسددها، حيث إن الغرض الوظيفي من اللقاء التشاوري هو تحديد ماهية مؤتمر الحوار الوطني وماهية الهيئة التأسيسية المالكة لأدائه وإيقاعه وتفاصيله، فهل ستكون ملكاً لأصحاب الدعوة أو تكون كما يجب عليها، ملكاً للمجتمع السوري بكامله، عبر هيئة تجمع فيها كل أطيافه السياسية التي تمتلك مساحة ندية من قرارها؟ هل سيكون مؤتمر الحوار الوطني استشاري الطبيعة أو تقريري الوظيفة. هذا ما يدعو إلى السؤال الأساس، هل يذهب النظام السوري حقاً إلى شراكة مع الأطياف السياسية السورية كافة لإنتاج شكل الدولة الجديد أم أنها شراكة يحتفظ فيها لنفسه بحق النقد. إذا كان غرض مؤتمر الحوار الوطني، الاتفاق على شكل الدولة السورية المدنية التعددية الحديثة، فكيف يناقش اللقاء مجموع القوانين التفصيلية المؤدية لبناء هذه الدولة قبل أن يتفق على شكلها في مؤتمر وطني شامل. إن معظم القوى السياسية في سوريا تشترك في شعاراتها ومواقفها تجاه الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة التعددية، وتنأى بنفسها عن التفاصيل المؤدية إلى هذه الدولة. لا أجد قيمة في أن أضيف خطاباً أو موقفاً إلى الخطابات والمواقف التي قيلت. سيما أن في العناوين العامة نلتقي مع مجمل الآراء داخل اللقاء وخارجه. لكن إذا لم يتم التدارك السريع لمنهج إيجاد خطة عمل لتحقيق هذه الشعارات، فيمكن الاتفاق على أن يكون الشعار لغماً مؤجلاً يختبئ في التفاصيل. وتحت الحوار وفوقه وقبله وبعده... أجمل ما في شوارع دمشق ومقاهيها اليوم، أن كل شيء، بما فيه الطاولة، عرضة للبحث فوق الطاولات.. والأقنعة تهوي سريعاً... وكذلك الأحزاب. وريثما تعطى الحرية السريعة للشارع أن يفرز نفسه تيارات وأحزاباً جديدة، يبقى الحلم السياسي السوري بسقفه العالي من دون أعمدة... كبالون الهواء.
أي قانون لأية أحزاب سورية؟ 14/5/2011 غدي فرنسيس- جريدة السفير غدي فرنسيس تمشي. تسأل. تحاور. تسمع. تغضب. تخبط الطاولة. يحمر وجهك. تبتعد ثم تعود. تحكي وتناقش وتنفعل ثم تهدأ. أنت أيّها السوري اليوم بين مقاهيك ومطاعمك ومكاتبك. من سائق أجرتك، إلى رجل أعمالك، إلى قياداتك، إلى ضباط أمنك، والأولوية إلى وزيرك. أنت أيها السوري الحزبي واللاحزبي، الخائف والمحتقن، المتلقي والمندفع، تسمع وتطالب بقانون للأحزاب. أتسأل نفسك في السر وفي اللقاءات السياسية الكثيرة غير المعلنة: ما هو الحزب؟ أين هو الحزب؟ ماذا يعني الحزب؟ أي قانون لأية أحزاب؟ شارع لا يملك حزبا، ولا أي نوع لائق علمي من التحزّب والعمل السياسي. ما يتوفر للسوري هو أن يكتب طلب انتساب لحزب البعث وهو تلميذ مدرسة. أن يكبر من «الطلائع» إلى «الشبيبة» إلى الحزب. وهو واحد، قائد للدولة والمجتمع وللأحزاب الأخرى عبر «جبهته الوطنية التقدمية». وهو الوحيد المرتفع إسماً للجامعة وفرعاً في الشارع وتعاونية في الدولة وقيادتها. حروف ثلاثة ارتبطت بكل شيء منذ فجر ثورة الثامن من آذار حتى يومنا هذا: «بعث» ...عربي اشتراكي. ثم حلت «الانتفاضة السورية»، التي يقول البعض إنّها فوضوية، عشوائية وغير حزبية، والتي قادت إلى شكل ما من «الفتنة» التي لم يعد يختلف اثنان على مخاطرها وتربّصها بسوريا شعباً وجيشاً ودولة... ودماء. لكن هذه الصرخة، الانتفاضة، أدخلت مصطلحاً جديداً إلى كلّ الجلسات السياسية أين ما كانت، اليوم مسموح أن تناقش فكرة «الأحزاب الجديدة»، أن تنتقد «الجبهة الوطنية»، وحتى أن تعلن رغبة في «تطهير» البعث نفسه. في المقابل يقول رأس الإصلاح معنوناً: أنا سأعطيكم قانوناً عصرياً للأحزاب وبشكل سريع. ولكن مهلاً: هل نعرف ماذا نريد؟ في أي إطار سنكون؟ على أي أساس سنتحزّب؟ ما هو دور الجبهة؟ إلى متى تستمر؟ عن أية أحزاب نتكلّم؟ هل يكون اجتهاداً يشبه اجتهاد «الجبهة» في السبعينيات؟ هل ستسمح لي ان أكون بعثياً باسم آخر؟ هل سترفع فوقي سقفك؟ أم انك ستسمح لي بأن أجعل السماء سقفا لي؟ «البعثي» «البعثي» في نادل المطعم وسائق الأجرة وطبيب الأسنان وتلميذ الجامعة ورئيس اتحاد الصحافيين ورئيس تحرير الجريدة وعميد الجيش وعماده ولواء أمنه وضباطه. كما قد تجده في تظاهرة ضد النظام يوم الجمعة. فلم يكن الانتساب إلى حزب البعث خياراً للمواطن السوري بل أشبه بالقدر. كان أمراً واقعاً لتلميذ الصف السابع أساسي، من أين ما أتى، وأين ما هو ذاهب في المستقبل. الحزبي البعثي الرسمي هو من يحضر الاجتماعات. ذاك هو الذي يمتلك فرصة للوصول إلى سدة القرار، من المدرسة إلى الجامعة إلى المحافظة ومنها إلى الوطن. البعث هو باب السلطة. بموجب دستور البلاد ومادته الثامنة، إن البعثي هو قائد الدولة والمجتمع. وبموجب «الجبهة التقدمية الوطنية»، الأحزاب الأخرى المسموحة هي عمليا تابعة للبعث، في القرار والسلطة كما في الخطاب والتصريح والرأي، وإن اختلف الشكل. إذاً فرصة الوصول إلى العمل السياسي الحقيقي لا تكون إلا تحت جناح البعث. «التطرّف على الطرفين» في نهر التطرّف، لا تنام الفتنة المذهبية على ضفة واحدة. المسيرة المؤيدة التي تحمل صليباً مع صورة الرئيس في دمشق، لا تختلف في العقلية عن الإمارة الإسلامية المسلحة في بانياس، وإن اختلف خطرها باختلاف تسلّحها ومشروعها. في الشعب كما في الدولة هناك من يخوّن كل من ينتقد النظام ويدافع عن الخطأ. لهجة التبرير هذه، والدفاع لا تخدم النظام، بل تعكس مفارق الترهّل الذي فيه: إلغاء الآخر، والفوقية، والخطاب التقليدي، والتعصّب للنظام مهما فعل عوضاً عن التعصّب لمصلحة الشعب والأرض والوطن. وهذا التطرّف الموالي سيقف عقبة بوجه الإصلاح الحقيقي لأنه لم يعترف حتى الآن بالخطأ. كيف يمكن، في ظل تطرف كهذا، أن يخرج قانون للأحزاب؟!. «المعارضات أنواع» كما أي نظام حاكم في العالم، تبلورت في وجه الحكم في دمشق نزعات معارضة، متنوعة الأسباب والأهداف، بينها السياسي البحت وبينها الطائفي، والمناطقي أو العشائري أو الفردي. بينها ما يتمتع بتمثيل شعبي وبينها ما يدعي التمثيل، ولا يتمتع به. بينها الوطني وبينها الحاقد، بينها العاقل وبينها المتهور. بينها الإسلامي، أو السلفي أو المتطرف بتدينه، وبينها العلماني المعتدل والمتطرف. بينها السلمي، وبينها أيضاً من رفع السلاح بوجه الدولة. الحوار لا يكون ممكنا، ولا الخروج من الأزمة، إذا لم يتكلّم هؤلاء بآلية ما للعلن. بيانات الفنانين لم تكف الشارع، انقسام المثقفين السوريين عكس انقسام الشارع عوضاً عن لعب الدور التنويري المنتظر منهم. ألم المعارضة الوطنية الأكبر هو انها لم تترك لتعمل على تحسين دولتها لمدة خمسين عاماً، فوصلت إلى يوم أصبح فيه المعارض الذي يصرخ في الشارع هو الجهادي المذهبي ومن لا يملك أفقا سياسيا. تلوم النظام هذه الألسنة، تحمّله مسؤولية تفشي التطرف بأشكاله، تصف «علمانية» النظام بأنها علمانية كاذبة لأن رداء النظام العلماني هو الذي كبّر تحته هذا التمذهب. المعارضات انواع تختلف بالمنطقة والطائفة والأفكار. إبن «السكنتوري» الذي صرخ في اللاذقية يختلف كثيراً عن تاجر «بابا عمر» الذي يصرخ في حمص، وإبن دوما مختلف عن الإثنين. علاقة المواطن بالدولة تختلف من محافظة إلى أخرى، كما يختلف مفهوم «النظام» بين منطقة ومنطقة لأنه يتخذ خصوصية المناطق. هنا تلعب المعارضة الوطنية المتمثلة بمفكرين وكتّاب محاولة نضالية كبيرة، ان تقف فوق العشائرية والطائفية لتحاور النظام، في لحظة امنية حرجة. «الاعتدال» تحت قصف الجميع المعارضة تحقد على عدم صراخه بعد، وتتهمه انه «شبّيح». الموالاة تتهمه «بالخيانة» أو «الانتهازية» أو «العمالة». هو المعتدل المضطهد في جامعته لأنه لم يتحرك لا تأييداً ولا تهليلاً. هو ابن درعا الذي تألم مع دماء أهله لكنّه لم يعارض الحل الأمني. هو الذي ينتقد كل الأطراف بل كل التطرف أين ما وجد. تجده في طالب هندسة في حمص، يعارض والده البعثي. تجده في عميد في الجيش، يدافع عن حقوق بديهية لأهل المعضميّة ودرعا. تجده القائد العسكري الذي يمشي بلباس مدني بين أزقة المدينة ليتفحّص نبض شارعها وأهلها ومقاهيها. تجده في العماد الذي صرخ في وجه تظاهرة التأييد: أنزلوا الصليب. تجده في «القومي» الذي عارض تريّث حزبه وطلب الدخول إلى صلب الصراع. تجده في الصحافي الشاب الذي يكره الإعلام الرسمي الذي يعمل فيه. تجد الاعتدال هذا يطالب بصوت مرتفع: غيّر لي دولتي لأحارب التطرف أين ما وجد. صراع الكواليس الضغط الحقيقي هو اللامع في عيون القيادات التي تجري الحوار مع الأرض. هو الهاتف الذي لا يكف والمواعيد التي لا تنقطع: مع شيوخ العشائر والمناطق والمعارضين وصولاً إلى ميشيل كيلو. هو من يبحث حقاً في الحل، ويستمع لمطلب الأرض. وهذا الذي يعيش الصراع الحقيقي بين ما يجب أن يكون الحل، والأدوات المتوفرة. حوله يكثر الصراخ، جهة، تريد دولة مدنية، وجهة تصر على حصة أكبر للطائفة. معارضة تطلب أحزاباً، وأحزاب تطلب استمرار «الجبهة» لحماية المصالح. تعارض الضغط واتساع مروحة المطالب، هو الصراع اليوم. سوريا بعيونهم جميعا تعيش مخاضاً، وتحمل أكثر من جنين. وعليها تسمية الجنين قبل أن يولد على يد قانون الأحزاب. أي قانون لأية أحزاب أعلنت سوريا رسمياً أنها ستبحث في قانون الأحزاب. وفيما تتخبط الطاولات، تتخبط أيضاً الأحزاب. وتتعارض الرؤى والمطالب. البعض يقترح محاورة الإسلاميين والعشائر والأرض كما هي، فيعارضهم بعض آخر يصرخ للدولة المدنية، والأحزاب الوطنية فقط. إنّها الفرصة الأكبر لاقتناص التغيير نحو ما ينصف الشعب والمجتمع ويحفظ الثوابت. يحكى عن تأطير الجبهة التقدمية الوطنية من دون خوض تفاصيل مستقبلها. تصرخ الأرض: إلغاء الجبهة لإنعاش أحزابنا. ترتعد القيادات المستفيدة خوفاً على مصالحها. وفي الحوار، لا تزال الأسماء مقتصرة على أصابع اليد، أبرزها ميشيل كيلو. هل يصنع ميشيل كيلو قانون الأحزاب وحده؟ أين الحزبيون من الحوار؟ وأين المعارضون؟ قانون أحزاب يغيّر أنظمة، والسؤال الأبرز على طاولات سوريا اليوم: أيّ قانون لأيّة أحزاب؟
ماذا يقول اهل الثورة السورية الكبرى عن جارتهم درعا؟ غدي فرنسيس- السويداء (جريدة السفير) 27-5-2011 غدي فرنسيس إسأل من تشاء في سوريا ـ من أعلى الهرم الاجتماعي والسياسي والعسكري، إلى أدناه ـ عن السويداء وموقفها، سيكون الجواب واحداً: «السويداء مع الرئيس حتى العظم». لكنك لن تحصد إعجاباً أو تضامناً مع «النظام الأمني» أو مصطلحات مثل «مندس» و«مخرّب» سوى ربما عند مزارع بسيط يعتمد على الإعلام الحكومي ويثق به، وهو يمثل شريحة تعكس نصف المجتمع السوري اليوم. ستلمس في الشارع «حساسية» تجاه أهل درعا ربما، نسبة لما يسميه الشارع «صراع الأخوين» التاريخي بين المحافظتين. ولكن إسأل شيخ العقل، سيجيبك: «حوران واحدة بسهلها «درعا» وجبلها «السويداء».. ونحن مع الرئيس وضد المؤامرة». سر قليلاً في الأسواق، بين المتاجر ستعثر على بائع معترض متذمّر مقهور، يلازمه الحاسوب و«الفيسبوك»، يتابع «الانتفاضة» بنهم المشتاق. اسأل عن الشيوعي، عن القومي، عن اليساري العلماني المستقلّ، ستجده هو أيضاً يتخبّط بين الأحداث والواقع ويحاول بلورة رأي واضح. أنا مع مَن، وضد مَن؟ أنا لن أضع نفسي في خانة محددة، هناك ما أوافق عليه وما أرفضه في الطرفين: الشارع والنظام. أنا السويداء، جبل «الكرم والكرامة» الملاصق لدرعا. أنا الثورة السورية الكبرى وسلطان باشا الأطرش، يوميّاً أقول «ثورة» عشرات المرّات، وانقلها وأورث قيمها من جيل إلى جيل. أين أنا من هذا الحراك الذي سمّاه البعض «ثورة»؟ الجزء الأول: «العقل» هو الشرع الأعلى في «سهوة البلاط»، مضافة لشيخ عقل مختلف عن نظيريه في مشيخة السويداء الثلاثية. اسمه الشيخ حمود يحيى الحناوي. الشارع بضفتيه يعتبره موئلاً معتدلاً، وملجأ عاقلاً هادئاً، ومرشداً. فهذا شيخ لا رفاهية في مضافته ولا اتصالات هاتفية يومية مع المسؤولين في رصيده. شيخ حزّمت أظافره صبغة التراب البركاني الأسود من كثرة التقائه بالأرض لزراعتها، كأنه حجر آخر من أحجارها، أو شجرة من أشجارها. تحت صورة جدّه وإرث أبيه، يفاخر الشيخ حمود بتاريخ أهل الجبل في قهر المحتل ودحره. لوحة جده، شيخ العقل الأول لطائفة الموحدين في جبل العرب الملقب «سيف الدين»، تروي وحدها الحكاية. في الرسم، شيخ خلع عمّته وحملها في يمينه ليسدّ بها مدفعاً تركياً في إحدى معارك التاريخ. أما الحفيد، الذي يقارب السبعين من العمر، ففي وجهه وكلامه اتزان المثقف المتعقّل. درس الأدب العربي ودرّسه 27 عاماً، في سوريا وفي مهجره في الخليج. عمل في جريدتين خليجيتين أثناء اغترابه. اختلط وخالط المجتمع وأفكاره حتى اكتسب رؤية عامة ميّزته في الشارع عن نظيريه في المشيخة. تعرّض كلامه للتحريف و«القصقصة» في منابر الإعلام السوري الرسمي، فولّد ذلك عنده توجّساً من الإعلام. ولكن في مضافته، يحكم على مقولة «سيماهم في وجوههم»، ويبوح لصحافية لبنانية، عن معاناة السويداء ووضعها الاقتصادي، كما يعبّر عن رأي السواد الأعظم من الشارع. فالمشيخة كانت ولا تزال، المرجعية الاجتماعية والسياسية والفكرية الأولى في جبل العرب. صمام أمان تحلّ تحت سقفه النزاعات وتعقد المصالحات. معبر مطالب السويداء إلى قصر الشعب، ومعبر محبّة قصر الشعب إلى قلوب أهل الجبل.حوران واحدة... حاولنا لمّ الجراحفي وصف العلاقة بين درعا والسويداء، يقول «هما معاً حوران، السويداء جبلاً، ودرعا سهلاً». البيئة واحدة ومستوى المعيشة واحد والمعاناة واحدة. ما يؤلم المحافظتين يؤلمنا جميعاً. لم نكن لنتمنى ما جرى. حاولنا منذ اللحظة الأولى لمّ الجراح وتدخّلنا مع إخواننا في حوران، وبالاتصال على مستوى رفيع في الدولة التي كانت إيجابية إلى أبعد حدود. لم نوفّق بالتواصل الإيجابي نظراً لتطوّر الأحداث داخل درعا وخارجها. كان مسعانا قائماً على الخير ورأب الصدع وإنهاء الأزمات. لكن الأمور على ما يبدو، كانت فوق طاقتنا كأفراد... ونأمل «أن تعود المياه لمجاريها لنعيش بأمن وسلام». وبالحديث عن المياه ومجاريها، فإن حوران الواحدة، بسهلها درعا وجبلها السويداء، تعاني من مشكلة الري. لطالما كانت آبار الري سبباً لغيرة السويداء من درعا. رغم أن درعا لم تكن واحة المياه للمزارع، بل لأصحاب الامتيازات من المستثمرين إلا أنها تشتهر أيضاً بالكثير من الآبار المخالفة التي غضّ الأمن الطرف عنها، مقابل الرشوة التي هي خبز يومي في مفاصل فساد الدولة في الدوائر الرسمية. يشرح الشيخ عن معاناة السويداء من الجفاف وقحط المياه، للشرب والري، وجفاف بعض الآبار. كما يعطي نبذة تاريخية عن هذه المعاناة وحلولها من أيام الرئيس الأب إلى الابن. يفيد أنه أخيراً أثبتت الحقائق العلمية والوقائع المكتشفة أن السويداء تعوم فوق أحواض مائية ضخمة. يرد الفضل إلى الرئيس بشار الأسد فهو «أمر بحفر هذه الآبار، التي بلغ عددها مئة بئر، منها ما أنجز ومنها ما هو قيد الإنجاز، وهذه لفتة لن تنساها السويداء وأهلها». أموال الاغتراب وعراقيل الصناعة بالنسبة للدخل في السويداء، فإنها تعتمد وبشكل أساسي على الاغتراب في فنزويلا والخليج. فكل مشروع أو منشأة صناعية أو خدماتية ستجد خلفها مغترب. الأبنية والمعامل، مصنع «البلاستيك» ومعمل «عصير الجبل» اللذان يورّدان إلى جميع المحافظات السورية، وحتى الفرن على مدخل السويداء لصاحبه الشاب ذي اللباس واللهجة الأميركية، كلها أموال استثمار جمعت من الخارج. يلمح الشيخ في سياق الحديث عن الصناعة عن امتعاضه من صعوبات الصناعة، وهو على الأرجح اشارة ضمنية الى سيطرة الأمن وضباطه على إعطاء الرخص والتسهيلات الصناعية والرشوة. ولكن في لغته التي تراعي موقعه، قال: «أما بالنسبة لاستخدام الطرق الحديثة على المستويات كافة، من بداية الطريق كنا نلحظ دائماً أن أي توجّه صناعي في المحافظة، يواجه بعراقيل تستدعي التساؤل، ومع هذا كانت السويداء تترفع عن كل الجوانب التي تعيق السير الوطني، وتحتفظ بكرامتها وعزة نفسها وإبائها رغم الحرمان».لماذا لم تتضامن السويداء مع أختها درعا«هذا سؤال طُرح علينا كثيراً» يردّ الشيخ الحناوي. وكما ذكر سابقاً، كان هناك تضامن «وفاقي» يقوم على مسعى الخير منذ البداية. هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى بحسب شيخ العقل، «لم نكن على اطلاع بشكل دقيق على الأهداف التي تقع خلف هذه الأحداث. لذلك لا نستطيع أن نحدد موقفنا من دون معرفة وعلم ودراية. لم تتم استشارتنا بالمواقف المتخذة حتى نبيّن رأينا الذي ينطلق من مصلحة البلد وأمنه. لا نستطيع أن نسير في طريقٍ من دون رؤية واضحة وسليمة. هذا الوطن الذي ضحّت محافظة السويداء بأكثر من خمسة آلاف شهيد من اجل استقلاله وجبلت ترابه بالدم، لن نفرّط أو نغامر بذرة تراب من ترابه. نحن لا يمكن أن نضع أنفسنا في مواقف غير مدروسة وغير واعية من دون أن يكون لنا رأينا المعتمد على الحقيقة والضمير الوطني. نحن إسلاميو الانتماء، توحيديو المذهب، سوريو الوطن، عروبيو الأصل، إنسانيو النزعة. لا نفتي بالقتل إلا بحق، ولا نسفك الدماء إلا من اجل الوطن. المطالب مشروعة ولكن المطالب مشروعة، ولكن الوصول إلى الأهداف النبيلة يحتاج إلى وسائل سلمية وعاقلة. التخريب والفوضى عرقلة للإصلاح. الهدم والحرق وتدمير البنى التحتية وسفك الدماء وسائل منحرفة. حتى يتم الإصلاح علينا تحديد أسباب الفساد. ليعلم رجال الدين أن رسالتهم أمانة في أعناقهم لنشر الوئام والمحبة والتسامح واجتناب القتل. من هو الذي يموت ومن هو الذي يستشهد؟ إبن، أخ، شقيق، أب. القتل لا يجوز إلا دفاعاً عن الأرض والعرض. من قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً. هذا في حديث الشيخ الظاهر، وفي الخلفية خوف طبيعي من «بعبع» متوارث ومتفق عليه في صفوف الأقليات المسيحية والدرزية في سوريا. وهذا ما يتضح ختاماً في حديث شيخ العقل الحناوي «الطائفة الدرزية ليس لها أهداف انفصالية. نحن عرب سوريون لا فرق عندنا بين مذهب ومذهب، ولا حزب وآخر، ولا عرق وآخر. لا تمييز ولا تكفير ولا تصنيف. السوريون كلهم في حمى الدستور وظل القانون. ما نؤمن به هو الاحترام المتبادل وعدم إلغاء الآخر. نشدد على الحرص في تغليب العقل لمعالجة الأمور. الجزء الثاني: بعيداً عن النظرة الدينية، النظرة العلمانية تعارض قد يعبّر رأي شيخ العقل عن تريّث وانكفاء غالبية أهل السويداء عن الحراك. فهو أصلا مجتمع ديني تقليدي مرجعيته الدائمة المشيخة. لكن هناك من خالف تقليديته. كسر اليساريون والحزبيون والنقابيون وبعض الشباب والبنات الثائرات، كما كسرت ابنة «سلطان باشا»، منتهى الأطرش، هذا العرف. هناك شريحة لا بأس بها من المجتمع، لم تكتف بالسكوت، لكنها تتريث عن الحراك في ظل القبضة الأمنية. ولها رأي مخالف لرأي مشيخة العقل، وداعم لانتفاضة كسر الخوف. ومعارض للنظام الأمني القابض على حياة السويداء مثل أختها درعا. لكنهم يتخبطون اليوم، يمثلون نموذجاً عن «تكسير الرأس» بالأفكار الذي يسود في كل لقاءات السوريين. هذه الموضة الجديدة في مقاهي المعارضة: أسئلة وتجاذب وأخذ ورد يدور حول الفلك ذاته: نريد دولة ومواطناً، لا «فزاعة» و«مدعوس». شاعرة ثائرة: ضد الخوف، مع الدولة المدنية شاعرتنا صاحبة خمسة دواوين. شعر جريء يرقص على إيقاع جسد المرأة والحب والثورة والرفض للمجتمع التقليدي الذي ولدت فيه. تقضي أميرة أبو الحسن أيامها مكتفية بثورة الإنترنت اليوم، رافضة أي رأي داعم للنظام من أينما أتى. فبرأيها، عندما تكون الدماء في الأرض، لا يحق لأحد ألا يتضامن. «أنا أثور ضد الخوف. أنا علمانية لا يحكمني انتمائي الديني. لو لم أولد لأم وأب درزي، لكنت أي شيء آخر. رفضت انتمائي الديني لأن فيه هو خوف أيضاً. الخوف شرير، هو عدوي الثاني من بعد «الكذب». كيف أرضى بدولة إعلامها يبني الحواجز بين الناس في اللغة والخطاب، على مبدأ فرّق، تسُد». اليوم، ليس من الممكن الرجوع إلى الوراء. ترى أميرة أن عجلة الانتفاضة لن ترتدع إلا إذا بانت إصلاحات حقيقية في شكل حياة المواطن وتفاعله مع الدولة. إلا إذا أصبح هناك مواطنة حقيقية تنصف الناس. «ما يزعجني أني أخاف، من كلمة أكتبها، أني أخاف من التبلــيغ عن الفــساد، من قوة وسلطة الفاسدين». مشروعــها وثورتــها لإعادة بناء المواطــن الســوري عبر تعديــل المناهج التربوية. ليست مع الشكل «الاسلامي» للثورة، لكنها متضامنة إلى أبعد حدود. فرغم أنها ترفض النقاب رفضاً قاطعاً مثلاً، تراها متضامنة مع حراك دوما ودرعا وغيرها الذي اتخذ شكلاً إسلامياً. فبرأيها، أن النظام وحكمه هو الذي أوصل المجتمع إلى تطرفه. فلم يكن هناك منبر سوى المنابر الدينية في ظل قبضة الخوف والظلم. «هم كبّروا الدين ليحموا أنفسهم». ما تريده: سوريا مدنية، فصل الدين عن الدولة. لكنها وبعينين مستديرتين تعلن انزعاجها من أسلوب التخوين ومن «تمثيلية الممانعة» كما تسمّيها. فبرأيها إن إسرائيل وأميركا ترتعبان من فكرة سقوط النظام السوري. القومي والشيوعي:لا نتفق إلا على الدولة المدنية للحزبين مشاكلهما التي يدركها المناصرون والمخاصمون. لكن رواد الفكر، ماركسي كان أم سوري قومي اجتماعي، لا يستطيعون أن يجدوا انفسهم ضمن نظام الحزب البعثي الواحد. لكن ما يختلف عليه الاثنان، وفق شابين ينتميان الى الحزبين: هو أن الشيوعي يريد الثورة كيفما كانت، أما القومي فيريدها ضمن الثوابت. الاثنان ينتقدان بقسوة. فعبارة «بلطجية الأمن» على لسان شاب سوري قومي، لم تكن لتسمع من قبل. كما أن خريج الإعلام الثلاثيني يدافع عن حراك النخبة في السويداء: «تحرّك المحامون ورفعوا بياناً فتصدى لهم «البلطجية»، أيعقل أن يجــابه المحامي بشاب أمي يحمل عصا؟ ورغم موقــع حزبــه في الجبهة وموقف حزبه اليوم الذي اتخذ «الإصلاح» سقفاً لخطابه المتأخر، إلا أن «حمد» يطالب بتحقيق الإصلاح عبر مبــادئ حــزبه الإصلاحية: فصل الدين عن الدولة، إلغــاء الحواجز بين المذاهب والطوائف، منع رجال الدين من التدخّل في السياسة. ويقوم مع رفاقه القوميين بدوريات يومية لتفقّد أمن وأمان القرى، كما يتدخّلون في مساعي التهدئة مع من لهم «مونة» عليهم حين يعلو صوت ثأري يتهدّد السلم الأهلي. أما الصحافي، سالم ناصيف، المتحدّر من عائلة شيوعية ناضلت وسجن أفرادها بسبب آرائهم، ففي حدة معارضته سقف أعلى: ضد كل النظام بشكله الحالي، ومع كل أشكال الثورة. وينفي وجود أسلحة أو مندسين، ثم يعدل فيقول «ربما». ورغم أن حزبه وفكــره يتعارض مع مبدأ النخبة، يتغنى بأن معارضة السويداء تتشكل من أطباء ومحامين وكتّاب وشعراء ومثقفين. ورغم اتضاح الشعارات الطائفية، يتهم السلطة بالترويج لها: «الشعار الطائــفي معروف يخدم من.. لا يخدم الثورة». وقبــل أن يذهب إلى الأخير في معارضته، يضيف: «إسقــاط النظــام لا يعني حكماً إسقاط بشار، فالنظام هو أجهزة الأمن». إن أكبر خطأ ارتكبه النظام السوري، برأي الصحافي الشـــيوعي انه اعتمد أسلوب «ترييف» المدينة و«تمدين» الريــف، ما فرّغ الناس من أي موقف سوى الدين. بينــما يعتبر السوري القومي الاجتماعي أن الخـــطأ الأكبر كان في تعزيز دور المنابر الدينية والتضــييق على الأحزاب النهــضوية. لكنـــهما يتفقان على شيء جوهري واحد: المشــكلة في المجتمع، والحل في الدولة المدنية. والحــل يتبلور بتعديلات دستــورية وإصلاحات ملموسة. يختمان «حتى الآن، لم نلمس شيئاً من الإصلاح المنشود».
الكيلانية- حماه- ما عاد موجوداً في الثمانينات خصوصية حماه وزيارة السفراء...لبننة سوريا غدي فرنسيس 9/7/2011 غدي فرنسيس حين بدأت الأزمة السورية السياسية، أصبح للبنان رمزية خاصة على الألسنة وفي التصاريح والشاشات. لبنان في السياسة السورية، هو تلك الخاصرة الخاضعة لانتهاكات الخارج. لبنان هو المحاصصة الطائفية السافرة والخطاب التحريضي والفتنة... والسفارات المتآمرة! السفير الأميركي روبرت فورد في حماه، فهل بدأت «لبننة سوريا»؟ في «لبنان المخاوف»، يستطيع السفير الأميركي أن يزور أي منطقة وأي زعيم يريد، ويصرّح ويطلق توجيهات دولته. في «لبنان المخاوف» الرأي العام يهادن التدخّل بينما تتعامل بعض الجهات السياسية مع الخارج بعلانية وقحة إلى حد الاستقواء بأميركا. هنا في دمشق، السياسة فتحت عهدها الجديد، المعارضة تجتمع وتصرّح، الخارج يبدي رأيه، التغيير الدستوري في طريقه... سوريا مقبلة على جمهورية جديدة. على باب هذه الجمهورية الجديدة في ساحة التظاهر الأكبر. قرع السفير الأميركي جرس الإنذار الأول، حمل نفسه وزميله الفرنسي اريك شوفالييه إلى حماه... صبيحة رحلة انتهاك السيادة تلك، تباينت المواقف. لؤي حسين، باسم معارضة سميراميس «المستقلّة»، غازل في السياسة ولم يندّد. بدوره، «المعارض المستقل» ميشيل كيلو اعتبر أن النظام يحمّل زيارة السفراء أكثر من حجمها. حسن عبد العظيم متكلّماً باسم الأحزاب المعارضة حافظ على النفس الرافض في مخاطبة التدخّل الخارجي، أما النظام، فأخذها ذريعة أخرى، وقوة مضافة لمحاربة من يريد إسقاطه: «أرأيتم التدخّل سافر... المؤامرة... التواطؤ».... في السياسة، ماذا فعلت زيارة الأميركي؟ الحموي الذي لا يحق لأحد سواه أن يتكلّم عن حماه ومنها، رفع لافتة في مدينته تقول: «الحرية تبدأ في حماه وتنتهي بتحرير فلسطين»... كيلو ولؤي حسين: معارضة غير ممانِعة منذ أن سطع نجم لؤي حسين في مؤتمر «سميراميس» للمعارضين المسقلّين، سادت دمشق همسات متنوعة وإشاعات، إما عن علاقته بالنظام وإما عن علاقته بالخارج. دكتور الجامعة لم يكتفِ باعتبارها علاقة بل بوضوح قال: لؤي حسين هاتف بثينة شعبان فقالت له إنها مشغولة، ثم اتصل السفير الأميركي بها مستنكراً وطالبها بلقاء حسين. تلك شائعات، ومثلها شائعات كثيرة وتخوين كثير يطال كل من يقول لا للنظام السوري. لكن وائل السوّاح، موظف في السفارة الأميركية علناً... وصديق لؤي حسين علناً. ربما هذا سبب من أسباب الشائعات. وبالأمس في مكتبه الصغير في شارع العابد، سألت لؤي حسين «من هو أهم مسؤول زارك في هذا المكتب المتواضع؟»، فأجاب سريعاً: «سفراء»... تعليقاً على زيارة السفير الأميركي وخليله الفرنسي إلى حماه، يرفض لؤي أن يقدم جواباً واضحاً سريعاً بالتنديد أو الترحيب، ويسلّم موقفه نصّاً على ورقة تقول: «كان من الأجدى لو ذهب إلى حماه عدد أكبر من السفراء، وليكن بينهم أكثر من سفير عربي، ليشهدوا على أن تظاهراتنا سلمية وأنها تظاهرات سياسية وليست أعمال شغب. طالبنا دوماً بأن يتاح للصحافيين تغطية ساحات الاحتجاج، وبتواجد مراقبين حياديين لمراقبة ما يجري على الأرض لتأكيد قولنا بأن ما تشهده ساحاتنا هي تظاهرات شعبية، ولتفنيد ادعاءات السلطة بأننا مجموعات شغب قليلة. لكن ربما رغبة الأميركيين والفرنسيين بإبراز دورهم أدت إلى محاولة النظام، كعادته، اتهام انتفاضتنا بالتآمر. وهذا كلام مناف للحقيقة والمنطق، فأهلنا في حماه لن يستجيبوا إطلاقاً لأي دعوة من الولايات المتحدة»... يفسّر لؤي موقفه: «يهمني من كل هذه الزيارة أنها وفّرت شهودا مهمين على سلمية التظاهر في حماه». وفي اتصال هاتفي، بصم ميشيل كيلو على موقف لؤي حسين مضيفاً: «النظام يحمّل الموضوع اكبر من حجمه، فهؤلاء السفراء ذهبوا إما بصلاحية وإما بموافقة، وإما أنهم زاروا تلك المناطق في السابق من دون أن يستنكر أحد». لا رفض مباشرا في حديثه، إلا أن كيلو يختم: لا نحن ولا الحمويون نريد أن يتدخّل احد في شؤوننا. رلى ركبي التي سبق لها ان شاركت في تظاهرات حماه، بدورها بَصَمَت على حديث ميشيل كيلو. إبنة البيت الحموي التاريخي علمانية، لا نقاب فوق رأسها، تدخّن سيجارها الثائر وتقول: نحن لا نريد دعماً خارجياً. نريد من الخارج أن يتوقّف عن دعم النظام وربما الزيارة تريهم أرض الواقع. حسن عبد العظيم والأحزاب في حماه: ممانعة ممانعة في حماه حيث إرث السياسة لا يمكن لأحد أن يصبغ الحراك صبغة إخوانية. رغم جرح الثمانينيات الذي لم يغب من ذاكرة الحقد الحموي على النظام، إلا أن الإخوان المسلمين كتنظيم، لا ارض لهم. المستشفى اسمه أكرم الحوراني، والاشتراكيون العرب موجودون على الأرض. لهم حقوق مغيبة وأرض مسلوبة ومعارضة تاريخية مع النظام. هؤلاء لن يقبلوا بالسفير الأميركي. القوميون السوريون رغم سقوط تنظيمهم، لا يزالون في بيوتهم في جميع الأحياء الحموية... في ليلة ذكرى استشهاد قائدهم أنطون سعاده، هؤلاء لن يقبلوا بالسفير الأميركي. الشيوعيون واليساريون، على أنواعم وتفرّعاتهم المعارضة والموالية يقرأون الصحف ويتغلغلون في المجتمع المتشدد الحموي فنّاً وعلماً ويوميات، هؤلاء لن يقبلوا بالسفير الأميركي... الناصريون رغم ترهّل أحزابهم وغبار السنين فوق هيكلياتهم، لا يزالون يعلقون صورة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في بيوتهم، هؤلاء لن يقبلوا بالسفير الأميركي... لذلك فلا خوف على حماه. حتى الآن، قيل إن أحداً من الحمويين لم يسمعه كلمة تعجب خاطره. السفير التقى الناس. بعضهم رفع لافتة تقول له إنهم لم ينسوا فلسطين.. وبعضهم الآخر أجاب بوقاحة: «روح ساعد النظام، ما تجي تساعدنا». ويفيد أحد الناشطين الصامتين في حماه أن السفير الفرنسي زار المدينة ثلاث أو أربع مرّات من قبل... لكن احداً لا يعوّل عليه، لان الحمويين ليسوا نعاجاً. بدوره، الاشتراكي العربي الأول في سوريا اليوم، قائد ما تبقى من أحزاب معارضة بعد عقود الطمس والسجن، حسن عبد العظيم لا يزال يصرّح، لا بل يقاوم هجمة إعلامية حوله. المعارض السياسي الأبرز على أرض التظاهر يعزف على حماه من دمشق. في اتصال هاتفي مع «السفير» أمس صرّح باسم المعارضة: زيارة السفراء هي نوع من الضغط.. دفع للنظام باتجاه حل سياسي. فهناك شعور بأن أميركا والغرب لا يعطون مواقف حاسمة. لكننا اعلنّا من قبل: نحن ضد التدخل الخارجي ولا نعوّل عليه كثيراً، نعوّل على أن الشعب السوري مصمم على التغيير. هؤلاء السفراء يتصرفون وفق مشاريعهم. مواقفهم ترتبط بمصالحهم الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية. في السياسة: مدينة نهر العاصي في السياسة وحديث السياسة يوم أمس، اختلفت تقديرات العقول المعارضة والموالية، اللّماعة والصامتة، لزيارة السفراء إلى حماه. حماه هي نموذج ثورة الريف السوري. وفي زيارة سابقة إلى مناطق الشمال، كان البعض في حمص يرمي رائحة طائفية الخطر المذهبي، والبعض في جسر الشغور يحمل سلاح «الجهاد» ضد النظام هذه المرة، حلب كانت صامتة لأسبابها الخاصة الكثيرة، وبانياس كانت مقسومة «شرقية وغربية»... لكن حماه مختلفة! حماه، ليست تظاهرات عشرات المندسين في جامع ما من فائض الجوامع التي أثمرها عهد البعث، وليست امتدادا للمشروع السني المسلّح من شمال لبنان، وليست امتدادا لمصالح الأتراك من جنوب تركيا.. حماه هي الذاكرة والجرح، وهي المدينة الكبرى التي ليس فيها احد معجب بالنظام. إذا كان حديث المعارضة في مقاهي اللاذقية يعرّض صاحبه لاضطهاد الأكثرية الموالية، فحديث الموالاة في مقهى حماه ومكاتبها هو الذي سيعرّض صاحبه للاضطهاد. في حماه، حين نزلت مسيرة تأييد، كسّر الأهالي سياراتها. في حماه، حين تنزل تظاهرة لإسقاط النظام، تنزل الآلاف المؤلّفة. ينظّم الأكل والمياه، يفرز الشارع قيادة تنظّمه وتحميه... في حماه، انتفاضة حقيقية يعرفها النظام جيّداً ويدرك طبيعتها... وعلى حماه، وصمة الإخوان المسلمين واغتيالاتهم... لذلك، لا الشارع حمل سلاحه القديم، ولا النظام اعتمد قسوته المعهودة معها. في اللحظة العاطفية الكبرى، قد توضع حماه في أي إطار سياسي، فلا حزب معارض أساسي بعد عليها. الخيار عند النظام. إذا أرادوا تسمية حماه «حزب نهر العاصي» أو «حزب الإخوان المســلمين»، ذاك رهن بذكاء اللاعب والأوراق. حماه هي الساحة. اليوم، يزورها السفير، فيرى محلل سياسي «من بطن النظام السوري»، أن في ذلك إفادة كبيرة: قدّم بزيارته خدمة كبيرة للنظام وكشف عن دور أميركي ما وبالتالي غذى وضعنا هذا الجزء في سياق الأحداث حيث سنرى أن النظام يستفيد من أخطاء خصومه: جسر الشغور وسلاحه كرّس صورة «مجرمين قتلة»، وهذه ورقة في يد النظام. التدخل التركي شد عصب الوطنية السورية، وهذه ورقة في يد النظام. العرعور كرّس صورة «إسلاميين ظلاميين»، وهذه ورقة في يد النظام. واليوم، السفير الأميركي كرّس التدخّل الخارجي، وهذه ورقة مضافة في يد النظام. لهذا السبب، قوة النظام السوري في أخطاء خصومه، وضعفه في أخطاء فريقه. عشية مؤتمر الحوار الوطني الأول، الذي لن تحضره المعارضة... ذلك كان الحديث السياسي، السفير وزيارته إلى أرض المشكلة. هناك من مانع وهناك من رحّب وهناك من غازل وهناك من رفض... دمشق لا تعرف معالم حلّها بعد، كل ما تعرف أنها باتجاه مرحلة تغيير حزب البعث بالشكل الذي هو عليه.. يحكى عن بعث «البعث» من جديد بحلّة مختلفة، يحكى عن تعيينات جديدة في القصر بدءاً من موقع المستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة السورية بثينة شعبان، يحكى عن تغيير ما. وتحت صور ذلك التغيير، ما بين صورة تونس ومصر وليبيا واليمن، هناك سفير غربي يتدخّل في ما لا يعنيه. بعين بيروتية في دمشق، الخوف ليس من مشهد ليبي في حماه، الخوف من مشهد سياسي على الطريقة اللبنانية.
حماه وجراحها وإرث الإخوان: اعطني حريّتي غدي فرنسيس 28-5-2011 قبل الوصول إلى حماه، ستطلق أحكام مسبقة كثيرة: مدينة متشددة، «إخوانية»، ريفية، منتفضة ضد النظام، مخرّبة، سلفية... قد تقول أي شيء عن الحموي، لكنك لن تنصفه بأي تصنيف. فحين تصل إلى أرض حماه، ستجد «موزاييك» سياسياً اجتماعياً في ظل بيئة ريفية محافظة. في مدينة تصدير المواشي ومنتجاتها، تلتقي الاشتراكي العربي، والشيوعي، والسوري القومي الاجتماعي، والبعثي، والإخواني. وقبل التوجّس من كلمة «إخواني»، لا بد من الإشارة إلى أن «الإخوان المسلمين» في حماه، ليسوا تنظيماً سياسياً، بل حالة اجتماعية، ووصمة وجرح مفتوح منذ الثمانينيات، ولم يسقط من ذاكرة المدينة. وبعد جولة حموية وأحاديث مع مختلف التوجّهات السياسية والحزبية والمذهبية، يمكن القول ان مدينة حماه، بالمقارنة مع أخواتها – حمص، اللاذقية، درعا، دوما، المعضمية... وغيرها - قد قدّمت الصورة الاكثر عقلانية عن الانتفاضة السورية. ربما علمها التاريخ ودماء أبنائها المسفوك في الماضي، أن «السلاح» ليس الطريق الامثل إلى الرفض ولا التعبير عن الرغبة بالتغيير. أحداث الثمانينيات: جرح مفتوح... وعبرة في حماه، ذاكرة الدم المراق رادعة. يروي الشارع أن تسعين في المئة من الآلاف الذين قتلوا لم يكن لهم لا ناقة ولا جمل بسلاح «الإخوان المسلمين»، وأن قيادات التنظيم فرّت في تلك الأيام إلى العراق، حيث كان حزب البعث العراقي هو الذي يدعمها ويسلّحها. أحياء كما هي، دمرت فوق رؤوس قاطنيها. قبضة الحديد والنار هذه، ولدت سيفاً ذا حدّين. فالشارع إذ نقم على النظام، نقم أيضاً على المسلحين الذين كانوا سببا أو ذريعة للإبادة التي حدثت. تقتصر شعبية «الإخوان المسلمين» في حماه على التعاطف أكثر منه بالارتباط والتنظيم السياسي. جراحها لا تزال مفتوحة، وترتفع على كل لسان حين تسأله. آلاف قتلوا بتهمة ومن دون تهمة: يوم دخل الجيش إلى حماه، كان الشباب والرجال مشاريع شهداء، لمجرّد أن لهم قريباً أو صديقاً إخوانياً. وسبب إبقاء الجرح مفتوحاً أن مصير الآلاف لم يعرف بعد. يقول أحد الشباب الاشتراكيين إن الملفّات الإشكالية التي يجب أن تغلق في حماه هي: المفقودون منذ العام 1982، الذين يتجاوز عددهم العشرة آلاف، والمهجرون قسرياً، الذين تتجاوز أعدادهم العشرة آلاف أيضاً. إضافةً إلى الأملاك التي صودرت من أصحابها منذ ذلك الحين بتهمة أنهم مرتبطون بقرابة الدم أو المجتمع لأحد من التنظيم الذي كان مسلّحاً واستهدف الشخصيات السياسية القيادية حينها. مفاعيل الثمانينيات الاقتصادية: ارتقى الريف وتدنّت المدينة إذا كان لا بد من التوصيف المذهبي لشرح الوضع الحقيقي في ظل التصنيف السائد، فنعتذر مسبقاً عنه. ولكن، حول المدينة الريفية حيث غالبية سنية وأقلية مسيحية، للريف طابع علوي واسماعيلي. وقبل «أحداث الإخوان»، كان الريف ينعش المدينة اقتصاديا. ثم بعد الأحداث، انكفأ الريف عن المدينة خوفاً من ردود فعل قد تتخذ شكلاً ثأرياً، وبالتالي، انتعش الريف بأبنائه اقتصادياً، وتدنى وضع المدينة بغياب مال الريف. ثم ان المدينة دفعت ثمن «الإخوان» عقوبة اجتماعية واقتصادية فرضتها السلطة، فالوظائف والامتيازات والتسهيلات كانت محرّمة على كل من له قريب كان يوماً في تنظيم «الإخوان المسلمين»، فترى اليوم شارع المدينة يشكو من أن أصحاب الوظائف، في كل الدوائر الرسمية مثلاً، هم من أبناء الريف، يقصدون وظائفهم يومياً، ثم يعودون إلى قراهم. هذا ما زاد «الغلّ» في شرائح المدينة. ولطالما اعتبر الحموي من الشرائح المرتاحة اقتصادياً نظراً لمدخوله الذي يزيد على مصروفه، فالمحافظة هي التي تصدّر إلى كل سوريا، وإلى الخارج، منتجاتها الغذائية، وبالتالي، فإن كلفة المعيشة فيها أقل من باقي المحافظات. وتصدّر المواشي أساساً لدول الخليج وعلى رأسها السعودية. محافظ متشدد ولكن ليس متطرفاً لا شك بأن المجتمع «متشدد» لجهة السواد الغالب على الشارع ولباسه. وحتى المسيحيات يغطّين رؤوسهنّ أحياناً. لكن الحموي عموما يشتهر بحبه لمشروب العرق. وقد تجد رجلاً، زوجته منقّبة، يلتزم بأداء واجباته الدينية، وفي الوقت ذاته قد لا يتردد في احتساء كأس من العرق مع الاصدقاء، سرّاً. وهذه ليست مبالغة. فحتى الشيخ العرعور الحموي الذي يخطب من الخارج للتحريض اليوم، تسود الشارع أحاديث عن صباه في الأحياء المسيحية وشربه للعرق. ولكن سجل للعرعور يوم الخميس انه بعد دعوته المتلفزة، وبرغم تلبية بعض التجمعات في بانياس وحمص وبعض اللاذقية لها، إلا أن مدينته حماه لم تستجب لدعوته ... ما يعكس، بحسب كثيرين، وعي أهلها وحساسيتهم إزاء مثل هذه الدعوات. ففي حماه، وبرغم «التشدد» الديني، لم تظهر علامات الخطاب الطائفي كما في حمص مثلاً، ولم يتهوّر «طلاب الحرية»، كما لم يرفع السلاح للتصدي للأمن، فللحموي هدف واحد محدد واضح: الحرية والتحرر من قبضة الأمن الموروثة، منذ زمن ذنب لم يقترفوه من إرث الثمانينيات. ما يريده الحموي «السني» اليوم، أن يتحرر من عقاب السلطة في التملك والوظائف المتناقل والموروث. يريد أن يحسم ملف المفقودين نهائياً كي يستطيع أن يحل مشكلات الإرث والوظائف. يريد أن يتخلّص من عبء الثمانينيات. ساحة النضوج السياسي ورحم القيادات من حماه، خرجت قيادات سوريا عبر التاريخ. وهي أرض خصبة للحزبيين. قوميون وشيوعيون وثم من بعدهم الاشتراكيون العرب انطلقوا ونشطوا من أرض حماه. فما الذي يقوله حاملو إرث هذه الأحزاب اليوم؟ اشتراكي وقومي وماركسي ضد النظام الأمني الاشتراكي العربي، مولع بحراك اليوم، لكنه لم يتحرك بعد. يرى في الشارع ما يلبي طموحه. يحمّل حزب البعث والنظام الأمني مسؤولية غضب الشارع. ورث عن أبيه بعض الأراضي المقيدة بسبب قانون قديم أصدره الرئيس الراحل حافظ الأسد، ومفاده أن الأرض لمن يعمل بها. ولذلك، فعلى وائل أن يتخلص من الفلاحين الذين يزرعون أرضه قبل أن يعيد أملاكه. يعتبر أن الشارع الحموي قادر على امتصاص التطرف والتخلص من التشدد حين تسنح له الفرصة للعمل السياسي. يطالب بصوت عال بقانون لائق للأحزاب يرعى الفرز الشعبي ويكفل تمثيل كل الشرائح. يعتبر نفسه «سنيّاً معتدلاً» ويرفض صبغ حماه بالتطرف أو السلفية. كما يصف «الإخوان المسلمين» بالحالة العاطفية لا أكثر ولا أقل، ويعتبر أن المجتمع سيمتصها إذا منحه النظام حرية العمل الحزبي السياسي. يطالب لهم وله، بقانونٍ للأحزاب، كي يفرز الشارع ذاته. يصف مدينته على الشكل التالي: «نحن محافظون ولكننا لسنا متزمتين». ثم يفيد بأن الرئيس اجتمع مع حماه مرتين: في المرة الأولى، التقى فئة من التجار والمقربين من السلطة، وهذا ما استنكره الشارع، معتبراً أن أولئك لا يمثلونه. ثم في المرة الثانية التقى مشايخ الجوامع وكان ذلك مقبولاً... يقول وائل، الاشتراكي، إن حماه خزان السياسيين في سوريا، وانه ليس ضد الرئيس، بل يعتبر أن الرئيس يملك فرصة، مطالباً، بصوت مرتفع بقانون للأحزاب، وبحرية الصحافة وانتخابات مجلس شعب نظامية حرة ولكن ليس الآن: «فلندع الشارع ولنعطه مجالاً كي يتحزّب، في فترة لا تقل عن عام، ثم لتجرِ انتخابات، ولتفتح صفحة جديدة في العمل السياسي السوري». أما الماركسي، المحامي ابن مصياف، فيرى أن الغد مشرق واعد، ويشرح امتداد النظام منذ الاتحاد السوفياتي وحتى ما بعد سقوطه. يثق ببشار الأسد، معتبراً أن الثورة كانت مشروعه من الأساس لكنه يرى الوضع الآن سينتهي إلى حل من اثنين: إما أن يلحق ركب التطور البشري والربيع العربي، وإما لن يستطيع أحد أن يقف في وجه التاريخ. أما المهندس القومي، فقد أوقفه الأمن أربع مرات لأنه «حيّا التحرك عن الشرفة» ولأنه يتكلّم بأعلى صوت. يظن الأربعيني الثائر أن النظام هو من ترك الساحة للتنظيمات الدينية وضيّق على الأحزاب وأطّرها في جبهته «الهزلية». اليوم، يعتبر هذا القومي أن المؤامرة موجودة، ولا يتناسى مشهد العراق الماثل أمامه، لكنه يؤمن بأن الانتفاضة «على علاتها» قد تكون فرصة ذهبية للتغيير الذي ينعش الأمة والشعب ويعيد الحقوق لأصحابها. يشتكي من «القبيسيات»، وهنّ تنظيم نسائي ديني متطرّف، يدخل عقول بناته الصغار. يصفهن بأنهن صنيعة السلطة ثم يقول: «بعدما رعى النظام هذه التنظيمات، انقلب اليوم السحر على الساحر، والحل الوحيد لمعالجة التطرّف هو بالدولة المدنية والحرية السياسية المطلقة، وليفرز الشارع ذاته». «إخواني» منفتح بما أن حماه تصلح نموذجاً للمجتمع الريفي السوري، قد يصلح «الحاج وليد» ليكون نموذجاً إخوانياً معتدلاً. ربما لا يمثل «الاخوان»، لا كتنظيم أو الصورة العامة لهم. وهو ينادي بتعدد الأحزاب. يصف نفسه بالمعتدل، ويرضى بأي رئيس كان، ولكن ضمن قانون يرعى تمثيله. «أخي وأبي قتلا في الثمانينيات، لكني لست بحاقد، حتى لو قاد التغيير شخص كالأسد، لكنني أريد حرية التحزّب». يصافحك باليد.. ويكشف عن ندبة خلقتها «هراوات» الأمن على ظهره. أوقف قبل لقائه مع «السفير» بيوم، لكنه استعمل الوساطة ليخرج. اليوم، وكما كل يوم، يخرج وليد، وأولاده ورفاقه في تظاهرات بعد صلاة العصر. يتلاعبون بالامن. تضحك عيناه إذ يروي: «هلكناهم ومش عم يعرفوا من وين منطلع». برغم انفتاحه الظاهر وحواره المتحضر نوعاً ما، يصوّر مطالبه بشيء من المذهبية. ثم يروي لنا عن القنابل المسيّلة للدموع وعن دوره في تنظيم المسيرات: «أنا أخرج لأتأكد أن أحداً لن يندس بيننا ويثير الشغب، فإذا أراد واحدنا أن يتعدى على الأملاك العامة، نسبقه ونؤدبه، نحن لا نريد من يضر بشكل التحرّك». ثم يروي عن لقاءات المعارضين الحمويين مع الرئيس ويشرح: «قالوا لنا إن الرئيس يسمعهم ونحن لا مانع لدينا وقد تكلمت مع الشيخ، ما نريده هو إغلاق ملفّات الماضي، ومنحنا الفرصة لنشارك بالحكم. نريد أن نصبح جزءا من الدولة، ثم لاحقاً يصار إلى تداول السلطة. ما أريده، أن أتخلّص من وزر الثمانينيات. لن أنسى دماء أبي وأخي، لكن العدالة اليوم، تكفيني كي أنظر الى كيفية بناء دولة أشارك بها. أريد مناصفة، أريد حقي. لا أريد أن أحاسب على ما لم أفعله». حماه هي سوريا تمثل حماه، بشخصيتها الريفية السنية، نموذجاً لكل الانتفاضة السورية. وبرغم مجتمعها «المحافظ»، يجمع أهلها، بأطيافهم السياسية، على أن المجتمع قادر على امتصاص التطرف، إذا أعطيت الأحزاب أرضية ما لتعمل عليها. الاشتراكي والشيوعي والقومي والإخواني، جميعهم معارضون، ولا شيء يجمعهم سوى المطلب الوحيد: أعطني حريتــي أطلق يديّ. اترك لي الأرض لأبنــي حزباً سياسياً. وبانتــظار الحل السياسي المرتقب، تستمر حماه بآلافها المتضامنة مع الجراح، بالتظاهر لكن دون سلاح وبمطلب إصلاحي واضح ومعلن. وحتى اليوم، لا تزال تمثل الساحة الاكثر عقلانية التي يمكن ان ينطــلق منــها الحل باتجاه سوريا كلها. فحماه الجرح الاكبر، والانتفاضة الأصح، تريد كرامتها وتريد ايضا... طي صفحة الماضي.
السويداء 24/5/2011 قمح حوراني في محافظتين: عن جبل الدروز النائم فوق درعا غدي فرنسيس السويداء: تعلن الحجارة البركانية السوداء عن هويتها. دخلنا في أرض حوران باتجاه السويداء. بعد ساعة من دمشق، يطلّ ";جبل الدروز"; وبيادره. تغزل يوميات الناس حكاية علاقة الإنسان بأرضه وإرثه وأجداده. هنا حكاية أقلية طائفية في هذا الشرق، ولدت من رحم ترابه، دافعت عنه وبذلت الدماء لاستقلاله. هنا يرقد القائد سلطان باشا الأطرش بعين نصف مغمضة فوق درعا اللصيقة. هنا معزوفة الحرمان ذاتها، ومشكلة الري والأراضي والأمن والفساد ذاتها. لكن مخاوف مختلفة تردع أهل ";الثورة السورية الكبرى"; عن ";انتفاضة الحرية";. هنا للأمن قبضة مشابهة، هنا حوران الواحدة بهمها الواحد، ومسافات وهمية بين قرى متلاصقة تنقسم إلى محافظتين وطائفتين. بركان حوارن: حجر وبشر وشجر تعرف حوران من لون أرضها وترابها البني المحمرّ البركاني بدءاً بقرية ";الصَورة الكبيرة";... يبتسم أحمد الإدلبي في مقعد سيارته الصفراء، ";حابب شوف السويداء، بيقولوا هواها دوا";. عند ";الصَورة الكبيرة"; ينتهي تدرّج ألوان الأرض من الشام إلى أرض حوران البركانية. ترفع لافتتها الأولى ";فلاحو السويداء يرحبون بكم";. حجارة الأرض يميناً ويساراً ترسم مسار الطريق مع سنابل القمح الشقراء. وحجارة البيوت امتداد لحجارة الأرض، نفسها. كأن البيوت نبتت من التراب. ثوان من رومانسية الشمس والقمح، قبل أن يقاطع الطريق حزام الأمن عند منطقة ";الحزم";. عشريني يتفقد الهويات سريعاً بيمناه بينما تقبض يساره على سلاحه الروسي. ينتهي ";الحزم"; بابتسامة تعيدنا إلى سحر أرض ";شهبا"; ووجوه اهلها. تلاقيك وجوههم كلّهم بابتسامة المشتاق، تسبقهم أرواحهم للعناق. لباسهم لباس الأرض، أصابعهم مطبوعة بلون ترابها، سمرة جباههم من شمسها. سواء أكان خريج إعلام أم شيخ عقل، إبن السويداء يعمل في زراعة الحقل ويعاني كسواه من شحّ المياه. لا تفارق الطريق مشاهد خيم الترحال البدوية ورعاة الماعز المبعثرة حول اراضي السويداء. بشار الأسد على ارض ";شهبا"; يقف جبل ";شيحان"; بني القمة، أسود البطن. فوقه معبد ";شيحان"; للموحدين بنجمته الملونة، ومن قلبه الأسود يستخرج التراب المستخدم في البناء. تتوزع قرى شهبا على ضفاف الطريق صغيرة ومتحلقة كرقصة العامل حول مسافات الأرض. من هنا ومنذ ثلاثة أشهر، عبر الرئيس الأسد صباحاً مع عائلته. أوقف سيارته في زيارة مفاجئة، ونزل يسلم على الأهل. حملوه وحضنوه وعانقوه وصوّروه وزلغطوا له. دخل عليهم، جلس معهم أكل أكلهم وشرب شايهم، من دون فوج مرافقة وموافقة وأمن، ومن دون أن يستحضر التهليل والتأييد. كان مشهد ";إبن"; ثري بين اهل فقراء، كتلك الإعلانات التي تصوّر عودة المغترب إلى قريته واهله البسطاء. صوّره هاتف خلوي، وتناقلت الصورة محافظة السويداء كلها ومنها إلى كل سوريا. ربّ صدفة أو قدر، أن توقيت الزيارة كان قبل شرارة درعا بأسبوع. زيارة تصلح نموذجاً عن محبة اهل الجبل لرئيسهم، رغم معاناتهم. كما تعبّر عن ثقته وارتياحه لهم. السيارات على جانبي الطريق العام تودّع مشهد شهبا ليستقبلنا في ";عتيل"; حزام الأمن الثاني، ووجه الامن العشريني المشابه والسؤال المعتاد عن الهويات. ترسم خاصرة الطريق مسارها ليظهر مدخل السويداء، المدينة. قمقم يساري في مدينة الريف ريف ممدّن، مصارف ومراكز وإشارات مرور، وشيخ ";معروفي"; بلباسه على دراجة نارية. خلفه لفحة بيضاء اخرى تقود حافلة ركّاب. عيون النساء تتفحص الوجوه بينما يعبرن بالوشاح الابيض أو باللباس العصري. حركة الشارع ظهراً نواتها مزارعو القرى وعمالها وطلابها وموظفوها في اجتماعهم الريفي الوسطي في ";مدينة التاريخ في العصر الحديث";. أسواق متعانقة متشابهة تنتشر في حزام عفوي حول ساحة المدينة. وللساحة إسمان: ";ساحة السير"; او ";ساحة الأسد";. فمنهم من يفضل أن يسمّيها نسبة لحافلات النقل وسياراته التي كانت تركن فيها، ومنهم من يسمّيها نسبة لتمثال الرئيس حافظ الأسد الواقف وسطها. وفي الحالتين: هي ساحة البلد. ";مقهى ألفا"; اليساري للفن يكسر تقليدية المجتمع من الساحة: لوحات وشعر وصحافة وموسيقى يسارية علمانية ناقدة وغاضبة ومعارضة من المقهى. يكسر توحّد لوني الأسود والأبيض ويزهو بألوانها الأخرى. مميّز باختلافه عن النسيج الاجتماعي ";المعروفي"; الطاغي على المدينة وقراها. داخل القمقم اليساري في المقهى، تبدو السويداء كشارع الحمراء البيروتي ببعض الفوارق: هنا الزوج هو إبن العم أو ";إبن القرايب";. وهنا حين تخفت الأصوات لتهمس بـ";الأخبار";، قد يكون عن ";جريمة شرف";، أو عن شائعة خطبة طائفية سجّلت في جامع درعاوي تتناول بنات السويداء. تحت نجمة معروف سيارة أمن ورومان فهذه المدينة قرية حقيقية، رغم انفتاحها الجزئي الظاهر في لباس البنات العصري الجريء نسبياً وشرب ";العرق البلدي";، هنا العائلات والوجوه والأسماء تعرف بعضها. ويمكن لإبن ";السهوة"; ان يعرف ما جرى في ";القريّة"; بمكالمة هاتفية لأخته او عمه أو عمته او إبنة خال صهره. هي هكذا الروابط. قرابة الدم العابرة من ";جبل الدروز"; السوري إلى ";جبل الدروز"; اللبناني، فتحت للسياسة امتداداً هنا أيضاً. ومن تلك الشواهد استقبال وئام وهاب كالفاتحين حيناً، والضغط على وليد جنبلاط في الخاصرة الدرزية السورية حيناً آخر. يعلن القوس الحجري الذي كان ";مشنقة"; في عهد الرومان، عن امتداد أبعد للتاريخ في حوران. تحت ";الشارع المحوري";، ترقد مدينة رومانية من الآثار. وفوق التاريخ المطموس، على اليمين دار الطائفة ونجومه المرتفعة فوق سيارة أمن تحرسه. تتمدّد الطريق فوق تاريخ الرومان لتنتهي جنوباً إلى القرى حيث إرث الثورة في جبل العرب. نمرّ في ";رساس"; للعبور إلى المقلب القروي الآخر، حيث بيت الامير حسن والقائد سلطان باشا الأطرش، وبيارق الثورة السورية الكبرى التي هي جزء اساسي في موروثات المجتمع. من تلك الناحية الى الجنوب الغربي، تلتقي محافظتا حوران: السويداء ودرعا. بين السويداء ودرعا شعرة معاوية رغم اختلافهما، تتشابك القرى والحياة وتجمعهما الأرض وزراعتها. منذ انطلاقة الاحتجاج الأول، تحمل درعا على السويداء عدم الحراك لمخاواتها. كما يفسّر رأي آخر أن السويداء لديها الكثير من الدوافع لتغضب، إلا ان انطلاقة الشرارة من درعا سبب كافٍ للجمود. فمنذ قبل درعا، وهناك ";حساسية"; اجتماعية بين المحافظتين تتراوح من ";غيرة"; المزارع من أخيه وآبار ريّه إلى نقمة لأن طريق الأردن مفتوح من درعا ومغلق من السويداء، إلى سلّة من الحساسيات. لكن الاساس في تصنيف ";آخر"; هو اختلافه الطائفي. غربي السويداء، ترقد أولى قرى درعا: ";معربي"; و";جبيب"; على بعد خمس دقائق من إمارة الأطرش في";عرى";. كذلك حال ";أم ولد"; الدرعاوية حيث تواجد أكبر عائلات مشايخ درعا ";الرفاعي";. ما جمعه القمح لا يفرقه إنسان القمح يجمعهما. وحادثة ";قمحية"; منذ أسبوع قد تعبّر عن تعامل الشارعين مع الأزمة السورية ومع بعضهما: تصل سيارة حجبت لوحتها الرقمية بلافتة من الكرتون كتب عليها ";حوران"; إلى امام مطحنة القمح في السويداء. ينزل رجل وأكياسه. يبتعد له الأهالي ويدعون بعضهم ";قطّعوه، جاي من درعا";. يسبق صف الاهالي المنتظر، ويضع كيسه في الامام للطحن. وفيما ينتظر، يقصده أحد الشباب ليسأل ويعترض على نمرة ";حوران";. يصرّ الدرعاوي على كرتونته. يمدّ يده ";العروي"; على الكرتونة، يزيلها ويمزقها: ";هذه إسمها سوريا، وحوران جزء من سوريا، حين تصبح إمارة وحدها، عندها علّق النمرة التي تريد";. الشاب نفسه، إبن عرى الثلاثيني من عائلة ";حامد"; القومية السورية، ومنذ أيام ثلاثة كان شاهداً على إحدى عمليات وأد الفتنة في إحدى القرى المتاخمة لدرعا. فبعد أن أصيب أحد ابناء عائلة الشقراني برصاصة أثناء خدمته العسكرية، ونجا، هبّ بعض الشباب إلى الطريق لينتظروا مرور سيارة درعاوية للرد والثأر، حينها انبرى شباب ";القومي"; في السويداء لفض النزاع، وتهدئة النفوس، وإعادة الرشد إلى الأهالي. وقد تمثّل هذه ";الهبة"; أحد نماذج تلك ";الحساسية";. ليس القومي اللاطائفي اللاعب الأكبر في التهدئة، بل إن المرجعية الطائفية هي التي تحكي. مشيخة العقل تعتبر صمام الأمان لحوران اليوم. رغم تناثر الشائعات التي تصلح وقود قتل تحت هذا الظرف، وتغضب المشايخ، لكنهم يضعون المساعي في إطار الجمع لا التفرقة. واكتفت المشيخة، برؤوسها الثلاثة أن تلعب دور التهدئة وضبط النفس. صمام الأمان هذا المتمثّل بالقيادة الروحية، لم يولد اليوم. ففي مشيخة العقل حلّت أزمة العام 2001 مع ";البدو";. اقتحام الماعز استحضر اقتحام دبابة في العام 2001، وبعدما تسلّم الرئيس بشار الأسد الرئاسة، كانت قوة عسكرية تجهز نفسها للوصول إلى السويداء لفرض السيطرة على الأرض. المشكلة ابتدأت قبل وفاة الرئيس الأب. انطلقت من إشكال بين صاحب أرض وراعٍ. لكنها لم تكن سطحية. ففي حينها، كان أهل السويداء يحمّلون الأمن مسؤولية ما يسمونه ";انتهاك الأرض";. قتل شاب من السويداء، وثم آخرون، وكرّت سبحة الدماء. نزل شباب السويداء، اقتحموا مركز المحافظة تعبيراً عن الغضب. تطوّرت المشكلة. توفي الرئيس الأب قبل أن يقابله شيخ العقل الذي قصد دمشق لحل المشكلة. استمر التوتّر الذي يفضح نار الجمر النائم تحت الرماد. جمر الخوف من الآخر، ولعنة الثأر. وفي النهاية، بعد أن دخلت دبابات الجيش إلى السويداء لفضّ الأزمة. تدخلت مشيخة العقل لإنهاء الازمة وعقد الصلحة وإعادة ضبط ";فورة"; الناس. ";ولاد الخوتة"; قالوا ";يا حيف"; قد يسكت إبن السويداء اليوم، للسبب نفسه الذي يعرفه الجميع: أقلية طائفية تتحالف مع الأقليات الأخرى لحماية نفسها. لكن السويداء لم تبق ساكتة تماماً: عشرات حملوا الشموع عن أرواح الشهداء في عيد الجلاء، واشتبكوا مع ";عصي"; شباب ";التأييد";. يساريون وقوميون وشيوعيون ومعتدلون غاضبون اليوم مع درعا، لكنهم لا يتحرّكون. ثم إن أغنية سميح شقير التي صنفت اغنية الثورة: ";يا حيف"; خرجت من ألم صادق يبكي الحجر نفسه. وسميح، إبن السويداء الذي غنّى: ";زخ رصاص على الناس العزّل يا حيف، وأطفال بعمر الورد تعتقلن كيف؟";. يقول ريان ";يسموننا أولاد الخوتة"; لأننا نقوم كالبركان، حين نثور لا نعود. نحن من هنا من هذه الأرض دفعنا آلاف الشهداء من أجل الحرية. لا يستطيع أحد أن ينزع عن السويداء ";الثورة";. لأنها لوحة يورثها الإب لابنه، وحكاية ترويها الامهات للبنات قبل النوم. عن قوم طردوا الفرنسي بمقاومة شعبية مسجّلة على صدر الدهر السوري. نحن قوم لا نرضى الذل ولا المهانة. إن كنا نتمسّك بالصمت لأننا لا نحسن أن ندخل في مسألة تفريقية داخلية سورية. لكن ذلك لا يعني اننا نعيش رخاءً أو أننا معجبون بمظاهر ";بلطجة الأمن";. إن كنّا مختلفين عن درعا، فذلك لا يعني أننا لا ولم نتألم معها
النفاق هو المؤامرة
von غدي فرنسيس, Freitag, 24. Juni 2011 um 22:32
لي صديق، توقف عن مكالمتي عندما بدأت أكتب من سوريا.
منافق
لي أصدقاء فتحوا لي الابواب العالية في اللاذقية وثم حين انتقدت رامي مخلوف شنوا هجوم البذاءة عليّ فايسبوكياً
منافقين
لي صديق يحاضر في كرهه لإسلامية المقاومة ولا تستفزه إسلامية الإخوان المسلمين
منافق
أعرف كاتب اعمدة ويعتبر محلل استراتيجي، يظن أن العراق ما بعد أميركا أفضل من قبلها
منافق
لي صديق، يسمع ما يقوله له أصدقاءه في الأجهزة السورية وينظّر عن المستقبل
منافق
أعرف شخصاًعتبر أنه اكتشفني حين بدأت الكتابة، وواكبني عام كامل...حين كان لي وجهة نظر مختلفة قاطعني
منافق
أعرف رجل أعمال سوري، "حر" من الاحرار اليوم، يشتم طبعاً ويعارض، لكن على أكتافه لحم من هذا النظام
منافق
علينا ان نتخلص من النفاق قبل أن ننتشي بالفوضى التي هي الثورة
المشكلة ان الدنيا تضيق بنا، نحن الذين لا ننافق، فانتم على انواع نفاقكم، تحاربوننا
سواء علمتم أو لا....أنتم المؤامرة
لأنكم انتم النفاق
حزبي وحزب أبي وإرث المرارة (نشرت في شباب السفير في ذكرى تأسيس الحزب)
von غدي فرنسيس, Montag, 6. Juni 2011 um 11:17
http://shabab.assafir.com/Article.aspx?ArticleID=1660
غدي فرنسيس
23/11/2010
أمي كانت مثلي، بنت بيت قومي، حين أغرم بها أبي. هي القومية الصغيرة التي تكتب في مجلة الحزب «صباح الخير»، وتلقي شعراً في المناسبات خلف المنبر العريض. أما أبي فهو الرفيق الذي لم يأت من بيت قومي. وهو «المنفّذ العام» الذي خرج علمانياً من قرية طائفية مارونية. خرج من قرية إقطاعية عائلية، رفيقاً سورياً قومياً اجتماعياً، إلى طرابلس، ليصبح مسؤول المنطقة.
في تلك الأيام، حين كان أبي مسؤولاً مهماً، ولدت أنا. عندي مجموعة صور تختصر حزبية تلك الحقبة من حياة عائلتنا. غدي (سنتان ونصف سنة) فتاة صغيرة تجلس على الأرض، تمصّ إصبعها. علّقوا لها على الفستان الأزرق زرّ زوبعة أكبر من قلبها. أخوها هشام يلبس ثياب كشافة النهضة، ويحمل مذياعاً في يمينه وورقة في يساره. ابن التاسعة كان يلقي خطاباً. والبكر، الرفيق فراس (11 سنة)، يلبس بزة عسكرية ويمثّل دور البطل القومي في «سكيتش» عن إحدى عمليات المقاومة الوطنية، أيام كان الحزب يقاتل الإسرائيليين والطائفيين.
منذ تلك المجموعة من الصور، لم يجتمع أعضاء العائلة في احتفال موحد قط. أبي تعب من تفاصيل النضال الصغيرة والمشاكل الحزبية المتجددة. كان قد استنزف كل ما جنى في السعودية، فقرر أن يصرف جهده ليطعم عائلته أولاً. وسّعت المؤسسة الحزبية تجاعيد وجهه الأسمر. ترك مسؤوليته في طرابلس لـ«المناضلين الجدد» وعدنا إلى الكورة. هناك، أصابني الانفصام الحزبي بين الفكر والمؤسسة. ابنة المسؤول الحزبي السابق المليء بالمرارة عادت إلى قريته الطائفية التي قتلت القوميين في الحرب الأهلية أمام جميع ناسها.
رغم مرارة والدي من التجربة الحزبية، كنّا مختلفين، فازداد تعلّقنا باختلافنا. في قريتي، كان الناس يظنون «الإسلام» من كوكب مختلف. وأنا، في تلك الفترة، كنت اعلم أننا لسنا مختلفين عن بعضنا البعض، لأن عرابّي اسمه أحمد. حتى ذلك الرجل الذي حملني في الكنيسة ليرمي الكاهن ماء على رأسي فأصبح مارونية، كان سورياً قومياً اجتماعياً، غير ماروني. تعمّد الرفيق أحمد في الكنيسة شكلياً كي يعمّدني.. والرفيق أحمد تزوّج خالتي مدنياً خارج لبنان. جميع من حولي في الطفولة كانوا قوميين. جدّي لأمي وبناته الثلاث، أبي وأمي وعمو شحادة وعمو سليمان وعمو ميشال وتانت غادة وعائلاتهم. وأنا ما زلت أشعر حتى اليوم أن أسماء تمارا ووائل وبيسان ونضال ونظام وتغريد أقرب إليّ من عمّتي وزوجها وميرا وشربل وحنا وجورج. فكل العائلة التي حظيت بها كانت قومية.
كنت أنمو بعيداً عن تفرعات العائلة المارونية من الـ«غير قوميين»، في كنف الحزب السوري القومي الاجتماعي. لكنني كنت أكبر مع سلبية أبي حيال القيادات الحزبية. كان يعرفهم كلهم، فهو انتمى إلى الحزب منذ العام 1967. وحين يسمع مسؤولاً حزبياً في التلفاز، يعرف جيداً ماذا يجري في عقله. كنت أزداد قوميةً فيشتد الصراع مع مرارة والدي. لم يرد لي أن «أحمل السلّم بالعرض». لا يزال يردد ذلك دائماً. أرادني أن أفهم أن الفكر الذي نعتنقه أكبر من أشخاصه. «هوي الفكر منيح يا بيي بس مش دايماً الأشخاص».
كنت أكبر باتجاه تعصبي للحزب، وكان والدي دائم النقد في الحديث عنه. هو القومي العتيق بنبرة الصوت الجدية والضحكة النادرة والعمق في السياسة وكثرة القراءة والهدوء. لا أنسى ليلة بكيت وصرخت عالياً بوجهه وحملت له علم الزوبعة بوقاحة المراهقة: «إذا كنت لا تريدني أن أذهب إلى عشاء الحزب، لماذا هذا العلم في بيتنا؟».
حين نزلت إلى بيروت كان كلما هاتفني ليسأل عن الجامعة أجيبه عن الحزب. يسألني عن العلامات فأجيبه عن مدى نجاح النشاط الحزبي. يسألني عن حبيبي فأقول له أنا أحب الرفيق. لم يكن باستطاعته أن لا يحصد ما زرع. لكنه حاول دائماً أن ينقل إليّ بعض حكمة من ماضيه. أراد أن يروّض حماستي الحزبية بقسوة تجربته. كان قد فقد الأمل من إسكات حماسة فراس الذي انتمى سراً إلى الحزب حين كان في السادسة عشرة. حاول أبي أن يؤخّر انتمائي قدر المستطاع، وذلك لأكتسب مناعة كافية وأفهم أكثر قبل الانتماء بقسم اليمين.
لم يستطع أبو فراس أن يبعدني نهائياً، أو لم يرد ذلك. هذا ما لا زلت لا افهمه. لطالما كان نقدياً، لكنني أنا ابنته، وأنا قومية. وليلة رفعت يمناي وأقسمت بشرفي وحقيقتي ومعتقدي في عيد ميلادي العشرين، دمعت عيناي وهاتفت والدي وقلت له: «تحيا سوريا رفيق جوزيف». ضحك ضحكة صغيرة لكنه لم يهنئني. كانت ضحكته مؤشر رضاء عاطفي وسكوته مؤشر عدم رضاء عقلي.
ومنذ انتمائي إلى اليوم، أي بعد عام ونصف عام فقط، أشعر بحماسة الدفاع والتبرير تشحّ. لم أعد أغضب وأعاتب وأتشاجر كما في السابق. حتى بعض الصور على الحائط تبدّلت. سقطت قدوة خلف قدوة. تسللت إليّ مرارة والدي بسرعة. بتّ أفكر بأن الحزب الاجتماعي لم ينتصر في صراعه مع أوبئة المجتمع. الحزب التغييري لا يزال عالقاً في عام اغتيال سعاده، 1949. لم يتجدد فكرياً، باستثناء بعض محاولات التطوير التي صنفت كفراً عقائدياً. الحزب العلماني هادن القوى الطائفية بحجة الحفاظ على ثوابته وأولوياته السياسية. الحزب النضالي استلم وزارات في الدولة الفاسدة، ولم يصنع النموذج المرتجى. كسب مكاناً على الطاولة السياسية، لكنه تصالح مع القوى الطائفية التي حاربها من قبل. كرّس التزامه بالخط الممانع والعداء مع إسرائيل، لكنه لم يستطع أن يظهر تمايزه. تعدّل خطابه وازدادت ثوابته، لينزل إلى شارع الداخل دفاعاً عن المقاومة. الدنيا من حوله أدخلته في منطق الهروب إلى الأمام، حتى وصل إلى متاريس ملتبسة لمن فقد تمايزه. كان حاضراً في حرب تموز 2006، وسقط له فيها شهيدان. لكنه حضر أيضاً في السابع من أيار 2008 وذبح له فيه 11 شهيداً في عكّار.
اليوم يؤلمني عقلي كثيراً. فأنا مؤمنة بأن الكرسي النيابي لا قيمة له إذا أقلعنا عن الجلوس على الأرض. وأظن أن الاعتناء بمواسم الأرض في القرى النائية أهم من قطع قالب حلوى في ذكرى تأسيس الحزب. وحين أمشي في تحرّك من أجل فلسطين أو من أجل العلمانيين أو من أجل الرغيف، أجد إلى يساري أولاد أحزاب لم يتحالف معها حزبي في انتخابات نيابية أو بلدية أو نقابية أو طلابية.
اليوم، بتّ أعتقد أن انطون سعاده مظلوم من الدولة اللبنانية التي أعدمته، كما من بعض حزبه. فبعض الذين حملوا صور سعاده ووزعوها في المجتمع ساهموا في بناء حائط بينه وبين الأجيال التي أراد أن يخاطبها. سعاده أسس حزبه وطوّره وعدّله وحلّه وأعاد تأسيسه، وكان متنبئاً بالأخطار قبل أن تأتي. لم يكـن عالقاً في الماضي، فالزمن يسير. ألم يكن هو ليصنع التغيير؟
في عيد التأسيس، أفرح لأن هذا الحزب هو الكنف حيث قرأت وكتبت ووقفت على المنبر ومشيت في التظاهرة وصرت أنا نفسي. أشعر انه عيدي وعيد عائلتي وعيد قلمي وعيد عقلي. فأنا إن تعلمت أن أطرح الأسئلة وأرفض وأشاكس وأعارض وأتألم، فذلك في عائلتي القومية الصغيرة والكبيرة. أحتفل بالعيد، وأؤمن بأن العيد هو في كل فرد في هذا المجتمع نقله العمل الحزبي من حالة الجهل إلى الوعي، ومن الطائفية إلى المواطنة
http://www.facebook.com/media/set/?set=a....696650563
with every foto one article
سمر يزبك...
مرايا سورية معارضة
غدي فرنسيس
لا يغطي شعرها الأشقر نقاب، ولا تحمل جهاز تعقّب تشغّله آلة خارجية وليس في يديها سوى سلاح من قلم وألم. لا تشبه منقّبات دوما، لكنها سارت معهن. لا تريد أن تسكت، بل كتبت «يوميّات دمشقية» من قلب الشارع.
عن الحرب النفسية قال سعيد تقي الدين في زمانه: إذا اردت أن تقتل رجلاً أطلق عليه شائعة. فماذا لو كانت إمرأة، من الساحل السوري، من مجتمع محافظ، تعيش وحدها ولها ابنة شابة. ماذا لو كانت هذه المعارضة واحدة من داخل البيت ولها صلات قربى مع النافذين. وماذا لو كانت هذه الإمرأة الجميلة القوية تمتلك قلماً؟ وتستطيع أن تفعل فعلاً؟ تكون سمر يزبك، كاتبة «لها مرايا». تكون صرخة «لا» تفتح أفقاً جديداً للمعارضة وتفرمل تطرّفها في آن معاً. تكون العينين الخضراوين اللتين تدمعان لكل شهيد جيش، ولكل مدني يقتل. تكون الاعتدال الذي يجد نفسه بين طرفين، كل يشده إلى ناحية، ويشعر انه عرضة للتمزيق.
قلم سمر يزبك بعيونهم
صباح الجمعة، على طاولة المثقفين، تأتي الالسنة على ذكرها، فلها تاريخ في المعارضة، ترجمته كتب وقصص وروايات ومقالات متنوعة. ابنة جبلة ولدت في العام 1970 وتنقّلت حول مدنها والاحزمة. يقول الخمسيني الاول: كتبت مستوحية من شخصية قائد رفيع في الدولة في إحدى رواياتها. ليردّ الآخر: كتبت عن الطائفة العلوية في «لها مرايا». هي معارضة مؤلمة لأنها من قلب البيت.
لا يختصر ترداد اسمها بالمقاهي. ففي مكتب سيدة علمانية معارضة في وسط البلد، وبينما دار كلام السياسة الصباحي، وصلت ورقة مطبوعة بعنوان «يوميات دمشقية» مذيلة بإمضاء يزبك، وفيها تشرح انفعالها وأحاسيسها في أولى التحرّكات. تلبس حواءها وتنزل إلى التظاهرات. تحاول أن تجد لنفسها مكاناً للرفض رغم أن الشارع لا يشبهها. لكنها تحكي وتروي، تكتب، ولهذا تدفع ضريبة.
تمثل رمزا ما لهؤلاء الذين رفضوا شكل النظام من قبل ولكن الحراك الذي نزل لم يشبههم بعد، أو لم يعطَ الفرصة. تمثل نموذجاً عن المعارضة التصالحية التي تتكلم بانفعال عصبي أقل، وقلق أكبر. وترفع كل السقوف وتفتح كل الأبواب المغلقة، من دون مساس برمز الدولة ورئيسها. حديثها أقل حديّة من الشارعين، فهي ليست جديدة على ترداد «لا».
كتبت رواية صادرة عن «دار الآداب» بعنوان «لها مرايا». تسلّط فيها الضوء على جزء من تاريخ الطائفة العلوية وتحولاتها. علّقت في أحد الأحاديث الصحافية السابقة قائلة: «فكرة الحديث عن العلويين، كطائفة مجهولة التاريخ والحاضر والهوية، ما يعرف عن العلويين أفكار مغلوطة، ارتبطت منذ حوالى نصف قرن بالسلطة والعسكر لا أكثر ولا أقل، تحديداً في سوريا، هناك جهل حقيقي بتاريخ هذه الطائفة، وأنا على الرغم من أني ضد فكرة الهويات والانتماءات المحدودة والعصبيات، ولا أقول إني مسلمة أو مسيحية، ولا علوية أو سنية، وتهزني بعمق تلك التعريفات اللاإنسانية، فقد وجدت نفسي أبحث عن المكان الذي جئت منه إلى هذه الحياة، ومنذ سنوات وأنا أحاول اكتشاف حقيقته». تقول انها متأثرة بأدبيات العلويين وتستقي منها مادة حياتية؛ من الخصيبي والمكزون السنجاري الى إخوان الصفا ونهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب، المتنبي والفارابي والشيرازي...
حرب باردة
في قهوة دمشقية خالية إلا من طاولتين، نلتقي وسط نظرات ارتباك. تشعل سجائرها بتواصل، تنفعل سريعاً إذ تحكي، تتسع عيناها مع كل زاوية حادة لكل حديث. تخبر عن الضغط الذي استعمل معها: هي امرأة، وبرأيهم، فهي سهلة التكسير. لعبت دوراً بين جبلة واللاذقية لوأد الفتنة، ثم اشتد الضغط عليها، ووزعت مناشير في قريتها تتهمها بالتعامل مع العدو، وتحرض على قتلها، ونشر عنها موقع تابع للمخابرات رواية ملفّقة عن خيانة، هددت بابنتها، ولم تعد تستطيع الحركة في منطقة الساحل.
ضد النظام... الأمني
ما يؤلمها سلب الناس الرحمة، والتجييش والاحتقان القادر على القتل المتطرّف حد التخلّي عن القيم. تعتبر ان ممارسات التخويف والترويع طالت الطائفتين وجعلت الناس في حالة استنفار وجاهزية للاشتباك المسلّح. وهنا الخطر. وهذا لم يأت من الفراغ، بل يتحمّل النظام مسؤوليته. «نحن لا نتكلّم في السياسة، نحن نتكلّم في بديهيات الحياة. في بداية التظاهرات كل من خرج إلى الشارع لم يطالب بإسقاط النظام، الكل كان يطالب بالإصلاحات. طريقة الامن في قمع التظاهرات هي التي غيّرت التحرّك.
«أريد حلا»
الحل بإيقاف القتل والسماح بإبداء الرأي «سواء عن طريق التظاهر أو الكتابة»، وقف حصار المدن وعدم زجّ الجيش في صراعات السياسة. إطلاق سراح معتقلي الرأي ومعتقلي «الإنتفاضة السورية»، التحقيق النزيه بالأحداث الأخيرة، والبدء بالحوار الوطني الشامل، بما يحفظ وحدة الأراضي السورية والمجتمع السوري، ويضمن حرية وسلامة الشعب. لا لست مع التطرّف الذي أصاب الحراك ولا مع قتل عناصر الجيش. اعتبر من يموت في التظاهرات شهيدا من أجل الحرية، وانا ضد الاعتداء على جيش الوطن، والعسكريون القتلى هم شهداء ... مثلهم مثل المدنيين
http://www.facebook.com/photo.php?fbid=1...6929955564&set=a.10150594572310564.679587.696650563&type=1&theater