فكرت بموضوع الغريب وكونه أديب، ومدى ارتباط ذلك بحقوق الإنسان في التعبير ما لم يؤذ غيره، فما انبلعت معي.

الحمدلله أني أحمل جنسية بلد تجرّم دستوريا التمييز بين المواطنيين على أي أساس مهما كان، فمن يرفض التعامل مع محجبة تحمل الحقوق المدنية لإقامتها في البلد، أو تحمل الجنسية، فسيتم محاسبته حسابا عسيرا قد يفضي إلى إقصائه سياسيا.

سأنقل رأي بروفيسور علم اجتماع سويدي حضرت له محاضرة في العام المنصرم في جامعة مالمو في جنوب السويد، اسم هذا البروفيسور يونس فروكمان Jonas Frykman، وهو مؤلف كتاب Cultural Builders.

وفق رأي هذا البروفيسور، فإن أوربا تجنح نحو اليمين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ويسيطر رأس المال تدريجيا على المكتسبات الاجتماعية التي أعلنتها أوربا سابقا لحماية نفسها من الهجمة الشيوعية بعد سقوط المانيا وأوربا الشرقية في قبضة السوفيت.
هذه السيطرة لرأس المال الأوربي اليميني لن تمر دون ملاحظة من قوى المجتمع المختلفة، لذا يتم إشغال وإجهاد المجتمع في قضايا هامشية ليست ذات أهمية في معظم أوربا، بل هي هامشية مكبرة تقع تحت المجهر.
أهم هذه الانشغالات هي إجلاس المسلمين عامة والعرب خاصة في ذلك المقعد الذي شغله اليهود في أوربا في ثلاثينات القرن المنصرم، وجعلهم يحملون عبء فشل اليمين، مشغلين المجتمع عن ملاحظة تسرب الامتيازات الاجتماعية تدريجيا وعودة الرأسمالية المتوحشة شيئا فشيئا.

حين تنشغل بيا كاسغو الناشطة الأبرز في الحزب العنصري الانعزالي الدنماركي المسمى بحزب الشعب، حين تنشغل في حملة مطاردة الساحرات، وتقليص قدرة المسلمين في الدنمرك عن التعبير عن هويتهم، وتمييز المجتمع إلى دنمركيين أصليين ودنمركيين طارئين يجب أن ياكلوا هوا على حد تعبير وزير الاندماج الدنمركي الجديد ويحترموا البلد المضيف، حين ينشغل هذا الحزب بهذه التفاهات التي لا تراعي أن المسلمين في الدنمرك أقلية صغيرة جدا ليست بذات أهمية بعد في مجال استعراض هوية، وأن المسلمين في الدنمرك إما متجنسين وفق الدستور أو دنمركيين منذ بضعة مئات من السنين قد قرروا دخول الإسلام. في هذا الوقت يقوم حزب الرأسماليين الشريك في الحكومة بتمرير قوانين مثل خفض الضرائب ورفع سن التقاعد وتقليص المساعدات المخصصة للعائلات المعوزة وتجميد مساعدات الطلاب وعدم تحسينها مع الغلاء المعيشي، وسحب الامتيازات الاجتماعية التي كان الدنمركيون يتمتعون بها في الثمانينيات.

هذه عينة من بلد صغير كالدنمرك، حيث الدول الأوربية هي إما لديها أقلية هامشية مثل الدنمرك أو دول الشمال، لا تستحق هذا التضخيم الإعلامي المترافق مع أي سعلة يقوم بها مواطن أو مقيم من يحمل الدين الاسلامي كعقيدة ودين، أو أن هناك أقلية ملحوظة من المسلمين والعرب مثل فرنسا، وحينئذ ينبغي أن تمكن هذه الأقلية أن تمارس ما تريد في ضمن احترام حقوق الآخرين، وينبغي عدم ازعاجها في إظهار هويتها الثقافية ومنها الدينية.

النرويج يحمل واقع الدنمرك تقريبا، والقاتل والمقتول نرويجي، القاتل نرويجي اقصائي يريد أن يمنع غيره من النرويجيين من دعم ما يراهم هو أشرارا. مدفوعا باليمين المتطرف في أوربا الذي يريد أن يشغلنا عن قضايا أوروبية أكثر أهمية من ملاحظة أقليات ثقافية تعبر عن هويتها.

قبل ما حدا يحكي عن موضوع التعبير العنيف، التعبير العنيف عن أي هوية مرفوض، والدعوة لقتل الناس وسلخ جلودهم لا علاقة لها بارتداء طالبة لقطعة قماش على رأسها، الأول يشمله قانون الجنايات والثاني يشمله حق الإنسان في التعبير عن هويته الثقافية ومنها الدينية.