من الطبيعي أن يصل الخلاف إلى أقصاه، لأن الصراع وصل إلى أقصاه على الأرض السورية.
ومن الطبيعي أن يفقد الجميع أعصابهم أحياناً، ويبلغ نصف الأعضاء عن النصف الآخر. ولكن هل هذا يعني أن نترك فسحة الحوار أو المناقشة ؟

أنا استفدت كثيراً من جماعة بنحبك وشيعة النادي أو غيرهم، إذ نحتاج أن نفهم الطرف الآخر والملابسات التي قد تجعله يرى غير ما يراه الباقون. وكانت درجة لومي لهم تتعلق بمدى إدراكي لذكائهم وقدراتهم الفكرية.

لسنا أنبياء... ولدي أصدقاء وأقرباء هم ضد الثورة حتى العظم... أخذت منهم من النقاش والأفكار ما جعلني أفهم أكثر ما يجري في عقولهم لأقلب موقفهم، وأجعلهم يدركون حقيقة ما يجري على الأرض بعيداً عن قناة الدنيا والإخبارية الزائفة.

نحن اليوم في سوريا وكل الوطن العربي في صراع بين المستقبل والماضي. بين شباب يحلمون بالحرية والكرامة والديمقراطية كاساس لإعطاء قيمة للإنسان العربي، وبين بقايا متوارثة من خمسين عاماً من الأنظمة الإيديولوجية العسكرتارية القائمة على ضرب الإنسان بكل معانيه وسحق قيمه، من أجل إرساء قواعد حكمها وسيطرتها. وهذه الأنظمة هي أيضاً وريثة قرون من الحكم العثماني القاتم، ومن يقرأ صفحة من طبائع الاستبداد سيعرف في أي زمن ما زلنا نعيش...

علينا الصبر حتى ننجح في مهمتنا. فإزالة آثار قرون من الهيمنة والوصاية والعقلية الانكشارية لا تحصل في أيام أو أسابيع معدودة. وهناك ضريبة معروفة لهذا التغيير، تتراوح من ضريبة الدم والتعذيب إلى ضريبة تحمل فكر الآخرين الذين ما زالوا يعيشون الماضي ويخافون أن يقفزوا من الشجرة.
ما زال أمامنا الكثير لنفعله. لذلك لا بد من الضغط على الذات وتحجيمها، كي نستطيع فهم الآخر والوصول إلى التغيير.

لا زال الطريق طويلاً. ولن تنتهي الثورة بتغيير النظام الحالي. إذ العمل على إعادة بناء المجتمع السوري ونظام ديمقراطي جديد وإعادة القيمة للإنسان العربي ستكون صعوبته كصعوبة الأيام الحالية، ولن يحصل في يوم وليلة أيضاً.

المستقبل لمن بحث عن المستقبل، والماضي يبقى فيه من شاء البقاء. والطريق بينهما شائك وصعب. لنتحمل معاناته وآلامه اليوم، لنصنع قروناً مشرقة للأجيال القادمة.