الزميلة المحترمة وردة . أشكرك على المداخلة .
طرحت هذا الشريط قبل بدء محاكمة حسني مبارك ، و لكني حتى ذلك الوقت لم أتصور أن تكون المحاكمة بهذا المظهر المخزي ،ولم أتصور أن المصريين سيكونون مخلصين لأسوأ سلوكياتهم الحضارية إلى هذا الحد ، بينما العالم كله يراقبهم .
هذا يوم عار قومي يجب أن نخجل منه ، ليس لأن حسني مبارك لم يرتكب ما يستحق أن يحاسب عليه ، فهذا ما ستكشفه المحاكمة العادلة ،و لكن لأن المصريين أظهروا أنهم غير قادرين على توفير تلك المحاكمة العادلة . إني في حيرة تامة من تذبذب أداء المصريين و تناقضهم ، فالشعب الذي قام بانتفاضة شعبية ناجحة و أسقط نظاما ظالما ، هو نفسه الشعب الذي يغرق في الفوضى و يتوقف عن الإنتاج ،و يفشل في توفير العدالة لرئيسه السابق على مشهد من العالم كله .
لم يسبق لي أن شاهدت متهما يحضر جلسات المحاكمة راقدا على سرير المرض ، حتى في أسخف الأفلام السينمائية و أكثرها بؤسا ، إن البشرية ارتقت كثيرا على تلك الممارسات . ماحدث في قاعة المحكمة المصرية يذكرني بمحاكمات القرون الوسطى ، عندما يأتون بالمتهم راكبا الحمار بالمقلوب و يجرسونه ، بينما الرعاع يسبونه و يلقون عليه الحجارة شامتين ، دون أن يدروا من هو و ما هي تهمته ، فالمشهد كله لا علاقة له بالعدل ، بل بالسادية الجماعية ، تماما كما حدث في باريس في عهد الإرهاب الذي تلى الثورة الفرنسية و كاد أن يفسدها كلية ، لولا المثقفين الفرنسيين الذين نفتقدهم تماما !.
لعله من المحزن أن نقارن معاملة العراقيين صدام حسين بمعاملة المصريين لرئيسهم ، بالرغم من كل جرائم صدام حسين المعلنة على الأقل . و لعله من المحزن أن نقارن المحكمة العراقية المنظمة المتحضرة بالفوضى التامة في المحكمة المصرية العشوائية ، و لعله من المخزي للمصريين أن نقارن صدام حسين الجالس بثقة على كرسيه في مواجهة القاضي العراقي ، بمبارك الراقد – كالذبيحة – في قفص في مواجهة الجمهور العشوائي الذي يملأ المحكمة ، بينما المحامون يتخاطفون الميكرفون كما يفعلون في سوق الخضار ، حتى وصل إليه مختل عقليا فأعلن أن مبارك مات منذ عام 2004 و أن الراقد في القفص بديله ، كما لو كنا في مصحة للأمراض العقلية ، و ليس في محكمة مصرية تحاكم الرئيس السابق !.
إني لا أحفل بحسني مبارك الرجل ، فهناك محامون يحصولون على الأموال للدفاع عنه و عن غيره ،و لكني مهتم بمصر و سمعتها و مستقبلها و صورتها في العالم ، و حسني مبارك كان رئيسا لمصر 30 عاما متصلة ، و إهانته ولو بيد بعض المصريين هي إهانة لكل مصري شئنا أم أبينا .