الاستاذ بهجت
انا لا اعتبرك شريرا او اى وصف مما ذكرته ، وقد تكون عاطفتى غالبة علي تفكيري العقلاني في تلك المسألة بالذات ، اقصد شهداء الثورة المصرية ، لاحظت انك لم تذكرهم في احاديثك ولو بشكل عابر ، وكأنهم مجرد اعداد ، وكنت اتمنى منك ان تهدى اليهم وردة مثل التى اهديتها لي وللزملاء وانا لا استحقها لاننى لم اقدم شيئا لتلك الثورة يماثل ما قدمه هؤلاء الشهداء ، ومصطلح الشهداء هنا لا استخدمه بمعناه الدينى وانما بمعناه الانساني .

سوف اتحدث معك حديث العقل استاذ بهجت وبعيدا عن اى عاطفة على قدر استطاعتى .

سوف افترض معك ان مبارك لم يخطىء طيلة ثلاثين عاما من حكمه وان خطأه الوحيد هو التحريض على قتل المتظاهرين السلميين ، انت تروج لفكرة العفو عنه في جريمة جنائية والعفو هنا من الناحية القانونية لا يجوز الا بعد المحاكمة وهو من سلطة رئيس الجمهورية او من يقوم مقامه وهو المجلس العسكري ، ولكن السؤال ؟ لماذا نعفو عن مبارك في قضية جنائية ؟ اليس مبارك مواطنا عاديا الآن ؟ فلماذا نعفو عنه هو بالذات ؟ اليس ذلك استثناء من القانون وبالتالي يحق لاى مجرم في اى جريمة جنائية طلب العفو بالمثل ، كيف تبدأ الدولة الجديدة باهدار القانون مع من اهدر القانون ؟ واذا كانت مبررات العفو ان مبارك قدم لمصر الكثير وحارب في حروبها فأن هذا من مبررات تطبيق القانون عليه وليس اهداره ، والا فمن حق كل من شارك في حروب مصر العيث فسادا ثم طلب العفو بحجة خدمة البلاد في حروبها المختلفة .

مثال العراق الذى ذكرته غير مقنع ، فما يحدث في العراق لا يعود الى محاكمة صدام ، لان له اسبابه الاخري التى يطول شرحها ولا مجال لذكرها الآن ، ان من بديهيات الثورة تغيير نظام بشكل جذري والقضاء عليه وبناء نظام آخر مغاير له ، فكيف يبدأ النظام الجديد باهدار القانون ؟ اليس العفو هنا تعاطفا يتعارض مع العقلانية ومبادىء الانسانية والدول المدنية ، لن اقول ايضا انه يتعارض مع كل الشرائع الدينية المعروفة فى المسيحية والاسلام .

تطبيق القانون ليس انتقاما ، ومحاكمة مبارك تتم امام قاضيه الطبيعي امام محكمة جنائية مدنية وليست استثنائية او عسكرية ، ولعلك لاحظت ان المستشار احمد رفعت كان حريصا على اعطاء دفاع مبارك الفرصة لعرض طلباته ربما حرصا منه بشكل لاشعوري ان يكون منصفا وعادلا وغير متأثر بما يحدث حوله .
كما ان مبارك واعوانه لا تتم معاملتهم مثل المساجين العاديين ، فلم توضع في اياديهم الكلبشات ، بل استقبلوا استقبال الفاتحين من الشرطة العسكرية والمدنية في مجمع المحكمة .

هذه الثورة ناصعة البياض ، انت تري ما يحدث في انجلترا هذه الايام ، لم يفعلها الثوار ، بل تلقوا الضربات تلو الضربات في صبر وجلد حتى تحقق لهم بعضا مما ارادوا .

انا لا اشكك في وطنية اى انسان او انسانية اى انسان ، فربما تكون انت اكثر وطنية منى واكثر انسانية ، ولكنى اريد ان اختم معك بسؤال قد يبدو ساذجا وطفوليا واعذرني فيه : اذا كان لك شهيد في تلك الثورة كصديق او اخ او ابن ، هل كان سيكون موقفك هو نفس موقفك الآن ؟ اذا كنت تسير في المظاهرات وفوجئت بمن يقف جانبك يسقط صريعا بطلقات لا تعلم من اين مصدرها ماذا سوف يكون شعورك ؟

صحيح ان حرية الفكر تفترض الاختلاف في الرأي ، ولكن هناك بديهيات لا تحتاج الى كل هذا الجوار وهى كالتالي :
1 ـ مبارك سفاح ومجرم ومستبد دمر امة واجيال وحول مصر الى قزم متسول لا حول له ولا قوة .
2 ـ اذا كان مبارك برىء ولا علم له بما كان يحدث فهذا عذر اقبح من ذنب ، ولا يعفيه من اى مسئولية ، هذا اذا كان لا يعلم بالفعل وهو امر مستحيل .

كلمة اخيرة الى الاخوة العرب الذين يحكمون على الامور من بعد ، اقول لهم ، أنتم لم تعيشوا ثلاثين عاما تحت نير الطاغية حتى تكونوا رأيا سديدا عقلانيا حيال العفو او خلافه ، من يطالب بالعفو عن مبارك سوف يطالب غدا بالعفو عن بشار ايضا بحجة الالتفات الى بناء سوريا الجديدة ، منطق (اللى يحب مصر ميخربش مصر) او بمعنى اخر (اللى يحب مصر يقفل بقه ويدور عجلة الانتاج) اهم حاجة عجلة الانتاج وطظ في الشهداء اللى راحوا .