نهاية القذافي و"الحرب النظيفة"
سميح شبيب



انتهت أسطورة القذافي، نهاية سريعة، كأي أسطورة طاغية، يحاول أن يصور بأنه نهايته هي نهاية الكون.
منذ بداية الأزمة، والقذافي وولده سيف الإسلام، يتوعدان الشعب الليبي بعظائم الأمور، مصورين المعركة، بأنها معركة المصير، فإما الطاعة والانصياع لأوامرهما، وإلا نهاية ليبيا... لا غاز ولا بترول، ولا مدن ولا مستقبل..
لم يتمكن القذافي من أن يدرك حجم المتغيرات الحاصلة في بلده، بعد أربعين سنة من حكم جائر، حاول أن يجعل منه نمطاً خاصاً في الحكم والذي سماه الحكم الجماهيري.. لا رئيس ولا هيئات قيادية سوى اللجان الشعبية، وبالتالي فهو حاكم أوحد دكتاتور، دون مسمى قيادي.. وولده الطائش سيف الإسلام، متحدثاً باسم الحكم، دون أن يكون له مسمى رسمي.. وأولاده يقودون جيشاً مؤلفاً من كتائب، دون وجود هيكلية معلنة للجيش..
نهبت عائلة القذافي البلاد والعباد، وحولت ليبيا الى مزرعة متخلفة لإدارة بدوية بدائية، وبالتالي، فقد كان استمرار الحكم هو الهدف الرئيسي، بغض النظر عن المبادئ والمنطلقات، هو يحارب الامبريالية الأميركية، إن اقتضت مستلزمات الحكم ذلك، وهو يهادنها ويتعاون معها إن اقتضت الأمور ذلك... هو قومي، بل سكرتير القومية العربية، لمستلزمات استمرار الحكم، وهو أفريقي يهدد بالانسحاب من جامعة الدول العربية إن اقتضت الأمور ذلك... عبث في ليبيا ومستقبل ليبيا ودور ليبيا، وكان من الطبيعي أن ينتفض شعبه عليه.
وجد "الناتو" في هذه الانتفاضة فرصة رائعة للدخول على خطها، وإعادة ترتيب الأوراق في الشمال الافريقي، وارتضى المجلس الانتقالي ذلك، من الذي أوصل الأمور الى هذه الدرجة.. أليس حكم القذافي الجائر، الذي أضحى يمثل خطراً أكبر على شعبه من تدخل "الناتو"؟!!
ألم يسبق وأن حدث في العراق، بعد أن طال حكم صدام حسين، وازدادت مظالمه، لدرجة أن المعارضة، بمختلف مذاهبها ومشاريعها، وجدت في التحالف مع الأميركان والأوروبيين منفذاً لها!.. كان صدام حسين يعتمد على الروح القومية العربية، ويراهن على ولاء الشعب العراقي لها، ومن خلال ذلك، حول القومية العربية الى حكم فئوي جهوي بل وعائلي هو وأولاده وأصهاره.
ظلم الأنظمة العربية، وقسوتها، بددا الروح القومية، وهدما روح المقاومة للاستعمار في نفوس استعمرتها أنظمتهم.
ما حدث في ليبيا، من شأنه أن يشجع "الناتو"، على خوض "حروب نظيفة" أخرى، حروب يتدخل فيها تكنولوجياً، وبالطيران، وبالسيطرة المباشرة وغير المباشرة، ولكن دون قوات برية تشارك على الأرض. حققت حرب ليبيا، نصراً مؤزراً لحلف الناتو، وأضافت متغيرات جديدة في الشرق الأوسط.
على سوريا ان تدرك أبعاد هذه المتغيرات، وألاّ تعيد الاسطوانة الليبية وتبجحاتها، عبر محاولات القفز عن الوقائع والحقائق ومحاولة حسم الأمور بالقوة والعنف والإكراه، وتجاهل ما يحيط بها من مخاطر جدية.
المخرج الحقيقي، هو المخرج السياسي، هو مخرج الاعتراف بالآخر، ودور الآخر، والاتفاق مع الوسط المحيط، وصولاً الى عقد اجتماعي-سياسي جديد. دون ذلك، فإن درس ليبيا وطرابلس وباب العزيزية، ليس بعيداً عن دمشق، وما يسمى قصر الشعب، وهو بعيد عن الشعب كل البعد!!!