الى الجحيم
تاريخ النشر: الاحد 28/8/2011م الساعة 00:30ص
عدلي صادق
عدلي صادق/ قدمت وسائل الإعلام هدايا تاريخية، الى كل الذين تعاطفوا مع أقدم حاكم على وجه البسيطة، وتمنوا أن يدوم حكمه حتى يُسلم 'الراية الثورية' الخضراء، لإبنه الذي أثبت أنه أكثر منه فساداً واستبداداً واسترخاصاً لكرامات الناس ودمائها وأرواحها. وهذه الهدايا عبارة عن لقطات مصورة، من شأنها أن تسعد المتعاطفين مع 'أبو الخيمة' لا أن تحزنهم، لأن من يحاجج دفاعاً عن سفاكي دماء، لن يحزن عندما يشاهد صور الجثث المتعفنة المشوهة، لشباب في مقتبل العمر، قُتلوا بعد تقييدهم بحبال بلاستيكية، أو قتلوا بعد أن تعرضوا للإصابة ونقلوا الى المشافي.
كذلك فإن اللقطات التي وردت، من أماكن معيشة الرجل الذي أفرط في الثرثرة عن البادية والناقة وحليبها، توضح حجم الأكذوبة التي صنعتها لغة مخادعة صدقها الواهمون. فقد دأب القذافي على تغطية بذخه المجنون، وبذخ أولاده وابنته، بالتنظيرات عن الحياة البسيطة الزاهدة. ثم اتضح أن أشكال الترف الفاجر، فاقت كل ما فعله الأباطرة في العصور القديمة. فكأن من الثورية أن تضطجع ابنة القذافي على أريكة كبيرة من الذهب الخالص، على شكل عروس بحر، يتمثل وجهها ونصف جسدها عارية، مثلما ظهر من خلال إحدى اللقطات.
ذات يوم رمضاني، من العام 2002 'استدعى' القذافي أبو عمار على عجل، وكنت برفقته يومها. ظن الختيار إن الرغبة القذافية في حضوره، إنما هي من باب الاستدراك والندم على مجافاة الشعب الفلسطيني والاستعاضة عن مساندته بالتلذذ في طرح فكرة 'إسراطين'. ومع وصولنا الى ليبيا في موعد الإفطار، وصعودنا الى الفندق، علمنا أن هناك مشكلة لم تأت على ذكرها وسائل الإعلام. فقد تحركت 'اللجان الشعبية' وأوشكت على مهاجمة سفارة فلسطين ثم التحول الى المقيمين الفلسطينيين لطردهم بالجملة، والسبب أن مجلة 'المجلة' التي كان يرأس تحريرها المعارض السعودي الحالي عبد العزيز الخميس، نشرت على غلافها صورة عائشة ابنته، وهي ترتدي الجينز وبالشعر الأصفر كفاتنات السينما. كان توقيع القصة الخبرية، باسم ملفق لشخص وهمي 'جهاد عبد الله' مع إشارة الى أنه فلسطيني!
يومها صُعق أبو عمار من هذه السخافة، بخاصة عندما تدفقت حيثياتها على شكل أنصاف جُمل معتوهة، من رجل يسكنه العُصاب، لكنه يتوهم أنه فيلسوف كل العصور. رد عليه عرفات بعصبية لتذكيره بأن الدنيا في وادٍ وهو في وادٍ آخر، وأنه اعتقد أن الأمر يتعلق بمساندة لفلسطين، فإذا به انقضاض عليها!
عائشة هذه، قبل نحو ستة أسابيع، وقفت تلعلع بعبارات 'ثورية' في الساحة الخضراء، بينما جمع من الفقراء المغفلين يهتفون لها. وهؤلاء لم يكونوا ـ قطعاً ـ على علم بالحجم الخرافي لإنفاق عائشة، المخصوم من مقدراتهم، ولا بضحالة ثقافتها، التي جعلتها تتخيل أن سعادتها وراحتها في بيتها تكون بالاضطجاع على أريكة من ذهب على شكل عروس بحر تشبهها هي!
* * *
ليهنأ المدافعون عن القذافي، بكل اللقطات البشعة التي نقلتها وسائل الإعلام لمن قُتلوا مُقيدين. وبالطبع سوف تعجز تنظيراتهم عن إحالة الفعلة الى 'ثوار ناتو' لأن الجثث المقيدة، تعفنت قبل وصول الثوار الى أماكن تجميع الضحايا، وكان ذلك على مشهد من وسائل الإعلام!
سيقع القذافي في قبضة العدالة، أو سيموت بطلق ناري كواحد من عُتاة المجرمين. كل المواساة للشعب الليبي الشقيق، الطيب الكريم، على ما تحمله طوال تلك السنين. لقد فاز القذافي بثلاثة وأربعين سنة من الحكم بتغطية من منافقين ومغفلين وبسطاء. ولمّا تمادى الطاغية واكتشف الصنفان الأخيران حقيقة أمره؛ ظهر ما لم يكن معلوماً لهم ولا حتى للنبهاء، وهو أن القذافي هذا مع أولاده ومرتزقته وبعض أغرار قبيلته، على استعداد لإبادة الشعب كله لو أتيح لهم أن يبيدوه، لكي يبقوا في الحكم.
يوم أن هدد بـ 'التطهير' الشامل زنقة زنقة وداراً داراً؛ لم يكن يقدم واحدة من خزعبلاته. فقد كان قادراً، وكان سيفعلها بينما الحاكمون العرب وجيوشهم يتفرجون. إخوتنا الليبيون يستحقون منا التعاطف، فلطالما ارتحل رجالاتهم الأخيار الى فلسطين مجاهدين. لذا عندما تدّخل 'الناتو' عارضنا التنظيرات السطحية السخيفة، حول الاستعمار، طالما أن إخوتنا يُذبحون. كأن القذافي هو الجلاء أو الاستقلال. أو كأن هناك فارقاً كبيراً بين القذافي والجنرال الإيطالي الدموي سيىء السمعة رودلفو غراتسياني، الذي وقف على إعدام المجاهد عمر المختار، بعد حواره الشهير معه وبعد محاكمته. كان الفاشيون قد أرسلوا غراتسياني، الى ليبيا، بعد أن فشلوا في التوصل الى 'حل وسط' مع الليبيين. وفي المحكمة، بدت هناك تدابير صورية، لحضور الجمهور في قاعة الجلسات، وهناك وصف في الوثيقة الإيطالية للمحاكمة يقول إن عمر المختار، وقف طليق اليدين في المكان المحدد للمتهمين، وخصصت الفاشية الإيطالية له محامياً ومترجماً عرّف نفسه كعراقي اسمه نصري هرمس. المهم في تلك الجريمة الفاشية، كان المستعمرون أفضل شكلاً ومضموناً من القذافي الذي لم يطق في حياته القانون، ولا يعرف القضاء ولا العدالة ولو حتى من الناحية الصورية!
ليذهب القذافي الى الجحيم. وخسيء كل من تعاطف معه أو تمنى لو أن زخم الاندفاع العسكري للثائرين ولمن يساندهم، قد توقف أو اندحر. عاشت كل أنواع الاستعمار التي تنقذ روحاً من حاكم يُزهقها، وليسقط كل استقلال يُحيل الناس الأكرمين في مجتمعاتهم، نهباً لرصاص وكرابيج وإهانات الحكام المستبدين و'الشبيحة' من أخيارهم ومن مستنقعاتهم.
لقد اثبت التاريخ، أن أمر المستعمرين هيّن جداً، بالقياس الى أمر المستبدين. على الأقل هم يحافظون على الشكل، وهم في الأول والأخير أعداء وأغراب. أما إن أوفانا الله نعمته، فليندحر المستعمرون خاسئين، الى بلدانهم، أما المستبدون آباء العرانيص، فإلى الجحيم دون غيره. وأعرض إحالتهم الى ما يسمونها مزبلة التاريخ، لأنهم لا يستحقونها!
www.adlisadek.net