بعد مشاهدتي للفيديو أمكنني تسجيل الإنطباعات الأولية التالية :
1-أن الفيديو ليس مادة موّحدة ؛ بل هو تجميع لـ 6 مقاطع مستقلة ومختلفة :
- المقطع الأول (من الثانية 1 إلى د1 و 56 ثا)
- المقطع الثاني (من د1 و 56 ثا إلى د3 و 30ثا )
- المقطع الثالث من( د3 و30 ثا إلى د8 و 20 ثا)
- المقطع الرابع من (د8 و 20 ثا إلى د 10 و 40 ثا )
- المقطع الخامس من (د10 و 40 إلى د 14 و 16 ثا )
- المقطع السادس من (د14 و 16 ثا إلى نهاية الفيديو)
وهذا التجميع جعل المادة غير علمية وغير موضوعية بل هو يشبه تلفيق.

2-أن الهدف من الفيديو هو الوصول بالمتلقي إلى خلاصة الإيمان بنظرية المؤامرة ؛ ببساطة هو يدور في فلك التفسير التآمري للأحداث ؛ وإن كنا نسلم أن المؤامرة موجودة في الطبيعة البشرية ؛ وهذه حقيقة قرّرها القرآن ؛ قال تعالى ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) وقال ( اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ ).
لكن الإعتراف بالمؤامرة غير التفسير التآمري للأحداث ؛ لأن قوام هذا الأخير على تسطيح الإدارك الحقيقي للأحداث وتغليب عنصر التآمر الخارجي على العوامل المؤثرة الأخرى ؛ لذلك هو لا يفسر لنا لماذا تنجح المؤامرة هنا وتفشل هناك. ولماذا يتكرر نفس الحدث في ظروف ينتفي فيها عامل المؤامرة.
كما أن منطق المنطق مرتبط بالمشاعر والدوافع والميولات الذاتية ؛ ولا يفسر لنا الأحداث تفسيرا موضوعيا واقعيا وعلميا ..على سبيل المثال .. وبعيدا عن الميولات الوطنية الشوفينية أو الطائفية : نرجو تقديم تفسير للثورة في مصر والثورة في البحرين في ضوء نظرية (المؤامرة) ؟؟ [ السؤال موجّه للمروجين لوجود مؤامرة في ليبيا وسوريا تحديدا ]
...
وبغض النظر عن الأمانة في الترجمة في الفيلم التي لا يمكنني التحقق منها ؛ فإن لي تعليقات على المقاطع :

أ - بالنسبة لشهادة ويسلي كلارك في المقطع الأول ؛ فهو يتحدث عن فترة حكم بوش ؛ ومن المعلوم أن بوش كان يحمل مشروعا كبيرا للهيمنة ؛ لكن السياسة الخارجية الأمريكية وبعد ورطتها في العراق وأفغانستان وبعد وصل أوباما للحكم أحدث مراجعات لهذا الدور ؛ فقواتها لم تعد لها القدرة على خوض أكثر من معركة في نفس الوقت ؛ والسقوط في المستنفعين الأفغاني والعراقي والأزمة الإقتصادية العالمية هي عوامل حدّت من دور الهيمنة (البوشي).

لذلك فإن تفسير الثورة في ليبيا على أنها استمرار لمخطط عسكري أمريكي منذ زمن بوش - وفي حال إغفالنا لعواملها الداخلية - يتناقض أو على الأقل لا يتوافق مع المشهد الحاصل في ليبيا ؛ حيث أن الفاعل الخارجي الأكثر استفادة مما يحدث في ليبيا ليس هو أمريكا بل فرنسا التي تبحث عن موطيء قدم في ليبيا حتى تستكمل تشكيل حديقتها الخلفية وفضاءها الجيوسياسي الفرنكفوني الممتد من ليبيا إلى المغرب الأقصى إلى باقي الدول الافريقية الأخرى المعروفة.
فالإرتكاز على تصريحات ويسلي كلارك لتفسير الثورة في ليبيا كتبرير للإستناد إلى منطق المؤامرة يحجب الحقائق ؛ وبدلا من ذلك من الأفضل رؤيتها في ضوء صراع المصالح والبحث عن النفوذ ..فالمصالح والنفوذ هي ما يحرك الدول والفاعلين الدوليين عموما.

ج - بخصوص المقطع الثالث فهو منسجم ومتناغم مع إلى حد كبير مع طروحات الأكاديميين الروس الذي يزعمون أن "القاعدة" هي تنظيم أمريكي ؛ في الفيلم بلغ الشطط بذلك المحلل العبقري أن جعل القاعدة ذراع النظام العالمي الجديد وهي المخابرات الأمريكية وهي المخابارت البريطانية وهي الموساد وهي المخابرت السعودية ؛ وللمفارقة المضحكة فقد جعل القاعدة كذلك سببا في الحرب الصربية الكرواتية ؛ وهذا أمر يدعو إلى الضحك وإلى التعجب في شأن هذه التحليلات.. ربما لو تتبعنا -نحن الحمقى والمغفلون في نظرهم - دور القاعدة عبر التاريخ لأدركنا أنها سبب خراب البصرة وحريق روما على يد نيرون ولكننا لا ندري.
ذلك المحلل العبقري لم يفسر لنا كيف أن القاعدة -وهي التنظيم الأمريكي- كان لها اليد الطولى في إلحاق أكبر الخسائر بالقوات الأمريكية في العراق ؛ ولا كيف أنها تشارك (طالبان) في الجهاد ضد التحالف في أفغانستان ؛ ولا كيف أنها أحد أكبر التنظيمات التي اخترقت المخابرات الأمريكية فألحقت بها هزيمة مخابراتية قاسية كما في حادثة الاختراق المزدوج للمخابرات الأمريكية والأردنية على يد الطيب همام البلوي (أبودجانة الخراساني) في مشهد يستدعي تدريسه في أكبر الجامعات العسكرية في العالم.
الحقيقة أن هذا المقطع ينتهج اسلوبا اعتباطيا في تفسيره للأحداث بدليل الخلط الفاضح بين (القاعدة) كتنظيم له مبادئه وأهدافه ووسائله وبين (الجماعة الليبية المقاتلة) التي هي أسبق وجودا من تنظيم القاعدة ؛ ولا صلة تنظيمية تربطها بالقاعدة ؛ ووهي وإن كانت تتقاسم نفس المبدأ مع تنظيم القاعدة إلا أنها تختلف معها في الأهداف والوسائل والأسلوب ؛ فالجماعة الليبية ليست ذات بعد عالمي ولا تستهدف الولايات المتحدة ولم تتوسع في مفهوم "التترس" لذلك كان نشاطها مركزا على اسقاط نظام القذافي واستبداله بنظام إسلامي ومحاولة اغتيال هذا الأخير ما أمكن.

الملاحظ أن المقطع أشار بالإسم إلى ( عبد الحكيم الحصادي) وادعى أنه جرى تجنيده لصالح المخابرات المركزية ؛ لكن المحلل العبقري لم يفسر لنا كذلك كيف أن الولايات المتحدة اعتقلت الشخص المذكور وسلمته للقذافي ليودعه السجن رغم الخلاف بين النظامين ورغم أن لولايات المتحدة تعلم حجم الانتهاكات لحقوق الإنسان في السجون الليبية تحت سلطة النظام البائد.

ج - أما المقطع الخامس - الخاص ببرنار ليفي فهو خطاب تبرير هروبي إلى الإمام تجد فيه روح اليسار العربي
الفيلسوف المثير للجدل برنار هنري ليفي أعطي أكثر من شأنه ؛ هو ليس محرّكا للثورات ولا شيء ولكنه ينجذب أليها كما تنجذب الحشرات نحو الضوء ؛ ببساطة هو من تجار الحروب والأزمات..
ودون الإطالة في الحديث عن الدور السريالي الذي يريد البعض اسباغه عليه يكفي أن نذكر أن برنار ليفي زار مديان التحرير في مصر واعتلى دبابات الدولة المصرية واشترى من جيبه رغيفل للثوار وأخذ معهم صورا تذكارية ؛ ثم كان ماذا ؟ هل تصهينت الثورة المصرية ؟

بدل التخفي وراء أهداف برنار ليفي أو جون ماكين في حالة تشبه دفن الرؤوس في الرمال .. ابحثوا عن الأسباب التي جعلت شعوبننا تتقاطع في تلك الأهداف (أو بعضها) مع برنار ليفي أو جون ماكين