*"إن الإنسان حيوان عاقل ، وهو إن لم يستخدم عقله بشكل واع منهجي ، فإنه يفعل ذلك بشكل غريزي ،و على طريقة الهواة" .
أ. م . بوشنسكي – الفلسفة المعاصرة في أوروبا .
السيد كوكو .و أحمد طارق يقدمان نفس الرد تقريبا ،وهو رد حماسي يليق ببعض الموضوعات و ليس كلها ، يبقى اني أراه رأيا غير صائب .. لم ؟.
1- أنت الذي يرفض نتائج الإستطلاع و لست أنا ،و عليك بالتالي أن توضح لم ترفض هذه النتائج تحديدا ؟.أم أن أقبل تلك النتائج و أرفض البعض ( وليس الكل بالطبع ) فهذا شأني أنا و إن أردت توضحيا حول لم أتشكك في بعض النتائج و أقبل غيرها فعليك سؤالي عن ذلك ،و لكن هذا لن يكون توضيحا لم ترفض انت هذه النتائج ؟.
2- إنني تحدثت أن هذه النتائج صادمة لمن يتابع الصحف اليومية لأنها تتفارق مع الخطاب التقليدي لتلك الصحف الآن ،وهذه حقيقة لا أعتقد أنكما تختلفان معي عليها ، بل كان ذلك تحديدا ما قدم به الدكتور جمال عبدالجواد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية لنتائج الإستطلاع . و لكني لم أتحدث أنه متناقض مع نتائج استطلاعات ميدانية أخرى ، لأن مثل الإستطلاعات لم تجر ابتداءا . يبقى أني أوضحت ان هذه النتائج تتعارض مع بعض النتائج لإستفتاءات تجرى على مواقع إليكترونية ،وهذا طبيعي جدا . ففي موقع للسلفيين كان حازم صلاح أبو اسماعيل يحرز الموقع الأول وهذا طبيعي في موقع لا يرتاده سوى السلفيون .
3- لست أدري هل الزميلان الفاضلان لا يقبلان كل ما يأتي به الإعلام المصري ، أم يرفضان فقط مالايناسب تحيزاتهما و معتقداتهما ؟. لو رفض الزميلان لأن الإعلام المصري كان مخادعا في زمن مبارك ، فهذا الإستطلاع منشور في العهد الثوري المبارك! ، ولو كان الرفض مطلقا لكل مافي الإعلام المصري ، فلم يصدقان أن هناك تغيير في نظام الحكم ،و أنه كان فاسدا ،و أن كان هناك مخططا للتوريث وأن ...و أن .. أليس كل ذلك له مصدر واحد هو الإعلام المصري الذي يرفضانه ؟. ألم يشعر الزميلان بهذا التناقض و أنهما فقط يؤكدان مرة أخرى أن الإنسان ( المصري ) ليس الكائن الباحث عن الحقيقة بل الكائن الباحث عن أنصاف و أرباع و أعشار الحقائق التي تجعله في comfort zone حتى لو خالفته كل قوانين الطبيعة و حقائق الكون و العالم الخارجي .
4- تبقى الحقيقة الدامغة و هي أن الإستطلاع الذي عرضته لم تجره أي صحيفة ! ، بل أهم مركز بحثي للدراسات السياسية في مصر و غالبا الدول العربية ، هو مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
http://acpss.ahram.org.eg/ .
هذا المركز مستقل تماما ويتبع مؤسسة الأهرام (و ليس صحيفة الأهرام ) إداريا فقط ، هذه التبعية الإدارية كانت بقرار من الرئيس عبد الناصر عندما أمر هيكل بإنشاء المركز عام 1968 حتى يحرر المركز من القيود الروتينية . حتى العام 1972 ظل المركز مختصا بدراسات قضية الصراع العربي الإسرائيلي، ثم توسع نطاق بحث المركز في القضايا الدولية مع التركيز على القضايا والأحداث التي تهم العالم العربي. صدر عن المركز حتى الآن نحو 148 كتابًا. و تضم الهيئة العلمية للمركز 35 خبيرا وباحثا تلجأ إليهم الفضائيات العربية بحثا عن الخبرة المتميزة .
5- أليس من التناقض أن يرفض الزملاء نتائج استطلاعات ميدانية واسعة تمثل مختلف القطاعات و الأقاليم و الشرائح السنية ، يقوم به مثل هذا المركز ، في الوقت ذاته يقبلون بحماس ثرثرات الفيس بوك و التويتر وكل مبالغات الإعلام المصري الآن ؟. يبقى سؤال لم يفعل الزميلان و غيرهما ذلك .. هل ذلك بسوء نية ؟. الإجابة سبق أن طرحتها في موضوع هام هو " التناقض المعرفي .. العلم و الشيطان "
http://www.nadyelfikr.com/showthread.php?tid=24440
ما يفعله الزميلان هو ما يفعله الجميع تقريبا ، فالإنسان يعاني من التناقض عندما يكون عليه المفاضلة بين معتقدين أو إجراءين لا يمكن التوفيق بينهما ، وفقا لهذه النظرية فالإنسان يميل إلى البحث عن التوافق بين معتقداته المختلفة ، و بالتالي هناك معتقدات و اتجاهات لابد أن تتغير لتحقيق هذا التوافق المنشود ، و تحاشي المعلومات التي تزيد التناقض . و هناك عدة أساليب يلجأ إليها الإنسان لمواجهة هذا التناقض ، فهناك تقليل قيمة و عدد عناصر المعرفة التي تناقض الاعتقاد الأصلي أو المبدئي ، في حالتنا هنا تقليل أهمية استطلاع الرأي و التشكيك في مصدره كذلك النشكيك في نوايا بهجت الخفية !. أسلوب آخر لمواجهة التناقض المعرفي هو زيادة عدد وأهمية المعارف التي تؤكد المعتقد الأصلي كأن نروي القصص و الأحداث ( الواقعية ) التي تؤكد وجهة نظرنا ، كأن يحدثنا مشارك أنه كان يقود ثورة الغضب الثانية و لم يقصد أبدا الإستيلاء على قيادات الجيش !، أو أن نربط تلك المعارف بما نعتقد أنه الصدق المطلق مثل أن الحاج عبد العال قبله بحرقة عندما عرف انه من شباب الثورة !. حسنا نحن أمام مجموعة من المعتقدات أو عناصر المعرفة بعضها لابد من تغيره ، هنا سنكون أمام عناصر معرفية أكثر مقاومة للتغيير من غيرها ، فالعناصر التي يؤدي تغييرها أو إلغائها إلى معاناة أكبر أو التي ستكون مرتبطة بغيرها من عناصر المعرفة الضرورية للإنسان ستكون أكثر ثباتا و أعصى على التغيير . حسنا لو طبقنا هذا المبدأ على قضية استطلاع الرأي ، سنجد أن الأمر يختلف من شخص لآخر ومن ثقافة لأخرى . مبدئيا أود أن أقول أن الأمر لن يتوقف على محاجات عقلية ،و لكن الأمر كله ذاتي ،و يتوقف على رؤية الإنسان لذاته ، فكل منا يريد أن يرى نفسه معبرا عن مطالب الشعب و حقوقه ، كذلك ثوريا يثير الإعجاب ولا يشق له غبار ، الزميلان يريان أنفسهما معبران عن ثورة الشعب المستمرة في التحرير و التي يلتف حولها الشعب ، و لكن مع تطور الأحداث يشعران بأن الشعب بدأ يتجه بعيدا لأنه يشعر أن هناك مدعون و بلطجية يركبون موجة الإحتجاجات و يهددون المجتمع كله بالخراب .و لأنهما لن يتخليا عن الوهم الذي يعيشان فيه فلن يريا الحقائق أو يسلمان بها أبدآ .
6- سوف أسأل بهجت الآن سؤالآ . لم لا تكون أنت الذي يرى الأشياء التي تلائمه فقط ؟. دعوني أجب عن بهجت الذي كسبنا منه نقطة الآن !. يا سادة المشكلة مع بهجت أن نتائج هذا الإستطلاع تتناقض كلية مع تحيزاته !. بهجت المعادي في تاريخه كله للإخوان المسلمين و للإتجاه الديني تحديدا يفاجئ بعد كل هذا العناء بأنه وفقا لأدق استطلاعات الرأي و قبل شهر من الإنتخابات القادمة أن الإخوان سيكسبون الإنتخابات و بهامش مريح . بهجت الذي ذهب إلى المطار لتحية محمد البرادعي عند قدومه منذ عام و نصف ،و الذي اقترحه رئيسا لمجلس رئاسة يدير البلاد لفترة انتقالية ، و الذي لا يكف عن التصويت له في كل استطلاع بما في ذلك القوات المسلحة ، هو الذي يفاجئ بخروجه من قائمة أوفر مرشحي الرئاسة حظا . لو كان بهجت من أغلبية المصريين الساحقة التي تسير فقط خلف الأوهام لكان أول من يشكك في هذا الإستطلاع و ينكره جملة و تفصيلا . و لكني كما أوضحت من قبل أبذل جهدا خارقا حتى أفصل بين ذاتي و بين الموضوع الذي أناقشه ،متبعا مبدأ "رولز" الشهير : ( إنس كل شيء عن نفسك .. اعرف كل شيء عن الموضوع ) ، إني كالطبيب الذي يعاج مريضا لا اتعامل سوى مع الحقائق الصلبة ، و أنني أخدم مرضاي بتشخيص مبكر للمرض و كشف الحقيقة لهم ، و ارشادهم إلى طرق العلاج ،و لكني للأسف لا أملك قدرة الشفاء ، خاصة لأولئك الذي يبذلون أفضل ما عندهم في إنكار الحقائق .. فلذلك تكون الآلهة !.
في انتظار مداخلة السيد كوكو القادمة .. فلا شيء يحفزني على المشاركة مثل المداخلات الحماسية !.