{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 2 صوت - 5 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
إلياس زحلاوي : رسالتك هذه تعبر عن رأيك الشخصي ولا تمثلني كمسيحي سوري حوراني الأصل
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #65
الرد على: إلياس زحلاوي : رسالتك هذه تعبر عن رأيك الشخصي ولا تمثلني كمسيحي سوري حوراني الأصل
ميشيل كيلو وقضية مسيحيي المشرق: الخوف من الفتنة
بواسطة
admin2
– 2011/09/07نشر فى: مقالات وتحليلات
سليمان يوسف: السفير
كتب ميشيل كيلو مقالاً بعنوان «مسيحية قلقة» في جريدة «السفير» بتاريخ 31-8-2010 جاء فيه «إن الإشكال الأكبر الذي تواجهه المسيحية العربية اليوم يأتي من أخطاء كنائسها: من فهمها للواقع ودورها فيه». وقبل أسابيع كتب مقالاً آخر في الجريدة ذاتها 13 آب الماضي، يصب في الاتجاه ذاته بعنوان «دعوة المسيحية إلى العقل»، نقتبس بعض ما جاء فيه: «يبدو أن الكنائس المسيحية لا تفهم ما يجري، ولا تفكر بلعب أي دور جدي فيه، وأنها تفوت السانحة الفريدة على الجماعة التي تنتمي إليها، وهي في غالبيتها من المسلمين، وعلى نفسها، وتفضل البقاء حيث هي: إلى جانب الظلم والاستبداد، والرقص على أشلاء الأموات المظلومين… ألا يرون – مسيحيو سوريا – ما وقع للمسيحيين في العراق، حيث كان ارتباطهم بالسلطة المسوغ الذي استخدمه مجانين الإسلاميين للقــضاء على وجودهــم في بلاد الرافدين؟… إنني أدعو العلمانيين، من مسيحيي المولد، إلى فتح نقاش أو عقد ندوة حول موضوع وحيد هو سبل إعادة المسيحيين إلى موقعهم الصحيح من الجماعة العربية/ الإسلامية، وإلى دورهم الثقافي/ المجتمعي في خدمتها، بغير ذلك، لن تبقى المسيحية في هذه المنطقة، وسيكون مصيرهم كمصير النظم التي يخدمونها..».
قطعاً، لا نشكك بحرص الأستاذ كيلو على بقاء المسيحيين في أوطانهم الأم وعلى ضرورة تمتعهم بكامل حقوق المواطنة ومساواتهم في الحقوق والواجبات مع باقي شركائهم في الوطن السوري. لكن المبالغة في التعبير عن هذا الحرص وربما أمور أخرى أوقعته في مغالطات سياسية وتاريخية وجعلته يتحامل كثيراً على المسيحيين المشرقيين وأبعدته عن الموضوعية والواقعية في تناوله ومقاربته للحالة المسيحية السورية والمشرقية عموماً، في هذه المرحلة المصيرية التي تمر بها شعوب المنطقة. لقد ذهب ميشيل بعيداً وبعيداً جداً في تحليلاته وقراءاته لقضية مسيحي المشرق وأسباب محنتهم المزمنة، التي تعود في جزء منها الى الموروث الاجتماعي والثقافي التاريخي المتخلف لشعوب تقدس التاريخ وتعمل للماضي أكثر من أن تعمل لحاضرها ومستقبلها. وفي جزء آخر تعود الى «اللامساواة» في الأيديولوجيات، الدينية والسياسية والقومية السائدة في المجتمعات العربية والإسلامية، حيث ما زالت دساتير وتشريعات هذه الدول تتضمن قوانين ومواد تميز بين المواطنين على أساس الدين، الأمر الذي حال ويحول دون المساواة التامة بينهم أمام القانون، ويمنع خلق ثقافة وطنية تجسد مفهوم التعايش المشترك في المجتمع. فهذه الإيديولوجيات المتكلسة كرست مفهوم الأقلية والأغلبية وعمقت التمايزات داخل المجتمع، وبالنتيجة عطلت عملية الاندماج المجتمعي والوطني بين مكونات المجتمع الواحد. يبدو جلياً، أن كيلو أقحم موقفه السياسي والأيديولوجي من الأزمة العراقية في قضية مسيحيي العراق. فمسيحيو هذا البلد المنكوب ووفق تقارير لجان التحقيق العراقية، وقعوا ضحية أجندات سياسية ومشاريع فئوية وطائفية لقوى وميليشيات، عربية وكردية، متنفذة في الساحة العراقية. كذلك هم ضحية أجندات طائفية لمجموعات اسلامية محلية وإقليمية متطرفة ومتشددة، من الأوساط الاسلامية الموالية لصدام حسين وليست من أوساط المعارضة لحكمه، كما ذهب كيلو، الذي قدم من حيث لا يدري غطاءً أو مسوغاً سياسياً للمجموعات الاسلامية – أو لـ«شياطين الاسلاميين» وفق تعبيره – لقتل المسيحيين الآمنين في العراق، لأسباب لا علاقة لها بالمطلق بالموقف السياسي، يل لأسباب تتعلق بعقيدتهم الدينية وبهدف تهجيرهم واقتلاع جذورهم من أرض الرافدين، موطنهم التاريخي. ألا يخشى كيلو من أن يأخذ (شياطين الاسلاميين) المزروعين بكثرة في كل المجتمعات العربية/ الاسلامية من كلامه مسوغاً وذريعة لاستهداف المسيحيين في سوريا، إذا ما تسببت أزمتها المتفجرة في حصول فوضى وفراغ سياسي وأمني؟
يعيش في سوريا أكثر من مليوني مسيحي يتحدرون من أصول عرقية وإثنية مختلفة، آشورية (سريانية/ كلدانية)، ارمنية وعربية. يتوزعون على 12 مذهباً كنسياً، لم يتهاونوا في انجاز الاستقلال الوطني لسوريا وساهموا وما زالوا بفعالية في بناء الدولة وازدهارها. رفضوا تأسيس أحزاب ومنظمات مسيحية خاصة بهم، إذ لا حاجة لهم بها، ما دامت أجندتهم وطنية وتطلعاتهم هي تطلعات كل السوريين. كانوا المبادرين الى تأسيس الحركات الوطنية والأحزاب الديموقراطية واليسارية، قديمها وحديثها ويكاد اليوم لا يخلو حزب سوري من العنصر المسيحي. المسيحيون لم ولن يكونوا يوماً خدما لهذا النظام العربي أو ذاك. في سوريا، كما في كل الدول التي تحكمها أنظمة استبدادية فاسدة، المطبلون للنظام والمستفيدون منه هم من كل الطيف الديني والمذهبي والاثني والاجتماعي السوري.
في ما يخص حلقات الرقص في حي باب توما، التي أشار اليها ميشيل والتي يمَجَّد خلالها النظام القائم وتعظم رموزه، لا تقتصر على الأحياء والمناطق المسيحية وحدها. كما أن المشاركين في مثل هذه الحفلات الماجنة هم من كل الطيف الديني والمذهبي السوري. ثم إن الكنائس السورية لم تكن بعيدة أو سلبية من الانتفاضة السورية بالدرجة أو الصورة التي تحدث عنها ميشيل. فالكهنة في الكنيسة السريانية، أم الكنائس السورية، في القامشلي والحسكة خصصوا عظة يوم الأحد 7 آب الماضي للحدث السوري، معلنين «التأييد التام للمطالب المحقة والمشروعة للشعب السوري في الحرية والديموقراطية والكرامة وأكدوا رفض الكنيسة تشكيل لجان شعبية للتصدي للمتظاهرين المناهضين للنظام. كما أن البطريرك (زكا عيواص الأول)، رئيس الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم الذي يأخذ من العاصمة دمشق مقراً له، بعث برسالة مهمة الى الرئيس بشار الأسد طالبه فيها بـ«زيادة مساحة التعاطي مع الحريات العامة والكرامة والمواطنة، بما يُسهم في إغناء تعددية ثقافاته وأطيافه،.. وأن تتوافر لهم التشاركية في الممارسة الديموقراطية لحرية المعتقد، والتعبير عن هواجسه ومكنوناته، التي تحقق المزيد من الكرامة والمواطنة المنشودة».
إزاء الانتفاضات الشعبية التي تشهدها الدول العربية، ليس من الموضوعية والواقعية بشيء تجاهل مخاوف وقلق المسيحيين من البديل «المجهول» الذي قد تأتي به هذه الانتفاضات. في مصر، استبشر الأقباط خيراً بالانتفاضة التي أطاحت الرئيس مبارك. لكن الحقيقة لم يطرأ أي تغير ايجابي على وضعهم القانوني لجهة حقوقهم وحرياتهم الدينية وظروفهم الأمنية، لا بل تضاعفت الاعتداءات المنظمة عليهم وعلى كنائسهم التي تقوم بها مجموعات اسلامية بتواطؤ من الأجهزة الأمنية.
عن مخاوف المسيحيين، كتب الدكتور (محمد السماك) مقالاً مهماً بعنوان «مسيحيو الشرق والانتفاضات العربية» نشر في جريدة الاتحاد الإماراتية الجمعة 2 أيلول الجاري يقول فيه: «.. أما الوجه الثاني للحيرة المسيحية فينطلق من عدم وجود بديل واضح للنظام الاستبدادي الذي ينتفض الناس للتخلص منه. وتصل الحيرة إلى حد القلق من احتمال أن تشكل هذه الانتفاضات رافعة لقوى إسلامية متطرفة للوصول إلى السلطة. لهذا القلق ما يبرره، بل إن إنكاره هو تجاهل لحقيقة ساطعة. ولا يكفي للمسلمين أن يقولوا للمسيحيين لا تقلقوا حتى يتبدد القلق، بل لا بد من عمل ما يساعد على إزالته. ويضيف «يجب تفهم طبيعة ومشروعية القلق المسيحي في ضوء تجارب الأحداث العدوانية التي عرفها العراق ومصر – إلى حد ما – والتي شعر المسيحيون بأنهم كانوا هدفاً لها. إن نجاح الانتفاضات لا بد أن يتوّج بوضع عقد اجتماعي إسلامي – مسيحي عربي، يقيم الدولة الوطنية ويحترم الحقوق الدينية ويرسي قواعد المساواة في المواطنة».
ما يخيف ويقلق المسيحيين السوريين هو من أن ينجر بلدهم الى فوضى وفتنة داخلية وإلى نزاع مسلح على السلطة. بعض أوساط المعارضة تقول بأن النظام هو من يريد الزج بالمسألة الطائفية في الأزمة الراهنة للإساءة الى الانتفاضة وكحبل نجاة له، ربما كان ذلك صحيحا، ولكن هذا لا يهم، المهم أن شبح الفتنة الطائفية بدأ يخيم على البلاد، بصرف النظر عن الجهة التي ستلعب بها.
لا حل لمشاكل المسيحية المشرقية خارج مجتمعها. ولا جدال في ضرورة أن تطور المؤسسات الكنسية ذاتها وتنمي علاقاتها مع الآخر والارتقاء بها الى مستوى تكون فيه قادرة على مواكبة متطلبات الحياة الوطنية والمدنية. لكن بدلاً من أن يوجه الأستاذ كيلو النصح للمسيحيين المغلوب على أمرهم ومطالبتهم بالعودة الى موقعهم الصحيح من الجماعة العربية/ الاسلامية والى دورهم الثقافي/ المجتمعي في خدمتها، كشرط وحيد لبقائهم في هذه المنطقة، كان الأجدر به أن يطالب النخب ومنظمات المجتمع المدني، العربية الاسلامية، للقيام بمبادرات جدية لتحصين وتعزيز الوجود المسيحي في أوطانهم، والقيام بكل ما من شأنه أن يطمئن المسيحيين لمستقبلهم في هذه المنطقة ويحد من هجرتهم منها.
قبل أيام تأسس في العاصمة الأردنية عمان «التجمع العربي للتصدي لتهجير المسيحيين»-. فقد أكدت العديد من الدراسات الاستراتيجية أن بقاء المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط يتوقف على مدى تحول بلدانها الى دول مدنية ديموقراطية تفصل بين الدين والسياسية، يسودها العدل والقانون، وتحكم وفق دساتير وطنية تضمن الحريات الفردية والعامة والاجتماعية والدينية للجميع، يتمتع فيها المسيحيون بكامل حقوق وواجبات المواطنة من دون تمييز أو تفضيل. الوصول الى دول مشرقية بهذه المواصفات هو بالدرجة الأولى مسؤولية الغالبية العربية المسلمة. لأنه لا يمكن للأقلية مهما امتلكت من قدرات ومؤهـلات مادية ومعنــوية أن تفرض على الأغلبية ما لا تريده وما لا ترغب به، وإذا هي (الأقلية) تمكــنت من ذلــك في ظرف معين فهي لن تكون أكثر من حالة استثنائية عابرة.
[ باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات







الكنائس والحراك الثوري في سوريا: عواقب غواية السلطان
بواسطة
admin2
– 2011/09/07نشر فى: مقالات وتحليلات
عز الدين عناية: السفير
عوّدتنا الآية الإنجيلية الشائعة على الألسن «دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله» على استبطان حكم مسبق على دور الدين والمؤسسات الدينية المسيحية في الحراك السياسي. والحال أن المسألة السياسية في الفكر المسيحي، بالغة التبدل والتنوع، وفق الأوضاع الاجتماعية والظروف المحيطة. لذلك تشهد بعض الفضاءات المسيحية تطورا لافتا للاهوت السياسي وللعمل السياسي في حين يخفت في غيرها. وليست بلاد المشرق العربي بمنأى عن هذه الجدلية الشائكة بين المسيحي والسياسي، التي سنحاول النظر إليها من خلال واقع الكنائس السورية والحراك الثوري السائد.

الكنائس متعدّدة والدين واحد

عبر التاريخ المسيحي تشكّلت أربعة مراكز لاهوتية بارزة، توزّعت بين روما والقسطنطينية والإسكندرية وأنطاكية، والتفّت حول تلك المراكز مرجعيات دينية معتبرة، غير أن مركز أنطاكية شهد ما لم تشهده المراكز الأخرى، بما طرأ على مرجعيته اللاهوتية من تنافس. إذ يزعم كل من تجمّع الكنيسة الأرثوذكسية – وريث التقليد البيزنطي في العالم العربي – والكنيسة الملكانية، والكنيسة السريانية الأرثوذكسية، تمثيل ذلك المركز وحيازة رمزيته. كما يضاف إلى تلك التجمعات الأساسية تجمعان ثانويان ألا وهما التكتل السرياني الكاثوليكي والتكتل الماروني.
خمسة تجمّعات كنسية تتنافس على مدينة واحدة، رغم أنه لا يوجد مقر لأحدها في أنطاكية. إذ بعد خروج المدينة من قبضة الانتداب الفرنسي سنة 1938 ودخولها تحت سلطة الدولة التركية شهدت نزوحا لمجمل المؤسسات الكنسية وتحولا باتجاه سوريا ولبنان1.
وعلى غرار المسيحية المشرقية المتعددة الكنائس والمرجعيات اللاهوتية، يتميز الواقع المسيحي السوري بتعدد تكتلاته الدينية أيضا. حيث تتوزع تنوعات تشكيلاته المسيحية على أحد عشر لونا لاهوتياً، بعضها يزعم استقلالية تامة عن أية مؤسسة كنسية أجنبية، على غرار الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، في حين تنسج أخرى صلات مع شبكة مسكونية واسعة تتقاسم معها وحدة ليتورجية ولاهوتية، مثال الكنيسة الأرمينية، والكنيسة الآشورية، والكنيسة الكلدانية، والكنيسة الكاثوليكية، والكنيسة الأرثوذكسية، والكنيسة المارونية، والكنيسة الملكانية، والكنيسة السريانية الكاثوليكية، وبعض التجمعات البروتستانتية.
داخل هذا التنوع البارز، غالبا ما خيّم نوع من التنافس اللافت بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية بلغ أحيانا حدّ الخصام، متعلّلة كل منهما بكثرة الأتباع وباتساع رقعة الموالين2. في هذا الزخم من التنوع تُقدّر أعداد أتباع تلك الديانة في سوريا بين سبعة وعشرة بالمئة من العدد الإجمالي للسكان، الذي بات يفوق ثلاثة وعشرين مليون نسمة.

الكنائس السورية وفتنة السلطة

قد يزعم البعض أن السوريين المسيحيين، بكنائسهم ومؤمنيهم، حظاهم النظام بمغانم ومآثر فاقت ما ينعم به نظراؤهم من الإثنيات والتجمعات المذهبية والدينية الأخرى، فاشترى ذممهم وكسب ودّهم. ولكن حسب من يذهب هذا المذهب، ويحلّل الأمور على تلك الشاكلة، قول الإنجيل: «لا يعيش الإنسان بالخبز وحده» (متّى4: 4). فما تفتقده الجماعات المسيحية من مناخ ديموقراطي، هو القاسم المشترك بين كافة الشرائح المكونة لنسيج المجتمع السوري. ولذلك جاءت التحركات في سوريا محفَّزة بمطالب اجتماعية عامة، وباحثة عن معان مغايرة وروح جديدة تخترق بنية المجتمع. ذلك أن حكم حزب لشعب عقوداً، ممتنع عقلا فلاحه، في علم الاجتماع السياسي، ولو ضمّ لصفوفه الملايين.
لقد ولّد الواقع الاجتماعي العربي في تشكيلاته الدينية تناقضات هائلة، لعلّ أبرزها ما تعلق بأتباع الديانة المسيحية، التي بات بعض الأطراف فيها يحابي الأنظمة الدكتاتورية ويتوهّم أنه ينعم بحمايتها، حتى بلغ الأمر ببعضهم أن يقف حجر عثرة أمام حركة التغيير التي تجتاح البلاد العربية. والجلي أن ذلك الموقف وذلك التصرف غير طبيعي، ولا يمكن وعيه وفهمه إلا بإدراك إلى أي حد تردّى وضع المؤسسة الدينية في الاجتماع العربي، حتى غدا العقل الإيماني عاجزا عن الإلمام الصائب بدواعي انحطاطه وانكفائه.
ففي ظل ارتباك البنية الدينية، عادة ما تكون التكتّلات العرقية والدينية الصغيرة الأكثر خشية من شوكة الدولة، وهو ما يدفع بها في غالب الأحوال إلى ريبة في التعامل مع السلطة والتعويل عليها لحمايتها، وحتى إن لم تولها السلطة حظوة، فهي تسعى جاهدة للتقرّب من متنفّذيها ورموزها، لتثبت ولاءها وتبرئ ساحتها من أي لمز قد يلحق بها. لذلك تجدها عادة ما تسارع إلى مباركة خط السلطة السياسي وإظهار ولائها وإبداء طاعتها، لانبناء جوهر العلاقة بين الطرفين على الغلبة لا على الرابطة المواطنية والحقوق المتساوية. ومجمل الكنائس السورية ينطبق عليها هذا التوصيف، مع أنه يجري الحديث عن المسيحيين السوريين على أنهم تكتل متماسك، والحقيقة أن تلك الجماعات لا تعرف تآلفا بينها. يبلغ أثر حدة تلك الفُرقة بينها في قلة أعداد الزيجات وفي تدني تردد بعضهم على كنائس بعض، فضلا عن توتر علاقاتهم الاجتماعية في ما بينهم3.
ذلك أنه في الوقت الذي تتفطن فيه التعبيرات الدينية الأقلّوية إلى تدنّي الضمانات الاجتماعية والروحية، الرابطة بين النسيج الاجتماعي، تغدو ميّالة إلى الطرف الأقوى وتتجه نحو الماسكين بزمام السلطة. وبالتالي ضمن ذلك السياق عوّلت الكنائس غير المتجذّرة في الواقع العربي، على الشراكة اللاهوتية مع حاضرة الفاتيكان، علّها تفوز بنصرة من الغرب4، وعلى السلطة الداخلية أملا في حمايتها واحتضانها. ففي الجزائر، لما هزت البلد موجة من الاضطرابات في التسعينيات، لم يكن أمام الكنيسة من سبيل للنجاة سوى الاحتماء بسلطة مدعومة من العسكر، لأنه تبين لها أنه في سقوطها وانهيارها متاهتها5. واللافت أن الكنائس السورية، التي تختلف أوضاعها جذريا عن أوضاع الكنيسة في الجزائر، بصفتها كنائس أهلية وليست طارئة أو دخيلة، سارت على الشاكلة نفسها مع اندلاع الحراك الثوري في سوريا، وباتت تقرأ مآلاتها وتربط مصيرها بمصير النظام القائم، وهو مسار شائك انساقت إليه الكنيسة. ما يوحي وكأن الكنائس السورية لا تود مسايرة التحولات الاجتماعية التي تشهدها المنطقة، بل يتأكد مع كل يوم أنها غير راضية عنها، مع أنها لا تستطيع أن تقف في وجهها.
وفي هذا السياق عجزت الكنائس عن اتخاذ موقف صريح من الحراك الثوري في سوريا، ما عدا بعض التصريحات الغائمة هنا وهناك لرجالاتها، وهو أمر عائد أيضا إلى تذرّر الكنائس والمدارس اللاهوتية، التي انكفأت على التراث اللاهوتي السالف ولم تنتج فكرا لاهوتيا فاعلا وجامعا، يجاري نسق التحولات الاجتماعية العربية. إذ لم تتشكّل مدرسة لاهوتية عربية موحدة، وكل ما نجده هو بحث عن خصوصيات ليتورجية، تمتح تمايزاتها من قرارات مجمعية تخطّتها الأحداث، أو من خلافات لاهوتية ما عاد هناك مبرر لاستعادتها اليوم6. إن إشكالية الكنائس الحاضرة في البلاد العربية، التي فشلت في إنتاج وحدتها، أنها كنائس ثابتة فكريا ولاهوتيا ولا تربطها بالواقع المتحرك صلة متينة، ارتضت الحضور الشكلي ونفرت من الحضور الشاهدي في الاجتماع العربي.

هشاشة الكنيسة وغواية السلطة

ضمن دأب الأنظمة العربية على تزييف إرادة الجماهير، عودتنا نسختها المشرقية على استعمال مسيحييها بشكل ريائي، ليس في أعين شعوبها، وقد باتت لا تأبه بها ولا تعيرها وزنا، بل في أعين الغرب، الذي جعلته حسيبا رقيبا على حركاتها وسكناتها، وذلك بغرض أن تتستر على أوضاع عفنة مرّغت فيها شرائح اجتماعية برمتها، مسيحية كانت أو مسلمة. ضمن تلك اللعبة، شاركت المؤسسة الدينية سلطانها في مسرح الزيف، وانساقت إلى طريق بغيض، بعد أن خُيّل لها أنها غانمة سالمة، وهو ما قادت مآلاته إلى أن وَضَع وحشُ السلطةِ يده على رقبة تلك المؤسّسة بالكامل، وانتهى بها إلى خيار مانوي قاتل: إما معي وإما ضدّي. معي.. لتصمت وتتعامى عن عبث السيف وسفكه للدماء الطاهرة، وهي التي طالما رفعت وصية لا تقتل عاليا ونادت بالمحبة والسلام. وضدّي.. لتجد نفسها في متاهة مريبة، لم تعهدها، بعد أن سلبتها أبوّة السلطان كيانها وهويتها وإرادتها، منذ أن قرّرت زواج المقت الطوعي معه.
وفضلا عن غياب الوحدة اللاهوتية بين الكنائس السورية، حضرت المعاناة التي لحقت بمسيحيي العراق هاجسا دائما لدى المسيحيين السوريين. فجراء دعم كنائس العراق حتى اللحظة الأخيرة لنظام صدام، غدا كل متحالف معه عرضة لنقمة شعبية شرسة لما انفرط عقد الدولة7. تبدو مآلات تلك الخيارات التي انخرطت فيها الكنيسة في العراق خطيرة أيضا في الفضاء السوري، ما تمادت الكنائس السورية في التعويل على النظام والتحالف معه. فالرهان الذي تتمسك به الكنائس السورية يبدو واهيا، ذلك أن الدكتاتوريات العسكرية تعيش موسم أفولها ويخطئ من يسايرها في نهجها السياسي وخياراتها الاجتماعية.
فلا ريب أن الانتحار التاريخي الذي تسير نحوه الدكتاتوريات العربية، هو كسير المرء بساقيه إلى حتفه، يأتي نتاج بنية سياسية قهرية عفنة اشتدت بها الثورات في عام حالك، فدبّ فيها الارتجاج والتصدّع من كل جانب، وبالتالي بُنى تلك النظم ومسالكها ومؤسساتها إلى انهيار محيق أيضا. فقد تدّعي تلك الدكتاتوريات المثوبة والتوبة وتعِد بالإصلاح، لكن الحقيقة أن من بات فاسدا ومفسدا لا يرجى منه صلاح أو إصلاح.
وإن يكن ليس أشدّ فتنة على المسيحي المؤمن من وقوعه في غواية الشيطان، فبالمثل ليس أشدّ فتنة على المؤسّسة المسيحية من وقوعها في غواية السلطان. وهذه الأيام تبدو المؤسسة الكنسية القائمة في سوريا في أحلك تجاربها، فهي تعيش بالغ اختبارات الشهادة الإيمانية. فقد نسج فكر المؤسسة الدينية أَسْره منذ أن اختار محاباة القياصرة ومجافاة الناس، وهي علّة مزمنة موغلة طالما نخرت المسيحية السمحة، وانحرفت بها بعيدا عمن جاء لهم الدين أصلا. حتى بات عضدُ ذلك الفكر ومرجعُه السلطة الجارحة لا الجماهير المؤمنة.

الكنيسة والموالاة الصامتة للسلطة

ساهمت عوامل متنوعة، في الاجتماع السوري، في ترسيخ شكل من التحالف الضمني مع الدولة، والحال أن تلك الظاهرة هي من السمات العامة للمؤسسات الدينية في البلاد العربية، في ظلّ غياب تحرر السوق الدينية واحتكار الدولة لكافة أنشطة الفاعلين فيها. وقد كان اتخاذ الكنيسة السورية ذلك الموقف القريب إلى الصمت منه إلى الاحتجاج عائدا بالأساس إلى عوامل محددة، تضافرت معا لتصوغ نوعا من الارتهان، وأبرز تلك العوامل تتمثل في:
- تواجد ثقافة تقليدية شائعة في الأوساط المسيحية، داخل سوريا وخارجها، تروّج إلى أنه من الأفضل للفرد المسيحي المتدين أن ينأى بنفسه عن متاهات السياسة، وأن يجاري السلطة السائدة ولا يناصبها العداء. غير أن تلك الثقافة عرفت تآكلا وتراجعا منذ ظهور لاهوت التحرر في أميركا اللاتينية، واللاهوت الأسود في إفريقيا، واللاهوت النسوي في أميركا وأوروبا. فالمرء أكان مسيحيا أم مسلما فهو بالأساس ابن مجتمعه، لا يستطيع أن يخرج عن شروطه. ولكن تلك الثقافة، التي أشرنا إليها، لا تزال مراعاة بقوة داخل أوساط الكهنة والرهبان وما برح التنصيص عليها والترسيخ لها ضمن ضوابط القانون الكنسي. لكن هذا لا يعني أن الكنيسة ليس لها موقف سياسي بشكل عام من الأحداث الجارية، أو من الانتخابات، أو من الاستفتاءات أو ما شابهها. فلو أخذنا الكنيسة في إيطاليا نلاحظ المشاركة الحريصة لرجال الدين في الشأن السياسي الإيطالي، علاوة على تلميحات المؤتمر الأسقفي الإيطالي للناخبين، وهو ما يأتي عادة بشكل إيحائي حتى لا تخسر الكنيسة طرفا من أطراف المجتمع.
- منذ أن صادرت السلطة في سوريا الدينَ بكافة تعبيراته الطائفية والمذهبية وألحقته بالدولة، تحولت الكنيسة من مؤسسة اجتماعية شعبية إلى مؤسسة رسمية، وقد جاء قبول المؤسسة الكنسية، في السنوات الأولى لحكم البعث، بتلك اللعبة خوفا وطمعا من حزب بات يسيطر على كافة مفاصل المجتمع ويوظفها لخدمة السلطة. لكن بتوالي العقود نشأت داخل الكنيسة شلّة من الكهان، باتت تؤمن فعلا أنها جزء من الدولة وأن مصيرها غدَا معلقا بمصير تلك الدولة وبثقافتها8.
- لقد كانت أوضاع الكنائس السورية شديدة الشبه بأوضاع الكنائس العراقية، وجدت نفسها إما أن تتحول إلى مؤسسة دينية تابعة للدولة أو تقع في متاهة حقيقية. وباتت المآلات التي انتهت إليها الكنائس العراقية ماثلة هذه الأيام أمام الكنائس السورية، فشبه تاريخ الكنيسة مع البعث في سوريا يجد مثالا له في العراق. لقد كانت مصائر المسيحية العراقية مفجعة بعد رحيل صدّام، ولذلك تخشى الكنائس السورية أن تلقى المصير نفسه في حال سقوط النظام السوري. ويتدعم ذلك التخمين بما تبثه الدعاية السلطوية من مخاطر انجراف سوريا نحو دولة دينية إسلامية، وهو ما يوشك أن يحوّل البلد إلى جحيم مسيحي.
في الحقيقة هذا التحليل مجانب للصواب ويفتقد لنظرة عميقة وشاملة، إذ ارتبطت مآلات الكنيسة العراقية بالقطر العراقي وحده. ذلك أن سقوط نظام صدام قد مثل انتحارا سياسيا ذاتيا، في حين ما تشهده سوريا هذه الأيام فهو تحول شامل يهز البلاد العربية، تختلف عوامله ومطالبه، ولذلك لا يجوز ربط مستقبل المسيحية في سوريا بما جرى في العراق. فلو أخذنا الساحة المصرية، الحاضنة لأكبر تكتل مسيحي، فإن الكنيسة فيها لم تعرف استقلالية في تاريخها الحديث، في قرارها وفي نشاطها، من السلطة مثلما تشهده هذه الأيام، وهو من نتائج الثورة. وبرغم وقوع بعض الأحداث الأليمة في مصر، تضررت على إثرها الأطراف المسيحية، فهي عائدة بالأساس إلى تعفنات سابقة سائرة نحو التقلص والتراجع.

تفتّت احتكار المؤسسة الدينية

لقد كان من العوامل الفاعلة التي ساهمت في نجاح الثورة التونسية يقين الناس أن المؤسسة الدينية بقضّها وقضيضها، الزيتونة والمجلس الإسلامي الأعلى ووزارة الشؤون الدينية وما حوت، قد باتت جهازا بيد السلطة، وما عادت لتعبر عن خيارات المؤمنين ومراجيهم. الوضع الديني المسيحي في سوريا، وهو ما يعنينا في هذا المقالة، بلغ حد اليقين أيضا بذلك السطو الذي مارسته السلطة على الكنيسة، بعد أن باتت تتدثّر بشلّة من القساوسة شاركوها الوليمة طيلة عقود وباركوا عملها.
فالسلطة السورية لما استحوذت على الدين وباتت الوصية عليه، لم تحتفظ من قيمه في مسلكها بشيء يذكر. فسندها من رجال الدين ما عاد لهم شأن سوى تبييض القبور العفنة. ولو بقي لهم دور لأصلحوا بالها وكفّوا يدها عن القتل العمد، وزبانيتها يتصيّدون الناس في الشوارع كالحمام. لقد خلّفت الساحات فرزا لافتا، لاح من خلاله أن الشعبَ المنادي بشرق جديد، مفعمٌ بالإيمان، وأما خصومه فهم الفقراء.
خلقت مصادرة الدولة لحرية الكنيسة نوعا من انفضاض الناس من حولها. وبات بقدر ما يتحرر الفرد المسيحي من كنيسته بقدر ما ينغمس في شؤون الناس وفي قضايا المجتمع. ولذلك يلاحظ أن جل المشاركين في الثورة من المسيحيين، هم ممن نأوا بأنفسهم عن ضيق الكنيسة وضوابطها المجحفة، التي تحد من نشاط الفرد الاجتماعي. قد يشير البعض إلى أن جل المشاركين في الثورة السورية من المسيحيين، هم من العلمانيين واليساريين والليبراليين، وهو صواب، ولكن ساهم أيضا رجال دين من الصف الثاني والثالث، من الكهان وطلبة اللاهوت، وهم ممن أدركوا بوعي أن كنائسهم تعاني أزمة ارتباط بالمجتمع وأزمة تعامل مع قضاياه (…)
بعد ثورة قرطاجة لن تعود البلاد العربية إلى ما كانت عليه، وبالمثل بعد اندلاع ثورة بلاد الشام لن تعود الكنيسة إلى سالف عهدها، ولكن رغم ذلك سيحاول قساوسة السلاطين العض بالنواجذ على زمن يحسبونه ما زال وهو قد ولّى. لذلك يُخشى أن تَلحق الكنيسة متأخرة بقطار الشرق المتحول، ليُلمز يوما أن المسيحي في تلك الديار كان من المخلَّفين.
[ أستاذ تونسي في جامعة لاسابيينسا في روما
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 09-07-2011, 01:51 PM بواسطة بسام الخوري.)
09-07-2011, 01:50 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
الرد على: إلياس زحلاوي : رسالتك هذه تعبر عن رأيك الشخصي ولا تمثلني كمسيحي سوري حوراني الأصل - بواسطة بسام الخوري - 09-07-2011, 01:50 PM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  أكثر من 6 آلاف طفل سوري قتلوا بنيران النظام الوطن العربي 0 443 03-18-2013, 05:30 PM
آخر رد: الوطن العربي
  نجم عيد الحب سوري حلبي salem mohamed 7 1,166 02-16-2013, 07:50 PM
آخر رد: على نور الله
  حر سوري يضرب أحمدي نجاد بالجزمة demon 56 7,534 02-11-2013, 12:42 AM
آخر رد: Rfik_kamel
Exclamation عاقل سوري يكتب ويحلل كارثة سوريا حاليا ؟؟؟ لكم حرية النقد . زحل بن شمسين 0 682 12-03-2012, 07:28 AM
آخر رد: زحل بن شمسين
  ضابط عسكري سوري منشق شاهد على المذبحة في الحولة demon 3 1,337 06-21-2012, 06:13 AM
آخر رد: الكندي

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 2 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS