طبعا الناس عاجزة أن تقود نفسها، فكما قال الحكماء "الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيهم راحلة" والناس تبع لمن يقودها.

اللوم يقع على أصحاب المبادئ والمفكرين، ذوي الإحساس العالي بالواقع والقدرة على استشراف المستقبل وما ينبغي أن يكون عليه المجتمع، اللوم يقع عليهم لإصرارهم على البقاء معلقين في أبراج عاجية منفصلين عن مجتمعاتهم وهمومها وما ينبغي لها وكيف يمكن تسييرها وئيدا نحو النهضة.

رغم وجود الفرصة السانحة، وانشغال النظام بلعق جراحه والتباكي وتبكية العالمين على حاله المزري، فلم يكن النظام أبدا بشخص مبارك رغم رمزيته للنظام كرأس. وجود الفرصة السانحة وغياب أمن الدولة والأمن المركزي وما شابه من ذروع أخطبوطية كان النظام يستغلها لضرب الحركات الواعية المخلصة.

نتوجه إليكم أيها المفكرون في مصر، من كل الطوائف الفكرية، عالمانية كانت أم إسلامية، مؤمنة كانت أم ملحدة، هل الوقت وقت تلاوم وإلقاء مسؤولية على الغير؟ من تتوقعون أن ينهض لكم ليحملكم على إنهاض مصر؟ أترجون العون من الغرب والمثل قد ضرب به في التلون والخداع والبحث عن المصالح الأنانية؟ أم من الشرق اللامبالي لو متّم جميعا ومثلكم معكم، أم من العرب وهم ينظرون إلى مصر ويتبعونها ولا يرونها لهم إلا أما يطلبون عونها، هم بأعجز أن يعينوكم وأنتم القادرون على ذلك إن نجحتم في نقل الثورة لنهضة.

العمل الحقيقي يكون مع الناس وبالناس، بعيدا عن التعالي والتميز، سواء تعالي الإسلاميين الذين ينظرون أنهم فئة ناجية والباقون من أهل النار، أو تعالي العالمانيين الذين يرون أنفسهم تنويريين والباقي يتخبطون في دياجير الظلام.

حدثوا الناس بما يعرفون، واحملوهم على ما يحبون، فتوشك العامة أن تمل، وتنفض يدها من كل أمر ثم يصدق المثل "كإنك يابو زيد ما غزيت"، ويرجع المستبد مسلحا بأسلحة ضروس هذه المرة لا تنفع معها ثورة 25 يناير ولا ثورة 17 فبراير ولا ثورة 15 مارس ولا بوعزيزي ولا خالد سعيد، التاريخ لا يعيد نفسه إلا للسخرية فقط. الفرصة سانحة فاقتنصوها وليكفف من يريد التلاوم فليس وقته اليوم.