(10-07-2011, 01:57 AM)أبو نواس كتب:  الزميل بهجت، وبعد السلام

صحيح جدا ما تقوله عن إن معرفتي بالأحوال في مصر لا تسمح لي بالرؤية الواضحة، كما تسمح لك معرفتك العميقة. لكن هذا لم يمنعني من استشفاف عدائية، غير متعمدة (؟) ، للناس العاديين الذين اكتشفوا، فجأة، قدرتهم على التغيير، فانفجرت مطالبهم الاجتماعية والسياسية دفعة واحدة (كما تنفجر طنجرة البخار بعد طول غليان)

لعله لا يخفى عليك أن بلدك، مصر، تحتاج إلى "عقد اجتماعي جديد" يتجلى في دستور جديد يعيد بناء مؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية، بعد أن ساد الفساد بجميع أشكاله السياسية والاقتصادية والإدارية.
أسمح لنفسي بالقول إن هذه هي المهمة الأولى والأساسية للحكومة الحالية. وحول هذا المهمة يجب أن يتمحور الحوار بين المهتمين بالشأن الوطني . أما حكاية "الثورة البيروقراطية والتأميم وتدخل القضاء في الاقتصاد الذي ينهار"، حسب قولك، فرأيي أنها مبالغات لا تودي ولا تجيب في هذه المرحلة، فإن وجدت فلا يمكن التصدي لها إلا بتشريعات ليست من صلاحيات المجالس المؤقتة (سواء كان المجلس العسكري أو مجلس الوزراء) في هذه الفترة الانتقالية. ولا بد أن تنتظر إلى ما بعد الانتخابات التشريعية.

ومعذرة مرة أخرى إن استفزني توصيفك "الأسود" لأحوال مصر التي أحبها وأحب شعبها. (هذا لا يمنعني من التمني لك بإجازة تريحك قليلا من "الضغط" الذي يتعرض له كل من يحب بلده حين يراها تنحدر للأسوأ .. )

الزميل أبونواس .
لو جاز لي أن أدقق مداخلتك أراك تتحدث عن .
1- موقف عدواني تجاهي نتيجة تعاطفك مع ماتراه من رغبة الشعب المصري في الإنفجار !.
2- أن الواجب الأساسي للحكومة ( المرحلية ) القائمة هو صياغة عقد إجتماعي جديد و الدستور ، بينما إدارة الإقتصاد يحتاج إلى تشريعات تفوق سلطات الوزارة الحالية !.
3- حديثي عن الأزمة الإقتصادية في مصر هي مجموعة من المبالغات السوداء !.
أعتقد أنه يتدقيق الأمور بهذا الشكل فلا حاجة لمزيد من التوضيح ،وهذا هو ما يدعوني إلى أن أطلب منك و ممن يتناولون الشأن المصري أن يعرفوا ولو القليل عن مصر . سبق أن تحدثت لك و لآخرين أنه من الخطأ أن نتصور أن الإنتفاضات العربية لها نفس الطبيعة و المراحل ، فمصر و تونس حققتا أهدافهما المباشرة بتغيير الرئاسة ، بينما سوريا و اليمن في أوج مرحلة النضال الجماهيري ضد النظام ،و في ليبيا حرب أهلية يقودها الناتو ضد القذافي ! . هذه ليست أول موجات (الربيع العربي) بل هي الموجة الثانية ، فالموجة الأولى قادت الجزائر إلى حرب أهلية ، و العراق إلى حكم محاصصة طائفي أصولي ،و قادت لبنان إلى الضياع السياسي و الفوضى ، بينما قادت الفلسطينيين إلى التجزئة و التشرذم . لهذا يجب أن نكون واعيين للغاية حتى لا نصنع مصيبة عربية جديدة في مصر فكفانا مصائب ،وهذا لن يتحقق سوى بأن نوظف أفضل العقول المصرية لإنقاذ مصر ،و ليس بتعطيل العقل و التفكير بالحناجر و الشعارات التي ما قتلت صرصورآ !.
ما تتحمس له يا صاحبي ليس الثورة المصرية ولا مصالح مصر فنحن من يعبر عن ذلك كله ،و لكنه شيء آخر هو المراهقة الثورية ،وهذا مرض ثقافي يصيب المجتمعات في مرحلة هلامية من تاريخها ،و لن أتوسع هنا لأني نظرآ لأهمية هذا المقترب المعرفي أفردت له شريطا خاصا هو "المراهقة الثورية" .
http://www.nadyelfikr.com/showthread.php?tid=44561
أما عن واجب الحكومة الإنتقالية الحالية فأنت تتناقض مع نفسك ، فكيف تستطيع حكومة ترى أنه ليس من صلاحياتها إدارة الإقتصاد القائم بالفعل أن تشرع لأوضاع دستورية مستديمة ، رغم أنها ليست منتخبة من أي جهة ؟. على العكس تماما أولى واجبات الحكومة القائمة حاليا هو تهيئة المناخ المناسب لمرحلة تأسيسية تشريعية قادمة ،وهذا يتحقق فقط خلال شرطين هما الأمن و العافية الإقتصادية ، وهذا تحديدا ما فعلته تونس . لو تحقق ماطالبنا به في بداية المرحلة الإنتقالية بانتخاب (أو بالتعيين التوافقي ) لجمعية تأسيسية تقوم بوضع الوثائق الأساسية للدولة ، و أهمها بالطبع الدستور بالإضافة لعقد إجتماعي (لو تقبل المشرع هذا المفهوم) ،و لكن للأسف ليس هذا ما اتجهت إليه الأمور ،و حسمها الإستفتاء الذي أجري في مارس ،و الذي وضع الدستور في يد المجالس التشريعية المنتخبة ،و بالتالي فلا معنى أن تهتم الحكومة بمناقشة دستور غير منوطة بوضعه !.واجب الحكومة الأول هو مواجهة الأزمة الإقتصادية تماما كما أوضحت .
أتمنى أن يكون نقدي للأوضاع الإقتصادية أسودآ و مبالغ فيه ،و لكنه للأسف أقل من الواقع ، أتمنى أن تقرأ في هذا الشريط المداخلات الاقتصادية لي و للزملاء العارفين بالأوضاع الاقتصادية في مصر ، أو فلتبحث عنها في الشبكة خاصة باللغة الإنجليزية ،و ستجد أني لا أضع مداخلات جزافية أو ملونة بأي لون ، فقط أتوخى الحقيقة بلا خوف ولا جزع ، فهذا ما درجت عليه لنفسي و لغيري ،وهذا عهد أقسمت عليه أمام ضميري منذ هزيمة 1967 فنحن الذين هزمنا أنفسنا عندما أوقفنا العقل و جرينا خلف الأوهام .
يبقى أني أعلم أنه مع بهجت كثيرآ ما يلجأ المشاركون إلى العنف و الغضب ، ليس لأنه استفزازي و لكن لأنه هناك القليل للغاية الذي يصمد للمنطق و المعرفة ، لهذا فلم أعد أنزعج كثيرا من الغضب الذي يصنعه التعجل ( تعبير تصالحي مهذب ) .