جريدة الفجر: حقيقة تجليات فاطمة الزهراء

على طريقة مريم العذراء.. وبعد شائعة ظهور الحسين.. نحن نحقق:
حقيقة تجليات فاطمة الزهراء

انشغل الناس بما جري ليلة الاحتفال بالهجرة النبوية، مما تردد عن ظهور الحسين لجموع المصلين، الذين توافدوا علي المشهد الحسيني للاحتفال بالمناسبة الدينية الرائعة، انقطعت الكهرباء عن المسجد لخمس دقائق فقط، لينطلق صوت أحدهم مهللا بأن الحسين تجلي، ظهر كنور مغطى بالثلج.
حالة أنطقت بعضا من مريدي الطرق الصوفية، وجعلتهم يصرخون بأن الحسين نزل ليحتفل معهم بالعام الهجري الجديد، لكن الشيخ عبد الهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية، قال إنه كان موجودا وإلي جواره السيد محمود الشريف نقيب الأشراف، والشيخ فؤاد عبد العظيم وكيل وزارة الأوقاف لشئون المساجد والقرآن الكريم وأعضاء المجلس الأعلي للطرق الصوفية، وأنهم لم يروا شيئا.. مما ردده بعض أتباع الطرق الصوفية.
حكاية تجلي الحسين ليست جديدة، لكنه في واقع الحال لم يكن بطل القصة الحقيقي، فهناك بطلة أخري، كانت هي محور قصص التجلي عند الشيعة الذين يقدسون السيدة فاطمة الزهراء ويعلونها مكانا عظيما لا يدانيه أحد، للدرجة التي نجد فيها حديثا قدسيا في أدبيات الشيعة - لا أطمئن له ولا لصحته-، يقول إن الله تعالي قاله لرسول صلي الله عليه وسلم: «يا محمد لولاك ما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ ما خلقتك...ولولا فاطمة ما خلقتكما».
وليست مفاجأة أن الشيعة - أو لنقل غلاة الشيعة - يرون أن قدسية السيدة فاطمة الزهراء ذاتية، نابعة من كيانها النوراني الذي فطرها الله عليه وعجنها به، حتي تأهلت لأن تنال وسام سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
كان طبيعيا وأمر السيدة فاطمة الزهراء ابنة الرسول صلي الله عليه وسلم وزوج عليّ رضي الله عنه هكذا، أن يسعي الشيعة لاستحضارها، بل ويتوهموا تجليها عليهم.. خاصة في أوقات أزماتهم وهي كثيرة.. ولذلك فإن التجلي الأقوي الذي يتحدث عنه الشيعة للسيدة فاطمة الزهراء في العراق منذ عامين كاملين، عندما تعرض الشيعة هناك لأزمات طاحنة علي يد الاحتلال الأمريكي.
بحث الشيعة عمن ينقذهم مما هم فيه، فلم يجدوا أمامهم إلا السيدة فاطمة الزهراء.. التي قتل ابنها في كربلاء.. ولذلك كان التجلي في كربلاء، واستحضروا ما قيل لهم من أن السيدة فاطمة بكت وهي في مقعدها في الجنة، عندما عرفت أن ولدها الحسين قتل.
لكن كيف تجلت السيدة فاطمة الزهراء؟
هذا السؤال يجيب عنه الدكتور أحمد لاشين، وهو باحث متميز في الشأن الإيراني.. وباحث أكثر تميزا فيما يأتي به ويقدم عليه الشيعة، في دراسة قصيرة له قارن فيها بين تجلي السيدة مريم العذراء والسيدة فاطمة الزهراء قال إن التجلي الذي شهدته مدينة كربلاء كان عبارة عن ظهور واضح للسيدة فاطمة وهي تقف خلف فارس يركب علي حصان وممسك بسيفه في تجسيد واضح للحسين.
الغريب أن الصورة التي ظهرت عليها السيدة فاطمة والتي سجلها الشيعة في رسومهم، لا تختلف بأي حال من الأحوال عن صورة السيدة مريم العذراء، نفس الملامح ونفس الروح ونفس الطلة، وكأن من رسم الصورتين رسام واحد.
بحثت عن وقائع أخري لتجليات السيدة فاطمة الزهراء في الأدبيات الشيعية، فلم أجد تجليات أخري بالصورة النورانية، لكنها تجليات في أحلام عند كثيرين من الشيعة، فكل واحد منهم تقريبا لديه قصة خاصة مع السيدة الطاهرة التي تدلهم علي الطريق وتنقذهم من المهلكات.
لكن السؤال الأهم هو لماذا تتزاوج السيدة مريم العذراء والسيدة فاطمة الزهراء في أدوار التجلي دون غيرهما من نساء العالمين؟
الإجابة يمكن أن تكون صادمة، لكنها في نهاية الأمر واقعية، ودعونا نفصل الأمر من بدايته:
أولا: ترتبط كل من السيدة فاطمة والسيدة مريم بكثير من الغيبيات التي تميز ما يرتبط بهما من أحداث، وقد اجتهدت الذهنية المسيحية والذهنية الشيعية علي ما بينهما من تقارب - أسطوري خرافي - في نسج الأساطير حولهما، وعن قدراتهما المطلقة في الإتيان بالمعجزات.
ثانيا: المسيح عليه السلام والحسين رضي الله عنه، في أن كل منهما كان رمزا للفداء، المسيح قدم نفسه للصليب كي يتحمل خطايا البشر، والحسين دخل معركة يعرف جيدا أنه لن يخرج منها حيا، لأنه كان يفدي أصحاب الحق من أمة جده محمد صلي الله عليه وسلم، فليس أعظم من الحق لتقدم نفسك فداء له.
ثالثا: ولتحقيق رمزية الفداء هذه كان لابد أن تكون النهاية مؤلمة، تعرض المسيح عليه السلام لآلام لا يقدر عليها بشر، وتعرض الحسين لقتلة شنيعة، لم يكتفوا بقتله بل قطعوا عنقه، ومثلوا بجثته، وحملوا رأسه ليزيد بن معاوية ليحصلوا منه علي مكافأة ما فعلوه.
رابعا: كل من المسيح والحسين خلف وراءه أملا بالعودة، المسيح بنفسه سيعود، والإمام الغائب من سلالة الحسين سيعود، لأن العالم بصورته يحتاج إلي مخلص، وليس أقرب ولا أحق بهذا المخلص ممن قدم نفسه فداء للبشرية بلا مقابل.
خامسا: ثم تأتي الأم في قلب الصورة، فإذا كان المسيح تحمل من الآلام ما لا يتحمله بشر، وإذا كانت السيدة فاطمة بكت علي ولدها وهو يقتل مطلة عليه من مقعدها في الجنة، فإن الأم احتلت القلوب، وهفت إليها الأفئدة، تستحضرها في أوقات الأزمات والعجز والحيرة، وإذا كان تجلي العذراء يفسر في درجة من درجاته علي أن أم النور تأتي لتفقد أبناء المسيح وتربت علي أكتافهم في أوقات أزماتهم، فإن السيدة فاطمة الزهراء هي الأخري تظهر لتطوف حول ضريح ابنها الذي ذبحوه، وتطمئن من يتبعونه أنهم علي حق.
إن هناك تشابها كبيرا وواضحا في ملامح كل من السيدة فاطمة الزهراء والسيدة مريم العذراء، رصده أحمد لاشين في دراسته الصغيرة، فإذا كان ظهور السيدة مريم بصورة وضاءة، كيانا نورانيا يتحرك فوق الكنائس، أو حمامة تتحول إلي ضياء يملأ الدنيا، فإن السيدة فاطمة هي الأخري تتجلي كما سجل الشيعة علي شكل سيدة ذات وجه نوراني مرتدية ملابس بيضاء أو خضراء، تلازمها حمامة بيضاء ترفرف علي قبة الضريح الحسيني.
الفارق الوحيد بين التجليين، أن مريم تظهر بمفردها أما فاطمة فهي لا تظهر إلا وإلي جوارها فارسها الذي خاض الحرب وهو ابنها، إذ تظهر واضعة يدها علي كتفه.
سيقف المسلمون السنة أمام ما يردده الشيعة عن تجليات السيدة فاطمة الزهراء، فهي بالنسبة لهم ليست إلا بنت الرسول صلي الله عليه وسلم، ليست صاحبة معجزات، لا في حياتها ولا في مماتها، وقد سبق للمسلمين السنة أن رفضوا ظهور السيدة العذراء ...وهو موقف مقبول يتسق مع ماديات الإسلام السني الذي يبتعد عن الغيبيات ولا يتوقف أمامها كثيرا إلا ما يتعلق بشئون العقيدة.
لكن بعيدا عن هذا الرفض، إلا أننا أمام ظاهرة لا ترتبط في الغالب بالحالة الوجدانية والإيمانية للناس، بقدر ما ترتبط بحالة العجز التي يعيشونها، بحالة الاحتياج الملحة علي أعصابهم، والتي تجعلهم يتعلقون بكل ما هو غيبي لعله ينقذهم مما هم فيه.
وكما ظهرت السيدة مريم العذارء لمن أراد لها أن تظهر، وكما ظهرت السيدة فاطمة الزهراء لمن أراد لها أن تظهر، فإن الحسين رضي الله عنه ظهر بهذا المعني، فمن رآه أراد أن يراها، لم يتجل فعلا....ولم يظهر فعلا، لكن هنا من احتاج إليه استدعاه، قد تكون قلوب المحبين لها عيون...لكن العجز الكامن فينا هو ما يجعلنا نصرخ.. أغثنا يا حسين.. وأدركينا يا عذرا...وأنقذينا يا زهراء.. لكن للأسف الشديد أننا نفعل ذلك لكن لا مجيب على الإطلاق.