{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
لماذا نرفض الدولة الدينية؟
العلماني غير متصل
خدني على الأرض اللي ربّتني ...
*****

المشاركات: 4,079
الانضمام: Nov 2001
مشاركة: #1
لماذا نرفض الدولة الدينية؟


سعيد ناشيد

إنه خطأ معرفي جسيم، بل هو خطأ سياسي يحتمل كلفة باهظة، ولعله فساد في الاعتقاد، كما يقول القدماء، وقد لا يخلو الأمر أحياناً من التضليل المقصود لغاية التحريض والدعاية، وهو دأب الكثيرين. لكن ما المشكلة؟

المشكلة، هي عندما نعتقد أن التقابل بين مفاهيم الخلافة والبيعة والشورى والإمامة والطاعة، من جهة، وبين مفاهيم الديموقراطية والانتخابات والتصويت والتعددية والتداول على السلطة، من جهة ثانية، هو تقابل بين جهاز مفاهيمي ديني أو إسلامي يمثل جوهر الإسلام، وجهاز مفاهيمي مدني أو غربي يمثل جوهر الغرب. هذا خطأ.

صحيح أن الإسلام استعمل بعض تلك المفاهيم، استعملها القرآن نفسه. غير أن الاستعمال ليس دليلا على الملكية أو التملك. يصدق هذا القول على الأشياء ويصدق على الكلمات أيضاً. إذ لا يكفي أن يستعمل الإسلام أي مفهوم حتى نقول عنه إنه أصبح مفهوماً دينيا أو إسلامياً أو صار لنا هوية. والحال أن إبداع أو إعادة إنتاج المفاهيم ليس وظيفة الأديان، وبالأحرى ليس وظيفة الإسلام. وإنما إنتاج المفاهيم كان ولا يزال يتم داخل حقل معرفي آخر، هو الفلسفة حصرا كما يقول فليكس غاتاري وجيل دولوز.

أما الإسلام فهو ليس أقل من عقيدة، غايتها توحيد وتنزيه الذات الإلهية. ودون ذلك تظل قضايا الشريعة ومسائل الحدود والقصاص ونظام الإرث وحظ الأنثى وشهادة المرأة وتعدد الزوجات، ومعها كل مفاهيم وتصورات العالم القديم، مجرّد تدابير وقتية ومؤقتة تندرج ضمن السياق التداولي الذي يتناسب ومستوى النضج العقلي والوجداني لإنسان العالم القديم. لم يكن العالم القديم عالماً أبدياً، ولم يكن مقرراً له أن يكون كذلك، طالما «لكل شيء إذا ما تم نقصان»، على حد تعبير أحد شعراء رثاء الأندلس، وإنما العالم القديم مجرد عالم عرضي ونسبي وزائل، شأنه في ذلك شأن سائر العوالم الأرضية، مصداقا لقوله «كل من عليها فان».

حين نتخلى عن مثل هذا الوعي بالزوال، وبالفناء، وبالعرضية، وبالصيرورة التي هي قدر الوجود كما يرى هايدغر، يصبح الحنين إلى العالم القديم أبعد ما يكون عن حقيقة الدين أو التدين، وإنما مجرد عصاب وسواسي.

لا يكمن الفرق بين مفاهيم الخلافة والبيعة والطاعة والشورى والإمامة والجماعة، من جهة، ومفاهيم الديموقراطية والتعددية والانتخابات والتصويت والتداول على السلطة، من جهة ثانية، في أن هناك مفاهيم دينية أو إلهية أو غيبية أو إسلامية أو أنها تنتمي إلى الإسلام حصراً أو يمكن وصفها بالإسلامية، مقابل مفاهيم مدنية أو وضعية أو بشرية أو غربية أو أنها تنتمي إلى الغرب حصراً أو يمكن وصفها بأنها غربية، بل يكمن الفرق بكل بساطة ووضوح، في أن هناك جهازا مفاهيميا ينتمي إلى العالم القديم بمختلف ديانات وثقافات ومرجعيات ذلك العالم القديم، مقابل جهاز مفاهيمي ينتمي إلى العالم الجديد بمختلف ديانات وثقافات ومرجعيات هذا العالم الجديد. هل صار الأمر واضحاً الآن؟
هذا يعني، بصريح اللفظ ووضوح العبارة، أننا حين نقرر التخلي عن مفاهيم الخلافة والشورى والبيعة والطاعة والرعية والردة والجزية وأهل الذمة، وما إلى ذلك من مفاهيم سياسية تنتمي إلى العالم القديم وتعيق تطور الوعي الديموقراطي وقيم المواطنة، فإننا لا نكون قد تخلينا عن مفاهيم إسلامية كما يروج البعض، بل نكون قد قررنا فقط التخلي عن مفاهيم تنتمي إلى العالم القديم. وحين نتبنى مفاهيم الديموقراطية والانتخابات والتّعددية والتداول على السلطة وحقوق الإنسان والمواطنة، فإننا نتبنى مفاهيم تنتمي إلى العالم الجديد. هذا عن الخطأ المعرفي. لكن ماذا عن الكلفة السياسية؟

حين نصف مفاهيم العالم القديم بأنها إسلامية، ونصف مفاهيم العالم الجديد بأنها غربية، بمعنى غريبة عن الإسلام، فإننا نجعل الجمهور يعتقد أن التخلي عن مفاهيم العالم القديم هو تخل عن الإسلام. وهذا مأزق سياسي يحتمل كلفة سياسية باهظة، وقد يؤدي إلى نزعات شعبوية خاطئة، متى وجدت من يثيرها ويستثمرها.


أمام هذا المأزق، يحافظ الصوفيون على قدر من الانسجام؛ لأنهم أوفياء للجهاز المفاهيمي للعالم القديم، ولا مشكلة ما داموا، غالبا، يرفضون الانخراط في العمل السياسي. ويحاول السلفيون الوفاء للجهاز المفاهيمي للعالم القديم، لكن مشكلتهم أنهم ينخرطون في السياسة، ما ينتهي بهم إلى العنف جرّاء حالة الصدام النظري بين العالمين. لكن معضلة الإسلاميين أنهم يحاولون الوفاء للعالم القديم من دون أن يخسروا الانتماء إلى العالم الجديد. وهم بذلك أكثر تعبيراً عن مفارقات وتمزق الوعي الإسلامي المعاصر. غير أن الارتباك في التموضع في الزمان، غالبا ما ينتهي إلى ازدواجية في الخطاب وإلى مفارقات اجتهادية غريبة، من قبيل ما انتهى إليه البعض من ادعاء أن مفاهيم العالم الجديد تقع ضمن مقاصد مفاهيم العالم القديم. هكذا إذاً! كما لو أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مثلا، كان منذ الأبد ضمن مقاصد الشريعة الإسلامية. حسن. لا يبدأ الدجل إلا من خداع الذات أولا؟ علما أن الإسلام ينبذ الكذب. أليس كذلك؟ هذا الدرس يكفي الآن. لكن، لماذا نرفض الدولة الدينية؟
سواء سمينا هذا الرّفض موقفا علمانيا أو مدنيا أو وضعيا أو بشريا أو عقلانيا أو تاريخيا أو زمنيا أو أيا كان الاسم، فإنه، في كل أحواله، يمثل رفضا للازدواجية وللارتباك وللنفاق ولخداع الذات. إنه اعتراف بأننا أبناء العالم الجديد بمفاهيمه وتصوراته وتمثلاته، ولم يخلقنا الله في غير هذا العالم الجديد، أحبّ من أحبّ وكره من كره. أما عن العالم القديم، فأصدق القول أن نقول مع الذكر الحكيم: «تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون». فهل بعد هذا القول من رأي آخر؟


عن "السفير" اللبنانية اليوم ...

واسلموا لي
العلماني
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 10-23-2011, 12:29 AM بواسطة العلماني.)
10-23-2011, 12:28 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
لماذا نرفض الدولة الدينية؟ - بواسطة العلماني - 10-23-2011, 12:28 AM
RE: لماذا نرفض الدولة الدينية؟ - بواسطة Kairos - 10-27-2011, 05:40 AM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  فصل الدين عن الدولة ضرورة دينية ودنيوية فارس اللواء 3 827 01-29-2014, 08:12 PM
آخر رد: إسم مستعار
  الجماعات الدينية بين الإكراه والاختيار فارس اللواء 0 572 08-31-2013, 07:31 PM
آخر رد: فارس اللواء
  "الذهنية الدينية" وتقييد الحريات ... العلماني 2 829 06-20-2012, 02:53 PM
آخر رد: العلماني
  أمن الدولة اعتبر الشيعة كفارًا ومشركين fahmy_nagib 3 1,351 11-18-2011, 06:24 PM
آخر رد: السيد مهدي الحسيني
  إسماعيل حسني يتحدث عن نوع الدولة التي يريدها المصريون fares 1 1,150 11-18-2011, 11:13 AM
آخر رد: طنطاوي

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS