{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
عميد الطغاة...إعدام معمر القذافي 20/10/2011
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #1
عميد الطغاة...إعدام معمر القذافي 20/10/2011
عميد الطغاة
الجمعة, 21 أكتوبر 2011

غسان شربل
هذا الرجل متفرد. لا يشبهه احد. لم يخرج من كتاب. ولم يقلد احدا. من الظلم تشبيهه بآخرين. بطغاة انشغل العالم بارتكاباتهم. مسكين بوكاسا. ومثله عيدي امين. وقساة اميركا اللاتينية. والقساة العرب وليسوا قلة. انهم مجرد هواة. لم يتسع لهم الوقت لارتكاب ما ارتكب. اسعفته الاقامة المديدة. واسعفته الثروة النائمة تحت الصحراء. وجوقات المداحين والمبررين. الدول الضعيفة التي تخشاه. والدول الفقيرة التي تتسول. والضمير العالمي الدجال. سيدخل التاريخ من باب الارقام القياسية. موقعه في كتاب غينيس محفوظ ومميز. انه عميد الطغاة .
استمر العرض اكثر من اربعة عقود. اقلق الرجل العالم. انتهك كل القواعد والاعراف. لا يعترف باي قاعدة. يحتقر الامم المتحدة. والجامعة العربية. والقانون الدولي. وكذبة الديموقراطية. ولا غرابة في الامر. من احتقر شعبه يصعب ان يحترم الشعوب الاخرى. ومن استباح دولته لا يتردد في استباحة دول الآخرين.
ما اصعب ان يحصي المرء ضحاياه. وان يحصي مآثره. مولع باضرام النار. والتبريرات حاضرة لديه. يتلذذ بتغذية الحرائق المندلعة في هذا البلد او ذاك. يسكب المال والسلاح ويبتهج بالولائم القاتلة.
فعل الرجل المريض ما لم يفعله احد. انجب الكثير من الجنازات. من الارامل والايتام. طائرة لوكربي. وطائرة يوتا. وملهى لابيل. اخفى الامام موسى الصدر. وخطف وزراء «اوبك». اشترى رفيقه عمر المحيشي من المغرب وذبحه كالخروف. اخفى منصور الكيخيا. اباد السجناء لانهم تمردوا. سمى معارضيه في الخارج الكلاب الضالة وطاردهم بلا رحمة. وزع المتفجرات في انحاء الدنيا. وكان لديه دائما من يترجم رغباته الجرمية. تنظيمات ومنظمات. وتحت لافتة هذه القضية او تلك كان الدم يسيل. وكان جنون القائد يتعاظم. والقابه تتناسل. القائد الاممي. وعميد الحكام العرب. وملك ملوك افريقيا. وامام المسلمين. على حد ما قال وادعى في قمة الدوحة.
افسد بلاده. وافسد الثورات. وافسد القضايا. وتجاهل العالم جرائمه. ضمير الغرب يقيم في ثلاجة مزمنة. ومن عادة العربي سابقا ان يبرر للطغاة. مرة لأنهم يزعمون محاربة اسرائيل. وثانية لأنهم يتحرشون باميركا. وثالثة لأنهم يعادون الامبريالية. على سلم هذه الاكاذيب يصعد القائد. في الليل يعلق وساما جديدا على صدره. وفي الصباح يستدعي المصورين الى خيمته. والعربي مسكين. يصدق اكاذيب الاذاعة الرسمية. والتلفزيون الرسمي. والكتب المطبوخة بمصل المخابرات. ثم يكتشف العربي متأخرا ان القائد تحول وحشا. وان اكاذيب النضال لم تكن سوى سلم ليتحول الحاكم طاغية اعمى.
انها قصة رجل خطف بلدا. وصار القائد الوحيد. والكاتب الاول. والمهندس الاول. والطبيب الاول. وشرطي المرور. لا دستور ليردعه. ولا مؤسسات لتلجمه. استباحة كاملة من الوريد الى الوريد. اعطى الحكم للجماهير. كذب عليها. اعطاها الكتاب الاخضر ليطيل اقامتها في قيودها.
الطاغية اعمى. لا يصدق ان سبابة سترتفع. وان صوتا سيهدر. وان ربيعا سيصل. كان يعتقد انه سيقيم الى الابد. في خيمته. ملفوفا بأزيائه المزركشة. جالسا وراء نظارتيه. يمارس احتقار المواطنين والضيوف.
الطاغية لا يتعلم. خاف بعد اقتلاع صدام حسين. حاول تنظيف سجله المثقل. لكنه تأخر فعلا. لم يصدق ان فراشات الربيع هي اجراس النهاية. الطاغية نكبة لبلاده. نكبة للعالم. نكبة لاسرته. الطاغية يسبح في دم الناس. ثم يتمدد جثة على شاشات الفضائيات.



***********************************************************************


إعدام معمر القذافي

عبد الباري عطوان
2011-10-20

ان يخرج مئات الآلاف من الليبيين للاحتفال بمقتل الديكتاتور معمر القذافي، بعد استعادة مدينتي سرت وبني وليد آخر معاقلة، فهذا امر متوقع علاوة على كونه مشروعاً، لان ابناء الشعب الليبي عانوا، ولأكثر من أربعين عاما، من ظلمه وطغيانه وفساد نظامه، ولكن ما خيب آمالنا هي الطريقة غير الانسانية التي عومل بها الزعيم الليبي بعد اصابته وأسره، وكذلك بعض ابنائه والمقربين منه.
نحن مع الاحتفالات بسقوط الطغاة وأنظمة حكمهم، وعودة السلطة كاملة الى الشعب، صاحبها الحقيقي، ولكننا لسنا، ولا يمكن ان نكون مع قتل الأسرى، وجرجرة جثامينهم بالصورة التي شاهدناها جميعاً عبر شاشات التلفزة العربية، قبل الأجنبية.
العقيد معمر القذافي نزل من السيارة التي نقلته الى سرت وهو في صحة جيدة، وكان يمشي على رجليه، ولا آثار للاصابة في رأسه، ثم رأيناه جثة هامدة مضرجة بالدماء وهو في سيارة الاسعاف، مع تضارب كامل في الروايات حول مكان وكيفية العثور عليه، والظروف المحيطة بإصابته.
ديننا الاسلامي الحنيف، وتقاليدنا وقيمنا العربية التي نفتخر بها ونعتز، توصي بالعناية بالأسير، واكرام وفادته، وتضميد جراحه، هكذا اوصانا رسولنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وهكذا فعل كل الصحابة وقادة جيوش الفتح المسلمين، وعلى رأسهم المجاهد الأكبر الناصر صلاح الدين الذي ضرب مثلاً للبشرية جمعاء في تعاطيه الاخلاقي مع الأسرى الصليبيين.
العقيد القذافي ارتكب جرائم، وخرج بذلك عن كل قيم الاسلام عندما عذب اسلاميين قبل ان يحرق اكثر من الف منهم في سجن ابوسليم، ولكن علينا ان نتذكر ان الثورة ضد نظامه اندلعت بفعل هذه الممارسات اللاإنسانية، وكنا نتوقع من قادة الثوار ان يقدموا لنا نموذجاً مختلفاً، وممارسات اكثر حضارية وانسانية في التعاطي مع الخصوم، ولكن توقعاتنا لم تكن في محلها للأسف.
ما نستشفه من التقارير الاخبارية المصورة التي وصلتنا حتى الآن، ان قراراً صدر بـ'اعدام' كل، او معظم، رجالات العهد السابق، وعدم القبض عليهم احياء. وهذا يؤكد ما اعلنه السيد مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي نفسه، من انه جرى رصد مكافأة مالية (مليوني دولار تقريباً) لكل من يقتل العقيد القذافي، وتوفير الحصانة الكاملة له من اي مقاضاة او ملاحقة قانونية على فعله هذا.
فليس صدفة ان يتوالى وصول جثث نجلي العقيد سيف الاسلام والمعتصم، وبعدهما ابوبكر يونس جابر وزير الدفاع الذي كان واجهة فقط، لم يمارس اي صلاحيات، وكذلك السيد عبد الله السنوسي رجل امن النظام القوي وولده او ولديه، ولم يؤخذ اي من هؤلاء بمن فيهم العقيد نفسه الى مستشفى قريب او بعيد لإسعافه.
***
انه اعدام بدم بارد، يعكس رغبة دفينة بالانتقام والثأرية لا يمكن ان تساعد في تأسيس نظام ديمقراطي حضاري يتماشى مع تطلعات الشعب الليبي وطموحاته. ممارسات تذكرنا بما جرى للأسرة الهاشمية في العراق بعد الاطاحة بنظامها بعد ثورة عام 1958 بقيادة المرحوم عبد الكريم قاسم ورفاقه.
الرئيس المصري حسني مبارك الذي لا يقل ديكتاتورية عن الزعيم الليبي المخلوع، عومل بطريقة انسانية يحمد عليها المصريون، فقد احضر الى المحاكمة على سرير، وجرى توفير افضل المحامين للدفاع عنه، وكذلك ابناؤه، وكبار المسؤولين في نظامه الفاسد، وهذا ما كنا نتمنى ان نراه في ليبيا الثورة.
سمعنا عضواً في المجلس الانتقالي يطالب بالقاء جثمان الزعيم الليبي في البحر لتأكله كلاب البحر، في مقابلة على شاشة محطة 'العربية'، وشاهدنا آخر يصف الجثمان بأنه 'جيفة'، وثالثاً يتباهى بأنه وجه اليه الاهانات، فهل هذا امر يعقل وديننا الحنيف وقيمه تنص على انه 'اللهم لا شماتة في الموت'.
اعدام العقيد القذافي هو نهاية مرحلة وبداية اخرى، ولا نبالغ اذا قلنا ان ما هو قادم قد يكون الأصعب، لما ينطوي عليه من تحديات جسيمة نلخصها في النقاط التالية:
أولاً: العمل على تكريس الاستقلال والسيادة الليبيين في مواجهة اي نفوذ لحلف الناتو ودوله. فإذا كان هذا الحلف قد ساعد في اطاحة النظام الديكتاتوري وحمى المدنيين، فلا مانع من ان يكافأ بالاموال، وهناك اكثر من 160 مليار دولار من الودائع المالية في الغرب يمكن تخصيص مبالغ منها لهذا الغرض.
ثانياً: تسوية الخلافات المتفاقمة بين الجناحين الرئيسيين في المجلس الوطني الانتقالي، الاسلاميون من ناحية، والليبراليون من ناحية اخرى، واعطاء كل ذي حقه ودوره، حسب حجم تضحياته في هذه الحرب، ونحن نعرف حجم هذه الخلافات وضخامتها.
ثالثاً: نزع سلاح الميليشيات ودمج أفرادها في القوات الوطنية المسلحة، لان ليبيا تحولت في الأشهر الثمانية الماضية الى غابة سلاح، ولا يمكن ان يستقيم الأمن في ظل هذا الانتشار الكثيف للأسلحة، خارج اطار القانون. وسمعنا السيد محمود جبريل رئيس الوزراء يقول ان لا احد يستمع الى اوامره او يطبقها، وانه يحذر'من فوضى عارمة في البلاد.
رابعاً: لا بد من المصالحة الوطنية، والخطوة الاولى في هذا الصدد تتمثل في عدم التعاطي بمنطق المنتصر مع انصار النظام السابق، فالمجمتع الليبي مجتمع قبلي لا يمكن ان يقبل الاهانة والفوقية.
خامساً: الديمقراطية تعني الحكم الرشيد، وسيادة حكم القانون، والشفافية، والقضاء العادل المستقل والمساواة في توزيع الثروات، والعدالة الاجتماعية، واذا كانت قد وقعت اخطاء وتجاوزات فلا بد من علاج سريع لها، قبل ان تتفاقم وتتحول الى غضب وربما ثورة مضادة.
***
قد يجادل البعض، وهم كثر داخل ليبيا خاصة، ان ما حدث بالأمس هو نهاية دموية لنظام دموي، ولكن الشعوب العربية تريد نهايات وردية ديمقراطية انسانية لهذه الانظمة الدموية، تظهر الفارق بين ممارساتها وممارسات ممثلي الثوار الديمقراطيين، فشيم القادرين المنتصرين تتلخص في الترفع عن النزعات الانتقامية الثأرية.
ندرك جيداً انه في ظل الاحتفالات الكبيرة والمشروعة بسقوط نظام طاغية، تسود العاطفة ويتراجع العقل، ولهذا قد لا يعجب كلامنا هذا الكثيرين، ولكن نجد لزاماً علينا ان نقول ما يجب ان يقال، في مثل هذه اللحظة التاريخية في ليبيا


***********************************************************


بعد مقتل القذافي
الأحد, 23 أكتوبر 2011
عبدالله إسكندر

القتل بشع، أياً كان القتيل وأياً كان القاتل. ولا تقلل من هذه البشاعة عقود من الطغيان والديكتاتورية والقتل الاستنسابي، ولا الانتقام الفردي من الطاغية. وقد يكون بقاء العقيد القذافي حياً مورداً لهموم إضافية للسلطة الجديدة أو أحد مكوناتها، لكنه بالتأكيد ثروة من المعلومات والقضايا الغامضة والملتبسة كان يمكن لبطلها أن يلقي، خلال محاكمة جدية، الضوء على بعضها. خصوصاً أن كثراً من المتورطين معه في صفقاته القذرة، في منطقتنا والعالم، ما زالوا أحياء. وبعضهم ما زال في سدة الحكم. ما كان يسدي خدمة أكيدة لشعوب تواقة، مثل الشعب الليبي، إلى الحرية والديموقراطية.

وقتل القذافي، على النحو الذي شاهدناه، بعدما قبض عليه حياً، إضافة إلى بشاعته، يشكل ثغرة أولى لدى السلطة الجديدة. فهي إما لم تتحسب لاحتمال أن يسقط الطاغية أسيراً في أيدي مقاتلين لن يترددوا في ارتكاب هذا النوع من الانتقام، وتالياً خسارة ثروة المعلومات، القيّمة بالتأكيد، عن ممارسات أربعة عقود من الإرهاب والديكتاتورية وكشف المتواطئين معه، خصوصاً خارج ليبيا. وإما رغبت في التخلص منه على أسرع نحو، بما يريحها من أعباء تحمل وجوده حياً معتقلاً لديها، ما يعني شعورها بالضعف إزاء بقائه حياً، ولو في المعتقل.

تخلصت السلطات الليبية الجديدة من القذافي، وأركان أساسيين في حكمه. لكن مشكلة القذافية قد تستمر لفترة في إزعاج هذه السلطات، عبر عمليات حربية يقوم بها هؤلاء الذين لا يزالون يحنون إلى حكم الطاغية، كما حصل في طرابلس قبل أيام. لكن ذلك لن يتجاوز الإزعاج إلى تشكيل تهديد.

التهديد الذي يعرض الوضع الليبي إلى انتكاسة فعلية قد يكون مصدره أبناء الثورة انفسهم. إذ أن توحدهم حول فكرة القضاء على حكم القذافي لم يعد مضموناً بعدما قتل الطاغية وانهيار حكمه بالكامل.

ولعل ما شهدته السلطة الجديدة، بعيد سقوط طرابلس، من تعارض واختلاف في شأن تركيبة الحكم وقيادته يشكل مقدمة لما يمكن أن يكتنف عملية تشكيل الحكومة الانتقالية، بعد إعلان التحرير وبدء تطبيق خريطة الطريق التي وضعها المجلس الوطني الانتقالي.

ولم تتضح حتى الآن كيفية الانتقال من مرحلة القتال ضد القذافي إلى مرحلة بناء ليبيا الجديدة. فمن المعلوم أن الذين قاتلوا بضراوة على مختلف الجبهات، ليسوا طرفاً واحداً تحت قيادة واحدة وذات برنامج واحد. فإلى الخلافات السياسية والإيديولوجية، تُضاف اختلافات الانتماء المناطقي والقبلي. ما يعني أن عملية التوحيد العسكري، وهي ذات أهمية حاسمة في توحيد السلطة، تشكل التحدي الأساسي أمام الحكم الجديد.

وبمقدار ما تتأخر هذه العملية ستتسع الهوة بين أطرافها، ويندفع كل منها في اتجاهه العسكري أو الأيديولوجي أو السياسي. مع كل ما ينطوي عليه ذلك من خطر مواجهة، كما حصل في أفعانستان بعد رحيل السوفيات وفي العراق بعد إطاحة صدام حسين. وإذا كان رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل يتمتع بسمعة جيدة بين كل فئات الليبيين، فان هذه السمعة وحدها لن تكون ضمانة في وجه التصعيد عندما تصل الأمور إلى أقصاها.

وبالارتباط مع تحدي توحيد القوى العسكرية المتنافرة، وفي موازاته، تطرح مسألة طبيعة الحكم الجديد. وما لم يحصل إجماع، بين جميع القوى، على ضرورة أن تتمكن كل الأطراف من التعبير والعمل السياسي في إطار تعددي، من أجل إقامة الدولة المدنية، فإن خطر الاقتتال يستتبع خطراً لا يقل أهمية، وهو عودة شكل جديد من أشكال الديكتاتورية والذي دفع الليبيون ثمناً باهظاً جداً بالأرواح والمال من أجل التخلص منه.



******************************************************

أضعف الإيمان - إعدام العقيد
الثلاثاء, 25 أكتوبر 2011
داود الشريان

الانطباع السائد عن إعدام العقيد معمر القذافي أن المشهد نُفِّذ بالاتفاق بين المجلس الانتقالي وحلف «الناتو»، لتصفية الرجل فور العثور عليه، والخلاص من تبـــــعات وجوده حياً. قتله على أيدي الثوار، ومن دون إذن من أحد، رواية يصعب تصديقها، وتعدد روايات القـــتل، وأسماء المنفذين، يكرّس الشك بأن قاعدة «لم نأمــــر بها ولم تسؤنا» لا تنطبق على ما حصل، فضلاً عن ان قتل نجله المعتصم بالله، الذي ظهر بصحة جـــــيدة، هادئاً يدخّن ويشرب الماء، يشــــير الى ان المجلس الانتقالي قرر إلغاء وجود الحقبة القذافية، وقطع دابر صاحبها وأنجاله، وعدم الانشغال بمحاكمة تفتح ملفات ينبغي حرقها، وبتكرار تداعيات التجربتين العراقية والمصرية. خطوة الاستعجال هي البداية، وإن شئت النهاية، لكنها خطوة مفرطة، ومرتبكة، ومشوّهة.

الخلاف على الطريقة التي قُــــتل بها القذافي، أثار خلافاً على مشروعية إعدامه، بين من رأى انه يستحق القتل بأي طــــــريقة، مهما كانت قاسية ووحشية، وهي نهاية طــــبيعية لطاغية مــــثل العــــقيد، وآخر تمنى محاكمته، وثالث تعامل مع المسألة على قاعدة «بشِّر القاتل بالقــــتل»، وأن ما حصل كان حتمية تاريخية صنعها القذافي بنفسه. لكن نهايته خفَّفت قسوة عهده المضرّج بالإرهاب والبطش والدماء، والتنكيل بشعب كامل. الـــعهد الجـديد غيَّب الحديث عن استــــبداد القذافي وظــــلمه، واستبدل الثأر والانتقام بالعدل... مؤسف ان تبدأ الثورة عهدها بتغييب الحقيقة، فضلاً عن العدالة.

لا شك في ان إعدام القذافي بهذه الطريقة جعل الثورة تمارس عنفاً قاتلت من أجل وقفه، وضحَّت بآلاف الأبرياء، وهي بدت، بصنع نهاية خاطفة وغامضة للطاغية، كأنها كانت تقاتل شبحاً، وليس طاغية مستبداً، ونظاماً دموياً عنيفاً. مشهد قتل القذافي كان لحظة ضعف درامية في رواية حافلة بأحداث بشعة ومروّعة وشرسة.

لا شك في ان نهاية معمر القذافي ذكّرتنا بنهاية زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، كلاهما قُتل خطفاً. مروّع هذا العبث بشهود الاستبداد، والإرهاب، والقتل الذي نعيشه منذ عقود. خطير خطف فرصتنا لفهم الماضي ومصادرتها، وطمس المشاهد والصور والحقائق التي تحرّضنا على السؤال.
***************************************************



يخافونه حتى في القبر
عبد الباري عطوان
2011-10-25


تطوران اساسيان، وعلى درجة كبيرة من الأهمية، وقعا في اليومين الماضيين في ليبيا يصعب علينا تجاهلهما وعدم التوقف عندهما، الاول هو صدور اعلان عن المجلس الوطني الانتقالي الليبي بدفن العقيد معمر القذافي ونجله المعتصم ووزير دفاعه ابو بكر يونس جابر في مكان مجهول وسط الصحراء، اما الثاني فهو كشف الدكتور علي الترهوني وزير النفط والمال في المجلس نفسه عن مناشدة حلف الناتو لتمديد فترة وجوده وعملياته في ليبيا ولو لفترة شهر على الأقل.
لا نفهم لماذا يصر المجلس، الذي احتفل قبل يومين بالانتصار على حكم نظام القذافي، و'التحرير' الكامل للتراب الليبي، على دفن جثمان العقيد في مكان مجهول وسط الصحراء، وفي سرية مطلقة، ورفض تسليمه لأسرته، او لقبيلته، مثلما تقتضي الاعراف والتقاليد العربية والاسلامية، اللهم الا اذا كان المجلس الانتقالي يخشى الرجل حتى وهو في قبره، وهو الذي يتمتع بدعم الحلف الاقوى في التاريخ.
المسؤولون في المجلس الوطني الانتقالي يبررون هذه السرية بالقول إنهم لا يريدون ان يتحول قبر الزعيم الليبي الراحل الى 'مزار' يحج اليه انصاره، وهذا ينطوي على تناقض كبير، فمفتي المجلس افتى بتكفير الرجل، واخراجه من ملة المسلمين، وحرم الصلاة على جثمانه بالتالي، أو دفنه على الطريقة الاسلامية، فكيف يتحول قبر رجل كافر الى مزار يشدّ اليه الرحال مسلمون ؟
الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كان اكثر خطورة في نظر الامريكان الذين احتلوا العراق وخسروا تريليون دولار وخمسة آلاف قتيل من اجل الاطاحة بنظامه، ومن ثم اعدامه، ومع ذلك لم يصدروا فتوى بتكفيره، ولم يقتلوه او يمثلوا بجثمانه، وقدموه الى المحاكمة، وان كانت محاكمة مزورة، وسلموا جثمانه لزعيم قبيلته، وسمحوا بدفنه في قبر واضح المعالم في مسقط رأسه في مدينة تكريت. فهل يعقل ان يكون 'الثوار' الليبيون اكثر قسوة وجبروتا من المحتل الامريكي؟
والأكثر من ذلك ان الامريكيين الذين قتلوا الشيخ اسامة بن لادن زعيم تنظيم 'القاعدة' بطريقة وحشية امام زوجاته وأطفاله، لم يكفروا الرجل، ولم يخرجوه من ملة الاسلام، بل حرصوا على التأكيد على انه حظي بمراسم دفن اسلامية، وبحضور إمام جُلب خصيصاً الى حاملة الطائرات التي نقل اليها في عرض البحر، حيث جرى غسل جثمانه والصلاة عليه قبل 'دفنه' في البحر.
' ' '
نحن لا نمتدح هنا الامريكيين، معاذ الله، فهؤلاء قتلوا مليون انسان مسلم في العراق الشقيق بعد احتلاله، ومزقوا وحدته الوطنية والترابية، ولكننا نظهر مدى الارتباك الذي يعمّ المجلس الانتقالي الليبي، والنزعات الثأرية والانتقامية التي تسيطر على رئاســـته وأعضــائه، وتدفعهم للتصرف بطريقة غير انسانية في التعاطي مع الزعيم الليبي الراحل وأبنائه وأنصاره.
فهل يعقل ان يوضع جثمان انسان مسلم نطــــق بالشهادتين فـــوق مرتبة قذرة ملطخة بالدماء، في حاوية مخصصة للخرفان، شبه عار، بينما تقوم نساء وأطفال بالفرجة عليه لأكثر من ثلاثة أيام، حتى تعفن وفاحت رائحته الكريهة، وشاهدنا 'الزوار' الشامتين يغلقون أنوفهم لتجنبها.. هل هذا من الاسلام وقيمه التي تنص على ستر الميت ودفنه في أسرع وقت ممكن؟
ثم لماذا يتم اعدام انصار الرجل وهم مسلمون جرحى، ومقيدو الأيدي، مثلما أفادت تقارير هيومان رايتس ووتش الامريكية، فهل هذه مواصفات ليبيا الجديدة الديمقراطية الحريصة على العدالة وحقوق الانسان التي يبشرنا المجلس الوطني الانتقالي بإقامتها في الأسابيع أو الأشهر المقبلة؟ أليست هذه الممارسات هي التي دفعت 'الثوار' للخروج على نظام العقيد، وحمل السلاح والاستعانة بحلف الناتو لإطاحة نظامه واقتلاعه من جذوره؟
وطالما اننا نتحدث عن حلف الناتو، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن الاسباب التي تدفع المجلس الانتقالي للتوسل الى هذا الحلف وقادته لتمديد فترة عملياتهم في ليبيا، ألا يدرك هؤلاء ان النظام الليبي سقط، وان قوات المجلس وثواره استولوا على جميع المدن الليبية، وان رأس النظام تعرّض للتصفية الجسدية، وأبشع أنواع الاهانات بعد اعدامه، ودفن جثمانه في بقعة مجهولة في الصحراء الليبية؟ فلماذا تبقى قوات الناتو، ومن أجل أي هدف، فهل يخشى المجلس الانتقالي ان يخرج القذافي وأنصاره من قبورهم شاهري السلاح لاستعادة حكمهم؟
ان هذه الممارسات تسيء الينا كعرب ومسلمين قبل ان تسيء لليبيا وشعبها، وتشوه صورتنا في نظر الشعوب الاخرى، وتظهرنا كأضحوكة وتجعلنا موضع سخرية الآخرين، مثلما تسيء الى الثورات الشعبية العربية الاخرى، سواء ما هو قائم منها او على وشك القيام، لاطاحة ديكتاتوريات قمعية فاسدة في عواصم عربية عديدة.
' ' '
اي ثقافة هذه التي تدفع اناسا من المفترض انهم عاقلون ومسلمون لإحضار أطفالهم لمشاهدة جثمان رجل ميت، والتقاط الصور له، فهل يمكن تربية اجيال على قيم الحقد والشماتة، وهل يمكن اقامة حكم رشيد ودولة القانون والقضاء العادل المستقل على أرضية سحل جثامين الخصوم والتمثيل بها، واخراجهم من الملّة وهم المسلمون العابدون؟
ليبيا تتعرض لأبشع أنواع التشويه والتزوير، مثلما ستتعرض لاحقاً لأعتى أنواع النهب والابتزاز على أيدي حكومات حلف الناتو، فها هم يطالبونها بتعويضات لأسر ضحايا الجيش الجمهوري الايرلندي البريطانيين، وضحايا تفجير ملهى لابيل الليلي الالماني، وربما غداً ضحايا جبهة مور الاسلامية في الفلبين، وربما الاسرائيليين الذين قتلوا بطائرات ليبية، كل هذا لان النظام السابق زوّد هذه المنظمات بالأسلحة والعتاد، اما ضحايانا في العراق وافغانستان، بل في ليبيا نفسها، الذين قتلوا في قصف طائرات الناتو فلا بواكي لهم، بل ممنوع ذكرهم.
العقيد القذافي كان ديكتاتوراً مستبداً دموياً بدّد ثروات البلاد على امجاده الشخصية، والحفنة الفاسدة الملتفة حوله ونظامه، وأكثر ما نخشاه ان تكون المرحلة القادمة اكثر سوءاً، حيث نرى عملية 'ابتزاز' واضحة للشعب الليبي من قبل القوى الاستعمارية التي جاءت لتحريره، بحيث يجد نفسه قد تخلص من طاغية اصغر ليقع في براثن طاغية اكبر.
المشهد الليبي الحالي لا يبعث على الاطمئنان، فمرحلة ما بعد 'التحرير' قد تكون أصعب كثيراً من تلك التي سبقتها، والمأمول ان تكون ليبيا الجديدة موحدة مستقرة، وأفضل كثيراً من ليبيا القديمة.

****************************************************

الطاغية العربي: واحد، واحد، واحد!
رشاد أبوشاور
2011-10-25


وأنا أُشيح بنظري عن مشهد القذافي الأخير، تساءلت: ترى هل سنرى في يوم غير بعيد احتفالاً شعبيا قوميا حاشدا بالتخلّص من آخر طاغية عربي، ونشيعه بالقسم والعهد، ووضع كل القوانين التي تضمن أن لا يظهر شبيه له ولأسلافه..من جديد، في كل بلاد العرب من المحيط إلى الخليج؟!
هل سيأتي ذلك اليوم بتحقق الأمل المنشود بالتخلّص من آخر طاغية عربي، لتحتفل الأمة بملايينها باليوم التاريخي القومي المشهود، كما تحتفل الشعوب بالتخلّص من الأميّة، والأمراض المستعصية؟!
لم أحدّق مطولاً في مشهد القذافي البائس، الذي فقد غروره وادعاءه، وفي لحظات صار مخلوقا خائفا، مرتجفاـ اللهم لا شماتة ـ وهو ما لم يخطر بباله يوما، حين كان يصعّر خده للناس، ويمشي في الأرض مرحا، يأمر بالقتل، والسجن، ويقرر الناس ما يأكلون، وما يلبسون، وما يتعلمون!
يزعل القذافي من بريطانيا فيعاقب شكسبير..نعم يعاقب شكسبير شخصيا بحرمان تلاميذ ليبيا من تعلّم اللغة الإنكليزية!..في حين يتزلف للمجرم توني بلير، قاتل العراقيين ومدمّر العراق مع بوش، المتآمر على شعب فلسطين، والمنحاز للكيان الصهيوني.. ويضخ لحسابه ملايين الدولارات بحجة أنه مستشار سياسي واقتصادي!
القذافي جعل من ليبيا سجنا كبيرا خانقا، يحرم فيه الإنسان من ابسط الحقوق..فالفوضى تغرق الحياة بالتعاسة حد الجنون، والخوف يفصم شخصية الإنسان المضطر للمجاملة على حساب كرامته، بل والنفاق للطاغية وزبانيته، أو الصمت والانطواء على النفس، وكتم عذاباته في داخله.
في جماهيرية القذافي عاني الليبيون من الشعور بالخجل من هكذا حاكم، وبالقهر وفقدان الأمل، لأن الكابوس أزمن، وبات التخلّص منه في علم الغيب، فكل من يتحرّك، ويرفع الصوت محتجا يغيّب في الظلام، وينطوي ذكره، حيث لا محاكم، ولا قضاة، ولا قانون، ولا دولة!
الطاغية العربي الواحد المتعدد بألقاب مختلفة، في بلاد العرب..تنطوي شخصيته على نفس الأمراض الموحدة: فهو جاهل، أناني، لا يؤمن بشيء، لا بعروبة، ولا إسلام، ولا أهمية لديه بمصير فلسطين والقدس، والعراق لا يعنيه، وخراب أي قُطر عربي لا يقلقه..فالمهم هو..ونسله من بعده!
الطاغية العربي: سمج، منفّر، دعي، ولذا يحقد على كل متعلم، مثقف، مستنير، متميز...
الطاغية العربي نابذ، لذا يهرب، أو يهاجر، أو يصمت.. المتميزون..الذين قد تطاردهم أجهزته لتصفيتهم حتى وهم في المنافي لما يتسببونه من إحراج لمجرّد مطالبتهم بالحريّة لشعبهم!
الطاغية العربي يعيش بالنفاق، فمشروعه لديمومة حكمه لا ينتعش إلاّ بالنفاق، ومع الوقت يصدّق حفلات النفاق التي تعيد إنتاجها أجهزته الإعلامية، والأمنية، ويروجها بعض (كتبته)..أي مرتزقته!.
الطاغية العربي ليس فيه طرافة وأسطورية وغرابة أطوار الديكتاتور في أمريكا اللاتينية ـ الذي انقرض بالثورات هناك ـ ولذا لا يصلح أن يكون شخصية روائية، أو مسرحية، فلا طرافة في شخصيته، فهو شخصية البعد الواحد ليس إلاّ!
الطاغية العربي لا مبادئ له، فهو يكره الأفكار، والشعارات، والأحزاب، والشعراء، والفنانين..يكرههم، ويحسدهم على شهرتهم لأنه يدرك كم أنه وضيع، ودون!
كان القذافي قد أمر في واحدة من لحظات تجلياته (الفكرية) انسجاما مع نظريته العالمية الثالثة،أن يمنح لاعبي كرة القدم أرقاما، لأنه لا يجوز أن يشتهروا بينما الشعب محروم من هذه الشهرة! ..أترون روعة عدالة، ومساواة القذافي؟! فقط عندما رغب ابنه الساعدي أن يلعب كرة القدم سمح بذكر أسماء اللاعبين..وأمده بالملايين ليرشو ناديا إيطاليا ..فقط ليقبل به لاعبا في الاحتياط، ولتلتقط له صورة وهو بزي ذلك الفريق!
الطاغية العربي لأنه أعمى البصيرة، فإنه لا يتوقع أن الدور قادم عليه، وأن مصيره إمّا هاربا كزين العابدين بن علي، أو متماوتا على السرير وهو ينقل إلى المحكمة كحسني مبارك، أو ..خاتمة وميتة شنيعة كالقذافي!
الطاغية العربي يتوهم أنه محبوب الجماهير، وأنه خالد أبدي..وأن الشعب سيبقى يتيما بدونه. ترى: من أدخل هكذا يقين في رأس ونفس الطاغية العربي؟!
لو لم يعش في هذا الوهم..فماذا سيبقى له؟!
هل يمكن أن يستيقظ الطاغية العربي من غفلته، ويخرج من وهمه، ليقول لنفسه: أنا بشر..لست خالدا، الشعب والوطن هما الباقيان..والله هو الخالد، فأنا لست إلها..فليبق ذكري وعملي الصالح..ولأعد الحكم لأصحابه، ولأعيش كباقي الناس في بلد محترم، حياة محترمة!
ونحن نتابع نهاية القذافي، أشاحت زوجتي نظرها عن شاشة التلفزيون، وسمعتها تتساءل: لماذا فعل هذا بنفسه، وبأولاده وأسرته..و..بليبيا؟!
أما أنا فكنت أكرر السؤال نفسه، وإن بكلمات مختلفة، وأنا أبعد عيني عن المشهد الأخير للطاغية.
يقول لمن أسروه: أنا أبوكم..أنتم أولادي!
يا رجل: ولكنك وصفتهم بأنهم جرذان!
وأنت من أمر بملاحقتهم، ومطاردتهم زنقة زنقة.
ذكرني هذا المشهد البائس للقائد الأممي بكلمات سجعية كنّا نرددها بمرح، ونحن صغار:
أنا أبوهم بوكلهم
فترد أصوات:
أنا أمهم باحميهم
الطاغية العربي يأكل من يدعي أنهم أبناؤه..وهو في (زنقته)، ولحظة ضعفه وهوانه وانكشافه يطلب ممن ظلمهم، وأهانهم، وحرمهم من خيرات بلدهم.. أن يتذكروا بأنهم أبناؤه..وأنه والدهم!
الطاغية العربي المتحكم يعيش بعقلية أنه الأب، وأن الشعب أبناء له، وأنه من يقرر مصير هؤلاء الأبناء، وهو يبرر لنفسه..اضطهادهم، وقهرهم، و (تربيتهم) بعنف، ويقمعهم، ليمشوا وفقا لمشيئته..فهو الأب كلي القدرة والمعرفة، وعلى الأبناء أن يخضعوا ويخنعوا ويكونوا مُلكا له!
الطاغية العربي يعيش خارج الزمان، والعصر، وهو مرض مستعص، ولذا فعلاجه النهائي أن ينتهي عصر (الأب) القائد..فالوطن هو الأب والأم ..والشعب هو الباقي، ولا كرامة للإنسان العربي في وطن يملكه شخص وعائلته.
الطاغية العربي مكانه اللائق به حفرة يوارى بها، وإلاّ فإن الحفرة ستتسع لتبتلع الأمة كلها..احفروا لهم، وعمقوا الحفرة، ورصوهم فوق بعضهم، وأنتم تُنشدون مع تركه لكم الشاعر الكبير خليل حاوي:
عمق الحفرة يا حفار
عمقها لقاع لا قرار
الطاغية العربي المستنسخ هو يا أيها العرب مشرقا ومغربا: واحد واحد واحد...
************************************************


أعمار الطغاة



نصري الصايغ
وحده العمر، كان عدو الدكتاتور.
التقدم في السن، إلى الشيخوخة المؤجلة، هو المؤامرة ولا ينتصر عليها أحد. تنفذ بإرادة إلهية، لا رد لها.
وحده الله، كان، إما يمد بعمر الدكتاتور إلى أبده البشري، أي، إلى ما بعد شيخوخته، وإما يأخذه، ونادراً ما فعل ذلك، في عز الشيخوخة.
كان بإمكان الدكتاتور، البقاء في السلطة، حتى بعدما تصير عضلاته رخوة، وسمعه شحيحاً، وبصره كفيفا، وقواه العقلية، في ذمّة الخرف.
والدكتاتور العربي عموماً، أكان رئيساً مقتنصاً سدته، أم ملكا وارثا عرشه، أم أميرا مصادراً سلالته... كان مطمئنا إلى خلوده، وإلى بقائه حياً في ورثته. ومصدر اطمئنانه، محبته الأولى لاجهزة أمنه، وصناديق ماله (المال العام ماله) و(النفط ماله). ينفقها على حفظة أوامره، والمبشرين برسالته الخالدة. وهو لا يشعر أبداً بأنه مدين لأحد بشيء: لا لربه، فهو أعظم منه شأنا، ولا لشعبه، فهو أرفع منه رتبا، ولا لأعوانه، فهم خدمه المطيعون، ورقابهم رهن الرسن الممسوك من قبله.
والدكتاتور، العربي خصوصاً، معتصم بالمال، أكان بلده بلد نفط، أم بلد قحط. هو البنك المركزي. هو البورصة وأسهمها. هو العملة بسلال وفوائد وفوائض. هو الشريك الإلزامي لكل استثمار. هو الوكيل الحصري لشركات متعددة الجنسيات. هو المنتشر في عواصم المال، برطيلا وشراء ذمم وقصور. هو منظم وراعي الفجور الاقتصادي. هو الذي يبذّر. وهو أخيراً، الذي يجوع شعبه ويفقر، ولا يكف عن التحدث عنه وباسمه.
والدكتاتور، العربي تحديداً، شديد الانتباه للرياح. سفنه تجري وفق أهوائها. والريح الغربية شديدة السحر. أميركا على ما يرام، تأخذ وتحمي. تأخذ وترعى. الغرب، قبلة صلاة الدكتاتور. لا كعبة سواها. يطوف حولها ويضحي بطائل الأموال، لينال بركة «رسول» من وزن فيلتمان، أو نعمة «نبي» من حجم أوباما أو ساركوزي او القديس برلسكوني.
ولأنه في هذا الصراط الآمن، فهو مطمئن إلى بقائه في السلطة، إلى أبد الآبدين.
غير أن «الله»، عندما بالغ في السماح لهؤلاء في البقاء، فعاثوا في شعوبهم قهراً وإذلالا وتشريداً وإفقاراً واهانة وخطفا وتعذيبا وقتلا... غير ان «الله»، عندما صبر كثيراً على ما أتوه من كفر سياسي وزندقة اجتماعية وخروج على الجماعة الكبرى (الشعب)، أعطى حجة للناس، ليقولوا للدكتاتور: ارحل.
رحل الأول: نجا بثروته المنهوبة، فاستضافته ملكية تعوم على النفط والنهب وما تفوقت فيه من ظلم... رحل الثاني، إلى «عزبة» فخمة، محتمياً بغباء مزمن، ظناً منه ان «الشعب يحبه». لكن الشباب أمروا العسكر باقتياده إلى المحكمة، لينال حسابه وعقابه. الرجل الثالث، دكتاتور العصر بلا منازع، اللاشبيه له في افلام فرنكشتاين، قرر ان يمارس طقس التدمير الشامل، فقاد عملية «عليّ وعلى أعدائي يا رب». فكان له ما أراد: «ناتو» يدمر، ودكتاتور يغرق في دمه الهمجي...
الدكتاتور الرابع وأشقاؤه، لم يعد بمقدورهم الاعتماد على «الله» الغفور الصبور الحكيم، ولم يعد الزمن رهن مساره القديم الذي يقود الدكتاتور إلى شيخوخته وموته بسلام وجلال واحترام.
صاروا في عهدة شعوبهم. شعوبهم تقرر مصائرهم وآجالهم. فهل يسمعون؟ هل يشعرون؟ هل يفكرون؟ هل يكتشفون؟ أم أنهم على دين من سبقهم.
الشعوب العربية، وأجيالها الشابة، لم تعرف في السلطة إلا هؤلاء. غير انها راغبة في ان تبدل المشهد، كل أربع أو ست سنوات، وليس كل أربعة أو ستة عقود.
ماذا بعد؟
لا شيء أبداً، سوى أن «الله»، تخلى لشعوبه عن القضاء والقدر، وترك للناس ان يتدبروا أمورهم ويصنعوا أقدارهم بأيديهم... ولم يكتمل التغيير بعد.
لذلك، غداً، يوم آخر... وبعد غد، يوم آخر. والأيام القادمة لا تتشابه إلا في انها تحمل معها بشارة الحرية والكرامة والرغيف.
nsayegh@assafir.com

******************************

ربيع عربي أم سايكس بيكو جديد؟



هاني المصري
الطريقة البشعة التي قتل فيها القذافي، التي لم تقتصر على تعرض موكبه لقصف من طائرات الناتو، ما يدل على وجود أصابعه فيما جرى بعد القصف أيضًا، إلى اعتقاله حيًا، وضربه وتعذيبه، وممارسة أعمال شائنة بحقه، ثم قتله دون تحقيق ولا محاكمة، وإلقائه عاريًا في مصراته (إمعانا في الثأر والانتقام)، تطرح علامة سؤال جديدة تعزز أن ما يجري في ليبيا خصوصًا، والمنطقة العربية عمومًا، ليس ربيعًا عربيًا فقط، وإنما ثورات عربية تتسابق مع فرض سايكس بيكو جديد على المنطقة؛ لوراثة - كما قال هيكل - بقايا المشروع القومي العربي لصالح مشاريع أميركية - أوروبية، وإيرانية، وتركية، وإسرائيلية، وهذه نتيجة طبيعية لغياب مشروع عربي يحفظ حقوق ومصالح الشعوب العربية.
إن قتل القذافي يذكرنا بإعدام صدام حسين بعد «مسرحية المحاكمة»، وباغتيال أسامة بن لادن بالرغم من معرفة مكانه منذ مدة، ومن إمكان اعتقاله حيًا، وباغتيال العولقي في اليمن، والمبحوح في الإمارات، وبكل ما تقوم به القوات الأجنبية في أفغانستان والعراق، وما تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. ولا يوجد سوى الانتقاد اللفظي الخجول من الغرب والمجتمع الدولي، الذي ينتفض ويقيم الدنيا ولا يقعدها إذا تعرض يهودي أو إسرائيلي للاعتقال، أو لأي شكل من أشكال معاداة السامية، ولا يحرك ساكنًا إذا ارتكبت إسرائيل كل جرائم الحرب والعقوبات الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
لن نصدق زعماء الغرب الذين كان صدام حسين حليفهم الأوثق وهو يشن حربه على إيران، وأصبح الطاغية عندما أراد أن يلعب دورًا في المنطقة. وعندما أوقف القذافي برنامجه النووي والكيماوي وتعاون مع الغرب في حربه ضد الإرهاب أصبح مثل الأم تيريزا، حيث تقاطر زعماء أميركا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا لزيارته والإشادة به، وبعد الثورة المصرية دافع الغرب، خاصة الإدارة الأميركية عن نظام حسني مبارك، باعتباره «صمام الاستقرار» في المنطقة، وغير قابل للسقوط ليتحول بين عشية وضحاها إلى طاغية يجب أن يرحل فورًا، الآن الآن وليس غدًا، وهكذا حصل مع زين العابدين، حيث عرضت فرنسا مساعدته في بداية الثورة ضده، ثم انقلبت عليه عندما بات مصيره واضحًا.
لقد أصبح القتل دون اعتقال ومحاكمة نهجًا سائدًا معمما يستحق الترحيب بدلاً من الإدانة، ووصلت المعايير المزدوجة الأميركية والأوروبية ذروتها، بالترحيب بالنهاية الهمجية للقذافي، وبتهنئة إسرائيل من قبل كاترين آشتون وباراك أوباما لتحرير شاليط وعودته سالمًا، وعدم تهنئة الفلسطينيين بإطلاق سراح مئات الأسرى الذين كانوا أبطال الحرية وليسوا إرهابيين، ومورست بحق الكثير منهم عقوبة جماعية جديدة بمنعهم من العودة إلى بيوتهم وديارهم، وفرض تهجيرهم بعيدًا عنها لمدة طويلة تصل إلى عشرين عامًا.
ولم ينبس الغرب ببنت شفة إزاء قيام المستوطنين بتهديد الأسرى المحررين، والإعلان عن مكافأة قيمتها مائة ألف دولار لكل من يقوم بقتل أسير محرر، دون أن تحرك الحكومة الإسرائيلية ساكنًا على مرأى ومسمع من العالم كله الذي واجه هذه الحملة الإرهابية بصمت القبور. ووصل الاستهتار الأميركي بالفلسطينيين إلى حد التحذير من مغبة إطلاق سراح أسرى «مارسوا الإرهاب» ضد إسرائيل.
لم يقدم الناتو المساعدة للثورة الليبية من أجل تغيير النظام الديكتاتوري، وكي تنعم ليبيا بالحرية والديمقراطية والاستقلال، ولكن من أجل تقاسم نفط ليبيا، ومنع الثورة من تحقيق أهدافها، تمامًا مثلما حصل في العراق الذي تم احتلاله وتدميره وقتل أكثر من مليون شخص، وتقسيمه فعليًا، بحيث عاد مائة سنة إلى الوراء، ولا يعرف أحد متى سيعود كما كان عليه قبل العدوان والاحتلال.
وما يفعلونه في ليبيا عبر القوة العسكرية، يحاولون فعله في مصر وتونس واليمن وسوريا وبقية البلدان العربية التي لم تشهد ثورات، من خلال مختلف أشكال التدخل السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية، الرامية إلى إبقاء المنطقة العربية أسيرة التخلف والتبعية والتجزئة والجهل والاستبداد، مع تغييرها شكليًا من خلال إقامة أنظمة ديموقراطية مشوّهة.
إن الغرب يدرك تمامًا أن الربيع العربي إذا انتهى بقيام أنظمة عربية ديموقراطية مستقلة، ستكون حرة ومعادية لإسرائيل ولكل أشكال الهيمنة الخارجية المفروضة على المنطقة، لذلك تحرك بسرعة لإجهاض الربيع العربي قبل بلوغه غاياته، تطبيقًا لمشاريع تم وضعها سابقًا لفرض قيام «شرق أوسط جديد»، يقضي على أي أمل بـ«قيامة العرب». فكما قال طوني بلير، أمس الأول، إن الربيع العربي يهدد إسرائيل والسلام معها، لذا يجب إعادة المفاوضات إلى مسارها السابق.
وفي هذا السياق، أضم صوتي إلى هيكل الذي حذر من مؤامرة الفتنة الطائفية التي يراد تعميمها في المنطقة، من خلال إيجاد صراع سني - شيعي، وأضيف إليه صراع إسلامي - مسيحي، واستنفار كل الأثنيات والأقليات والطوائف في صراع لا ينتهي؛ كي تسيطر الفتن والحروب الداخلية والإقليمية على المشهد في المنطقة برمتها، ليحرف الصراع عن مجراه الأساسي نحو صراعات ثانوية، بحيث تصبح إيران والشيعة هما العدو والشيطان الأكبر الذي يستنزف الصراع ضده طاقات شعوب وبلدان المنطقة بعيدًا عن إسرائيل، الذي يشكل قيامها واحتلالها ودورها الاستعماري العنصري مصدر التهديد الأساسي للاستقرار في المنطقة، وبما يمكّن إسرائيل من استكمال تصفية القضية الفلسطينية.
إن وجود مؤامرات خارجية لا يعطي صك براءة لأنظمة التبعية والفساد والاستبداد التي سادت بدرجات متفاوتة في البلدان العربية، فالخيار ليس بين اللامعقول (الأنظمة العربية التي عاثت فسادًا في الأرض)، وبين اللامقبول (الاستعانة بالتدخل الأجنبي الذي يجعل المنطقة العربية تحت رحمة مشاريع الهيمنة الجديدة).
فالمطلوب، انتشار وانتصار الربيع العربي، لكن على أيدي الثورات العربية، وبدعم صادق من كل الأحرار والقوى التقدمية والديموقراطية حقًا في العالم كله، وليس من أدعياء الحرية والديموقراطية الذين لا يهمهم سوى استمرار هيمنتهم وإعادة تقسيم المنطقة.
وأخيرًا، أضم صوتي أيضًا لهيكل، وأنبه الإخوان المسلمين بألا تأخذهم نشوة بداية الاعتراف الأميركي والغربي بهم؛ لأنه ليس اعترافًا بحقهم وجدارتهم وحكمتهم، وإنما محاولة لاستخدامهم في الصراع ما بين «الإسلام المعتدل» و«الإسلام المتطرف»، وفي بث الفتنة بجر المنطقة إلى صراع شيعي - سني، وإسلامي - مسيحي، بعيدًا عن قضايا ومصالح شعوب المنطقة، وهو صراع نعرف كيف يمكن أن يبدأ (وهو بدأ فعلاً)، ولا نعرف إلى أين وكيف يمكن أن ينتهي.
من حق الإخوان المسلمين المشاركة في الحياة السياسية في البلدان التي يتواجدون فيها، لكن هذا ليس منّة تمنح لهم من أحد، لا سيما من الدول المسؤولة عن دعم الأنظمة التي شنت حروبًا ضد الإخوان المسلمين، وغيرها من القوى والحركات العربية التي عانت الأمرين من أنظمة مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، بحجة دعم الاستقرار، وأنه أكثر أهمية من الحرية والديموقراطية وتقدم شعوب المنطقة، التي لا تقبل على حد زعمهم بحكم خصائصها وثقافتها وتخلفها ودينها الديموقراطية.
فالديموقراطية كما يزعمون، اختراع غربي لا ينفع سوى للدول الغربية والدول التي تسير وفق النموذج الغربي، بغض النظر عن اختلاف الظروف والخصائص والمصالح والمراحل، وعندما فاجأهم الربيع العربي يحاولون حرفه عن مساره الطبيعي ليصب في خدمة مشاريعهم ومصالحهم.
نعم للربيع العربي، ومليون لا لسايكس بيكو جديد يريد تقسيم المنطقة، ليس جغرافيًا حسب البلدان، كما جرى سابقًا، وإنما وفقًا للموارد والثروات والأسواق، وهنا، نأمل ألا تنجر تركيا وإيران إلى هذا السباق لكي يأخذا حصصهما من «الرجل العربي المريض»، مثلما أُخِذت الحصص من الدولة العثمانية التي خرجت مهزومة وضعيفة من الحرب العالمية الأولى.
الشعوب العربية، كما أثبت ربيعها، قادرة وجديرة بتحقيق الحرية والسيادة والاستقلال والديمقراطية، وثورتا تونس ومصر برهنتا على إمكانية ذلك وضرورته أيضًا، شرط الوعي بطبيعة المرحلة وحقائقها واتجاهاتها وما يخطط للمنطقة وشعوبها.

Hanimasri267@hotmail.com
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 10-26-2011, 01:36 AM بواسطة بسام الخوري.)
10-26-2011, 01:25 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
عميد الطغاة...إعدام معمر القذافي 20/10/2011 - بواسطة بسام الخوري - 10-26-2011, 01:25 AM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  المقالات الغاضبة about syria from 01.04.2011 بسام الخوري 37 11,648 07-07-2014, 11:13 PM
آخر رد: بسام الخوري

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS