{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
عميد الطغاة...إعدام معمر القذافي 20/10/2011
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #3
الرد على: عميد الطغاة...إعدام معمر القذافي 20/10/2011
مذكرات عبدالسلام جلّود


جلّود: طالبت صدام بالانسحاب ورفض فأهدينا إيران الصواريخ واشترينا لها السلاح (1)
السبت, 29 أكتوبر 2011
مع صدام حسين.jpg
روما – غسان شربل

الرجل الذي قتل معمر القذافي ارتكب جريمتين صارختين. الأولى انتهاكه المعاهدات الدولية والأعراف بشأن التعامل مع الأسرى. والثانية انه اغتال رواية مذهلة كان يمكن ان تشكلها اعترافات القذافي امام المحكمة. رواية تكشف قصة مغامرات باهظة وتهورات قاتلة ارتُكبت في عدد من القارات.

كنا صغاراً حين وقعت ليبيا في قبضة حفنة من العسكريين الشبان في «الفاتح من سبتمبر» 1969. وسمعنا منذ تلك الأيام ان اسم القائد معمر القذافي واسم «الرجل الثاني» الرائد عبدالسلام جلّود. وبهذه الصفة جال جلّود حول العالم والتقى شو إن لاي وليونيد بريجنيف وجمال عبدالناصر وصدام حسين وحافظ الأسد وآخرين.

قبل عقد من «الثورة» كان الطالب عبدالسلام جلّود معتقلاً لمشاركته في تظاهرة. وذات يوم أدخلوا معتقلاً آخر اسمه معمر القذافي. وبسبب نقص البطانيات في السجن تشاركا في واحدة منها وتعارفا وبدأت رحلة طويلة. بعد السجن التقى الرجلان في غابة نخيل قرب سبها وولد التنظيم المدني الذي راهن على إسقاط النظام عبر التظاهرات والاحتجاجات. وفي 1963 عسكر القذافي حلم التغيير وكتب بخط يده طلب انتساب جلّود الى الكلية الحربية. لا أحد يعرف القذافي كما يعرفه جلود. عرفه طالباً متقد الحماسة القومية واستضافه مرات كثيرة في منزل والديه. وعرفه مهندساً للمؤامرة بالثياب العسكرية ثم شاركه وخبره في مقاعد السلطة. لكن العلاقة بين الرجلين تراجعت حين راح «القائد التاريخي» يدير البلاد على هواه ويتفرّد بالقرار ما عرّض جلّود لـ «إقامة جبرية» طويلة. وحصل الطلاق الواضح حين انكفأ القذافي إلى قبيلته و «جوقة العبيد والمزمرين والمطبلين». وهكذا أيد جلّود الثورة وغادر في آب (أغسطس) الماضي ليبيا بمساعدة من الثوار. وساهمت مغادرته في تعزيز الانطباع أن نظام القذافي يندفع نحو نهايته.

بحثتُ عن عبدالسلام جلّود لاعتقادي ان روايته يمكن ان تسلط الضوء على قصة الرجل الذي أدمى بلاده والعالم معاً. كانت معركة سرت محتدمة. أمضيتُ معه يومي الثلثاء والأربعاء 18 و19 من الشهر الجاري. غادرتُ روما الغارقة في المطر الخميس ولدى هبوط الطائرة في لندن تلقيتُ خبر مقتل القذافي.

في اليوم التالي، اتصلتُ بجلّود أسأله تعليقه على مقتل رفيقه القديم. وخشيت في الواقع أن يصرف النظر عن النشر. لكنه فاجأني بعبارة قاطعة: «هذه نهاية كل طاغية وعلى باقي المستبدين أن يتعلموا». نشرتُ هذا الكلام السبت الماضي وأرجأتُ نشر الحلقات إلى اليوم بسبب تدافع الأحداث. وهنا نص الحلقة الأولى:

> هل صحيح أنك ذهبت في بداية السبعينات إلى الصين بهدف شراء قنبلة نووية؟

- اعتقد أن محمد حسنين هيكل هو من كتب هذه القصة وهي غير صحيحة. ذهبت إلى الصين مقترحاً أن يكون هناك تعاون يمكننا من إنتاج سلاح نووي. الحقيقة أننا كنا شباناً وتحركنا الحماسة وغضبنا من امتلاك إسرائيل سلاحاً نووياً.

التقيت في بكين رئيس الوزراء شوان لاي كما التقيت رئيس الأركان. شرح شوان لاي لي أن مثل هذا التعاون يفترض وجود قاعدة صناعية ودرجة من التطور التكنولوجي وهذا غير متوافر حالياً لدى ليبيا. أي أن موضوع الأسلحة غير منعزل عن درجة التطور العلمي والتكنولوجي.

كان ذلك في عام 1970 وقد التقيت خلال الرحلة إلى بكين وللمرة الأولى ياسر عرفات. كان علي أن استقل طائرة متجهة من باكستان إلى بكين والتقينا في الطائرة. زيارة عرفات علنية ورسمية وزيارتي سرية. في مطار بكين كانت تنتظره وسائل الإعلام أما أنا فكنت حريصاً على ألا يعرف أحد بوجودي أو مهمتي. لهذا سارعت إلى مغادرة الطائرة مبتعداً عن عيون المستقبلين والإعلاميين.

> كنت نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة؟

- لم يكن هناك منصب نائب الرئيس لكنني كنت الثاني في الترتيب بعد معمر.

> لماذا كنتم تريدون قنبلة نووية؟ لحل النزاع مع إسرائيل دفعة واحدة؟

- كنا شباناً ومتحمسين ونعتقد أن العرب يجب أن يمتلكوا قدرة على الردع في مواجهة الترسانة الإسرائيلية.

> هل كنتم ستلقون القنبلة على إسرائيل لو كانت في حوزتكم؟

- لا. استخدام السلاح النووي ليس أمراً بسيطاً. أريد هنا أن أشير إلى شيء قمنا به وهو تكريس قومية العمل الفدائي. دربنا الكثير من الفدائيين العرب. من سورية والعراق وتونس وغيرها. حاولنا لاحقاً إرسال من تدربوا إلى مصر وسورية فكان الرد بالرفض.

> وما السبب؟

- اعتبرت الدولتان أن وجود الفدائيين يزج البلد الذين يقيمون فيه في معركة.

> وذهبت أيضاً إلى موسكو لشراء السلاح السوفياتي؟

- ذهبت قبل ذلك إلى فرنسا لشراء طائرات من طراز «ميراج». التقيت في باريس رئيس الوزراء ووزير الدفاع ميشال دوبريه.

قبل الذهاب إلى باريس قمت برحلة توقفت فيها في القاهرة في الطريق إلى الخرطوم. وكانت المرة الأولى التي التقي فيها الرئيس عبدالناصر.

طبعاً كان عبدالناصر زعيماً كبيراً وكان مثالاً بالنسبة لنا ولا يزال بالنسبة لي. وكنت اعتقد أنني حين أصل إلى مقره سأشاهد الحراسات والمراسم وأنني سأنتظر في مكتب جانبي قبل الدخول للسلام عليه. وفوجئت بأنهم أخذوني من المطار إلى منزله وفوجئت به واقفاً عند باب السيارة التي أقلتني. واحتضنني بحرارة إلى درجة أن قبعتي العسكرية وقعت.

سألت عبدالناصر: «إلى ماذا نحتاج كي نحرر فلسطين؟». فأجاب: «إننا نحتاج إلى طائرة قاذفة مقاتلة والسوفيات ليس لديهم ذلك». شرحت وجهة نظري وهي أن التوازن مع العدو لا يقوم على توازن بين دبابة وصاروخ بل هو قبل ذلك توازن على الصعيد الإنساني والاجتماعي وأن تحرير الإنسان العربي هو الأساس في التوازن.

طلبت منه خبراء وأطلعته على أنني سأزور فرنسا لشراء طائرات من طراز «ميراج». ابتسم عبدالناصر وقال لي: «انتم أولاد صغار ما تفهموش. الميراج لا يمكن أن تكون في الوقت نفسه عند إسرائيل وعندنا». وكرر انتم أولاد صغار ماتفهموش بالسياسة. قلت له: «مع ذلك نحن سنحاول».

الحقيقة أن زيارة فرنسا كانت ناجحة وشملت الصفقة 110 طائرات ميراج. بعدها التقيت عبدالناصر وسألته رأيه في الصفقة فأجاب ضاحكا: «أنتو بتذلّوني بقى».

> هل صحيح أن القذافي غضب في 1973 لأنه لم يكن على علم بموعد الحرب مع إسرائيل؟

- لا. كان حديث الحرب مفتوحاً في إطار اتحاد الجمهوريات العربية الذي ضم مصر وسورية وليبيا. أنا في الحقيقة كنت أشارك في لقاءات القادة حتى حين كانت تقتصر عليهم فقط. كان معمر يحرص على إشراكي في اللقاءات حتى ولو طلب الرؤساء الآخرون من نوابهم الخروج من قاعة الاجتماع أو عدم المشاركة. في احد اجتماعات مجلس الرئاسة تقدمنا نحن بخطة عسكرية لتحرير الأراضي المحتلة في 1967 وحتى فلسطين. وتقول الخطة أن تكون جبهة سيناء جبهة تثبيت لاستدراج اكبر قوة لدى العدو على أن يكون الهجوم الرئيسي من سورية والأردن وبحيث تدور المعارك على الأرض الفلسطينية المحتلة في 1948 مع الإفادة من البحر. علق السادات: «يا معمر عبد السلام جلّود.jpg وعبدالسلام جرى إيه. نحن نعرف إنكما تعرفان بالثورة لكن الخطة التي نتحدث عنها نحن أعدتها أكاديمية ناصر».

رفضوا خطتنا على أساس أننا نفهم بالثورة لا بالعسكر وأن خطتهم كانت من صنع جنرالات محترفين. وكان ردنا: «سميتم حرب 1967 نكسة. إذا طبقتم خطتكم ابحثوا عن اسم جديد لتغطية النتائج. نحن لا نريد المشاركة في ادعاء النصر لكننا لا نريد أيضاً أن نكون شركاء في الهزيمة. ما تريدونه مالياً من ليبيا سنقدمه لكننا لن نشترك في القرار ولا في ادعاء النصر ولا في الهزيمة».

> كيف كانت علاقة القذافي مع الرئيس حافظ الأسد؟

- كانت علاقة عادية وفيها نوع من الاحترام. نحن كنا متحمسين ولم نكن موافقين على تعبير الصمود ونعتبره موقفاً سلبياً. كنا نريد صموداً إيجابياً ومتحركا. كانت هذه نقطة خلاف.

> وذهبت أيضاً لشراء السلاح من موسكو؟

- نعم. التقيت ليونيد بريجنيف والكسي كوسيغين وبودغورني ومسؤولين في وزارة الدفاع. طلبنا أسلحة فوافقوا ولم يضعوا أي شروط.

في اللقاء مع بريجنيف كان السفير المصري حاضراً. وفوجئ أنني استخدمت لهجة قوية في القول إن الاتحاد السوفياتي لا يتخذ موقفاً قوياً بما يكفي في دعم العرب والفلسطينيين. بعد خروجنا قال لي السفير المصري إن الوضع الاقتصادي صعب في مصر وإن عبدالناصر لا يستطيع أن يقول لبريجنيف ما قلته أنا له.

> كيف كانت العلاقة مع صدام حسين؟

- أنا كنت مختلفاً معه منذ البداية عقليته لم تعجني.

> لماذا؟

- عقليته طاووسية وتتسم بالعنجهية. عقلية ديكتاتور بكل ما للكلمة من معنى. وهو غير مثقف. حافظ الأسد كان مختلفاً. وكذلك هواري بومدين. صدام يعطي انطباعاً أنه قبضاي. عقلياتنا مختلفة.

> لم يحصل انسجام معه؟

- زرته بعد إعلان الحرب على إيران. دخلت فوجدته مرتدياً بزة عسكرية وبرتبة فريق. حاول أن يدخلني إلى غرفة العمليات وكان مبتهجاً لأن الجيش العراقي تقدم بضعة كيلومترات في الأراضي الإيرانية. قلت له: «لن أدخل غرفة العمليات والموضوع ليس عسكرياً. لا أنت عسكري ولا أنا عسكري فلنتكلم في السياسة. إذا كنت تعتقد أن جيش الشاه دمر وأن إيران في موقع ضعيف يجب أن تعرف أنك ستواجه سبعين مليون ثوروي إسلامي وهؤلاء أخطر من جيش الشاه».

> بماذا أجاب؟

- رفض. نحن اتخذنا موقفاً مؤيداً لإيران.

> وزودتم إيران صواريخ أرض – أرض؟

- نعم.

> ومجاناً؟

- نعم. سورية وقفت معنوياً مع إيران. ليبيا وقفت معها سياسياً ومعنوياً ومادياً. الأميركيون قالوا إن ليبيا بموقفها أفسدت محاولتنا جعل الحرب فارسية – عربية.

> من أين اشتريتم السلاح للإيرانيين؟

- من دول شرقية عديدة.

> ويدفعون ثمنه؟

- طبعاً. نحن أعطيناهم الصواريخ بلا مقابل. حصل خلاف في موضوع الصواريخ. معمر كان متردداً. قال لي: «كيف ستضرب صواريخنا مدينة عربية؟». أنا كنت متحمساً واقتنع.

> من أي طراز كانت؟

- صواريخ سكود روسية مداها 280 كيلومتراً.

> وهل مسموح أن تنقلوا هذه الأسلحة إلى طرف ثالث؟

- لم تكن اتفاقاتنا مع السوفيات مرفقة بشروط.

> زرت إيران بعد أيام من عودة الإمام الخميني إليها كيف كانت هذه الزيارة؟

- لا أبالغ إن قلت إنها كانت أهم زيارة في حياتي. تعلمت كثيراً منها واعتبرتها دورة تنشيطية لتفكيري الثوري. وكان اللقاء مع الإمام الخميني دافئاً وحميماً.

> هل كنتم على علاقة بالخميني قبل عودته؟

- حين ضغط شاه إيران محمد رضا بهلوي على صدام حسين لإخراج الخميني من العراق أرسلنا إلى الخميني وأبلغناه استعداد ليبيا لاستقباله وإعطائه إذاعة لدعم تحركه. وكان رده: من سيسمعني هناك؟. وأوضح أنه يريد المغادرة إلى مكان في الغرب يكون له ثقل إعلامي. وشكرنا على مبادرتنا.

حين توجه الخميني إلى فرنسا أرسلنا إبراهيم البشاري وسعد مجبر ولازماه هناك كحلقة اتصال معنا ورافقاه في رحلة عودته إلى طهران. اعتقد أنني توجهت إلى طهران في اليوم الرابع بعد عودته. اتصل قائد الطائرة بالمطار فمنعونا من الهبوط لأنني لست مدعواً من قبل الحكومة. اضطروا إلى القبول بهبوط الطائرة بعدما شارف وقودها على النفاد. بقيت في المطار نحو خمس ساعات. أنا ذاهب لزيارة الثورة والحكومة تقول إنني غير مدعو. بعدها جاءت أعداد غفيرة من رجال الثورة يتقدمها محمد منتظري وحسن الخميني. تلقى صادق طباطبائي صفعة على وجهه ونزلنا في موكب مهيب إلى طهران. ولدى وصولي إلى الفندق استقبلني الصحافي والديبلوماسي الفرنسي أريك رولو بسؤال فأجبته «هذه ليست ثورة إيرانية. هذه ثورة الإسلام وثورة حضارة الشرق ضد الغرب. في اليوم التالي توجهت إلى المكان الذي كانت تشغله السفارة الإسرائيلية فوجدت ملايين الإيرانيين يواصلون الاحتفال برفع العلم الفلسطيني على المكان وكان بعضهم يقبل العلم ويبكي.

> واللقاء مع الخميني؟

- كان ودياً. والحقيقة أنني كنت شاباً ومتحمساً وأثرت نقطة ربما لم تكن ضرورية في ذلك الوقت بالذات. قلت له يا سماحة الإمام كيف تسمون الخليج العربي الخليج الفارس. رد قائلاً أنتم تقيمون على ضفة منه ونحن نقيم على الأخرى. وهو يفترض أن يكون خليجاً إسلامياً. إننا نتناقش الآن على موضوع ليس لنا. الخليج حالياً أميركي فلنحرره أولاً ثم نبحث في التسمية. وتطرقنا إلى التعاون بين الثورتين الإيرانية والليبية واقترحت أن تكون هناك قيادة للثورة الإسلامية على المستوى العالمي. لم تحصل متابعة لهذه المقترحات. زرت قم وأبلغني علي خامنئي وهاشمي رفسنجاني أنهما كانا يحتفلان في السجن بذكرى ثورة الفاتح فقد كان لدينا إذاعة بالفارسية.

> هل تطرق الخميني إلى موضوع اختفاء رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان الإمام موسى الصدر أثناء زيارته ليبيا في صيف 1978؟

- نعم. تمنى صدور توضيح حول ملابسات هذه المسألة وكي لا تكون هناك أي عقبة أمام التعاون بين الثورتين. خلال وجودي في الفندق نظمت تظاهرة أمامه ضمت 37 شخصاً بقيادة شقيقة الصدر وزوجها وأطلقوا هتافات لكن عناصر الأمن التابعين للثورة سارعوا إلى إبعادهم وتفريقهم.

> هل تحول عدم صدور التوضيح إلى عقبة لاحقاً؟

- لا. وكما قلت لك سابقاً اعطينا إيران صواريخ ولعبنا دوراً أساسياً في حصولها على أسلحة. يجب أن أشير هنا إلى أننا في ليبيا ساهمنا في إسقاط طاغيتين هما شاه إيران وأمبراطور الحبشة هيلاسيلاسي. قدمنا ما نستطيع تقديمه. في 1975 صافحت شاه إيران في الجزائر فقال لي: أكرهكم لكنني أحترمكم. وكان رئيس الوزراء الباكستاني الراحل علي بوتو يقول لنا إن شاه إيران يطلب منكم وقف القنابل وكنا نجيبه هذه قنابل إيرانية.

> ماذا تعرف عن قضية 291005.jpg اختفاء الإمام الصدر؟

- اجتمعت به مرة واحدة في منتصف السبعينات في لبنان. لم أكن أصلاً على علم بزيارته. حين عرفت باختفائه تألمت كثيرًا لسببين الأول يتعلق بشخصه وما يمثله والثاني لأنني اعتبرت الفعل خسيساً إذ ليس من عادات العربي أن يدعو أحداً إلى بيته أو بلده ثم يوقع به. لا الأخلاق العربية تقبل ولا القيم الإسلامية. كانت القصة غريبة وفرض عليها تعتيم شديد.

> الم تسأل القذافي عن موضوع اختفاء الصدر؟

- لمحت مرة إلى الموضوع فاكتفى بالقول سائلاً:»اتتهمني؟». وتوقف الحديث.

> قيل إن مشادة كلامية حصلت بين الاثنين؟

- لا أعرف التفاصيل. لكنني سمعت قبل سنوات أن ضابط الشرطة الذي انتحل شخصية الصدر وزار ليبيا بجواز سفره بعد اختفائه وضع له معمر حراسة مشددة خوفاً من اختطافه بعدما بدأ الحديث عن دوره هذا.

> هل تقديرك أن الصدر قتل ودفن؟

- عقلي يقول لي هذا. يستحيل أن يكون مخفياً حتى الآن. طبعاً أنا كنت سمعت من القذافي قبل الحادثة ما يعبر عن انزعاجه من قيام إيران بإرسال رجال دين ليصبح لديهم نفوذ لدى الشيعة العرب. الحقيقة لم أكن أتصور أن يصل الأمر إلى هذه الدرجة.

> القذافي كان إذاً متردداً في موضوع الصواريخ؟

- نعم. كان متردداً في موضوع آخر وهو تسليح جون قرنق زعيم الجيش الشعبي لتحرير السودان. كان يعتقد أن تسليح قرنق يمكن أن يؤدي إلى انفصال السودان. اجتمعت بقرنق وأقنعني أنه وحدوي وأنه يقاتل لرفع الظلم اللاحق بالجنوب والبلاد بأسرها. وقال لي : أنا لن أسقط جعفر النميري بل سأعمل على استنزافه وحين يحصل ذلك ستبادر القوى المعارضة في الشمال إلى الانقضاض على نظامه. أحضرت قرنق إلى السودان في الثمانينات وسجلنا معه حديثاً تلفزيونياً يقول فيه إنه متمسك بوحدة السودان وإنه يعمل من أجل قيام دولة عادلة تحترم حقوق مواطنيها. وهكذا بدأنا مساعدة قرنق. وأذكر في تلك الفترة أنني لعبت دوراً بارزاً في التوصل إلى اتفاق عدن.

>حدثنا عن هذا الاتفاق؟

- إنه اتفاق بين ليبيا وأثيوبيا واليمن الديموقراطي (الجنوبي). ربطتني علاقة حميمة بالرئيس الأثيوبي السابق منغيستو هايلي مريم. إنه رجل ودود وثقافته الماركسية رائعة ومن الطراز الأول. الشريك الآخر في الاتفاق كان الرئيس علي ناصر محمد وكانت لي علاقة معه لكنني اتخذت موقفاً منه حين قام بتفجير القيادة ما أدى إلى مقتل عدد من زملائه. الواقع كانت لي علاقات واسعة بزملائه علي سالم البيض وعلي عنتر وغيرهما.

> ماذا كان الغرض من اتفاق عدن؟

- إقامة تحالف ثوري بين الدول الثلاث وتشكيل جيش قواه البشرية من أثيوبيا وتقدم ليبيا الدعم المالي والتسليح ويكون الطرف اليمني جزءاً من هذا البرنامج. أذكر أن منغيستو نظر إلي وقال: لو تحقق ما نتحدث عنه سيكون المد التقدمي ممتداً من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط.

أنا أعددت الاتفاق ثم ذهب الطاغية ووقعه. بعد تجهيز الاتفاق صعدت ومنغيستو في طائرتين قادرتين على الهبوط في أماكن عادية وزرنا قرنق في موقع في جنوب السودان. وجدنا في المعسكر أكثر من 18 ألف متطوع وقد سلحناهم نحن. كان الترحيب بنا حماسياً وكانوا ينشدون القذافي أعطانا السلاح ونحن جئنا إلى الغابة استعداداً لإسقاط نميري. ألقيت خطاباً باللغة العربية وألقى منغيستو كلمة. بعدها قال لي كيف تكلم الأفارقة بالعربية فأجبته أن القومية العربية لا تستند إلى العرق إنها قومية ثقافية وحضارية وتنصهر فيها كل الانتماءات. في المفهوم الديني سكان الجنوب من المسيحيين لكن بالمفهوم الثقافي هم عرب.

> لم يعش اتفاق عدن طويلاً. أين كان السوفيات؟

- نعم لم يعش طويلاً. أما عن الاتحاد السوفياتي فقد كان ضعيفاً في تلك الفترة. لا أبالغ إذا قلت إن ليبيا كانت تلعب دوراً محورياً في ما يتعلق باليسار وحركات التحرر في العالم. في السودان حصلت انتفاضة وزحف الناس في اتجاه القصر. كان النميري في أميركا وكان القائد العسكري العام عبد الرحمن سوار الذهب الذي أقسم للنميري على القرآن أن لا يخونه. عندما زحفت الناس اجتمعت القيادة العسكرية وقررت عدم إطلاق النار على الناس. أحرج سوار الذهب وهو صوفي وراح يدور على عدد من الزوايا الصوفية يبحث عن فتوى مضمونها أنه لم يخن النميري. حين سقط النميري اتصلنا بمنغيستو وقلنا له إن الهدف قد تحقق. رد بالقول إن الهدف لم يتحقق كاملاً وإن أميركا تدفع بقوى رجعية بينها الصادق المهدي للالتفاف على الثورة وهكذا اختلفنا معه.

> أرجع إلى القذافي. هل كان يكره صدام؟

- كان من الصعب قيام علاقة بينهما حتى ولو كانا في النهاية من عقلية الاستبداد نفسها. مواصفات الرجلين لا تسهل قيام علاقة بينهما. الحقيقة أن معمر لم يرتح إلى صدام منذ البداية. الحقيقة أن تصرف كل منهما مقزز. أنظر ماذا فعل صدام بالعراق وماذا فعل الطاغية بليبيا.

> القذافي وصدام كلاهما حاول أن يكون كاتباً؟

- لا مجال للمقارنة فالقذافي قرأ أكثر من صدام. كلاهما قاس. القذافي طاغية من الطراز الأول وفرض على الليبيين النفاق بالقوة. الليبيون جائعون ويقولون الحمد لله نحن شبعى بالقوة.

> لماذا ساعد القذافي الأكراد في العراق؟

- لديه نظرية مفادها أن تجاهل المشكلة ليس حلاً وأن الأكراد كلما أحسوا بدورهم لعبوا دوراً أكبر ضمن أمتهم العربية والإسلامية واعتبر أن البديل بالنسبة اليهم سيكون الوقوع في يد الصهيونية. هذا ما قاله لكن لا أعرف إن كانت له أغراض أخرى.

> ما سر العلاقة بين القذافي والجزائر؟

- تألمت جداً من موقف الجزائر. عندما أممت الجزائر النفط جاء عبدالعزيز بوتفليقة موفداً من الرئيس هواري بومدين طالباً تأييدنا وكان وزير الخارجية.اجتمع بي ولم يقابل القذافي وقلت له: أكتب البيان الذي تريده ونحن نوقع عليه. فكتب بياناً ضعيفاً لم يعجبني فمزقته وكتبت أنا بياناً قلت فيه إن النفط الليبي هو النفط الجزائري ولا يمكن للنفط الليبي أن يكون بديلاً للنفط الجزائري وأن احتياطات ليبيا من العملة الصعبة تحت تصرف الجزائر فدمعت عينا بوتفليقة وعانقني. أنا تألمت من موقف الجزائر فهو غير مفهوم حقيقة. يمكن أن يكون السبب أن نظام الجزائر لا يحتمل ثورتين على حدوده. النقطة الثانية إن ما آلمني أنه في أول لقاء بيني وبين أحمد بن بلة ومعمر في سرت قال بن بلة لمعمر أنت محظوظ فأنا وعبدالناصر كان معنا أناس يشدون بنا إلى الوراء بينما أنت معك شخص يدفعك إلى الأمام. ومع ذلك أنا عاتب على بن بلة ففي الوقت الذي كان الطاغية يقمع الليبيين ويمثّل بهم أقنعه أن يكون على رأس «جائزة القذافي لحقوق الإنسان» وكان هذا مؤلماً لي ولكل الليبيين. قرار الوقوف في الحرب في جلود في لقائه مع الخميني.jpg 1954 مع الجزائر ضد فرنسا كان قرار الشعب الليبي وليس قرار الملك وحتى الأسلحة التي كانت ترد من مصر كانت تمر عبر الليبيين وأنا كنت رئيس لجنة مهمتها جمع المساعدات. المكان الوحيد الذي شعر فيه المجلس الوطني للثورة الجزائرية بالأمان كان ليبيا، لا تونس ولا المغرب، لسببين: فلا تأثير سياسياً عليهم فهم كانوا أحراراً في قراراتهم ولأنهم شعروا بالأمان لناحية الأمن الشخصي.

الحقيقة أنني كنت قبل ذلك تلقيت اتصالاً من شخص كان مهماً في الثورة الجزائرية وهو مقرب من السلطات هناك ولن أذكر اسمه وقال لي إن السلطات الجزائرية مستعدة لإرسال «كوماندوس» لإخراجي من ليبيا فقلت له: أنا أفضّل أن أموت في ليبيا على أن تخرجني الجزائر وهي تقف مع الطاغية وتأخذ هذا الموقف.

(غداً الحلقة الثانية)

جلّود: موّلنا انشقاق الخطيب والانتفاضة في «فتح» ضد عرفات... حذّرنا الجميّل فردّ غاضباً «أقفلوا دكاكينكم في بيروت» (2)
الأحد, 30 أكتوبر 2011
حافظ الأسد.jpg
روما – غسان شربل

بعد غياب جمال عبدالناصر، اعتقد العقيد معمر القذافي أن الجماهير اليتيمة تبحث عن قائد جديد. واعتقد أيضاً أن من شروط هذه الزعامة الإمساك بالورقة الفلسطينية والحضور الفاعل في الساحة اللبنانية المفتوحة.

لم يبخل القذافي على الثورة الفلسطينية بالمال والسلاح. أعطاها وأتعبها وأربكها. ولم يبخل على بعض الأحزاب اللبنانية بالمال والسلاح. أعطاها وأفسدها وأربكها. وكما كل الذين حاولوا مصادرة القرار الفلسطيني، اصطدم بهالة ياسر عرفات. وكما كل الذين حاولوا مصادرة القرار اللبناني اصطدم بلبنانيين وبإرادات دولية كانت تريد مصادرته أو حمايته.

في تلك الأيام احتقر كثيرون سيادة لبنان وانتهكوها. زعزعت الاعتداءات الإسرائيلية هيبة الدولة اللبنانية. وتقدمت تدخلات عربية لتعميق الشرخ بين اللبنانيين وكبح أحلام اليسار اللبناني ولجم منظمة التحرير الفلسطينية والإمساك بقرارها. دخلت ليبيا القذافي اللعبة من أوسع أبوابها وبدت لفترة وكأنها تعمل، من دون قصد، لحساب آخرين.

قاد الرائد عبدالسلام جلّود وساطة مديدة وشهيرة في ما يُعرف بـ «حرب السنتين» (1975 – 1976)، يقول إنه تعرض خلالها 14 مرة لموت شبه محقق.

اعترف جلّود بأن ليبيا دعمت انشقاقاً في الجيش اللبناني قاده الملازم أحمد الخطيب. وساهمت تلك الخطوة في تفكيك الجيش وتوزّع ضباطه وعسكرييه على المتاريس المتقابلة. ويعترف أيضاً أن بلاده موّلت الانتفاضة في «فتح» ضد ياسر عرفات. كما موّلت ايضاً عملية إسقاط اتفاق 17 أيار (مايو) اللبناني – الإسرائيلي. ذكّرني كلام جلّود بما سمعته من عرفات في تونس في بداية التسعينات، عن علاقاته الشائكة بالقذافي وحافظ الأسد وصدام حسين، واشترط يومها عدم نشره. قال: «أنا محتاج إلى دعمهم بسبب موقع بلدانهم أو دورها أو ثروتها. ومحتاج في الوقت نفسه أن أحمي القرار الفلسطيني من رغبتهم في مصادرته وتوظيفه في معاركهم». وأضاف مستغرباً: «يزايدون عليّ لأنني لا أقبل أن يتحول القرار الفلسطيني لعبة في يد أحد. يتهمونني أحياناً بالتفريط. لا أحد يصدق أنهم يحبون فلسطين أكثر من ياسر عرفات».

سألت جلّود عن رحلته اللبنانية – السورية وعن انطباعاته عن عدد من اللاعبين. استوقفني كلامه عن الرئيس الراحل بشير الجميل وما نقله عن الرئيس السابق أمين الجميل الذي قال له: «أنتم لستم مسؤولين عنا، أقفلوا دكاكينكم في بيروت». كما سألته عن المغامرة الليبية في تشاد وهي كانت باهظة التكاليف.

تبقى الإشارة الى خطأ ورد في حلقة أمس، فالقذافي وفّر الحراسة لضابط الشرطة الذي انتحل صفة الإمام موسى الصدر وسافر بجوازه إلى إيطاليا وليس إلى ليبيا، كما ورد سهواً. وهنا نص الحلقة الثانية:

> في سنة 1976 ذهبت بوساطة إلى لبنان، أخبرنا عن تلك الوساطة.

- اجتمعت دول الصمود والتصدي في ليبيا بعد أن بدأ الصِدام بين الفلسطينيين والحركة الوطنية من جهة وسورية من جهة أخرى. وتم الاتفاق أن أتوجه مع وزير التعليم الجزائري لإيصال رسالة إلى حافظ الأسد والعودة. أنا اتخذت قراراً بأن أبقى لأن الوضع شديد الخطورة.

> ماذا قال حافظ الأسد عن الفلسطينيين والحركة الوطنية؟

- أنا ما عدت اهتممت بالرسالة بل أعددت خطة ومعمر رفض أن أبقى في سورية أو أن أتوجه إلى لبنان إلى درجة أنه قال لي لن أكلمك هاتفياً إلى أن تترك سورية ولبنان وتعود إلى ليبيا. قرار البقاء كان قراري الشخصي. عندما وجدت الوضع خطراً حاولت إعداد خطة لوقف إطلاق النار وإيقاف القوات (السورية) الزاحفة إلى بيروت عبر ضهر البيدر وعبر جزين. أنا بقيت 48 ساعة أتحاور حول كيفية التوصل إلى وقف للنار وهو يفترض أن يتم بين قوتين بينما سورية لا تريد أن تعترف أن جيشها في مواجهة مع الفلسطينيين والحركة الوطنية. بعد 48 ساعة اقترحت حلاً يوقف القتال بين قوتين متحاربتين من دون ذكر الأسماء. فوافق حافظ الأسد وتوقفت القوات المتقدمة في ضهر البيدر جلود يصافح نايف حواتمة وبدا جورج حبش.jpg وفي جزين. كانت هناك كتيبة من «الصاعقة» (السورية) في رأس بيروت يحاصرها الفلسطينيون والحركة الوطنية واستشهد منهم 8 جنود ووقع جرحى. والفلسطينيون والحركة الوطنية منعوا الجيش السوري من إخلائهم. في عقيدة الجيش يجب إخلاء الجثث والجرحى بالقوة وإلا يفقد بقية أفراد الجيش الدافع للقتال. وكانت هناك قوات سورية في المطار. اتصل بي حافظ الأسد وقال لي يا عبدالسلام أنا أعتبر نفسي في حل من اتفاق وقف إطلاق النار وأنا أعطيت أمراً للقوات أن تتقدم من ضهر البيدر وسأصدر أمراً أن يقصفوا بالطيران لأن تحرير فلسطين لن يقوم به هؤلاء «الأوباش» بل الجيش السوري سيقوم بتحرير فلسطين. فقلت له أنني مستعد للتوجه إلى بيروت، بعد أن قال لي إن المسألة خطيرة، لكن عندي شرطين الأول أن تبعث معي سياسيين فلا أريد التحدث إلى ضباط الجيش السوري والثاني ألا أكون في بيروت وتبدأ بضرب الفلسطينيين والحركة الوطنية بالدبابات والصواريخ. أرسل معي محمد حيدر نائب رئيس الوزراء وزير الاقتصاد وناجي جميل قائد القوات الجوية وتوجهنا في أربع طائرات عمودية هليكوبتر. السوريون أبلغوا جيشهم المنظم والفلسطينيون أرسلوا برقية لفصائلهم ولكنهم كانوا غير منظمين فلم تصلهم البرقية فعند محاولتنا الهبوط في مطار بيروت اعتقد الفلسطينيون أننا قوات إمداد فأرادت قوات أحمد الخطيب وعدة جهات ومجموعات فلسطينية إطلاق النار علينا. محمد حيدر وناجي جميل قالا لي إذا كنت أنت تريد الموت لماذا أتيت بنا معك. محمد حيدر قال لو كنا على الأرض كنا استطعنا الاحتماء بأي شيء لكن نحن في الجو. وكان معنا أحمد جبريل الذي كان شجاعاً وتوجه إلى قائد الطائرة وقام بتوجيهه لتحاشي المضادات الجوية وهبطنا على الشاطئ وبقينا نزحف أربع ساعات ونحن نتعرض للقصف. وصلنا إلى المطار وملابسنا في حالة مزرية. واتصلت من المطار بالفصائل الفلسطينية: أبو جهاد (ياسر عرفات كان في ليبيا حينها) وأبو أياد ونايف حواتمة وطلبت منهم أن يأتوا إليّ في المطار فقالوا لن نأتي فاستفسرت منهم هل أنتم لا تريدون المجيء لأنكم لا تريدون التباحث في أرض «معادية» ولأنكم خائفون من السوريين؟ قالوا نحن خائفون من السوريين قلت أنا مستعد للقائكم في بيروت. وتوجهنا في سيارات وتم استهدافنا فسيارة المرسيدس التي كنت بداخلها أصابها الرصاص ثم انتقلت إلى بيروت وأقمنا في شقق مختلفة في الحمراء. وأذكر عجوزاً مسيحية قالت لي يا عبدالسلام كنا نستمع إليك عبر الإذاعة ونعتقد أنك رجل كبير في السن وأنت شاب. وسألتني هل زرت بيروت سابقاً؟ فقلت هذه أول زيارة لي في الحرب. فقالت عليك أن تزور بيروت في أيام السلم لا أيام الحرب.

عقدنا اجتماعات يومية دامت ساعات لكيفية سحب العناصر السورية. واجتمعنا مع الفلسطينيين ومع كمال جنبلاط من الحركة الوطنية وهو يستيقظ باكراً ويدير الاجتماع اعتباراً من الثامنة والنصف صباحاً بينما الفلسطينيون يطيلون السهر في الليل ويأتون إلى الاجتماع متأخرين فكان يقول لهم: أنتم الفلسطينيين ... تنامون في النهار وتسهرون ليلاً. كان يصحبني أبو الحسن سلامة إلى منطقة المتحف حيث ينتظرنا بشير الجميل ونتوجه في سيارة جيب عبر الحازمية للقاء والده بيار الجميل وكميل شمعون.

في أول اجتماع لي مع بيار الجميل صرح قائلاً أنه غريق وتمسك باليد التي امتدت له (قاصداً سورية التي دخل جيشها إلى لبنان لمساعدة المسيحيين). لكنه قال لي إن سورية ألدّ أعدائه فهي لا تعترف بلبنان (كبلد مستقل) وليس لديها سفارة فيه.

> كيف كانت علاقتك مع بشير الجميل؟

- كانت علاقة ممتازة. كنا على خلاف معه لكن لديه شهامة ورجولة وصادق مع نفسه وزعيم لديه احترام ويمتاز بأنه ليس تاجراً سياسياً.

> وماذا كان انطباعك عن كمال جنبلاط؟

- إنه إنسان حكيم ويمتاز بهدوء مؤثر وحدّة تفكير وعقل ثاقب. وفي ياسر عرفات.jpg الاجتماعات كنت أتعرف على أفكار كمال جنبلاط عبر ما يطرحه محسن إبراهيم وجورج حاوي اللذان كانا يحرصان على التشاور الدائم معه.

أنا تعرضت خلال مهمتي هذه للموت المحقق 14 مرة. في إحدى المرات كنت مع ياسر عرفات في منزل نتناول الغداء وبعد ثوان من مغادرتنا طاولة الغداء سقط صاروخ من المنطقة الشرقية من بيروت ودمر المكان الذي كنا فيه. وكانت الإذاعات الإسرائيلية واللبنانية المسيحية تهاجمني كثيراً. وفي إحدى المرات كنت سأستقل طائرة عمودية متوجهاً للقاء حافظ الأسد بدأوا بقصف المطار واضطررت إلى التوجه براً في سيارة عبر مناطق مسيحية ملغّمة واتصلت بالجيش السوري في الجبل. وكانت تجربتي في لبنان زاخرة جداً.

> ماذا كان حافظ الأسد يقول عن اللبنانيين؟

- نحن في جبهة الصمود كان تقييمنا أن هناك مؤامرة الغرض منها تدمير سورية معنوياً وتدمير الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية مادياً وكنا نعتقد بوجود مخطط في هذا الاتجاه. وجاء بعد ذلك موضوع زيارة أنور السادات للقدس. لم نكن نعرف التفاصيل في حينها ولكننا رأينا أن هناك مؤامرة لضرب سورية. حافظ الأسد كان يقول لي يا عبدالسلام أنتم تقولون هناك مؤامرة نحن ننفذها أما بالنسبة إلينا فنحن تدخلنا لمنع المؤامرة. وأنا بقيت خمسة أشهر بين لبنان وسورية من دون موافقة القذافي. وكان القذافي قال لي لا تتصل بي إلى حين رجوعك إلى دمشق من دون التوجه مجدداً إلى بيروت على أن تعود إلى ليبيا.

في نهاية الخطة أحضرت قادة فلسطينيين في طائرة هليكوبتر للقاء حافظ الأسد وألقيت كلمة قصيرة قلت لهم فيها أن قرار بقائي في لبنان لمنع المؤامرة قرار شخصي مني، وكنت رئيس وزراء ليبيا في ذلك الوقت، وليبيا بحاجة إليّ ولدينا حرب في تشاد ولأن كلمة السر في ثورة الفاتح كانت القدس وفلسطين مهمة لنا اتخذت قرار البقاء كل هذه الفترة. أنا تعرضت لخطر الموت مرات ومرات لكنني أحمد لله أنني استطعت تحويل الرصاص إلى قبلات بعد أن عانق أبو أياد الأسد وكذلك جورج حبش وأحمد جبريل وياسر عرفات أيضاً كان حاضراً. وعقد عرفات مؤتمراً صحافياً قال فيه إن عبدالسلام جلود وليبيا يستحقان أكبر وسام قومي لكن بعد ذلك باع عرفات جهودي لدولة خليجية وغيّر رأيه. الفصائل الأخرى وقفت ضده: جورج حبش وأحمد جبريل ونايف حواتمة و «أبو نضال».

> كيف كانت علاقة أبو أياد بالقذافي؟

- القذافي كان في السابق حريصاً أن تفرض الثورة الفلسطينية وضعاً جديداً على العالم العربي فلا يدجّنها العرب بل تُقْحِمهم وتغيّرهم وتفرض عليهم وضعاً بحيث لا يتم تدجينها. لذلك هم حاربوا قومية العمل الفدائي أما نحن فقد قمنا بتدريب فدائيين في ليبيا وسلحناهم ثم أرسلناهم إلى سورية ولبنان.

> كم قدمتم مساعدات إلى لبنان؟

- مساعدات كثيرة ببلايين الدولارات وأعطيك مثلاً لدى البحث في اتفاق 17 أيار (مايو) اللبناني -الإسرائيلي التقيت الرئيس أمين الجميل في الهند وكان معه رئيس الوزراء (شفيق) الوزان وذلك في مؤتمر دول عدم الانحياز. قلت له أننا نحذرك من توقيع اتفاق 17 أيار فوقف وقال لي: انتم لستم مسؤولين عنا أقفلوا دكاكينكم في بيروت. قلت له أجلس نحن نحذرك واختلفنا.

بعد ذلك توجهت إلى دمشق واجتمعنا مع الحركة الوطنية والفلسطينيين وقررنا أن نضاعف أعداد المتطوعين وأن نخصص مرتبات للمتطوعين اللبنانيين والفلسطينيين. وكان وليد جنبلاط حاضراً الاجتماع وجورج حاوي وجورج حبش ونايف حواتمة والفصائل الفلسطينية ومن الجانب السوري عبدالحليم خدام وكان الاجتماع برئاستي. قررنا أن نسلحهم لإسقاط الاتفاق بالقوة. حولنا الأموال اللازمة وحدثت انتفاضة الجبل وانتفاضة الضاحية وتغيرت المعادلة.

توجه أمين الجميل إلى أميركا وفرنسا والمغرب فاتصل ملك المغرب بمعمر القذافي وقال له أمين الجميل يريد عبدالسلام جلود.jpg زيارتكم فهل تستقبلونه؟ اتصل بي معمر وأجرينا مباحثات هاتفية وأنا كنت ضد الفكرة فقال لي: لا يا عبدالسلام، من الأفضل أن يأتي إلينا لأن زيارته لنا اعتراف بأن الحل في طرابلس ودمشق وليس في باريس وواشنطن وكانت أميركا بدأت الدخول في أجواء الانتخابات الرئاسية. أقنعني معمر بحجته واستقبلت أمين الجميل في مطار طرابلس وكان يريد إقناعنا بتجميد اتفاق 17 أيار بدلاً من إلغائه. رفضت وقلت نحن نريد استغلال هذه السنة «الميتة» في السياسة الأميركية قبل الانتخابات. أنت اتفقت مع الأميركيين على تجميد الاتفاق ثم يأتينا رونالد ريغان قوياً ووزير خارجيته شولتز. وصلنا إلى باب العزيزية وخيمة معمر فوجدنا معمر أعد له شريط فيديو يظهر المدمرة الأميركية «نيوجرسي» خلال قصفها جبل لبنان، بعد انسحاب القوة المتعددة الجنسيات وهروبها. قال له معمر في هذا الوضع كيف تستعين بقوة أجنبية على جزء من شعبك؟ هذا يعني أنك لست رئيس لبنان فأُحرج أمين الجميل. وكاد أمين أن يقنع معمر بتجميد اتفاق 17 أيار لكنني رفضت ووافقني معمر الرأي. قلت لمعمر هذا موضوع الاتفاق مع الأميركيين ولديهم سنة ميتة (راكدة) قبل الانتخابات يريدون خلالها تجميد الاتفاق ثم يأتوننا بعد الانتخابات وريغان قوي لفرض الوضع علينا. يتوجب علينا استغلال السنة الميتة وإلغاء الاتفاق.

خلال مرافقتي له في طريق عودته إلى المطار قال لي أمين الجميل كنت أعتقد أنني سأجد صعوبة في إقناع معمر فوجدت أن الصعوبة في إقناعك أنت يا عبدالسلام.

> كيف كانت علاقتك بوليد جنبلاط؟

- علاقة جيدة. إنه، شخص يمشي مباشرة الى الهدف، ليس مراوغاً، ومُقِلّ في الكلام وفي كلمات بسيطة وعفوية وصادقة يحدد هدفه.

> أنتم دعمتم الملازم أحمد الخطيب يوم قاد انشقاقاً عن الجيش اللبناني ودعمتم أبو موسى في الانشقاق عن «فتح».

- نعم دعمناهما وخصصنا للانتفاضة الفلسطينية 60 مليون دولار سنوياً بمعدل خمسة ملايين شهرياً.

> ما القوى التي دعمتها ليبيا في لبنان؟

- دعمنا كثيرين. الحزب الشيوعي والحزب السوري القومي الاجتماعي الذي كنا نُكن له التقدير والاحترام لتعاونه واعتبرناه صاحب موقف جذري والحزب التقدمي الاشتراكي والقوى الناصرية. وقدمنا مساعدات لمؤسسات إعلامية وفكرية وشخصيات. الثورة الفلسطينية لم تكن قوة فاعلة قبل العام 1969 ولا نبالغ في القول إن دعمنا المالي والعسكري والسياسي لها ساعدها على ترسيخ موقعها.

> هل صحيح أن القذافي نصح القادة الفلسطينيين بالانتحار عند الغزو الإسرائيلي لبيروت في 1982؟

- حاولنا عقد مؤتمر قمة فلم ننجح وحاولنا إيصال السلاح للفلسطينيين وفشلنا وكان صالح الدروبي في سفارتنا (في بيروت) فقلنا له أن يحاول شراء السلاح من السوق السوداء للفلسطينيين والحركة الوطنية لأننا أخفقنا في إيصال السلاح عن طريق سورية وعبر البحر.

كان العرب مهزومين فالقتال الحقيقي ليس بين سلاحين بل بين إرادتين: إرادة مصممة على النصر وإرادة مهزومة. العرب كانوا مهزومين. والمهزوم مهما زودته بالسلاح لن ينتصر.

> لماذا دعمتم الانشقاق على ياسر عرفات؟

- لأننا اعتبرنا أن عرفات يخون القضية الفلسطينية بعد أن بدأ يسعى إلى حلول تضيّع الحق الفلسطيني وتضيّع الحق التاريخي للعرب في فلسطين ويتنازل عن فلسطين وشعرنا أن السلطة الفلسطينية أصبحت عبارة عن حاكم بلدية في ظل الكيان الصهيوني.

> كيف كانت علاقة القذافي بياسر عرفات؟

- بعد 1969 قدمنا للمنظمات الفلسطينية دعماً مالياً وعسكرياً وسياسياً وكان لهذا الدعم دور أساسي في نقل منظمة التحرير من مرحلة إلى أخرى. نحن بادرنا بالدعم وشجعنا دولاً وحركات سياسية على التحرك في الاتجاه نفسه. نحن وقفنا بقوة مع الثورة الفلسطينية. العلاقة مع عرفات كانت تتوتر بين حين وآخر سواء مع القذافي أو معي شخصياً. للتوترات علاقة أمين الجميل.jpg بالسياسة والممارسة والأسلوب. سأعطيك مثالاً. كان عرفات معنا في ليبيا وفجأة ألح على ضرورة توفير طائرة له للانتقال إلى مصر. لم نكن نحن نعلم أن أنور السادات سيلقي خطاباً يضمنه استعداده لزيارة القدس. أدت الحادثة إلى جفاء مع عرفات. لكن التوتر مع عرفات لم يدفعنا إلى وقف الدعم.

> هل كان القذافي يحاول إهانة عرفات؟

- لا.

> من كان القذافي يحب من الفلسطينيين؟

- المسألة لا تتعلق بالمشاعر أو الاستلطاف. في البداية كان معمر يرفض أن يزور الدكتور جورج حبش ليبيا لأنه شيوعي.

> لأنه شيوعي أم لأنه مسيحي؟

-لا لأنه ماركسي. تدخلت أنا في الموضوع وغير معمر رأيه وصار حبش يزورنا.

> كيف كانت علاقتك مع حبش؟

- حبش رجل صادق ومحترم. نحن كنا ندعم فتح لكن سياستنا كانت تلتقي عملياً مع مواقف المنظمات الراديكالية «الشعبية» و «الديموقراطية» و «فتح – القيادة العامة» بزعامة أحمد جبريل وآخرين.

> لماذا كان لأحمد جبريل علاقة خاصة مع ليبيا؟

- توطدت العلاقة لأن جبريل قام بعمليات مهمة في تلك الفترة. عمليات الطائرات الشراعية وخطف جنود إسرائيليين وأكبر صفقة لتبادل أسرى. مشكلة أحمد جبريل أنه غير سياسي. عسكري وعملي وقلبه على عمله وهو عروبي ووطني ونظيف. طبعاً هناك جهات فلسطينية تغمز من قناة علاقته بسورية. نحن لم نلاحظ هذا الأمر. نحن كنا نهتم بمن هو أكثر جدية ومن هو القادر على تنفيذ عمليات.

> وما رأيك في ياسر عرفات؟

- عرفات أفسد الثورة بالمال وهمشها وأدخلها في متاهات ومستنقعات. تآمر في شكل ممنهج. أنا أحترم جورج حبش كثيراً... وأحمد جبريل، لكن جبريل غير مفهوم فلسطينياً لأنه وطني وغير مسيس وقالوا عنه إنه عميل لسورية وصنيعة سورية، وهذا غير صحيح. أحمد جبريل قال لحافظ الأسد على الهاتف أمامي: يا سيادة الرئيس حرر فلسطين أولاً. لن تدخلوا بيروت إلا على أجسادنا.

> هل تعرفت على القائد الفلسطيني الدكتور وديع حداد؟

- لا.

> وعلى كارلوس؟

- لا.

> أنت بدأت أهم صفقة سلاح مع الاتحاد السوفياتي...

- كل العلاقات مع الدول الشرقية وأوروبا واليسار في السبعينات، في فرنسا وألمانيا وإيطاليا. لم أنجح في بريطانيا.

> هل خزن حلف وارسو أسلحة في ليبيا؟

- لا. قمنا بدور كبير في دعم نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا وروبرت موغابي في زيمبابوي. مددناهما بالسلاح. دربنا لزيمبابوي 27 ألف مسلح ورئيس أركان. كان لنا دور في أنغولا والرأس الأخضر وموزامبيق. كان عندنا ضباط قاتلوا.

> لماذا تورط القذافي في حرب تشاد؟

- القرار كان قرار مجلس قيادة الثورة لأنه حتى النظام الملكي كان يقف مع حركة تحرير تشاد. كان سلطان تشاد موجوداً في الزاوية. كانت حكومة الملك تساعد في شكل محدود، بسبب محدودية الإمكانات. كان هناك تداخل بين التشاديين والليبيين. كان النظام الملكي يعتبر أن مليوناً ونصف مليون مسيحي يتحكمون بستة ملايين مسلم. نحن أكملنا الدور، لكننا أعطيناهم إمكانات أكبر. بدأنا بتسليحهم، ثم ساندناهم بالمدفعية، قبل أن نتدخل عسكرياً. لكن سبب الإخفاقات في تشاد أن القذافي بدأ التفكير في نشر الإمبراطورية والجماهيرية وتطبيق «الكتاب الأخضر» إضافة إلى أنه على مدى 11 سنة استشهد ليبيون في حرب سرية ونحن نعلن انتصار حركة تحرير تشاد.

> هل كلفت حرب تشاد كثيراً؟

- نعم. كلفت كثيراً، لكنها قادت إلى أن المسلمين هم من يحكمون تشاد. ذهبت إلى فرنسا وعرض (الرئيس الفرنسي) فاليري جيسكار ديستان خريطة لتشاد قائلاً: من خط 22 شمالاً لكم، جلود والقذافي في البدايات.jpg وجنوبه لفرنسا. قلت له نحن لن نتاجر بتشاد، فرد قائلاً إن أي صدام مع فرنسا سيكون صداماً مع أوروبا.

> كانت العلاقات مع المغرب تراوح بين التأزم والتعاون؟

- ضعف موقف الجمهوريات حين أصبحت أسوأ من الملكيات. ذات مرة، فوجئنا بالملك الحسن الثاني يرسل موفداً يقول إن هناك عواصم تستهدف المغرب العربي والحل في الوحدة بين المغرب وليبيا. قلنا له: كيف وأنت نظام ملكي ونحن نظام ثوري؟ وهل سيسمح لك الأميركيون؟ فرد بأن الضرورة تحتم ذلك. وافق معمر وعقد اتفاقية وحدة، لكنني رفضت. كان يفترض أن أصحبه للتوقيع، لكنني لم ألحق به في المطار، فاضطر إلى السفر بمفرده. لحقت به في ما بعد والتقيت الملك الذي حاول إقناعي.

(غداً الحلقة الثالثة)
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 10-30-2011, 04:16 AM بواسطة بسام الخوري.)
10-30-2011, 04:15 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
الرد على: عميد الطغاة...إعدام معمر القذافي 20/10/2011 - بواسطة بسام الخوري - 10-30-2011, 04:15 AM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  المقالات الغاضبة about syria from 01.04.2011 بسام الخوري 37 11,696 07-07-2014, 11:13 PM
آخر رد: بسام الخوري

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS