الأخ الكريم عاصي
.. هو دائما عاصي .. اسم يعني لي الكثير الكثير .
ككثيرين من أبناء جيلي ارتبطت حياتي العاطفية و العملية بفلسطين ، سواء كأحد أفراد القوات المسلحة المصرية العظيمة ، أو كناشط في الإنتفاضة الفلسطينية الأولى يتنقل بين الأحزاب و الجمعيات المساندة . في سبتمبر 2000 انطلقت الإنتفاضة الفلسطينية الثانية ، و لكني وجدت نفسي لأول مرة معزولآ عن القضية أقضي الوقت بين الهنود و الأسواق في دبي . فكرت أن أستخدم النت كأداة لمشاركة في قضية لم أتخل عنها يومآ منذ وعيت الحياة العامة ، و هكذا بدأت علاقتي بآربيا و أيضا ببهجت الإسم التعريفي الذي عرفت به إلى اليوم ، و أيضا بعاصي نجم آربيا و زعيم " المصريين " غير المتوج !. استغرق الأمر وقتآ حتى عرفت أن عاصي ليس مصريا بل فلسطينيا ، ففي رد له على زميل استخدم مثلآ شاميا هو " يطعمك الحج و الناس راجعين !" ، و الشامي الخبير بالشأن المصري سيكون فلسطينيا !،وهو ما تأكد لي لاحقا . هذا هو العزيز عاصي المحب للعرب و لمصر ، حتى لا تعرف بسهولة أكان مصريآ أم لا ؟،وهذه هي الصورة التي ارتبطت لدي بعاصي " رُبّ أخ لم تلده أمك " .
هناك العديد من المبادئ و المواقف التي نتشارك فيها ، الإنتماء للقضية الفلسطينية و التقدير لخالد الذكر " ياسر عرفات " ، فعرفات بالنسبة لي هو أحد أبطال حقبة التحرر الوطني ، هو النموذج الفلسطيني لجيفارا و عبد الناصر و بومدين و ماوتسي تونج ، هو البعث التاريخي للفلسطينيين كأمة و دولة قادمة . و لكن عاصي يمتاز بمعرفته الواسعة بالقضية و تاريخها و فهمه الرائع للظرف التاريخي و أيضا السياسات الشامية !،و هذا ما دفعني لمزيد من القراءة و الدراسة ، فلا يكفي مع قضايا تاريخية أن تتحمس و تتعاطف بل لابد من المعرفة ، لهذا عندما أقول أني تعلمت من عاصي فأعني حرفيا ما أقول . أيضا جمعنا الرفض الكامل للغزو الأمريكي للعراق و رفض تمرد حماس في غزة ،و العديد من المواقف القومية و الإنسانية .
اختلفت أحيانا مع عاصي و لكنه الخلاف الذي لا يفسد قضية الود ، بل الخلاف الموضوعي الذي يلد الحقيقة . يتذكر عاصي أني كنت دائما متفائلآ بالمستقبل العربي رغم أني عاصرت الإنتكاسات العربية كلها ، و كان هذا الموقف يبدوا ساذجآ أو طوباويا ،و لكني متشرب بروح التفاؤل التاريخي بل و الشخصي ، ودائما أردد " أنه لا يوجد ما تكسبه بالتشاؤم ولا تحرزه بالتفاؤل " ، العرب لا يمكن أن ينهزموا حتى لو أرادوا فالتاريخ معهم و الجغرافيا و الأشعار و الزمن و الألم .. كل شيء ، حتى الأرض التي تتكلم عربي و سمعها عاصي و أسمعنيها . إني موقن أن مالدينا في مصر هو " الفجر الكاذب " و لكنه كأي فجر كاذب يسبق الفجر الحقيقي و يبشر به .
وجود عاصي في نوادي الحوار و الفكر العربي بوجه الخصوص يسعدني و يشعرني بالراحة و أيضا الأمان ، تماما كمن يسكن بجوار اخوانه و أقربائه . ما أريده من عاصي ليس لبهجت بل لشباب عربي يتابعنا في نادي الفكر ، أن ينقل لهم تجربته النضالية ،و أن يعرفهم حقائق قضيتهم الأولى ( الفلسطينية )كما فعل دائما . أن يصقل الفلسطينيون عقولنا بالمعرفة تماما كما ملأ نضالهم قلوبنا بالحماس.أريد من عاصي أن يستكمل تجربتنا الرائدة في عالم النت ، أن تصبح الكلمة الأليكترونية أداة للنضال .
من عادتي أن أتحدث عن أصدقائي في عالم النت كما لو كانوا أصدقاء الحياة اليومية الواقعية ، و بعضهم أصبح معروفا لعائلتي و أصدقائي ، و يالتالي فليس نادرآ ما يتردد اسم عاصي أو الصباغ أو جعفر علي و العلماني و ... في بيتي . فوجئت و أنا أعد ردآ عن مداخلة عاصي بسؤال بدا لي مباغتآ لم أفكر فيه قط :" ماهو دين عاصي ؟" ، فأجبت ببساطة و عفوية " لا أعرف " ، حقيقة لا أعرف ولم أهتم بمعرفة دين أي من زملائنا العرب القدامى ، و حتى لو عرفت بشكل عرضي لا أتوقف فالأمر لا يعنيني ، قدماء النادي كآلهة الإغريق القدماء بلا دين بما يعني كل الأديان .