الأحزاب تنبت طبيعيا في تربة أي أمة ولا تتساقط عليها كما يتساقط المن والسلوى.

الأحزاب هي اجتماع النخبة في الأمة على مجموعة أفكار ومفاهيم سياسية يريدون أن يحملوا الناس إليها أو عليها ليجعلوها واقعا معاشا، وليحرسوا بقاءها، الأحزاب أدوات فكرية سياسية.

حين تصير الأحزاب أدوات شخصية، أو حين تتحول من العمل السياسي إلى العمل العسكري، أو حين تصير ممن مع الريح يميل، حينها تصبح شيئا آخر، نختلف في أسمائه لكنه ليس حزبا لا ريب.

مارس الطغاة الحاكمين للعالم العربي تضليلا واسعا وتنفيرا ممنهجا وتدميرا عميقا لفكرة الحزبية السياسية في الأمة، كالسوفسطائي الذي يقزز الناس من العسل بوصفه خرء ذباب، فصارت الحزبية والتحزب مذمومة عند الرأي العام، رغم أن الأمر الطبيعي أن أي طائفة من الناس تعنى بأمر مشترك ولها قناعات مشتركة، الوضع الطبيعي أنها تتحزب حول هذا المشترك لأمر أو لآخر.

التحزب هو أحد صمامات حماية البلد من العسكرة والاستبداد، ما التزم الحزب، أي حزب، بالعمل السياسي والفكري. وهو أحد مفاتيح تدمير البلد في اللحظة التي يتحول فيها إلى ميليشيا مسلحة، وهو أحد عوائق النهضة حين يتحول من حزب فكري إلى حزب شخصي أو عائلي، ويصبح شيئا لا قيمة له ولا محل من الإعراب حين يميع ويسيل مع الرأي العام بدل أن يسيره ويشكله.