شيء من الحول
الحول الليبرالي لا يعرف حدود ، فعندما تسقط الدول تتناغم كل الأشياء لتدعم هذا السقوط حتى الظواهر الطبيعية ، و الدولة المدنية التي تحتضر الان في مصر ليست استثناء .
فكر المجلس العسكري متأخرآ للغاية كعادته و بذكائه المتواضع المعهود أن يضع بعض المحددات لعملية صياغة الدستور بحيث لا يكون الدستور طمسا نهائيا للدولة المدنية في مصر و لمئات السنوات القادمة ، و ربما كان هناك أخيرآ من صنع المعجزة و جعل المجلس يدرك شيئا من المخاطر التي تحدق بنا ، هكذا ظهرت فكرة المبادئ فوق الدستورية أو الحاكمة ، و هكذا أيضا خرجت وثيقة السلمي ( نائب رئيس الوزراء ) وقتها إلى الوجود .
هذه المبادئ تخدم الليبراليين و أنصار الدولة المدنية و تحقق شيئا من مطالبهم بأن تكون لجنة وضع الدستور ممثلة لجميع شرائح المجتمع و ليس فقط الأغلبية الإسلامية المتوقعة في المجلس ،و بالتالي وافقت معظم القوى الليبرالية على الوثيقة باستثناء بندين كانا موضع مناقشة .
رفض الإسلاميون خاصة الإخوان المسلمون الوثيقة كلها و طالبوا بسحبها دون مناقشة بما يعني استسلام المجلس العسكري بدون قيد او شرط !، و هددوا بالخروج في مليونية من أجل دعم مطالبهم و خرجوا بالفعل يوم الجمعة السابقة مباشرة للإتخابات . إلى هنا و كل شيء طبيعي ، أما ما هو الغير طبيعي أن ينشط الليبراليون و شباب التحرير إلى المليونية التي تخدم منافسيهم ( حول من الدرجة المتقدمة )
!.
إنتصر الإسلاميون في فرض إرادتهم و سحب المجلس العسكري الوثيقة بشكل مهين للغاية ، فترك الإسلاميون التحرير و ذهبوا ليحصدوا النصر في الإنتخابات العامة ، بينما كان شباب الثورة راسه و ألف حذاء قديم إلا أن يستولوا على وزارة الداخلية في شارع محمد محمود لأنها تفكرهم – اسم الله حارسهم و صاينهم – بالباستيل الفرنسي !،و هكذا فقدوا أكثر من 50 قتيل في مغامرة حمقاء لا يقدم عليها عاقل ناهيك أن يكون وطنيا بأي شكل
.
انتهت الإنتخابات و سقط فيها شباب التحرير بشكل مشين ، بينما كانت فلولهم مازالت تتجادل هل تفتح ميدان التحرير أم تغلقه ،و أخيرآ أخذوا يتقاتلون مع شركاء الثورة الثانية من البلطجية و أولاد الشوارع ، فأصيب عدد كبير منهم ! .
بعد فتح الميدان تحدث أحد قادة الثورة الثانية ( إسلام نور الدين ) كيف أنهم خدعوا البلطجية و الباعة الجائلين !، و فتحوا الميدان زاعمين أن قوات الأمن قادمة ففر شركاء الثورة من البلطجية و انتصروا هم بدهائهم العظيم فشر دهاء عمرو بن العاص ، ووضعوا لافتة تعبر عن انتصارهم الكبير " الميدان مفتوح بأمر الثوار " ما شاء الله فتحوا ميدان في أورشليم .
هذه المهازل جعلت من إعتصامات التحرير نوعا من العبث و المعتصمين ملطشة لمن يريد سواء من السلفيين أو البلطجية أو قوات الأمن أو حتى مروجي البانجو . لهذا لا نعجب عندما نسمع المتحدث باسم حزب النور ( السلفي ) يعلن بكل بجاحة ساخرآ من التحرير و شبابه ، " من حق الإسلاميين الحكم بطريقتهم ، و من لا يعجبه .. ( التحرير ) موجود !" ،وهو بالطبع يشير إلى جمعة قندهار التي غزوا فيها التحرير بأعلامهم الخضراء بينما أطلق الشباب الثائر العظيم ساقيه للرياح .
هذا الموقف العبثي لليبراليين من بتوع "الثورة" يذكرني بالعاشق الولهان الذي يؤكد للجميع أن ليلى متولهة في حبه بينما ليلى تلك متزوجة من سنوات و لديها حشد من الأبناء !.