الحدث العراقي في قاموس الفضائيات العربية
إسراء الفاس
قليلون هم من يدركون أي حدث ستشهده المنطقة أواخر الشهر الجاري، وكثيرون ممن بكوا سقوط بغداد بيد الجحافل الأميركية باتوا اليوم أبعد ما يكون عن أخبارها.. لا لشيء سوى أن قواميس فضائيات العالم العربي باتت خالية إلا من عبارات السقوط والانهيار والانهزام!
وفي حين يترقب العراقيون انسحاباً كاملاً للجيش الأميركي، يغيب الحدث العراقي عن تغطيات الفضائيات العربية وكذلك تغيب أخبار الانسحاب ومشاهده، فلماذا؟ ولصالح من؟ وهل هو غياب أم تغييب؟؟
السؤال طرحه الموقع الالكتروني لقناة المنار على مجموعة من أهل الإعلام والسياسة، فأتت الإجابات على الشكل التالي:
غسان بن جدو: التعتيم ليس مستغرباً بعد ما بات الحدث الفلسطيني يحتل آخر العناوين
المدير السابق لمكتب قناة الجزيرة في لبنان غسان بن جدو رأى أن هناك إنحرافاً سياسياً عربياً ينعكس على الإعلام، خصوصاً وأن أجندة الإعلام العربي مرتبطة بالأنظمة العربية المموِّلة له، والمعنية اليوم بتخفيف وطأة هزيمة الإدارة الأميركية في العراق.
واعتبر أن التعتيم على الحدث العراقي ليس مستغرباً، بعد أن بات الحدث الفلسطيني يحتل آخر العناوين في أخبار الفضائيات العربية، وبعد الإهمال الاعلامي الواضح لعمليات المقاومة الفلسطينية والذي بدا جلياً في تغطية عملية إيلات الأخيرة، موضحاً في الوقت عينه أن وسائل الإعلام العربية ظهرت في الأشهر الأخيرة وكأنها معنية بإسقاط أنظمة لا بالتعبير عن إرادة الشعوب.
عزيز: الاعلام العربي جهاز إنباء عن المشروع الأميركي
ولفت جان عزيز مدير الأخبار والبرامج السياسية في قناة "أو تي في" أنه لا يوجد وسائل إعلام عربية بل أجهزة مجندة بخدمة المعركة الكبرى بالمنطقة، معركة المشروع الأميركي، الذي يلتف حوله العرب، ضد المشروع الآخر.
وأردف بأن الاعلام العربي عبارة عن جهاز إنباء يعمل لصالح المشروع الأميركي الذي نشأ منذ لحظة انهيار الاتحاد السوفياتي، وهاجسه الوحيد كيف يحتوي المارد الجديد أي الاسلام.
البسّام: الاعلام العربي يؤدي الدور المطلوب منه تبعاً لما تقتضيه مصلحة أميركا
وتقاطع رأي مريم البسّام مديرة الأخبار في قناة "نيو تي في" مع رأي كلٍ من بن جدو وعزيز، فإعتبرت أن الإعلام في العالم العربي مرسوم على مقاس الأنظمة. وأضافت أنه لا يوجد اختلاف بين سياسات الأنظمة العربية ولا سيما الخليجية وبين السياسة الأميركية.
وقالت إن المعركة اليوم إعلامية، فالادارة الأميركية نصّبت أنظمة في دولة الخليج تسيطر على الإعلام؛ الذي أصبح جناحاً فاعلاً في أي معركة وبات بمثابة الذراع المسلح لأي جبهة.
وأشارت البسّام أن المطلوب اليوم تحقيق انتصار يعوّض عن الهزيمة الكبرى في العراق، وأن الإعلام العربي يؤدي الدور المطلوب منه لتحقيق هذا الهدف، فيسلط الضوء هناك ويضخم هناك ويعتّم على المطلوب التعتيم عليه ويتجاهل وفقاً لما تقتضيه مصلحة الأميركيين، مذكرة بالتعامي الإعلامي عن احتجاجات البحرين والقطيف وعُمان.
وأضافت ان المعركة ماضية قدماً، وأن هذه الدول، وانطلاقاً من حرصها على مصالحها وبقائها، تحاول عكس الصورة بما يرضي السيِّد الأميركي الذي بات عامل استقرار لهذه الأنظمة.
بشور: التعتيم: تعتيم على نصر حققه الشعب العراقي
بدوره علّق معن بشّور، الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي ورئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، على السؤال معتبراً أن من يتحكم بالمنظومة الإعلامية هي الإدارة الأميركية وحلفائها في المنطقة والعالم؛ وبالتالي هم لا يحاولون اخفاء هذا الخبر فقط، بل يعمدون إلى اغراق هذا الحدث لتضخيم أخبار أخرى في مناطق أخرى بما يخدم الأجندة الصهيونية القائمة أساساً على زرع بذور الفتنة في المنطقة.
ولفت أن السياسة اليوم تقوم على الخلط بين الإعلام والواقع فما يظهره الإعلام هو الواقع وما يغيب عنه ليس واقعاً وبغياب خبر الانسحاب وهزيمة الأميركي كأن لا هزيمة حصلت!
وقال إن جلاء الجيش الأميركي ما كان تم لولا المقاومة العراقية وصمود الشعب وبطولاته، ولولا أكثر من مليون شهيد وملايين، لذلك فإن التعتيم على هذا الانسحاب هو تعتيم أولاً على نصر حققه العراقيون، وثانياً على هزيمة كبرى لحقت بالإدارة الأميركية ليس في منطقتنا فحسب بل في العالم كله.
الخازن: لازلنا في بداية شهر 12 وقد تحمل الأيام المقبلة تغطيات وافية عن الحدث
من ناحيته اعتبر الكاتب السياسي في صحيفة الحياة جهاد الخازن أن الثورات والتحركات في العالم العربي باتت الشغل الشاغل للإعلام العربي، وأنها فرضت زخماً في الأحداث والتطورات عجّت بها وسائل الإعلام، ما حال دون تغطية أحداث أخرى.
وتوقع الخازن أن يُكتب الكثير عن هزيمة الأميركيين وانسحابهم مطلع العام المقبل، وفي الأيام القليلة المقبلة، معتبراً أن من المبكر نوعاً ما الحديث عن تعتيم اعلامي طالما أننا لازلنا في بداية الشهر.
هذا ما قرأه أهل الاعلام والسياسة في تعاطي الاعلام العربي مع الأحداث، فلعل الزمن توقف بالفضائيات العربية، التي غرقت في وحول المستنقع الأميركي، عند لحظة سقوط بغداد! لتتحول بعد ذلك من مفعولِ به إلى نائب عن الفاعل يُسقط أنظمة هنا ويرفع أخرى هناك..