أنا رغم جهلي بأوضاع مصر مثلكم ورغم أنني مدسوس ومندس ومن دولة منحطة وغيرها مما ترشقوني به كلما عبرت عن رأيي، سأقول ما يلي:
الوضع كما أراه ما يلي، أسقط حسني مبارك في "ثورة" 25 يناير ولم يسقط نظامه (كما أراد الشعب). فبقيت أجهزة الدولة دون إصلاح بنيوي في هيكلتها عدا إقصاء بعض الأشخاص أو تبديل مواقعهم. الآن البعض يرى أن هذا أمر إيجابي يمنع الدولة من السقوط في الفوضى وهم الذين همهم الاستقرار والمحافظة على الوضع القائم لأن أي بديل برأيهم هو الفوضى أما البعض الآخر فيرى أن الثورة تعني تغيير النظام كله وعمل إصلاحات واسعة النطاق (مثلا البعض اقترح إلغاء جهاز أمن الدولة والاستعاضة عنه بتوسيع الشرطة، البعض يريد تغييرات بالجهاز الضريبي الذي يعتمد بشكل شبه كامل على ما يجمعه من المأجورين وأما رجال الأعمال الكبار فيحصلون على تخفيضات ضريبية هائلة).

بعض من ينادي اليوم بالاستقرار كان ضد الثورة من بدايتها واليوم يقول أن الثورة كانت في البداية طاهرة ثم امتطاها بعض البلطجية (راجعوا فيديو البرنامج أعلاه، أو ابحثوا في النادي عن المشاركات أيام الثورة). ولكن هنالك من شارك بالثورة بشكل فعال ويقف اليوم ضد الحركات الاحتجاجية، ولا أشك بغيرتهم على مصر ومصلحتها.

الإخوان والسلفيون لهم مشروع آخر وهم لا يهتمون بحعل الدولة أكثر ديموقراطية أو بنشر العدالة الاجتماعية، لذا فقيادتهم مع حزب الاستقرار وبرنامجهم الاقتصادي لا يختلف عن برنامج مبارك.

أنا شخصيا وبحكم ميولي اليسارية وبحكم أن العديد ممن احترمت رأيهم (ممن تابعتهم قبل الثورة بسنوات) أضحوا فجأة ثورجيين وبلطجية أو الإثنين معا أميل إلى صفهم. الإجراءات الاقتصادية النيولبرالية التي تنفذها حكومات العالم الثالث (بحسب توصيات صندوق النقد) هي إجراءات لم تتبعها أي دولة متطورة وهي أقسى بكثير مما يحدث في "أم الرأسمالية" أمريكا.... هي أيضا إجراءات برهنت فشلها مرة تلو الأخرى، إيرلندة مثلا سميت النمر الكلتي بسبب التطور الذي حصل فيها منذ نهاية التسعينات لكنها اليوم على حافة الإفلاس، وعلى ما يبدو فإن كتلة اليورو على وشك التفكك وكل ما أقر ما إجراءات لا يكفي لدرء انهياره وحين سيحدث ذلك التسونامي ستتأثر أغلب دول العالم أكثر مما تأثرت بأزمة أمريكا (ومن لا يذكر فقد بدأت الأزمة "صغيرة" عام 2007 وبدا أنها مجرد وعكة صحية عابرة ثم على حين غرة تفجرت).... هذه الأزمات هي وليدة النظام النقدي الحالي الذي هو جزء من الاقتصاد النيولبرالي.

أنا ضد اتباع هذه السياسات التي لا تفيد سوى بعض الطبقات التي تزيد غنى بينما ينتشر الفقر بين الطبقات الدنيا، ولا أظن أن مصر تستطيع بجهازها التعليمي منافسة دول أخرى لجذب مستثمرين يحتاجون خبرات في الصناعة التقنية العالية مثلا.

ما ترونه استقرارا أراه جمودا وترهلا وعدم استعداد للأزمة المحدقة.

طبعا ستقولون أنني أجهل أبسط مبادئ الاقتصاد، وأن أردد دون فهم شعارات جوفاء أكل الدهر عليها وشرب وأنني مندس حقود... لكن من من خبراء الاقتصاد الكبار تنبأ بالأزمة يوما قبل حدوثها؟ المسألة ليست مسألة فساد أفراد بل مشكلة في نظام اقتصادي يربي مثل هؤلاء الفاسدين ويشجع الفساد ويمنع عنهم الرقابة.

منذ فترة وأنا أتساءل عن البعد الطبقي وتأثيره على مواقف البعض من الثورة.