ما الفرق ما بين النصارى والمسيحيين؟
المسيحيون: أول ما استعملت هذه العبارة كان في مدينة أنطاكيه حيث أول ما دُعي أتباع يسوع مسيحيون, وحيث لم يعد أتباع يسوع يعتبَرون كطائفة من طوائف اليهود. كلمة النصارى قلما تـُستعمل في الغرب.
فما الفرق بين النصارى والمسيحيون؟
هذا السؤال راودني منذ طويل, وإذا كان النصارى هم المسيحيون فما سبب هذه التسمية المزدوجة؟
أتى في الأناجيل بأن يسوع دُعي ناصرياً نسبة إلى بلدة الناصرة التي تربى فيها؛ ومن ثم دُعي أتباعه نصارى. على أن دراساتي في علوم التاريخ وعلوم القدماء كشفت لي أشياء أخرى.
دلت المخطوطات القديمة وبيَّنت الكشوف بان كانت هناك فئة خاصة من اليهود تـُدعى النصارى, ومن أشهر من انتمى إلى هذه الجماعة ووردت أسمائهم في التوراة كان شمشون في أيام القضاة, وصموئيل في أيام الملك داود, وأخيراً يوحنا المعمدان في أيام يسوع.
كان الشخص المنتمي إلى هذه الفئة يكرَّس ليعيش كل حياته بتقشف وخشونة وطهارة وعدم لمس الموتى وأن لا يقص شعره الخ.. وكان اليهود يتطلعون على النصراني كشخص طاهر, إذ كان النصراني هو الوحيد, على حدة من عالي الكهنة, الذي يمكنه الدخول إلى قدس الأقداس في الهيكل.
في أيام يسوع, كانت جماعة النصارى تسكن في ما يعرف ذلك اليوم ببرية يهوذا, كانوا يعيشون على تربية الأغنام والعسل البري والجراد الذي كان يؤكل في تلك المناطق بالإضافة إلى بعض النذور من اليهود الميسورين. والوثائق التي وُجدت في الكهوف في النصف الأول من القرن العشرين ونسبها الباحثون إلى جماعة الإيسنيين, كانت في الحقيقة لجماعة النصارى, فالباحثون لم يميّزوا بين الفئتين من حيث قرابة التشابه بينهما, حيث الإيسينيون كان مركزهم في جبل الكرمل وكانوا يعيشون كرهبان في أديرة ويمتنعون عن الزواج ويتعاطون في الدراسات عن الملائكة, وانتمى يهود ميسورون مؤمنون إلى فئة الإيسنيين, لكنها انقرضت في غضون القرن الأول الميلادي.
وعندما سار يوحنا المعمدان (نسيب ليسوع من جهة أمه) شمالاً ليبَّشر بقدوم "ملكوت السماء" كما فهمه, ويعَّمد المؤمنين برسالته (لم يكن التعميد جزء من الشعيرة اليهودية, ولكن يبدو بأن اليهود كانوا يعَّمدون من أراد التهود والانضمام إليهم من الأمميين), يبدو بأن جماعة النصارى كانوا يدعمونه, لاهوتياً على الأقل؛ وعندما تعمَّد يسوع في الأردن وأعلنه يوحنا بأنه المخلص المنتظّر, بعض من تلاميذ يوحنا اللامعين كأندراوس وبطرس انضموا إلى يسوع بينما تلميذه عزرا رفض أن يوافق بأن نجار كفرناحوم هو المخلص المنتظر, وعندما انتهره يوحنا, ترك بمعية من وافق معه من أتباع يوحنا بعد إعدامه, وجعلوا لهم فريقاً مستقلاً, وبقايا هذا الفريق تخلف حتى أيامنا هذه في جنوبي العراق.
وعندما سُجن يوحنا بهيرودس أنتيباس, وقام يسوع بتعليمه العلني كان فريق النصارى وعلى رأسهم قائدهم أبنير, يتعاونون في البشارة والتعليم مع رُسل وتلاميذ يسوع, وكان نتيجة هذا التعاون بأن جماعة يسوع اقتبسوا من جماعة أبنير المسح بالزيت للمرضى والصيام والتعميد, بينما يسوع لم يتدخل في تلك القرارات, حيث أنه كان مهتماً بالشخص الإنساني وليس بالجماعة الإنسانية في الزمان والمكان.
فيما بعد انضم أبنير بكامل جماعته إلى جماعة يسوع وجعله يسوع رئيساً للتلاميذ السبعين المبشرين إلى جانب رُسله الاثني عشر, وبعد الصّلب وبدء الدِين اليسوعي صار أبنير رئيساً لكنيسة فيلادلفيا (عمان اليوم) بالإضافة للِعازر (الذي أقامه يسوع من الأموات) والرسول نثانئيل, وكانوا على خلاف إداري مع بولس وبطرس ويعقوب على طريقة نشر تعاليم يسوع, ولذلك لم تصلنا أخبارهم وأعمالهم في الأناجيل التي كُتبت فيما بعد. حيث أن المسيحية البولسية بدأت في أنطاكيا ونشرت التعاليم المسيحية في الشمال والغرب, كانت الطائفة الأبنيرية التي التصقت أكثر إلى تعاليم يسوع تنشر تعاليمها في الشرق والجنوب.
ولأن أتباع يسوع كانوا حين ذلك يُعتبرَون بالشعوب المجاورة كطائفة من طوائف اليهود, لذلك أُلصق اسم أتباع أبنير (النصارى) على كل مَن تبع دِين يسوع في الجزيرة العربية. حتى تسمى بهذا الاسم فيما بعد كل مَن اتبع ملة غريبة أو مختلفة عن ملل الأباطرة الرومان في المسيحية والتجئ هارباً إلى الجزيرة العربية. ودامت كنيسة فيلادلفيا كمركز تبشير إلى الشرق والجنوب حتى انقرضت عند القيام المفاجئ للإسلام بغزوه العسكري ومتطلباته الأخلاقية البسيطة التي راقت إلى بدو الجزيرة العربية.
وكان السبب الرئيسي في قلة أعداد الأبنيريين هو تصلبهم وتشددهم في الدِين إذ كانت المتطلبات الأخلاقية لهم صعبة جداً خاصة لساكني الصحراء العربية البدو الرُحَل, بينما المسيحية في الغرب استعارت كثيراً من الأديان الميثرانية واللاتينية والفلسفة الإغريقية والباطنيات المشهورة حتى تكتسب أتباعهم ولذلك كانت ناجحة أكثر من كنيسة فيلادلفيا بسبب شعائرها وإدارتها. إذ إنه صعب لدِين ليتخلف بجهد أشخاص منفردين إذ يلزمه شعيرة ومؤسسة تديره.
|