اقتباس:النظام السوري يقتل في المدنيين العزّل يمينا ويسارا...لا حرمات عنده...والقتل بلا حساب...وشلالات من الدماء تسري في سوريا الان...والأمر لا يحتاج لمجهر لتكتشفه!.

الأمر الذي يحتاج الى مجهر هو دقة هذا الكلام. فرغم كل اللغط و التزوير و التضارب الاعلامي فكل الأخبار مجمعة على أن هناك قتلى من الطرفين. فهل يحق لنا هنا التمييز بين قطة و قطة أو انسان و انسان في حق الحياة؟ أم نعمل بتوقيعك في منتدى "مدن" الذي يقول "... لا تقف مع قاتل أيا كان"؟!

ثانيا:
أنت تجعل من مسألة "صراع سياسي" قضية "أخلاقية" و هذه مغالطة خطيرة و مغرضة مثلها مثل مغالطات قوى الاسلام السياسي. فهم يصورون الصراع على أنه صراع "ديني" أو بين مسلمين و صليبيين أو مسلمين و علمانيين و ما شاكل. و بالتالي فالحق "المطلق" و "الله" بجلالة قدره في جانبهم و هذا تزوير لطبيعة الصراع الاجتماعي الواقع على الأرض و ترحيل له الى السماء ذات القدرة الخارقة على لم الناس الى صفهم و معاقبتهم بعذاب جهنم ان لم يفعلوا. و أنت بقولك أن القضية أخلاقية تحتكر الاخلاق و تنفي نسبيتها و لا تترك لأي انسان أو مواطن مجال اختيار أو تشكيل موقف مختلف سواء جزئيا أو كليا. و الا كان هذا الانسان منحطا و بلا أخلاق و ابن ستين في تسعين! طيب في هذه الحالة أين ذهب كل ما كنا نحمل و نردد و نكتب من أفكار عن "قد اختلف معك في الرأي لكني ما بعرف شو؟ و كيف نقنع الآخرين اذن أننا نريد بهذه الثورة أن نبني سوريا ديمقراطية تعددية و نؤسس لمساواة في مواطنة و ما شاكل من شعارات؟

و بناء عليه تأتي ثالثا:
أمام هذا الاقصاء و "من ليس معنا فهو منحط عديم أخلاق" و "من ليس بعثيا فهو خائن" تكونوا عرفتوا أنكم أحد الأسباب التي تسقط حقكم في مهاجمة الملايين من أخوتكم في الوطن -و زملائكم في النادي- الذين تستسهلون رميهم بالطائفية أحيانا و بالعملاء و بالخونة و الصلع و المأجورين و سائر المواصفات الرومانتيكية أحيانا أخرى. ما أعرفه هو أن الثورات تدرس التحديات التي تواجهها و تتباحث فيها و تكتب وأنتم هنا قادرون على فعل ذلك بالحوار على الأقل لكن شيطنة و تسقيط الآخر اسهل و أريح .. و لشو وجع الراس!

رابعا:
ما دمت تطرقت الى صفة "الأخلاقية" فيا عزيزي حين نقول عن النظام أنه لاأخلاقي نتوقع من المعارضة أن تتفوق عليه أخلاقيا. لكن اللي حاصل غير ذلك! و هذا الموضوع لم يأت من فراغ بل من عقلية تفعل فعلها في مستويات أعلى و لا داعي لانكار الاقصاء و لاديمقراطية الممارسات و الاجراءات في اجتماعات المجلس الوطني الذي تدافعون عنه و غير ذلك من ظواهر سلبية. كما أنه مثلما النظام يمثل أقلية تفرض نفسها و مصلحتها و قوانينها و ووو على أكثرية سورية أنتم ترتكبون نفس الجرم فتفرضون خياراتكم و اهدافكم و برامجكم عل كل سوريا. ليست كل سوريا مع الانتفاضة و لا مع المجلس الوطني و لكن هذا المجلس نازل يتصرف في الشأن السوري كله! هل هذا فعل أخلاقي؟!

خامسا:
ايرادك للأم بالذات في مثالك لم يأت من فراغ و لا يخلو من دلالات. فهي مصدر المثل و مصدر التربية و التأسيس الثقافي و القيمي ووو. و الأهم من كل ذلك هنا أنها المصدر الأعلى و الوحيد في المثال للتقييم! هذه الأم حكمها و تقييمها سامي و أخلاقي و عقلاني و نهائي و لا نقاش للطفل -ذي القطة- فيه. و هذا ما تريد أن تصف به موقفك. فهو وحده السامي و الأخلاقي و النهائي و الذي لا نقاش فيه. كما أن استخدامك للأم و عاطفتها و حنانها لا يخلو من ابتزاز عاطفي للقارئ و تشكيل بالتالي لموقفه السياسي من حيث لا ينتبه.

ربما كان المشهد مجرد مثال من وجهة نظرك لكن اللسان -و الكيبورد- يفضحان الوعي و اللاوعي.