علاج ممتاز ... استمر

---

صحف: الاسد معزول عن الواقع لا تصدقوه فزعيم يتهم شعبه بالخيانة لا يستحق الا الكراهية والاحتقار
فيسك: اعداؤه يزدادون قوة وحكومته تخسر المعركة الاعلامية
2012-01-11


لندن ـ 'القدس العربي': لم يرض خطاب الرئيس السوري بشار الاسد توقعات عدد من المعلقين البريطانيين مثل نظرائهم العرب، وحظي خطابه بثلاثة تحليلات في الصحف البريطانية الرئيسية. وركز تعليق كل من روبرت فيسك في 'اندبندنت' وتحليل ديفيد بلير في 'ديلي تلغراف' على شخصية الاسد، فيما ركز تحليل سايمون تسيدال في 'الغارديان' على خيارات بشار الاسد الثلاثة.

خطاب العام
ففي تحليل فيسك الذي جاء تحت عنوان 'الاسد يواجه غضب الشعب، ولكن مع تزايد غضبهم ظلت مبرراته كما هي'. ووصف خطاب الاسد بأنه 'خطاب عام' له، وما جاء فيه من حديث عن نظرية المؤامرة على سورية والضغوط الخارجية التي تتعرض لها الدول العربية، ومع ان فيسك قال ان هذه صحيحة لحد ما، حيث تقول الحكومة السورية ان الفين من جنودها قتلوا فيما تقول لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة ان خمسة الاف شخص قتلوا في العشرة اشهر منذ بداية الانتفاضة. كما تحدث الكاتب عن تحذيرات رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان.
ولا يشك الكاتب في وجود مؤامرة خارجية بناء على تدفق الاسلحة لاعداء الاسد من شمال لبنان، حيث صرح وزير الدفاع السوري ان بلدة اخترقها تنظيم القاعدة، ويرى ان الاتهام مشكوك فيه لان حالات القتل ارتكبها الجيش وليس طرف اخر، وحتى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي لا يزال حليفا للاسد نصح الحكومة السورية بعدم استخدام عبارات عامة تحمل معاني كثيرة وتستهدف كل طرف، واشار جنبلاط الى ان العملية الانتحارية الاخيرة في دمشق تطرح اسئلة كثيرة لانها تزامنت مع وصول فريق المراقبين العرب.
ويضيف الكاتب ان ما وعد به الاسد من استفتاء وانتخابات ودستور امور جيدة، لكن في النهاية لم يحمل خطابه الذي جاء بعد ستة اشهر من الصمت الا القليل لان ما ورد فيه ورد في خطاباته الثلاثة السابقة. ويقول ان الشيء الوحيد الذي تغير هو ان الوضع في سورية زاد سوءا فيما تزداد قوة اعداء الاسد قوة وعتادا، صحيح ان جيش سورية الحر او 'الجيش الحر' مستعد لتوجيه ضربات لكنه لن يكون قادرا على التغيير بدون عملية انشقاق واسعة لوحدات داخل الجيش الرسمي. وفي الجانب الاخر اي الحكومة السورية فقد وجدت نفسها في وضع لم تعد قادرة على التعامل مع الجانب الاعلامي، فهي وان سمحت لبعض الصحافيين دخول سورية الا انها تركت 'يوتيوب' يحدد وجهة ومسار الرأي العام، فعندما تبث قناة 'الجزيرة' القطرية صورا لامام يلعن الجيش السوري والاسد، فانك 'لا تملك الا الغضب' وعندما يتحدث اشخاص من داخل سورية ويقدمون تفاصيل عما يحدث في مناطقهم فان وزارة الاعلام تواجه مشكلة حقيقية.
ويشير للتناقض بين النظرية والتطبيق، فعندما يقول الاسد ان القانون يقضي ان لا يطلق الجنود النار الا في حالات الدفاع عن النفس، لكن 'الجزيرة' بثت اشرطة من يوتيوب تظهر ان الجنود تجاهلوا القانون. وعلق ساخرا على قول الاسد انه كان هو من اقترح ارسال فريق من المراقبين العرب، مشيرا ان تأثير 'الجزيرة' ودولة قطر وصل الى درجة يهدد بنقل ملف سورية للامم المتحدة.

الشخصية المعاندة تقود الى الفوضى
وفي ضوء تطور الاحداث وتواصل الاحتجاجات يرى سايمون تسيدال ان الاسد ظهر بصورة من لم يكن راضيا عن ادائه وعليه فلم يبق امامه الا ثلاثة خيارات، اما الهروب او التفاوض او القتال. ويعلق الكاتب على اللغة المزدوجة في الخطاب التي جمعت بين الوعود والتهديد قائلا ان تصرفا كهذا يتضمن عادة التسويف العناد، الحنق، ولوم الذات واخيرا ميل لخلق وضع فوضوي.
ويقول انه منذ بداية الانتفاضة فالرئيس، الذي لم يكن مناسبا للرئاسة ولم يكن يريدها، اظهر كل هذه الصفات بل واكثر منها. ويعتقد الكاتب ان حالة الرئيس الذهنية في ضوء ما يحدث في البلاد من انتفاضة مهمة في تحليل موقفه وما يدور في عقله، فهو يبدو غير راض عن المهمة التي يقوم بها، حيث يرى البعض انه معزول عن الواقع، فيما يرى آخرون انه رهينة في يد من هم اقوى منه. وعليه وفي ضوء زيادة الضحايا فقد صار الباب مفتوحا لان توجه للاسد تهم بارتكاب جرائم ضد الانسانية مما يعني ان الضغط عليه كبير، فاما ينهار تحت الضغط او يبحث عن مخرج، والذي يراه الكاتب يكمن في ثلاثة خيارات.
الاول هو الهروب مثلما فعل زين العابدين، الى السعودية التي اصبحت الملجأ المفضل للديكتاتوريين كما فعل عيدي امين وعلي عبدالله الصالح من قبله، ومع ان دقه على باب السعوديين سيشكل احراجا الا ان المحاولة مفيدة خاصة ان كان رحيله سيجلب الاستقرار.
وبالمقابل قد يهرب الى ايران او حتى روسيا التي لا زالت تقدم له الحماية، وان قرر الهروب فماذا سيحدث لزوجته البريطانية المولد واولاده الثلاثة؟ هل يعودون الى لندن، مكان مولدها وفي هذه الحالة سيسببون وجعا وازمة دبلوماسية للحكومة البريطانية.
اما الخيار الثاني فهو مواصلة استخدام التكتيك الذي استخدمه والده من قبل حيث نجح في قمع انتفاضة حماة عام 1982 والتي ادت لمقتل اكثر من عشرة الاف شخص، وقد نجح والده حينها، لكنه اي بشار، لم ينجح حتى الآن وفي خطابه يوم امس الاول هدد بمواصلة قمع 'الارهابيين' الذين قال انهم يتلقون دعما من الخارج.
الخيار الثالث فيتعلق بوعوده الاصلاحية التي لم يعد احد يصدقها نظرا لسجله السابق، وان اوفى هذه المرة. وفي هذا الخيار فانه سيواجه المتشددين من داخل المؤسسة الذي سيسارع في 'رميه'.
ومشكلة الاسد انه احرق كل قواربه مع الدول العربية - الجيران والغرب، الذي خاب امله بتحقيق اصلاح حقيقي، ولكن ان كان البديل عنه، دولة معادية للغرب فانه سيفضل بقاءه، اما اسرائيل فقد تفضل بقاءه من اجل الاستقرار.

لا تصدقوه انه يخدع نفسه
بعيدا عن خيارات الاسد المستحيلة فان ديفيد بلير في 'ديلي تلغراف' يرى ان تحليل الاسد للازمة الحالية في بلاده تظهر كل اعراض رجل يعاني من مرض القمع.
وقال 'لا تصدقوه' خاصة انه كان مثيرا للاسى والقرف. وعلق ساخرا على وعود الاسد بتوفير الوظائف والتركيز على تطوير الصناعة في المستوى القريب والمتوسط واضاف ان سورية يجب ان تحقق العدل الاجتماعي، كل هذا على الرغم من المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها النظام بسبب العقوبات والمقاطعة التي فرضها الغرب والدول العربية على الغرب.
ويواصل قوله ان الدكتور الاسد يعاني من اعراض مرض يمكن ان نسميه 'اعراض خداع النفس' الذي يصيب حفنة من البشر ممن يديرون انظمة شمولية، فما يميز الحالة العقلية للاسد هو الانسجام التام لانه يكرر دائما نفس الافكار.
واهم الافكار هي القاء تبعة المشاكل على الخارج لان الحاكم دائما ما يؤمن بحب الشعب له حتى العبادة.
وذكر بالقذافي الذي شاهد عشرات الالاف من الليبيين يسيطرون على مدن كاملة ومع هذا ظل يؤمن بان الشعب يحبه وكذا روبرت موغابي، رئيس زيمبابوي الذي القى اللوم على الحكومة البريطانية بانها وراء المعارضة القوية لنظامه.
ونفس اللغة استخدمها اية الله خامنئي عام 2009 ضد القوى الخارجية. وتمنح هذه الصيغة الديكتاتور الفرصة لان يربط مصالحه بمصالح الامة، فيصبح هو الامة والامة هو.
فالاسد عندما قال في خطابه 'نحو جبهة واحدة' تناسى ان الانتفاضة منذ العام الماضي هي في جوهرها ضده وانها معركة بين الشعب وعائلته. ويعتقد الكاتب ان حالة خداع النفس تصيب اي واحد منا ولكنها عندما تكون علامة الديكتاتور نفسه فانها خطيرة لانه عندما يعتقد ان المتظاهرين هم جزء من مؤامرة خارجية فانه يحكم عليهم بالخيانة والتي تعني القتل.
ويعتقد الكاتب ان الزعيم يهين شعبه عندما يفكر ان شعبه يمكن شراؤه وغسل دماغه من الخارج. كما ان الزعيم عندما يقتل للبقاء في السلطة فانه يسخر من عقولهم، وزعيم كهذا يعيش حالة من الخداع فانه لا يجعل نفسه هدفا للحقد فقط بل والاحتقار ايضا.