الشريعة في أوكلاهوما
الأهرام .
‏يجب أن أعترف بالمفاجأة التي جاء بها الخبر الذي أتي من ولاية أوكلاهوما الأمريكية وخلاصته أن محكمة الاستئناف الفيدرالية قد أقرت حكما أصدرته واحدة من المحاكم الابتدائية في الولاية في قضية الولاية‏755(‏ عواد ضد زيراكس‏)
ببطلان قاعدة دستورية تم إقرارها عن طريق استفتاء شعبي وبمقتضاها تمتنع محاكم الولاية عن استخدام الشريعة الإسلامية كأحد مصادر القانون التي يهتدي بها القضاة في أحكامهم. وكانت الحجة التي استندت إليها المحكمة الفيدرالية هي أن الاستفتاء قام علي شرط التمييز ضد إحدي الشرائع تحت حجة أنها باتت تسيطر علي محاكم الولاية وهو ما لم يقم دليل علي وجوده, خاصة وأنه أبقي علي مصادر ومرجعيات دينية أخري للحكم بما فيها الديانتان المسيحية واليهودية أيضا.
مثل هذا الحكم الذي أعاد الأمر إلي نصابه بعدم التمييز ما بين المصادر الدينية المختلفة عند التشريع أو الحكم في الولاية جاء نتيجة تعاون مؤسسات للمجتمع المدني قل أن تجتمع في موضوع واحد مثل, عصبة محاربة التمييز, واتحاد إصلاح اليهودية, وتحالف الحوار بين الأديان, واللجنة اليهودية الأمريكية, ومركز التعددية الإسلامية, والأمريكيون المتحدون من أجل فصل الكنيسة والدولة.
لاحظ هنا أن مؤسسات المجتمع المدني المشتركة في الدعوة تأتي من منابع مختلفة, وتكاد تمثل ليس فقط الأديان السماوية الثلاثة بل إنها أيضا تضم هؤلاء المنادين بفصل الدولة عن الكنيسة أي عن المؤسسات الدينية. ولكنها في الوقت نفسه تؤمن بحرية الأديان والاعتقاد, ولا تستبعد أن تكون المصادر الدينية جزءا من الفكر القانوني تحت شرط عدم استبعاد أي منها حتي ولو جاء هذا الاستبعاد من خلال استفتاء شعبي حيث لا توجد قدسية لقرار يقوم علي التمييز أو يرفع من شأن دين علي دين آخر, ولو حدث ذلك فإنه يشكل مخالفة واضحة لمبدأ دستوري مهم يتعلق بالمساواة والحريات الدينية. ولاحظ أيضا أن الواقعة قد جرت في ولاية أوكلاهوما وهي من ولايات الجنوب الأمريكي المحافظة في تفكيرها, ويوجد فيه كثرة من المتعصبين, ولكن لهذا كانت المحاكم الدستورية التي تعلي من المبادئ الدستورية في الحرية والمساواة بين البشر دون تمييز علي أساس من الدين أو العقيدة أو أي سبب آخر.
المسألة بالتأكيد تبدو أكثر تعقيدا مما تبدو, ولكن حكم المحكمة ببطلان نتيجة الاستفتاء اعتبر انتصارا للحريات وحقوق الإنسان, ومن ثم فإن إضافة ما يتعلق بالديانات الأخري إلي المادة الثانية من الدستور خلال المناقشات الجارية حول الدستور المصري فيه الكثير من الحكمة وتأكيد للمبادئ الدستورية الأصيلة