(01-25-2012, 01:25 AM)jafar_ali60 كتب: اقرأ عن الحياة السياسية في سوريا قبل البعث واقرا عن العراق قبل البعث وعن مصر قبل المدمر عبدالناصر
هاهاهاها ... عن جد عم تحكي ؟ فكرك يعني انا لسه ما قريت شي من هذا التاريخ "المجيد" قبل مجيء العسكر؟
...
يبدو بأن التاريخ "فلتر أخو شلكة" لجميع المآسي، فكل منا يحن إلى أيام طفولته وشبابه حتى لو كانت هذه أيام سوداء. والشعوب مثل الأشخاص تنسى آلامها بعد حين وتتوق إلى نماذج بالية.
"عبدالناصر" لم يكن أول ديكتاتور ولا آخر ديكتاتور، ولكنه كان حلقة مميزة لأنه كان مشروعاً مميزاً لو قدُر له النجاح لقلب الطاولة على رؤوس الجميع، من عشائر ومشيخات وملوك وإخونجية وجميع الراجعين إلى الخلف بالإضافة لإسرائيل والغرب. ولكنه فشل، وساعدت هذه الإطراف جميعها على إفشاله بالإضافة إلى أخطاء نظامه التي لا تغتفر.
"عبدالناصر" لم يكن أول ديكتاتور ، فلقد كان قبله "حسني الزعيم، والحناوي، والشيشكلي" في سوريا، ورأينا قبلها بسنوات انقلاباً عسكرياً في العراق (رشيد عالي الكيلاني) مؤيداً لألمانيا النازية، ثم جاء في عصر عبدالناصر وبعده الذين نعرفهم. (هذه الجملة التي قالها للقذافي بالمناسبة لأنه توسم فيه خيراً ولم يكن مضى على ثورة الأهبل أكثر من بضعة شهور، ولم يعش عبدالناصر أكثر من سنة بعد وصول القذافي إلى السلطة).
عبدالناصر "ابن مرحلته"، ومرحلته كانت تقدم المعسكر الشرقي الاشتراكي الديكتاتوري بعجره وبجره وتراجع الدول الغربية. شو نسيت يا سندي؟ شو نسيت أنه عصر حركات التحرر من الاستعمار والأحلام الوردية للعالم الثالث والنموذج الشيوعي الذي سطا على نصف العالم بالإضافة إلى الصين؟ هل نسيت يا رجل قوة الأحزاب الشيوعية في عقر دار الدول الغربية وتهديدها لألمانيا وفرنسا وإيطاليا عبر حصد 30 % وأكثر من أصوات الناخبين؟ هل تتصور أن "فرانسوا ميتيران" كان يتحدث عن "صراع الطبقات" سنة 1972 في فرنسا، بعدما كانت هذه الأخيرة على قاب قوسين أو أدنى سنة 1968 من التحول إلى الاشتراكية؟ وبعد كل هذا أنت تريد من "عبدالناصر"، مؤسس مؤتمر "باندونج" أن يقتنع بالنموذج الديمقراطي الغربي والحياة النيابية؟ لماذا؟ "علشان خاطر عيون بهية" أيام الاحتلال الانجليزي وحكم الباشوات "والنمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية " اللي مقطعا بعضها" في تلك الأيام الغبراء؟ هل تعرف حقاً أي معاناة كان يعانيها "الفلاح والعامل المصري" قبل عبدالناصر أم أنك مشغول فقط "بالديمقراطية والديكتاتورية" حسب مفهومنا لها اليوم وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي؟
عبدالناصر ابن مرحلته إذاً ولا تستطيع أن تحاكمه بعد انهيار النموذج الاشتراكي السوفياتي ووقوف الديمقراطية الغربية، التي كنا نحسبها "رجعية" وقتها، وحيدة في الساحة. لذلك، دعك من المزاودات. فلو كنت أنت مكان عبدالناصر في تلك الفترة لضربت أخماسك بأسداسك بالنسبة للقفزات النوعية التي حققتها الاشتراكية في الدول النامية ولعميت عليك الرؤية، ولكن اخترت النموذج الاشتراكي بالضرورة. فهل يلام عبدالناصر؟ وبالمناسبة، حقق الاقتصاد المصري منذ منتصف الخمسينيات حتى منتصف الستينيات نمواً نموذجياً وقفزات عالية أستطيع أن أعطيك إحصائياتها لو أردت يوماً ما (مع وعد بأن لا أقتبس "هيكل"
).
في أيام "عبدالناصر"، الديمقراطية كانت تعني "استغلال العمال ومص دماء الشعب على يد بعض أبناء دراكولا من البرجوازيين"، والديمقراطية حتى اليوم ليست "النظام المثالي" ولكنها "أحسن جنس عاطل" من الأنظمة السياسية التي بلوناها. لذلك فلا تثريب على عبدالناصر في اختيار النموذج الاشتراكي، ولا تثريب عليه في نزوعه نحو الديكتاتورية وقتها. وكون أن "عبدالناصر" حمل هماً قومياً وحاول مشروعاً من خلال نموذج معين لا يلزم الآخرين أبداً بالسير على خطاه، لذلك فمن الافتئات على الحقيقة وعلى التاريخ مهاجمته من هذا الباب.
الآن، ماذا كانت مصر، بالله عليك، قبل "عبدالناصر" بل ماذا كانت "سوريا" قبل البعث؟
ما رأيك أنت أن تراجع كتب التاريخ وتحاول أن تنظر إلى الأمور نظرة موضوعية وألا تقيس بمقياس "الديمقراطية" الفاسد، فهذا مقياس لا ينفع "تاريخياً" في مرحلة يتقدم بها "النموذج الاشتراكي" ويعلو ولا يعلى عليه. يا زلمه حتى "ميخائيل نعيمة" الذي لم يتدخل بالسياسة مرة كان واضحاً لديه في الخمسينيات أن النموذج السوفياتي سوف يكتسح الغرب.
طيب، إذا كان "عبدالناصر" قد اختار النموذج الاشتراكي بعد أن قرف من "الحياة النيابية الارستقراطية المصرية" (التي أوصلت مصر إلى الحضيض وانتهت حقبتها بحريق القاهرة) ، فماذا كان أمامه كي يختار؟ نموذج الدولة السعودية الوهابية أم النموذج "الأردني"؟ وهل تظن أن "عبدالناصر" كان يستطيع أن يحكم دولة مثل "مصر" التي بدأت فيها نهضة مميزة منذ "محمد علي" في أوائل القرن التاسع عشر بمثل ما يحكم "آل سعود" أو "طويل العمر تبعكم" دولته؟
هجومك على "عبدالناصر" إذاً غير مبرر لو أردت توخي الموضوعية. ، وكمان سؤال يبين هذا، إذا كان "عبدالناصر وديكتاتورية العسكر" هي من أوصلت "مصر" اليوم إلى هذه الحالة المزرية - كما تقول - فما الذي يجعل "الأردن" يتحرك شعبياً ويملك أمره عليه "الإخوان المسلمون" بمظاهرات كثيرة حاشدة حتى اليوم؟ وما الذي يجعل "المغرب" يتحرك أيضاً؟ وما الذي جعل "البحرين" تهيج على حكامها ولو كانت البحرين أكبر بقليل حجماً "لطار طويل العمر" " بدون ما يسمي عليه حدا"؟
بجد، ما الذي جعل الأصولية الدينية تجتاح منطقتنا دون تمييز بين أنظمة "عشائرية" أو أنظمة "عسكرية"؟ عبدالناصر ؟
.. أكيد لا .. خيّط بغير مسلة "الإخوان المسلمين " و"أيتام ابن ست البرين" وخليفته المخلوع إلى يوم الدين، واعذرني لو حمي وطيس الحوار فأنت خير العاذرين ...
بقي ما يخصني أنا العبد الفقير إلى شفتي "نتالي" وصدر "ماري-جو"، واتساقي مع ذاتي. فاعلم يا طويل العمر بأنني اعتبر "عبدالناصر" زعيماً كبيراً حاول أمراً عظيماً وفشل فيه. أخطأ بلا شك ولكنه معذور في كثير من أخطائه، اما حيث لا أعذره فهو قد دفع ثمنه على كل حال. و"الديكتاتورية" التي أعذر "عبدالناصر" عليها في زمانه نظراً لطبيعة المرحلة التاريخية التي عاشها، لا أريدها اليوم وأعتبرها نموذجاً غير ناجح بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية. لذلك فإنني عندما أريد قلب الكراسي على رؤوس أصحابها فأنا متسق مع ذاتي جداً. فبالنسبة لي اليوم، النموذج الوحيد الباقي هو النموذج الديمقراطي - مع نزعة اشتراكية بالتأكيد - رغم جميع مخاطره وعدم نجاعته في كثير من البلدان - بالمناسبة -. لذلك فمن الضروري تقويض حكم الطغاة والسير على هذا النهج دون أن أحاسب "المستبدين العادلين" في التاريخ. هنا أيضاً يكمن الفرق بيني - وبين كل من يرى رأيي - وبين الإسلامويين: فأنا أحترم وأحب عبدالناصر وأقدر تجربته - رغم فشلها - ولكني لا أريد استنساخها لعقمها (الذي تبين لنا لاحقاً). بينما الإسلامويون يريدون استنساخ "دولة الرسول في المدينة" وهذا حديث آخر.
همسة (على راي الملكة): هل انتبهت أنك بتفضيلك اختيار "أهون الشرين" فإنك تقف مع "دوام نظام الأسد" في سوريا؟ فالذين يخدمون هذا النظام هم "المنحبكجية" والذين يخافون أن يكونوا مع الثورة حتى لو كانوا يخافون على البلد. وبالمناسبة، للأسف، ليس هناك من مجال اليوم الوقوف على الحياد في سوريا، فإما أن تكون مع النظام أو أن تكون ضده. وكل من ليس ضد النظام ويعمل على اسقاطه فهو بالضرورة معه حتى لو كان يكرهه.
واسلم لي
العلماني