أصبح مشكلتك مع إبراهيم نفسه يا علماني،

علماني، لا يضيرني شخصيا، بل لا يضير الإسلام كفكرة ونظام حياة عداؤك له ورغبتك في تدجينه، لكني أرجو منك أن تمعن النظر فيما تريد هدمه، وتفهمه كما هو فعلا لا كما تتصوره أنت أو تريد له أن يكون…

مشكلة حقيقة ورثها بعض العرب عن ماركس ولم يمحصوا بها أو يرعوها حق الرعاية، وهي الحتمية التاريخية، وأن التاريخ خط مستقيم، وكل جديد فيه حسن وكل قديم بالضرورة سيء. هذا أورث بعضهم انغلاقا على نفسه ورؤية بعيني غيره.

المشكلة يا علماني ليس في القديم والجديد، ولا في أحكام النظام السياسي وقانون العقوبات والنظام الاقتصادي الإسلامي، ولا في أحكام العقود والمعاملات ونظام الأسرة، المشكلة تقبع عميقا في الأساس الذي يقوم عليه الإسلام، ومنه اشتق اسمه.

الإسلام بقضه وقضيضه يقوم على الإيمان بالخالق المدبر، وأنت ترى أن أمر الخالق محال اثباته، والبحث فيه ترف ونوع من العبث، وكونه مدبر هو هرطقة لا تقبلها نفسك ولا يستسيغها رأيك، فكيف سترضى عن فروع الأمر ما دمت في الأصل مخالف؟

حين أرشدتك إلى ما أرشدتك إليه من كتب، ما كان غرضي أن تتشيع تبعا لمحمد باقر الصدر أو أن تصير تحريريا تبعا لتقي الدين النبهاني معاذ الله، ولا أرجو إسلامك بحال لأن مرجع ذلك ليس لي، أرشدتك إلى ما أرشدتك إليه لأني أراك كحاطب ليل تخبط عشواء وتنعى على الناس أشياء، لا تنصف فيها ولا يسمعك منا إلا رهطك، فساءني هذا لنا ولك، ورغبت أن يكون من هو مثلك خصم يدفع للتفكير، لا خصم تقليدي يكرر محفوظات الخمسينات والستينات التي جلبت جمهورا لها في وقتها ثم ملتها الناس وكرهتها وانصرفت لغيرها.

والكتابان الذان ذكرت لك، قد يكونان مناسبين للفترة الزمنية هذه، لا سيما من شهدوا الصراع الفكري الحاد بين الإشتراكية والإسلام في الخمسينات والستينات وأوائل السبعينات، فمنهما تعرف أين نختلف، ولم نرى أن الخالق المدبر حقيقة لا فكرة، وكيف يتبع ذلك تولد أفكار ومفاهيم وأحكام ومقاييس ومعاير تباين التي لك ولا تنطبق على ما ترى، وقد تدرك حينئذ أن الشيء لا يشبه الشيء، والإسلام على امتداده لا يشبه مسيحية القرون الوسطى ولا يدخل معها ولا يخرج، ولعلك حين تعرف خصمك تمام المعرفة وتدركه خير إدراك، وتخرج نفسك من ثنائية تنميط الاستغرابي السلفي، وتتوقف عن الاستشهاد بكتب القصّاص وأغاليط المستشرقين وأراجيف المستغربين، حينها قد تجد طريقة مبتكرة لترويض الإسلام وتنجح في ما فشل عنه الأولون والآخرون، وحينئذ قد تجدنا على آثارك مقتفون.