تطالعنا الصحف اليوم بأخبار رفع دعاوي على عادل امام وسايروس، ومن قبلهم على نصر حامد ابو زيد وطه حسين. والان تأتي اخبار الانتهاكات الجديدة من السعودية ضد الشاب الشاعر الحالم حمزة الكاشغري، ليحاط بثلة من الكلاب العاوية، في ذات الوقت الذي يطلق سراح اخر قضى شبابه في السجون الوهابية.. وهذا غيض من فيض، وقمة جبل ثلج.
لماذا تطغى هذه السلوكيات، وتصعد حتى الى اجهزة الدول. من سيدفع ثمن هذه الانتهاكات، وكيف ستؤدي هذه الاعمال الى دفع الانسان لاحترام الاسلام؟
عندما يتحول الاسلام الى سوط، هل يجوز ان نلوم الضحية على شتم الاسلام ام الجاني؟
ومع ذلك نرى صمتا مطبقا وتواطئ، الايعني ذلك ان الجميع يتحملوا مسؤولية رفع الحصانة عن الاسلام، ولااحد له الحق بالادعاء ان الانتهاكات فردية لايتحمل مسؤوليتها الاسلام، فإحترام المعتقدات لايمكن ان يكون من طرف واحد فقط..
لنقرأ معا جانب من المصيبة:
بحّة الدم: ليش دفاعاً عن حمزة كاشغري
أحمد عدنان - الأخبار اللبنانية – 13 فبراير 2012
أعلن وزير الثقافة والإعلام في المملكة العربية السعودية د. عبدالعزيز خوجة أنه بكى وغضب حين قرأ تغريدات المدون حمزة كاشغري في (تويتر) التي أساءت للرسول الأعظم، كما أصدر قرارا بإيقافه عن الكتابة في كل المطبوعات السعودية. من جهته، أمر العاهل السعودي بالقبض على (كاشغري) وتقديمه للمحاكمة، لكن (كاشغري) كان قد غادر البلاد. ماذا جرى؟! وماذا سيجري؟!.
في السادس من فبراير (شباط) 2012 كتب المدون حمزة كاشغري (23 سنة) في (تويتر) – بمناسبة المولد النبوي الشريف – التغريدات التالية:
- في يوم مولدك سأقول أنني أحببت الثائر فيك، لطالما كان ملهما لي، وانني لم أحب هالات القداسة، لن أصلي عليك.
- في يوم مولدك أجدك في وجهي أينما اتجهت، سأقول أنني أحببت أشياء فيك، وكرهت أشياء.. ولم أفهم الكثير من الأشياء.
- في يوم مولدك، لن أنحني لك، لن أقبل يديك، سأصافحك مصافحة الند للند، وابتسم لم كما تبتسم لي، وأتحدث معك كصديق فحسب.. ليس أكثر.
وبعدها ساعات، كتب (كاشغري) في (تويتر) أيضاً:
- حذفت التغريدات المسيئة لأني بعدما راجعت اخوة فضلاء تبينت أنها تحمل معاني مسيئة – وحاشاه – لمقام النبي عليه الصلاة والسلام ولا أرضى أن يفهم منها ذلك.
- لو أني فهمت مما كتبت ذات الذي فهمه الآخرون لكنت وقفت في صفهم ضدي! وهل يسكت أحد عن الإساءة لنبيه عليه الصلاة والسلام؟!.
- إلهي، ألجأ من نفسي ومنهم إليك! آمنت بمطلق عفوك ومطلق رحمتك ومطلق لطفك.
- يشهد الله خلو قلبي من كل قصد للإساءة .. أنا لم أسب نبيي عليه الصلاة والسلام، وإنما أسأت في المخاطبة إساءة أعتذر عنها وأسأل الله العفو.
- يا سادة.. أنا مسلم لم أشهد يوما بغير لا إله إلا الله محمد رسول الله. وحاشا أن أتعرض لمقام النبي. أخطأت في التعبير وأستغفر الله عن خطئي.
- أما إذا كشف لأحدكم عما في صدري فلكم رقبتي وقتئذ.. أنا ما أضمرت إلا حبا وإيمانا وأستغفر الله من لساني وأتوب إليه.
لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل عاد (كاشغري) وأصدر بيانا فيما يلي نصه:
أٌقر و أعترف أن كل ما وقعت فيه من انحراف في الأفكار وفي الأقوال، أو فساد في التعبيرات هو من قبيل الشبهات والشكوك التي أثرت علي وعلى عقلي فاتبعتها عن ضعف فأبعدتني عن الصراط المستقيم.. والحمد لله الذي يسر لي من أهلي وإخواني ومشائخي الذين أدين لهم بالفضل من يرشدني إلى الصواب و يدلني عليه، بالكلمة والموعظة الحسنة، وغفر الله لمن اشتد في القول وكان دافعه الغيرة على دين الله، وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابين.. و أنا أعلن توبتي وانسلاخي من كل الأفكار الضالة التي تأثرت بها فأنتجت بعض العبارات التي أتبرأ منها وأعوذ من أن ألقى الله عليها. وأعلن توبتي وتمسكي بالشهادتين، أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، عليها أحيا وعليها أموت وعليها أبعث إن شاء الله. اللهم تقبل توبتي. وإني أرجوكم ألا تعينوا الشيطان علي.. فإن المؤمن ضعيف بنفسه، كثير بإخوانه ..أما رسول الله الأكرم، الذي أرجو أن أسير على سيرته في الدنيا، وأن أنال شفاعته في الآخرة، فإن عقيدتي فيه هي قوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) وعقيدتي فيه قوله تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتُّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) وعقيدتي فيه قوله تعالى: (و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى) وعقيدتي فيه قوله تعالى: (و إنك لعلى خلق عظيم ). وعقيدتي في حبه هي قوله لعمر: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وماله والناس أجمعين. وما بدر مني من كلام خلاف ذلك فهو حالات نفسية شعورية اخطأت في وصفها وكتابتها وأرجو أن يغفرها الله لي، لكنها لا تمثل حقيقة عقيدتي في النبي التي هي تبع لما جاء به السلف الصالح عن نبينا عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
لم ألتق يوماً حمزة كاشغري ولم أتواصل معه. لقد استأت حين قرأت تغريداته الأولى لأنني أحكم على الظواهر، لكن تغريداته المعتذرة – التي تلت – ضمدت استيائي، لأنني لا أستطيع – أيضاً – إلا أن أحكم على الظواهر. لست نبياً مرسلاً أو ملاكاً منزلاً أو إلها أعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. لكن ما يجري في السعودية هذه الأيام، يدل على أن فئة كبيرة منا ترى نفسها في مقام الآلهة والملائكة والأنبياء.
إن حملة الغضب على التغريدات الأولى لـ (كاشغري) يمكن أن تحترم لو اقتصرت على المطالبة بالتحقيق والتأديب، لكن الذي يجري لا علاقة له بالغضب والغيرة على الدين. إنني لا أسمع ولا أرى إلا سيف الانتقام وصوت الدم!.
إهانة المعتقدات والمقدسات لا علاقة لها بالحريات، وإشهار سيف القتل لا علاقة له بالدفاع عن المقدسات والمعتقدات إلا في حالة الحرب. الغريب، أن المطالبة بالقتل لم نسمعها حين قال د.طارق الحبيب قبل أشهر – على الهواء – أن شخصية النبي ناقصة، لعل ذلك بسبب خطه الإسلاموي، وربما هناك أسباب أخرى لا يجوز ذكرها!.
بعد أن أمر الملك بالقبض على (كاشغري) ومحاكمته انبرت الأقلام مطالبة بملاحقة مدون آخر هو أيمن الجعفري، بالإضافة إلى المفكر والروائي تركي الحمد، وارتفع صوت يطالب بتطهير الصحافة والإعلام من أمثالهم!. قبل ذلك، كتب الأمير عبدالعزيز بن فهد تغريدة عنصرية ضد (كاشغري) يصفه بأنه ليس من البلاد، على غرار عنصريته في تغريدات سابقة ضد الشيعة حين وصفهم بـ "*******". وقال أحد الدعاة – وغيره كثر – بأن توبة (كشغري) غير مقبولة – في اقتحام مفضوح للنوايا – بذريعة أنه أعلنها خوفا من الناس!، ومن تفضل من العوام بقبول توبة (كشغري) قال بأنها تخصه في الآخرة، أما في الدنيا فلا بد من محاكمته وتطبيق حد الردة عليه. هنا لا بد من الإشارة إلى بعض "نافخي الكير" الذين تداخلوا في القضية: الداعية ناصر العمر، هو مؤلف بحث (واقع ******* في بلاد التوحيد) الذي طالب فيه بتعقيم الشيعة لمنع تكاثرهم وتناسلهم!، هو أحد من يتصدر معاداة ابتعاث الطلبة السعوديين إلى الخارج، هو أحد من اتهم وزير التربية والتعليم بمخالفة الاتفاق بين الإمام محمد بن سعود وبين الشيخ محمد بن عبدالوهاب والعمل ضد الكتاب والسنة لعمله على إصلاح التعليم. شخص آخر هو (مجتهد): أحد المدونين في (تويتر)، أثار المشهد الإلكتروني في السعودية بسبب تغريداته التي نالت من شخصيات سياسية بارزة داخل الأسرة الحاكمة وخارجها، قال في (تويتر) أن الديوان الملكي سيقوم بتهريب حمزة كشغري إلى خارج البلاد وحمايته لأن بعض من يعملون في الديوان الملكي "علمانيين وتغريبيين"!.
حمزة كشغري قرر طلب اللجوء السياسي من نيوزلندا، وفي طريقه إلى هناك احتجزته السلطات الماليزية بنية تسليمه إلى السلطات السعودية. احتجاز السلطات الماليزية غير قانوني، لا توجد اتفاقية أمنية بين المملكة وماليزيا، وقضية حمزة لا دخل للانتربول بها.
في اليوم الذي أمر فيه الملك بالقبض على (كاشغري) ومحاكمته، أصدر عفوا بحق السجين هادي آل مطيف (وكأن الزنزانة لا تحتمل إلا سجيناً واحداً)!، وهو مواطن من أبناء نجران سجن قبل نحو 20 سنة – وهو قاصر – بسبب قضية مشابهة لقضية (كاشغري) قبل عصر الفضائيات والإنترنت (تحقير الذات النبوية)، صدر بحقه حكم الإعدام عام 1996 ولم ينفذ الحكم، وانتظر طوال هذه السنوات حتى يصدر بحقه عفو يستحقه، هل يفترض أن ينتظر (كشغري) 20 سنة كي تقبل توبته ويرحب باعتذاره؟!. لا لوم – أبداً – على (كشغري) في قراره ووجهته. الطريف ما نشرته بعض الصحف بأن (كاشغري) نسق هروبه مع ضابط إسرائيلي، بقي أن يكون لـ (كاشغري) ضلوع في في اغتيال رفيق الحريري و اغتيال جون كيندي ومشكلة الاحتباس الحراري!. (ثمة معلومة غير مؤكدة – طريفة ومؤلمة – بأن السلطات الماليزية احتجزت "كاشغري" بتهمة التورط في ملف الإرهاب بالسعودية!).
في قضية (كشغري) بدا صوت العقل والحكمة – في المملكة – خافتا ومشبوها.فمن يطالب بقبول التوبة يصبح عدواً لله ورسوله، ومن يصدق أن (كاشغري) - كما قال - لم يحسن التعبير فهو مرتد. إن المطالبة بمسامحة (كشغري) ليست انحيازا للإساءة إلى الرسول الأعظم، هي انحياز لاعتذار (كشغري) وتوضيحه. إن رفض قتل حمزة كشغري – وتجريم الدعوة إلى ذلك – لا تعني تشجيع الانتقاص من مقام النبي الكريم، بل تعني أننا رأينا في النبي صورة الرحمة والأمل لا صورة القتل واليأس. إذا لم تكن تكن قضية (كشغري) تتعلق بحرية الرأي والتعبير، فإنها أصبحت كذلك حين استغلت من بعض الإسلامويين كذريعة للانقضاض على حرية الرأي والتعبير وتصفية حسابات فكرية وسياسية.
المطلوب من القيادة السعودية – بما أنها أقحمت نفسها في هذا الامر – أحد قرارين، إما السماح لـ (كشغري) بالذهاب إلى الجهة التي يريد، وحينها يتأكد صدق توبته من كذبها، وفي حال كذبها لن تجد من يتعاطف مع (كشغري)، أو أن يكون قرار القيادة بإعادة (كشغري) للبلاد مقدمة لقبول رسمي لاعتذاره وتوبته. السلطات الماليزية تقف موقفاً انتهازياً رخيصاً لا بد أن تلام عليه حتى ترجع عنه.
وفقا للظاهر، فإن حمزة – بناءً على كلامه – أخطأ في التعبير واعتذر، ووفقا للظاهر – أيضاً – فإن بعض من هاجم حمزة أساء للنبي أكثر حين استغل القضية منبراً لإبراز خطاب عنصري وإشعال فتيل الدم والانتقام وإحياء محاكم التفتيش بمحاسبة النوايا والانقضاض على الرأي الآخر!.
إنني أتعجب – حقيقة – من تلك المزايدة على الآخرين في محبة الرسول الأعظم!. في يوم المولد النبوي قام مفتي المملكة بالتأكيد على أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي بدعة وضلالة، ولم يبق أثر نبوي – تقريبا – في المملكة إلا تعرض للهدم والتدمير بذريعة البدعة والشرك، في حين أن الآثار المتعلقة بالدولة السعودية لا يمسها أحد وتنال كل احترام وتقدير. إنني لا أعترض على توقير آثار الدولة السعودية، لكنني أعترض على طمس آثار سيد البشر، وأتعجب من تناقض الخطاب الديني السعودي (التقليدي) في التمييز بين الآثار!.
إنني أتساءل – متألماً – من أساء لأشرف الخلق؟! تغريدات حمزة كشغري أم من أظهر الإسلام في مظهر المعادي لحقوق المرأة؟! تغريدات حمزة كشغري أم من أظهر الإسلام في ثوب الدين المشرع للاستبداد والمناصر له؟! تغريدات حمزة كشغري أم تلك الفتاوى التي تتصدى لمشاريع التنمية والإصلاح؟! تغريدات حمزة كشغري أم الفتاوى المناهضة للديمقراطية وحقوق الإنسان والخطاب السياسي الذي يجافي تلك القيم؟! تغريدات حمزة كشغري أم ذلك الخطاب الديني الرديء الذي يبارك العنصرية والطائفية ويقمع حرية التعبير ويؤجج الكراهية إزاء الآخر؟!. إن جهود المفكرين والمثقفين السعوديين تستهلك أغلبها في معالجة التشويه الذي ألحقه التيار الديني السعودي (التقليدي) بالإسلام!.
ما أصبحت أراه من مشاركات بعض السعوديين في (تويتر) مثير للفزع – على افتراض أن (كاشغري) تعمد الإساءة ولم يخطئ في التعبير ثم تاب واعتذر – نقول عاملوا (كاشغري) كما عامل الرسول الأعظم كعب بن زهير وسهيل بن عمرو وأبو سفيان بن الحارث الذين أساؤوا له فسامحهم واستمالهم فظهر كل الخير منهم، فلا يسمع أحد، نقول أن الرسول الأعظم قال حين عرض جبريل عليه عقاب أهل الطائف الذين نكلوا به "بل أرجو أن يخرج الله من بين أصلابهم من يعبد الله وحده"، فلا يسمع أحد، نقول تأسوا بسيرة النبي العطرة في العفو والصفح والخلق العظيم، فلا يسمع أحد، نقوا أن (كاشغري) اعتذر وتاب وبقي أن يصلح اقتداءً بالآية الكريمة "فمن تاب بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه"، فلا يسمع أحد. نقول إننا رأينا في رسول الله نبيا للرحمة والتسامح، فيردون – بما معناه – أنهم رأووا فيه نبيا للدم والغلظة. ووصل الأمر إلى اتهام وزير الثقافة والإعلام – في نواياه ودينه هو الآخر – بأنه أوقف (كاشغري) اتقاءً لغضب الناس وليس غيرة على الدين ونبيه!. بعض الناس يملأ فمها التراب، والبعض الآخر لا تمتلئ أفواههم إلا بالرؤوس المقطوعة!. وكأننا لم نجن من سياساتنا الثقافية والإعلامية والتعليمية – خلال العقود الماضية – إلا "تبهيم" المجتمع حين ينتفض بسبب أزمة كرة قدم أو زلة تعبير مدججا بأمراضه الإقصائية، وفي المقابل، يصمت على انتهاك الحقوق والحريات، بل وينقض على دعاة الحريات والحقوق انقضاضه على الخونة!.
إنني لا أتمنى عودة (كاشغري) إلى البلاد إذا كان مصيره القتل المباشر أو القتل غير المباشر كهادي آل مطيف الذي ضاع شبابه – مظلوما – بين جدران السجن. لقد تم تسييس القضية وألبس الباطل ثوب الحق. "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
http://a-adnan.info/?p=267